|
الدكتور عادل العوا.. قامة فلسفية وفكرية
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 8219 - 2025 / 1 / 11 - 11:34
المحور:
سيرة ذاتية
عادل العوا من كبار أساتذة الفلسفة في العالم العربي، ويُعد من مشاهير الفلسفة الأخلاقية في العالم، ولد بدمشق عام 1921 ودرس في المدارس الحكومية وحصل على شهادة البكالوريا (الثانوية) السورية (فلسفة) عام 1938. سافر في عام 1938 إلى فرنسا ودرس في كلية الآداب بجامعة (السربون)، وحصل على درجة الليسانس والدكتوراة من جامعة باريس (آداب - فلسفة) في عام 1945. عاد إلى سورية وبدأ حياته العلمية بالتدريس في المدارس الثانوية وفي دار المعلمين بدمشق حتى افتتحت كلية الآداب والمعهد العالي للمعلمين في جامعة دمشق سنة 1946، فسُمي فيها أستاذًا وكُلّف إدارة المعهد العالي للمعلمين في الجامعة حتى عام 1949، إذ سُمي أستاذًا في كلية الآداب ورأس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية منذ ذلك الحين إلى عام 1990. أسهم في أعمال اللجنة الثقافية العربية لجامعة الدول العربية، وهو عضو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ومقرر لجنة الترجمة والتبادل الثقافي عن القطر السوري. حاضر في الجامعات الأردنية واللبنانية والجزائرية، وفي جامعة هلسنكي بوصفه أستاذًا زائرًا، كما حاضر في جامعتي الكويت واليرموك. ما ذكرناه نبذة مختصرة عن حياته الأكاديمية أشار إليها الموقع «اكتشف سورية». يقول الدكتور عزت السيد أحمد في دراسته عن فلسفة العوا: «إن أول ما تجدر الإشارة إليه في تآليف الأستاذ الدكتور عادل العوا هو تلك الروح الموضوعية الحقيقية التي تبدو جلية في كتاباته، والأمانة في نقل أفكاره وآراء المدارس والاتجاهات الفلسفية المختلفة، دون تعصب لرأي أو اتجاه، وهذه صفة قل أن تجدها لدى كثير من الباحثين الذين يجنحون بدوافع شعورية أو لا شعورية إلى قراءة أفكار الآخرين بما يتفق وميولهم وأهواءهم، وقل وندر ما تكون مثل هذه القراءة صحيحة، وبقدر تعصب الباحث لاتجاهه الفلسفي يكون فهمه للآخرين أبعد عن الحق والصواب». ثانيًا: لم يُعنَ العوا بمختلف قضايا الفكر تأليفًا، وفي معظم ترجماته -وإن كانت تشغل حيزًا واسعًا من ثقافته-؛ لأنه صرف كامل جهده وعنايته للمسألة الأخلاقية، وكل ما يتصل بها أو يتشعب عنها، أملاً في إرساء دعائم فلسفة أخلاقية كاملة متكاملة، أو في إقامة علم أخلاقي مستقل، ولكن غير منفصل عن الفلسفة، إذ يرى أن الأخلاق من المباحث الفلسفية الأصيلة، ومهما تطورت وتعاظمت فإنها ستظل في حضن الفلسفة الرؤوم، لذلك فهو ينتقد أولئك الذين يدعون إلى إقامة علم للأخلاق مستقل عن الفلسفة على غرار علم النفس وعلم الاجتماع، مثل الفيلسوف الفرنسي «ليفي بريل» الذي دعا إلى تأسيس علم جديد هو علم العادات الأخلاقية. إن ما يريده العوا ليس علمًا مستقلاً للأخلاق على غرار العلوم التي نالت استقلالها عن الفلسفة،وإنما علم، أو لنقل نظرية متكاملة للأخلاق تتناولها جملة وتفصيلاً، بكل صلاتها وتفرعاتها وأساليب تناولها ومعالجتها. ثالثًا: إن ما قدمه الأستاذ العوا على هذا الصعيد جهد كبير يستحق عليه الشكر، ولاسيما أن أحدًا في الوطن العربي على الأقل لم يقدم أو أقل منه قليلاً، ومن تقليب صفحات هذه المؤلفات نستطيع القول بصورة أولية إنه قدم لنا نظرية كاملة عن الأخلاق، عالجت مختلف