|
-البحث عن الدين الايزيدي التاريخي-... أسئلة وآفاق
ابراهيم سمو
الحوار المتمدن-العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 00:47
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
إبراهيم سمو [email protected]
مدخل : في كتابه "البحث عن الدين الايزيدي التاريخي" الصادر عام 2023، يواصل الدكتور خليل جندي رشو؛ الباحث الاكاديمي والأستاذ الزائر، الذي سبق ان شغل مواقع دبلوماسية عدة في الخارجية العراقية "، مشروعه الطموح في تتبع الحقيقة التاريخية المفقودة حول الدين الايزيدي. ويتميز مسعاه هذا بحس بحثي استثنائي، بخاصة وقد انبرى يظهر شغفا لا يلين لتجاوز العقبات والتحديات التي اعترضت سبيله اثناء سبر اغوار موضوعه، ويتجشم عناء النبش في الطبقات الطلسمية التي راكمها عبث" الشفاهية" على المشهدين الثقافي والتاريخي للايزيديين، مبشرا عبر هذا الجهد بقراءة جديدة مغايرة تعيد النظر في كثير من المرويات المتداولة والسرديات التقليدية المحيطة بالدين والتاريخ الايزيديين. يتألف الكتاب من 400 صفحة موزعة على اثني عشر، فصلا يتقدم الفصول اهداء وفهرسة وما يشبه المقدمة، ثم يختتم البحث باستنتاجات وملاحظات شخصية، ثم سيرة ذاتية مختصرة للمؤلف فضلا عن ملحق يتضمن قائمة بالمصادر. ورغم ان الدكتور خليل يترك للقارئ حرية استكشاف تفاصيل البحث واستنتاجاته، فان السؤال المحوري الذي يشكل نقطة انطلاق لهذه الدراسة يتمحور حول مدى نجاحه في فك الشيفرات الثقافية والتاريخية التي ظلت مصدر قلق وابهام للايزيديين والباحثين على حد سواء. لكن، للفضول هنا ان يحوم حول تساؤل مفاده: ما أهمية هذا البحث ومن تتأتى ؟. أهمية البحث: لا تلوح أهمية مسعى الدكتور خليل، سواء في هذا البحث او في أبحاث أخرى، في كونه يسهم في تحرير الموروث الايزيدي من "الشفاهية" المتمادية، او يضع حدا للذاكرة الارتجالية التي اضرت فيما مضى، او يقف عند التوثيق المتمثل بحفظ المعلومات وتنسيقها وتبويبها وترتيبها واعدادها لتصبح مادة بحثية وحسب، بل يبني حلقة وصل تمد حاضر الايزيديين بماضيهم وفق مناهج البحث العلمي، ويؤسس من ثم للتدوين من جهة، ومن جهة أخرى يؤطر ل"نظرية جديدة " معززة بمضامين ورؤى ينعشها ان يتحول مخزون ثقافي هائل غير مكتوب، من مادة شفاهية مبعثرة ومتعثرة الى ذاكرة إنسانية مُسترَدة. وعليه فهذه الدراسة التي تتحدى السرديات التقليدية، في اطار تحليلي جديدا لتناول الدين الايزيدي ضمن سياقاته الثقافية والتاريخية، تطرح مادة علمية لافتة للتفاعل والنقاش الاكاديميين، وتكتسب من ههناك قيمة خاصة، لكونها لا تقتصر على محاولة إعادة فهم التاريخ الايزيدي وحسب، بل تمثل أيضا جهدا أنثروبولوجيا لفك الغموض الذي يحيط بتاريخ الدين والثقافة الايزيديين كظاهرة حضارية وإنسانية. منهجيات متقاطعة وفرضيات: يعتمد الباحث على "المنهج التاريخي "في البحث فيتناول الحادثة بشكل عمودي طولاني حيث يعود بالايزيديين الى الماضي والجذور