|
فقدان الارادة بين الانتظار واتخاذ القرار يفقد الإنسان الكثير المتاح من فرص الحياة ومتعها
خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8218 - 2025 / 1 / 10 - 02:26
المحور:
المجتمع المدني
في المدرسة أو الجامعة يتعلم الانسان الدروس ثم يواجه الإمتحانات، أما في الحياة فإن الانسان في مدرستها يواجه الإمتحانات وبعدها يتعلم الدروس منها فمتى وكيف بعدها يتمكن من ان يستمتع برحلته فيها. يمكن الوقوف امام محطتين لبيان ذلك : ١ المحطة الاولى : يؤجل الكثير ما متاح له ليستمتع بحياته ، لأنشغاله بتحقيق ما رسمه لنفسه من ما يعتبره جدير بان يستمتع بحياته عند تحقيقه.
تأجيل على أمل أن تأتي اللحظة المناسبة لأن يحيا فيها كما يحلم ويتمنى. وقد لا يدرك بمضيء الزمن أن أيام العمر وسنينها تنفذ ، والصحة مع تقدم العمر تضعف ، ورغبه النفس بمباهج الحياة تخبوا ، وأن تلك اللحظة المناسبة التي ينتظرها لن تأتي ابدا ، ليردد اخيرا على مسامع نفسه ما مفاده ان اقسى ما مر به هو انه قد فهم أمور الحياة في وقت متأخر جدا ، وبعد فوات الأوان.
أنه في انتظاره لتلك اللحظة التي كان يظن انها اياما وتمضي واذا به يجدها عمره. عمر يحتمل قد اكتشف أن امسه فيه كان أجمل من يومه هذا ، ليندم على أنه لم يستمتع بكل ما كان لديه او يتمكن منه في مسيرة حياته.
التمتع بالحياة يكمن في استمتاع الانسان بما يجده وما يتيسر له رغم ما يواجهه من صعاب وعقبات يحافظ فيها على هدوئه وهو في محاولته لتحقيق ما يأمله وليس بالضرورة في محطة الوصول لما يأمله.
في مذكرات حياته يقول الدكتور المهندس احمد سوسة ما مفاده : انني في فتوتي اجلت تمتعي بالحياة الى ان اكمل دراستي الجامعية وبعد ان أكملتها أجلت ثانيه تمتعي بالحياة الى ان احصل على شهادة الدكتوراه وعندما حصلت عليها اجلت تمتعي بالحياة الى ان اتزوج ، حتى ما تزوجت وانجبت اطفالا اجلت تمتعي بالحياة الى ان يكبر اطفالي ويكملوا دراستهم وعندما أكملوا دراستهم وتزوجوا وشقوا طريقهم بالحياة وجدت نفسي قد تجاوزت مرحله الشيخوخه دون ان اتمتع ولو للحظه في مشوار حياتي. وبعد كل هذا السفر ليس لي في الاخير الا القول متحسرا انه لو عادت لي من جديد ايام حياتي لعرفت كيف استغلها واتمتع بحياتي ولكن بعد فوات الاوان.
الجدير بالذكر ان احمد سوسة اول عراقي حاصل على شهادة الدكتوراه ، وكان ذلك سنه ١٩٣٠ من جامعه جون هوبكنز في اميركا ، بعد ان حصل قبلها على ماجستير في الهندسه المدنيه من جامعه كولورادو سنه ١٩٢٨. إنه المهندس والمؤرخ والكاتب الكبير ، توفى سنه ١٩٨٣ عن ثلاثه وثمانين عاما تخللتها مسيرة حافلة بالبحث والانجازات العلمية والتاريخية الفائقة في مناحٍ عديدة من الحضارات العراقية وآثارها وتاريخها ، إلى كتابته وبحثه ودراسته عن منشآت ومشاريع الري والمساحة. ويعتبر احمد سوسة من مؤسسي نقابة المهندسين العراقيه ، و كان نائبا لرئيس مجلس الاعمار في العهد الملكي اضافة لوظيفته.
ان سيرة حياة الكثير تقترب في مجملها من سيرة حياة الدكتور احمد سوسة مع فارق التفاصيل والظروف.
٢ المحطة الثانية : ان ما يضيع فرص الانسان في تحقيق ما يصبوا اليه في الكثير من ما بتعلق بواقعه او مستقبله في مختلف مناحي الحياة و مستجادتها ومفاجئاتها ينبع من انعداﻡ الجراة او القدرة ﻋﻠﻰ اﺗﺨﺎﺫ القرار المناسب ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ قبل ان تنفذ طاقته التي يستنزفها فى محاوله التكيف والتأقلم وكأنه قبلها ينتظر الغيب لتغيير الوضع .
