أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حميد كشكولي - رداً على هجوم شبح يتسكع في الحوار المتمدن















المزيد.....


رداً على هجوم شبح يتسكع في الحوار المتمدن


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 01:06
المحور: قضايا ثقافية
    


بعد نشري مقالا عن الابداع في المنفى أمس في الحوار المتمدن، تعرضت إلى هجوم كاسح من احد الأشباح المتسكعين في موقعنا. وقد بدأ هجومه بأنني لا أميز بين الغربة والمنفى وأنني لا أعرف شيئا عن الكاتبين الايرلنديين جيمس جويس وصموئيل بيكيت. أنا على يقين أنه لم يقرأ مقالي كقارئ جدي، بل ألقى عليه نظرة عابرة بنى عليها أحكامه غير المنصفة. ضمن هجومه اقتباسات من غائب طعمة فرمان وسعدي يوسف في حركة استعراضية تعريفية بنفسه وعلمه الجم بكل الموضوعات والقضايا .
هنا تذكرت أمرا مشابها عندما كنت أعمل في اعلام حشع -القسم الكردي في فترة الأنصار حيث كلفت بمراجعة مقال شخص كتب الغربة (عن الوطن) "دوره ولاتى"، بدلا من المنفى متحججا بأن في الكردية لا يوجد مقابل لمصطلح "المنفى" . فاقترحت عليه أن نكتفى بمصطلح " منفى" منفا إلى أن نجد لها مقابلا في الكردية ولا بأس إن رسخنا مصطلح " منفى" في اللغة الكردية . فهذا أفضل من استخدام كلمة في غير محلها.
ومن ضمن اعتراضات الشبح اللدود على المقال بأن صموئيل بيكيت و جيمس جويس لا يمكن اعتبارهما منفيين، بل منتقلين إلى بلد آخر. وهذا ما أقدر أن أنفيه جملة وتفصيلا فالكاتبان هربا من ايرلندا بحثا عن الحرية وللتخلص من القيود المفروضة عليهما في بلدهما الأصلي. وهذا السبب الرئيس يمكن اعتباره سياسيا بالدرجة الأولى.
وأقرّ أنا أنني لم أقرأ رواية " أوليسيس" كاملة، بل قرأت نتفا منها هن وهناك وكثيرا من الدراسات عنها، إذ يقول الشبح إنه يتحداني أن أكون قد قرأت الرواية.
فقد اتخذ الكاتب الإيرلندي المعروف جيمس جويس قرار مغادرة وطنه إيرلندا والعيش في المنفى بسبب مجموعة من العوامل المعقدة التي شكلت هذه الخطوة المصيرية. كان في مقدمة هذه الأسباب رغبته في التخلص من القيود الصارمة التي فرضتها الكنيسة الكاثوليكية المحافظة على المجتمع الإيرلندي.
تمتع جويس برؤية أدبية سبقت عصره وتجاوزت الأطر التقليدية السائدة آنذاك في إيرلندا. امتازت أعماله بالجرأة والتجديد، وتطرقت إلى مواضيع اعتبرها المجتمع المحافظ مثيرة للجدل، مثل الجنس والدين والسياسة. هذا الطابع الثوري في أسلوبه جعل من الصعب عليه إيجاد ناشرين محليين يتقبلون أعماله ويدعمونها. بالإضافة إلى ذلك، كانت البيئة الثقافية في إيرلندا راكدة إلى حد كبير، حيث فرضت الكنيسة نفوذها على مختلف جوانب الحياة. واجه جويس هذا الجمود برفض قاطع، وأدرك أن المنفى هو السبيل الأمثل الذي يمكنه من خلاله التعبير عن أفكاره دون قيود.