المعاني الأخلاقية ومتباينات النشاط الأخلاقي، غير مكتف بعرض آراء الفلسفة وأفكارهم على اختلاف انتماءاتهم الزمنية والمكانية والفكرية. رابعًا: لقد حاول الأستاذ العوا من خلال ما قدمه أن يقارب بين النظر والعمل، ويمحو الفارق الزائف المصطنع بينهما، وليزيل بالتالي التقاطب الماثل بين الأخلاق النظرية والأخلاق العملية، لأن الأخلاق هي السلوك أو الفاعلية الواقعية للأفراد، والفلسفة الأخلاقية تهدف إلى دراسة هذا السلوك أو الفاعلية البشرية كشفًا عن العلل والمبادئ، ولذلك نستطيع أن نسمي النظرية الأخلاقية التي قدمها الفيلسوف العوا بنظرية التجربة الأخلاقية، أو الأخلاق المشخصة كما يحلو له أن يسميها في كتابه القيمة الأخلاقية، هذه النظرية التي تشرئب إلى تنظيم التجربة البشرية تنظيمًا متآلفًا ومنسجمًا مع غائية شاملة. ولذلك انتقد الأستاذ العوا الآراء التي تعمق الشرخ بين الأخلاق النظرية والأخلاق العملية، وتعمق الهوة بين الأخلاق والواقع المعاش للإنسان. سعى العوا إلى نشر رسالته الثقافية والفكرية التنويرية، فهو كما كتب معين العماطوري فيلسوف الأخلاق بامتياز. عني بفلسفة الأخلاق ومنظومة القيم، والدور الذي تلعبه هذه الفلسفة في حياة الإنسان والمجتمع. وينقل لنا العماطوري عن الدكتور «ياسر مراد» المدرس في جامعة دمشق قسم الفلسفة، لقد ميز العوا بين نظرتين للأخلاق: النظرة الأزدرائية التي ترى عدم وجود أي تأثير للأخلاق في حياة الإنسان ولا في توجيه شؤونه، والحياة الإنسانية، أو صح التعبير وقائع الحياة الإنسانية، تجري وفق قوانين تحدد سيرها، في حين أن النظرة الإيجابية ترى أن الأخلاق تنطلق من الواقع الإنساني المعاش، وهي تعي الواقع وتعي إمكانات تغيير الواقع نحو الأفضل، وهي تؤمن بأن الإنسان يمتلك الإرادة في توجيه مصيره ومستقبله، وهو صانع قدره بنفسه، ومسؤول عما يفعل. وبالتالي فالحياة ليست قدرًا مفروضًا على الإنسان، وإنما فضاء من الإمكانات يتمكن الإنسان من خلالها -اعتمادًا على الحرية- من المساهمة في تكوين مصيره الفردي ومصيره الجمعي. أما عن دور المرأة في بناء المجتمع، فقد نوه الدكتور ياسر مراد إلى أن للدكتور العوا رأيًا فيما يتعلق برسالة المرأة ودورها في المجتمع. يقول مراد قد يعتقد البعض أن موضوع المرأة والمدافعة عن حقوقها والدعوة إلى إثبات كيانها إنما أصبح موضوعًا مطروقًا بشكل كبير، إلا أن الآراء التي سوف نضيء عليها هنا طرحها الأستاذ العوا في بداية الخمسينيات، في الفترة التي كانت المرأة ما زالت تكافح في سبيل الخروج من عزلة المنزل لتأخذ دورها في بناء المجتمع إلى جانب دورها المهم في بناء الأسرة؛ لذا فإن أهمية هذه الأفكار تنبع من السياق الذي طُرحت فيه في تلك الفترة، كما أنها تُعبّر آنذاك عن رؤية مستقبلية تخص موضوع حرية المرأة وعملها ودورها في بناء المجتمع. وضمن هذا السياق يبيّن العوا أن المرأة عنصر بشري فعَّال في الكيان الإنساني، وعملها مكمل الرجل، ورسالتها لا تختلف عن رسالته، فمن الناحية الاجتماعية فإن كليهما يعمل من أجل مصلحة الأمة والبلاد، كما أنهما يمتلكان الحقوق ذاتها وتترتب عليهما واجبات المواطن ذاتها. وهذا يعتبر أصل المساواة الأخلاقية في الكرامة والحقوق. بالإضافة الى ذلك، فإن تقدم الأمة لتواكب الحضارة يتطلب تظافر جهود أبنائها كلّهم؛ لذلك يغدو عمل المرأة أمرًا ضروريًا، والعمل