صحيح ان ظرف الكثير قد يكون بحاجة ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻜﻴّﻒ ﻣﻊ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ التي قد تكون خارج ارادته ، لكنه يبقى ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﺇﻟﻰ تقييم تلك الاوضاع ليتخذ موقفا مبكرا منها ، وادراك ان مواجهة الصعاب لا يكمن دائما في ﺍﻟﺘﺄﻗﻠﻢ بل بمواجهة ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻭ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ في الوقت المناسب قبل فوات الأوان للخروج كليا من الحالة او المأزق الذي وضع به.
إن محاولة التكيف قد توصل الانسان الى الشلل التام وربما النهايه ، ومثله في ذلك مثل الضفدع الذي وضعه أحد الباحثين في تجربة علمية له في حوض ماء يتم السيطرة فيها على درجة حرارته ، ليرفعها بين فترة واخرى لمراقبة رد فعل الضفدع مع زيادة كل درجة ، ليجد ذلك الباحث ان الضفدع يكيف وضع جسمه في كل فترة مع كل زيادة في درجة حرارة ، ليصل الأمر به حد العجز عن ذلك التكيف مع رفع حرارة الماء إلى درجة قريبة من درجة الغليان ، فيحاول عاجزا اثرها القفز خارج الحوض ، كون قراره هذا قد جاء متأخرا ، وبعد فوات الأوان و استنزفت قواه وطاقته في حالات التكيف تلك.
الموقف هذا يحصل مع الكثير من الناس الذين يسمحون لغيرهم او ﻟﻈﺮﻭﻑ الحياة وتقلباتها لوضعهم بحياديه او سلبيه مع انفسهم في كل أمور حياتهم ، ليصل الامر بهم بنهايتهم او باحسن الاحوال ضياع فرص كثيرة كانت متاحه امامهم ، وهم ينتظروا صابرين مكيفين لأوضاعهم معها ، دون ان يسبقها او يتخللها تقييما مبكرا لأضاعهم تلك ، ليقفزوا قبل فوات الأوان و يتخذوا قرارا صائبا بما هم عليه دون ﺃﻥ ﺗﺨﻮﺭ ﻗﻮﺍهم و تضيع عليهم فرص كثيرة هي انسب ، وربما كانت تقودهم الى وضع افضل مما هم عليه أو كانت تقودهم لما كانوا يأملون. عليه يمكن القول إنه بقدر ما يتوجب على الإنسان ان لا يتمسك بعقله دائما في كل شيء ، لأن الحياة ليست عقلانية دائما، بالمقابل عليه ان لا يفكر بقلبه دائما فالحياة لا تهتم بالعاطفه. بمعنى أنه يتوجب عليه ان يكون إنسانا لا يقف على قدم واحدة وان لا ينظر من مسافه قريبة بل بعيدة كي يرى الصورة جيدا ويخرج بقرار مناسبا وفي الوقت المناسب.
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هكذا ينبغي ان تكون وتبنى النفوس ليرتقي الجميع بأنفسهم ومجتمع
...
-
كن منشدا للسلام لتببني جسوراً من الفهم المتبادل لردم الخلافا
...
-
محبتك للناس تبدأ بمحبتك لنفسك ليسهل انتدابها للأعمال الجليلة
-
عش كل يوم من ايام حياتك كيوم جديد وسيكون هكذا
-
قراءة لدروس الحياة في محطاتها
-
الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال
-
وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلا
...
المزيد.....
-
المرصد السوري: إعدام مختار حي -دُمَّر- في دمشق ..لهذا السبب!
...
-
التجاذبات السياسية توجه مستقبل اللاجئين السوريين في ألمانيا
...
-
مصدر قيادي في كتائب القسام يحمل حكومة الاحتلال عن مصير الأسر
...
-
كتائب القسام تحمل مرة أخرى حكومة الاحتلال المسؤولية عن مصير
...
-
الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات تفتيش واعتقالات في الضفة الغربي
...
-
الأمم المتحدة تحذر من خطر سوء التغذية لـ 3 ملايين طفل في الس
...
-
كوريا الجنوبية: قبول استقالة رئيس الأمن الرئاسي بعد استجوابه
...
-
القوات الإسرائيلية تشن حملة دهم واعتقالات في مدينة جنين (فيد
...
-
ملاحقة جندي إسرائيلي في السويد بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة
...
-
كاتب أميركي: هذا ما ينبغي على ترامب فعله بدلا من ترحيل المها
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|