التي تتبدى له وإذ لا يكفيه مجرد العودة زمينا الى الوراء يضطر لإتمام شرح وجهة نظره الى الاستعانة ب"المنهج الوصفي" فيشير الى المعضلة التي تشغله ثم يساعده ضلوعه الواسع بتاريخ وثقافات الشعوب الأخرى ان يصيغ "فرضية "او "فرضيات تاريخية" تؤيد تصوره مستعينا بمصادر رصينة في عرض تفسيرات وشروح ومفاضلات موضوعية ومعقولة بهدف إزاحة اللبس والغموض عن حلقات من التاريخ الايزيدي ولا يقف عند هذا الحد بل يستنجد أحيانا ب"المنهج المقارن" فيشير الى الاختلاف والاتفاق ثم يبن نقاط الاشتراك او ما تبقى لها من مظاهر ولكون الميدان الذي يخوضه واسع او متعدد الوجوه لا يجد غضاضة من ان يتكئ على "المنهج التجريبي" لتعزيز فرضيته فيستعين بالابحاث البيولوجية والمعملية الخاصة بفحوصات الـ DNA للبرهنة علميا على مبتغاه غير ساه طبعا عن ان يستأنس بما ترشح عن "علم الوراثة الاثري" او بما استقر عليه ؟علم الانساب الجيني" او بما بلغه "التاريخ الجيني للشعوب".. منطلقات او تقاطعات البحث : استطاع الباحث، مدفوعا بانجذابه الى الذاكرة الجمعية الايزيدية وما تستبطنته تلك الذاكرة من موروث شفاهي وقيم إنسانية، ان يغوص عميقا في "المخيال الايزيدي" ان صح التعبير، وما يحفل هذا المخيال به من صور وتمثلات ورموز وحكايات واساطير وتأويلات متداولة في الموروث الثقافي الاجتماعي، ووجه اهتمامه نحو " القول " المقدس او ما يُعرف ب" علم الصدر"، مستنيرا كباحث بتفسيرات هذا العلم ودلالاته وشروحه ومغازيه. وشيّد من تلك القيم الثقافية والتاريخية والإنسانية لدى الايزيديين أساسا منهجيا مكنه من التنقيب عن الجذور حيث تأمل بروح المحقق تاريخ الشعوب المنقرضة منها والباقية على هذه الارض وما اقتني عن ذلك التاريخ او ما دل عليه من لقى وآثار وقام بموازنتها مع التراث الايزيدي ليؤسس من ههناك نظرية قائمة على فرضيات بروح المؤرخ الموضوعي، في محاولة لإرساء دعائم حضارية تسهم في رأب الفجوة التي تفصل الحاضر الايزيدي عن ماضيه. وواضح انه استند في تحليله الى مصادر متعددة شملت الدراسات السابقة، والتراث الشفاهي الايزيدي بما فيه "القول"، كما اسلفنا فضلا عن التفاسير التي حصل عليها من رجال دين ثقاة. واستطاع بعرض هذه الرؤى على الموروثات العقائدية الأخرى ان يقدم مقاربة تحليلية شاملة النتائج، اوصلته الى ان يكوّن أساسا لنظرية متكاملة هدفها اضاءة الجوانب التاريخية والثقافية للايزيديين، معززة برؤية من شأنها ان ترد الاعتبار لهذا التراث ضمن سياق انساني أوسع. وتجدر الملاحظة هنا ان الباحث اعتمد في مسعاه على "منهجية البحث التساؤلي"، وعمد إذ تشي رحلته البحثية، الى المقارنة والتعمق والاستفهام. ولعل ابرز الأسئلة التي واجهت الدكتور خليل اثناء صياغة فرضياته تمثلت في محاولته الربط بين النصوص الدينية والقصص والاساطير المتداولة في الموروث الايزيدي من جهة، والمعتقدات الأخرى؛ سواء القديمة المنقرضة منها او المعاصرة من جهة أخرى. ومن تلك