على الجانب الآخر، عانى جويس من تحديات مالية خانقة داخل إيرلندا، حيث لم يتمكن من تأمين وظيفة توفر له حياة مستقرة. هذه الضغوط الاقتصادية دفعته إلى البحث عن فرص معيشية أفضل خارج وطنه. كما أن طبيعة جويس الشخصية لعبت دورًا كبيرًا في اتخاذ هذا القرار، إذ كان شابًا طموحًا ومفعمًا بالرغبة في اكتشاف ثقافات جديدة وتوسيع آفاقه الأدبية والفكرية، مما جعله يقدم على هذه الرحلة الاغترابية عبر القارة الأوروبية.
لا شك أن تجربة المنفى تركت أثرًا عميقًا في مسيرة جويس الإبداعية. فقد منحته هذه التجربة الحرية التي كان يفتقدها داخل حدود وطنه، وساعدته على صياغة أسلوبه الأدبي المتميز. علاوة على ذلك، فتح له الانفتاح على ثقافات متنوعة مجالًا لإغناء كتاباته وإكسابها بُعدًا عالميًا.
كان قرار جيمس جويس بمغادرة إيرلندا خطوة صعبة وحاسمة، إلا أنها كانت ضرورية لتحقيق تطلعاته الأدبية. وقد أثبتت الأيام أن هذا القرار كان في محله، إذ بات جويس من أبرز الروائيين المؤثرين في القرن العشرين.
كما شهدت مسيرة الكاتب الأيرلندي صموئيل بيكيت تغيرًا جذريًا مع انتقاله إلى باريس، حيث وجد أجواءً محفزة للإبداع والتعبير عن رؤاه الفنية. خلال تلك الفترة، كانت باريس تحتل مكانة بارزة كمركز عالمي للثقافة والفنون، وشهدت ازدهارًا واسعًا في مختلف المجالات الإبداعية. هذا المناخ المفعم بالحيوية أتاح لبيكيت فرصة التواصل مع نخبة من الفنانين والكتاب، مما ساهم بشكل كبير في إثراء نظرته الأدبية.
لعبت الحرب العالمية الثانية دورًا محوريًا في تشكيل وعي بيكيت، حيث تركت آثارًا عميقة على مستوييه الشخصي والفكري. دفعته هذه التجربة العاصفة إلى إعادة النظر في مفهوم الوجود وقضايا المعاناة الإنسانية، وهو ما ظهر جليًا في أعماله اللاحقة. كان بيكيت يسعى إلى صياغة هوية فنية خاصة به، وقد منحه انفتاح باريس على التجارب الأدبية الحديثة أفقًا أوسع للابتكار. تأثر بيكيت بشدة بالثقافة الفرنسية، لا سيما بإبداعات الكاتب الكبير جيمس جويس، الأمر الذي أسهم في بلورة أسلوبه المميز.
في المقابل، كانت إيرلندا آنذاك تعيش تحت سلطة محافظة تهيمن عليها الكنيسة الكاثوليكية، مما حد من حرية التعبير الثقافي. شعر بيكيت أن باريس تمنحه مساحة أكبر للتعبير دون قيود، وهو ما احتاج إليه ليُطلق العنان لمخيلته وأفكاره.
أثرت باريس بشكل لا يُنسى في إنتاج بيكيت الأدبي. فقد شهدت تلك المدينة ولادة أعماله الأكثر أهمية، مثل رواية مولوي ومسرحية في انتظار غودو، التي تميزت بأسلوبها التجريبي وعمق طرحها لقضايا الوجود والمعاناة.
كان انتقال صموئيل بيكيت إلى باريس بمثابة نقطة تحول حاسمة في مسيرته. فقد وفر له هذا القرار بيئة مثالية للإبداع والتحرر، مما مكّنه من ابتكار أسلوب أدبي فريد كان له أثره البارز على الأدب العالمي.

