أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - العقل العربي بين الشماتة والكوارث: قراءة في الانهزام الحضاري














المزيد.....


العقل العربي بين الشماتة والكوارث: قراءة في الانهزام الحضاري


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8218 - 2025 / 1 / 10 - 22:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مشهد يدعو إلى التأمل والأسى، نجد أن بعض أبناء العالم العربي ينظرون إلى الكوارث الطبيعية التي تصيب دولًا بعيدة، مثل حرائق كاليفورنيا، بنظرة غريبة تملؤها الشماتة. إن هذه المواقف، التي لا تقتصر على العوام بل تشمل أحيانًا شخصيات مشهورة وأساتذة جامعات وحاملي درجات علمية رفيعة، تكشف عن أزمة فكرية عميقة، وعن حالة الانهزام الحضاري التي تهيمن على العقل الجمعي العربي.

إن ربط البعض هذه الحرائق بتصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، وتصويرها على أنها عقاب إلهي، يعكس سذاجة مفرطة وإغراقًا في التفكير الغيبي. إن هذا النوع من التفسيرات يكشف عن عقل عربي مأزوم، يتخبط بين الأساطير والميتافيزيقا، وينتظر المعجزات لإخراجه من حالة التردي التي يعيشها، بدلًا من مواجهة الواقع بفكر مستنير وعقلية علمية.

إننا إذا نظرنا إلى التاريخ، نجد مثالًا عظيمًا يمكن أن يلهمنا في هذا السياق: زلزال لشبونة المدمر عام 1755. لقد وقع الزلزال بينما كان الناس يحتفلون بأحد الأعياد الدينية في الكنائس، ودمّر المدينة بأكملها، مخلفًا آلاف القتلى. لقد كانت تلك الكارثة صدمة عميقة لأوروبا بأسرها، إذ أثارت تساؤلات فلسفية ودينية عميقة حول العدل الإلهي والمعنى من وراء الكوارث الطبيعية.

لكن ما يميز العقل الأوروبي في تلك اللحظة هو أنه لم يستسلم لتفسيرات غيبية أو أسطورية. بل على العكس، كانت الكارثة نقطة انطلاق نحو تحرر فكري وعلمي. لقد أدرك المفكرون الأوروبيون أن الظواهر الطبيعية ليست نتيجة غضب إلهي، بل تخضع لقوانين علمية يمكن فهمها وتحليلها. وكان هذا الإدراك بداية لرحلة شاقة وممتعة نحو تفكيك التفكير الميتافيزيقي والأسطوري، وبناء أسس جديدة تعتمد على العلم والمنطق.

في المقابل، فإننا نجد أن العقل العربي لا يزال يراوح مكانه في أسر التفكير الغيبي. فحرائق كاليفورنيا، بدلًا من أن تكون فرصة للتأمل في الطبيعة وتحليل أسبابها العلمية، تحولت إلى مناسبة للشماتة وانتظار “الانتقام الإلهي”. هذا الموقف يكشف عن فجوة حضارية هائلة بين عقل يسعى لفهم العالم وتحليله بعقلانية، وعقل لا يزال غارقًا في الأساطير وتفسيرات الميتافيزيقا.

إن الشماتة في كوارث الآخرين ليست مجرد تعبير عن تخبط فكري، بل هي أيضًا انعكاس لحالة عميقة من الحقد على الحضارة الحديثة. إن هذا الحقد ينبع من شعور بالعجز عن اللحاق بركب التقدم، ومن إحساس متراكم بالهزيمة. وبدلًا من أن يتحول هذا الشعور إلى دافع للعمل والبناء، يُترجم إلى انتظار سلبي لسقوط الآخرين، ولو كان عبر كارثة طبيعية لا يد للإنسان فيها.

لكن هذه المواقف تغفل حقيقة أن الحضارات لا تسقط بالكوارث، بل تقوم على العلم والعمل. لقد واجهت الدول المتقدمة مئات الكوارث، لكنها استخدمتها كفرص للتعلم والتطور، بينما يكتفي العقل العربي بالانتظار السلبي والتفسيرات الغيبية.

إن العقل العربي اليوم في حاجة ماسة إلى ثورة فكرية مشابهة لتلك التي شهدتها أوروبا بعد زلزال لشبونة. إننا بوضوح شديد نحتاج إلى التحرر من أسر الغيبيات والعودة إلى العلم والعقل كأدوات رئيسية لفهم العالم ومواجهته. إن الكوارث الطبيعية ليست رسائل غيبية، بل ظواهر علمية يمكن فهمها والتحكم في آثارها إذا استُخدمت الأدوات الصحيحة.

إن الفرق بين ما أحدثه زلزال لشبونة في العقل الأوروبي وما أحدثته حرائق كاليفورنيا في العقل العربي هو الفرق بين عقلية تفتح آفاقًا جديدة للتفكير والعمل، وأخرى تغرق في الانتظار والأسطورة. إننا، دون مواربة أو مجاملة، إذا أردنا أن نخرج من حالة التردي الحضاري، فلا بد أن نعيد بناء العقل العربي على أسس جديدة تُعلي من قيمة العلم والمنطق، وتضع العمل الجاد كوسيلة وحيدة للتقدم.

إن دروس التاريخ واضحة، والاختيار أمامنا: إما أن نستفيد من الكوارث كفرص للتعلم والنهوض، أو نبقى أسرى التفكير الغيبي والشماتة السلبية، محاصرين في دائرة التراجع التي صنعناها بأيدينا.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصداء الرعب: كيف تتحطم الأمم تحت وطأة الديكتاتورية
- العرب والمسلمون بين أسطورة الماضي وسراب الحاضر
- الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في ا ...
- انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟
- ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض
- حوار حول مستقبل سوريا: بين التفاؤل والتشاؤم
- محمد صلاح: رمز سلام يتحدى التعصب
- الحروف الفينيقيّة: الثورة الصامتة التي غيّرت مجرى التاريخ
- الرشدية اللاتينية: بذور النهضة الأوروبية وخسارة العالم الإسل ...
- التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...
- ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير
- إعمال العقل في النصوص الدينية: بين نور الفكر وظلام الجمود
- مصر والجائزة الكبرى في مخطط الشرق الأوسط الجديد
- اللغة العربية: بين عظمة الإرث وتحديات العصر
- قراءة في خريطة الصراعات العالمية والإقليمية: مستقبل العرب وم ...


المزيد.....




- صار عنا بيبي…حدثه الآن تردد قناة طيور الجنة 2025
- -كارثة الوليمة المجانية-.. من هو -الشيف أبو عمر الدمشقي- الم ...
- وزير خارجية فرنسا يقصد الكنيسة في دمشق قبل القصر الجمهوري
- سوريا: مصرع 4 أشخاص وإصابة 16 آخرين في حادثة تدافع بالمسجد ا ...
- ارتفاع عدد ضحايا الـ-الوليمة المجانية- في الجامع الأموي بدم ...
- الشيف أبو عمر.. وفيات بالمسجد الأموي بسبب التدافع للحصول على ...
- حادث تدافع مروع في المسجد الأموي بدمشق يسفر عن مقتل 3 نساء و ...
- مقتل 4 أشخاص وإصابة 16 خلال تدافع في المسجد الأموي بدمشق.. و ...
- الأمن السوري يغلق المسجد الأموي بعد تحول وليمة طعام مجانية ل ...
- سوريا.. صحة دمشق تعلن ارتفاع عدد ضحايا الـ-الوليمة المجانية- ...


المزيد.....

- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - العقل العربي بين الشماتة والكوارث: قراءة في الانهزام الحضاري