هنا لا ينحصر في مجال معيّن دون مجال آخر، وأنما تستطيع المرأة أن تدخل الميدان الذي يلائم طبيعتها وقدراتها. ما يميز الفكر العربي المعاصر هو استجابة للانفتاح العالمي من حيث سبل التواصل الثقافي، فهو فكر لا يتقوقع على نفسه، ويمثّل استجابة للكثير ما يتميز به الفكر الفلسفي العالمي. ضمن هذه الرؤية يبيّن العوا أن المعركه مع الغرب ليست قائمة على أسباب محض فكرية، وإنما تعود أيضًا لواقع العلاقة الاستعمارية، ويجب علينا ألا نحاول القطيعة مع هذا الغرب فكرًا، وأن ننطلق من ذواتنا من دون عُقَد، وهذا يدل على ضرورة وضع الفكر العربي ضمن الإطار العالمي، فالعرب لم يكونوا يومًا منقطعين أو منعزلين عن الثقافات الأخرى، أخذوا منها، وتفاعلوا معها. إذًا لا يمكن عزل الرسالة التي يقوم بها الفكر العربي عن الرسالة الحضارية الإنسانية، وفي هذه النقطة يجب علينا تجاوز الثنائيات التي من شأنها أن تأخذ طبيعة الصراع، فالفكر العربي ليس في حالة صراع مع الفكر الغربي، وإنما كلاهما يؤديان دورهما الحضاري الإنساني ويساهمان في الفكر الإنساني بما فيه خير البشرية جمعاء. أيضًا ضمن إطار العلاقة بين الفكر العربي والفكر الغربي، يتم الحديث في أغلب الأحيان عن الغزو الثقافي، ويرى الدكتور العوا أن هذا الرأي يُسمّى غزوًا لا يكون غزوًا إلا بقبول المغزو ما يأتيه من الخارج، فلو لم يقبل الإنسان الفكرة لما دخلت دماغه، ويقبلها حين يكون مستعدًا لها، وبالتالي فإن الأفكار التي تأتي من الخارج، وتأخذ صيغة الغزو، لن تلعب دورها الثقافي والأيديولوجي المطلوب منها إلا بوجود أرضية لها، وتقبّل فكري وروحي.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب وأسئلة الهوية
-
أمريكا: حدود الممكن إلى الانبعاث
-
أكاديمي صيني: بريكس لا ينبغي أن تكون منظمة مواجهة.. بل خيارً
...
-
المؤرخ والأديب أحمد أمين.. من رواد التنوير الإسلامي
-
فوز ترامب.. انتصار للشعبوية الأمريكية
-
وداعًا النقابي محمد المرباطي
-
سيد درويش... رائد الأغنية الوطنية
-
مأزق المشروع الحضاري العربي
-
العرب والفكر النقدي
-
قيم قابلة للتبديل بحسب الحاجة
-
المنهج النقدي عند محمد مندور
-
لماذا لا تزال أوروبا تدور في الفلك الأمريكي؟
-
الكتابة والحرية
-
هل تراجعت الهيمنة الأمريكية؟
-
يوسف سلامة.. فيلسوف العقل والتغيير
-
كتاب «وجهة نظر»
-
الدولة العميقة في الولايات المتحدة
-
المفكّر برهان غليون وحديث عن الطائفية
-
الدولة الفلسطينية والانقسام الأوروبي
-
الأنانية تقتل الليبرالية
المزيد.....
-
ماذا سيحدث لتطبيق -تيك توك- على جهازك إذا تم حظره؟ محللة توض
...
-
كوريا الجنوبية تكشف تفاصيل جديدة بشأن طائرة بوينغ المنكوبة
-
الرئيس اللبناني الجديد -يسير في حقل ألغام سياسي- - هآرتس
-
الاتحاد الأوروبي بدون محرك قبل تنصيب ترامب
-
تحذيرات من مخاطر تخفيف ميتا لسياسات التدقيق في المحتوى
-
شولتس يؤكد أن ألمانيا تقف عند مفترق طرق ويحذر من الانعطاف نح
...
-
تونس.. 50 ألف موظف بالقطاع الصحي الخاص ينفذون إضرابا يوم 23
...
-
السعودية.. إجراءات بحق 91 ألف مخالف و19 متسترا يواجهون غرامة
...
-
المفوضية الأوروبية تجري مشاوراتها بشأن الحزمة الـ16 من العقو
...
-
برلين.. حديقتا حيوان تغلقان أبوابهما أمام الزوار وسط تفشي م
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|