"الأدباء المنفيون" مصطلح يشير إلى مجموعة من الكتاب الذين تم نفيهم عن أوطانهم الأصلية أو اضطروا إلى مغادرتها إما بفعل ضغوط سياسية قمعية، أو تحت تأثير ظروف اجتماعية قاسية، أو نتيجة صراعات ثقافية أضعفت ارتباطهم ببلدانهم. غالباً ما يجد هؤلاء الأدباء أنفسهم في مواجهة تحديات جمة تتعلق بعملية التكيف مع البيئات الجديدة التي قد تكون مختلفة كلياً عن بيئتهم الأصلية، في الوقت الذي يسعون فيه للحفاظ على أصواتهم الأدبية حية ومؤثرة.
وعلى الرغم من الأعباء النفسية والاجتماعية لهذه التجربة القسرية، يواصل المنفيون الكتابة عن المعاناة الإنسانية وتجاربهم الشخصية المرتبطة بالمنفى، ما يجعل أعمالهم الأدبية شاهداً واضحاً على الحنين للوطن والصراع الداخلي بين الاندماج وبين الحفاظ على الهوية.
تتمحور موضوعات مؤلفاتهم غالباً حول النزوح القسري، وأزمة الهوية، والشعور بالغربة في مجتمعات ليست مجتمعاتهم الأصلية. ومن خلال هذه الأعمال، يعبرون ليس فقط عن آلام البعد عن الوطن، بل يقدمون أيضاً تصوراً أعمق للانتماء والبحث عن الجذور في سياقات غير مألوفة. ويتميز العديد منهم بدور مزدوج؛ فهم لا يكتفون بإبداع النصوص الأدبية ذات البعد الإنساني، بل يصبحون أيضاً أصواتاً قوية تدافع عن حقوق الإنسان وتعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية.
إن المكانة التي يشغلها هؤلاء الأدباء تسمح لهم باستخدام منصاتهم الأدبية لمناقشة القضايا المعقدة التي تعاني منها بلدانهم الأصلية، وذلك بهدف توعية المجتمعات بالمظالم التي يتوقون لإصلاحها. وفي الوقت ذاته، يمكن أن يؤدي وجودهم في المنفى إلى جعلهم جسراً ثقافياً بين أوطانهم الأصلية والمجتمعات المستضيفة لهم، حيث يعملون على نقل التراث الثقافي والفكري لأوطانهم مع تقديم رؤى جديدة مستمدة من تجاربهم خارج الحدود.
تجارب الأدباء المنفيين تقدم مثالاً حياً على قدرة الأدب على تجاوز الحدود الجغرافية والثقافية وتوحيد القلوب والعقول، مؤكدة أن الكلمة المكتوبة لا تعرف قيوداً وأن الإبداع هو صوتٌ عابر لكل الفواصل، يربط بين البشر أينما وجدوا ويضيء دروب التواصل بين مختلف الثقافات والانتماءات.
يُشكّل هؤلاء الكُتّاب مصدر إلهام عميق لغيرهم، مُحفّزين الآخرين على رفع أصواتهم ضد مظاهر الظلم وعدم المساواة، مع الحث على احتضان قيم التنوّع وتعزيز التفهّم المتبادل بين الثقافات. فمن خلال كلماتهم المدروسة وأعمالهم الأدبية المؤثرة، لا يقتصر دورهم على تثقيف المجتمع وزيادة الوعي بالقضايا الإنسانية فقط، بل يتعدى ذلك إلى غرس مشاعر التعاطف العميق وتعزيز روح التضامن بين القراء. وبهذا يسهم الكُتّاب المهاجرون بشكل فعال في صياغة مجتمع عالمي أكثر شمولاً ورحابة، مجتمع يعتز بثروة وجهات النظر المختلفة ويحتفي بتعدد التجارب الإنسانية ومظاهرها المتنوعة. هؤلاء الكتّاب استخدموا واقعهم الجديد كأداة فعّالة لتضخيم صوتهم والدعوة إلى التغيير الاجتماعي والثقافي. ومع ذلك، فإن تجربة المنفى وتأثيراتها تختلف بشكل كبير من كاتب إلى آخر. فهناك من يجد في الغربة صعوبة تعوقه عن اكتشاف صوته الأدبي أو الوصول إلى جمهور متقبّل لإبداعه في موطن جديد، بينما يتمكن آخرون من الاستفادة من العزلة القسرية لتطوير أنفسهم وازدهار أفكارهم الفنية، محولين تلك المحنة إلى فرصة للتجديد والإبداع.
يمكن للمنفى أن يكون محفزًا للإبداع ووسيلة للتأمل، مما تنتج عنه أعمال أدبية ذات تأثير عميق ومستدام. لقد نجح العديد من الكتّاب، في الاستفادة من نضالاتهم الشخصية وتجارب النزوح كقوة دافعة لإبداعاتهم، حيث تناولوا في كتاباتهم موضوعات الضياع والهوية والسعي للانتماء في أرض غريبة. وتأتي الأبعاد السياسية والاجتماعية البارزة في مؤلفاتهم كنتيجة مباشرة لتجاربهم المرهقة تحت وطأة الأنظمة القمعية وما واجهوه من اضطرار للهجرة بعيدًا عن أوطانهم.

مالمو
2025-01-07



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت من أجل كلية: هل يستطيع أحد أن يمنع السوق السوداء المزد ...
- ومضات عدنان الصائغ
- معجزة رأسمالية الدولة والصراع الطبقي في الصين
- يلدا انتصار النور على الظلام وبداية دورة جديدة
- استغلال الدين لترسيخ العرش سلاح ذو حدين
- قراءة في رؤية أدونيس حول التغيير في سوريا
- رجلنا في دمشق: دور سوريا في توظيف غرف التعذيب لصالح وكالة ال ...
- أبارك لأبناء سوريا الجميلة الخلاص من كابوس الطغيان
- تعبيرات جسد المرأة في ايران سياسياً وثقافياً
- حزب الحرب الديمقراطي وفقدانه للشرعية
- المعادلة المعقدة بين الشيوعي والشيعي
- إمكانية إيقاف انزلاق أمريكا نحو الفاشية
- شخص واحد، صوت واحد، دعابة واحدة... عن الديمقراطية
- في ذكرى بازوليني
- الفكرة اللينينية عن الامبريالية اليوم
- المهاجرون الذين لا يمكن الاستغناء عنهم في أمريكا
- كيف ساهمت جائزة نوبل للسلام في التغطية على الإبادة الجماعية ...
- الشعر والالتزام في ستينيات القرن الماضي والعصر الرقمي
- ألبرت أينشتاين لم يحصل على جائزة نوبل عن نظرية النسبية
- لعنة الحدود


المزيد.....




- يظهر في مسلسلها القادم.. ميغان ماركل تنعي كلبها -المحبوب-
- شاهد لحظات عصيبة لإخلاء دار رعاية مسنين في لوس أنجلوس مع قرب ...
- بلينكن يُعلن -ٌقرب- التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار وإفراج عن ال ...
- إعلام بريطاني: إغلاق شوارع وسط لندن بعد حادث أمني وشرطة الع ...
- الانتخابات الرئاسية اللبنانية: ترقب حتى اللحظة الأخيرة
- شولتس ردا على خطط ترامب: لا يجوز تغيير الحدود بالقوة
- مصادر لـRT: وزير الدفاع الصومالي يزور مصر غدا لبحث مشاركتها ...
- وسائل إعلام سورية: توغل إسرائيلي جديد جنوبي القنيطرة وسط عمل ...
- نيبينزيا: روسيا تعتزم تقديم المساعدة لسوريا حتى بعد تغيير ال ...
- وزير الدفاع السوري يكشف ما تسعى إليه الإدارة الجديدة بين الج ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حميد كشكولي - رداً على هجوم شبح يتسكع في الحوار المتمدن