الأسئلة التي يمكن ان نستنبطها على سبيل الاستشهاد لا الحصر: ما علاقة الايزيدية بـ"الزرفانية"، وماذا يعني لها "المجوسية" ؟. وهل تلتقي مع "المثرائية" ؟. هل الايزيدية هي "الزردشتية" نفسها ؟. ولم سميت بـ"الداسنية" ؟. وهل لمواظبة مسيحيي العراق على اطلاق ( Disnaya ) على الايزيديين دلالة ما ؟. من الذي اطلق عليها هذا المسمى في مرحلة تاريخية ما ؟. ما الرابط بين الايزيدية و"الكلدانية" القديمة ؟. هل تنحدر حقا قبيلة "الخالتا"/ "الخالتية" / الخالدية الايزيدية من "الكلدانية" ؟. هل ثمة روابط مشتركة بين الايزيدية كمعتقد وعقائد سومر وبابل وآشور وأديان الهند ؟. ولماذا تتماثل طقوس "الفراعنة" والايزيديين ؟. هل الايزيدية "ديانة إبراهيمية" ؟. لم يرد اسم إبراهيم الخليل في الاقوال والادعية الايزيدية ؟. هل للنبي إبراهيم علاقة ما ب "براهما" الهندوسي ؟. ثم ما علاقته بالايزيدية ؟. وهل صحيح ان إبراهيم اسم "طوطمي" لموجة عرقية هندية إيرانية استقرت في" اور" "لورستان" في ايران ؟. هل هنالك علاقة بين جبل "هارا " الذي يرد في الآفيستا و جبل هكاري ؟. ولماذا تتشابه طقوس "اخراج الثور" من "مذبح معبد الشيخ آدي" الى "مذبح الشيخ شمس " مع طقوس "العجل "عند اليهود والهكسوس ؟. وهل ثمة علاقة بين "تابوت العهد اليهودي"، وبين ( به ري شباكي Berê Şibakê)؛التابوت الرمزي ل شيخ آدي؟. هل هنالك علاقة بين "العشب السحري"، الذي اهتدى اليه "كالكامش"، و"سيفا خلاتي "؛أي "تفاح الخلود" في قصة "مير مح، "و"القمحة" / "الحنطة" في قصة "آدم وحواء"، و "ئافا هيواني"؛ اي "ماء الهيوان "، في قصة "النبي خدر والياس" مع "الاسكندر" ؟. هل ثمة قواسم مشتركة ؟. ماعلاقة "الاسراء والمعراج"،و"سلّمَ يعقوب" ,,. ماهي نقاط التقاطع؟. ماعلاقة "نجمة الصبح" ب"السلم "و"عزيز" ؟. ثم ينفتح الباحث على اسئلة منها:هل هذا متأثر بالسردية اليهودية ام بالسردية الاسلامية، ام لاعلاقة لكليهما به ؟. هل "السلم" المقصود به هو "سلم يعقوب"، الصاعد من الارض الى السماء، ام هو "السلم "المسند الى "سور القدس"؛ او "جدار قصر القدس " ؟. ومن هو "عزيز" في السردية الدينية الايزيدية ...هل هو "ايزيس"؛ الملك المصري، ام هو "ملك الموت "؛عزرائيل ام هو "عزيز مصر " ( آسيس Assis ) ملك الهكسوس ؟. ما أوجه التشابه بين "دُورّ "؛ أي الدرة في قول "به دشا والدرّة " الايزيدية، و"المانا " الطوطمية، و "آتمان " الفيدية، و"النرفانا" البراهمية كقوى أزلية خالقة لا تفنى وموجودة في كل شيء في الطبيعة والكون ؟. هل هنالك علاقة ما بين "أغني" Agni ؛ "اله البيت" و"اله النار والتضحية " لدى "الديانات الهندوسية"، وبين "رب البيت"؛ "خوداني مالي" Xudane male عند الايزيدية، ثم بين "سوما" Soma ؛السائل المقدس، و"هفني سونته" Hevene sunete ؛ أي خميرة الكون الايزيدي ؟. هل "شهيد بن جر" الذي يرد في بعض المرويات الايزيدية، هو عينه "شيت بن آدم" الذي ينسب اليه الصابئة المندائية ؟. هل "دموزي" السومري Dumuzi/ Dumuzi Apsu ،او قل "تموز" Tammuzالبابلي هو عينه "طاوسي ملك" الايزيدي ؟. وهل هنالك علاقة بين ثنوية " دموزي واينانا" السومرية، و"عشتار و تموز "البابلية، و" دوت و داي " الايزيدية ؟. وهل يمكن، انطلاقا من مشتركات مثل "ديموزي"، او" طاووس ملك"، و"وحدة الوجود"، الشمس"، بعض الرموز الطوطمية ،التناسخ والتقمص، الآله و"الارباب"؛ اي "الخدان الأربعة"، "قدسية الماء"، "الطبقات الدينية والاجتماعية"، "التثليث"؛ أي الاب الابن الروح القدس ،و" ايزي ـ طاوسي ـ ملك شيخادي" الجمع بين الهكسوس والبابليين و الايزيديين ... من نهل من من ؟ . ما علاقة الايزيديين ب " قه ومى بن قأم " أي ( العماليق ـ الهكسوس ) او بمعنى ادق هل من العلاقة بين الاثنين حتى يأتي ذكرهم في "قه ولى كانيا مارا" او " شيخ آدي شيخي شارا " ؟ وهل حقا ان "قريش" محورة عن "كيش" المدينة السومرية ولِمَ يردُ اسم "مكة" في الادعية الايزيدية وما علاقة "مكة" ب"العماليق" او "الأماليك " وهل حقا اصلها محور عن "ملكاي ـ مهاليك " وهل يمكن القول تاليا ان " ماهكه Mahgeh " هي "ماه "التي تعني "مكان عبادة القمر " وهل لهذا السبب يروي الايزيديون ان اسلافهم كانوا قبل الإسلام في "مكة" ؟. هل "الكاشيون"، الذين طردوا من مصر الهكسوس، هم انفسهم "القيسيون" العرب ؟. هل الـ" هكسوس" ـ لكون الـ(هـ / H) أداة تعريف في اللغات السامية والآرامية ـ اصلها "كاسو / كاسي "؟. وهل لانحدار الهكسوس من براري غرب آسيا ( آرارات ) دلالة على اصلهم الآري؟. اين تقف جذور الايزيدية وافكارها وتراثها ومعتقداتها الدينية الحاضنة للعديد من عقائد ديانة سومر وبابل وآشور ورموز وعقائد الديانات الهندية " ؟. هل حقا الإله" نابو" تحول الى "طاؤوس ملك" ثم هل "نابو" هو" نبوخذ نصر" لم يرد اسم هذا الأخير في الادعية الايزيدية ؟. هل تحور"آديان" ذلك المسمى القدسي في الدين الايزيدي عن "آريان" وهل "مالا ئاديا " أي عائلة" آديان" اصلها الاشتقاقي "آريان" هل "الآدانية" الايزيدية هي عينها "العدنانية" التي ينسب اليها العرب ثم اذا كان العدنانيون عربا مُستعرَبة بمعنى اقوام وافدة من اين وفدوا ؟. وهل ينحدر القيسيون العدنانيون حقا من أصول تعود الى أرمينيا وتدلل على "مالا آديا" ؟. ثم هل "عدن " اصلها " أدن / آدن " التي تعني في الاكدية الأرض المنبسطة وهل يقصد من ثم بـ"جنات عدن " تلك التي يروى عن وجودها على ارض الرافدين وهل لـ"شيخ عادي / شيخ آدي " كمسمى علاقة اشتقاقية بهذا السياق ؟. هل هناك علاقة تاريخية وعقائدية بين بابل وقريش والايزيدية ؟. وهل هنالك علاقة بين "الثور" الذي كان يذبح في ذروة الاحتفال بعيد قيامة الإله دموزي والتهام المحتفلين لحم الثور كدلالة رمزية في الاتحاد ب "دموزي" ب التضحية ب"الثور" الذي يضحى به في "يوم القاباغ" عند "مزار شمس الدين" وتناوله مع " السماط " ؟. وهل هنالك علاقة ما بين تقديس الحيوانات عند الايزيديين وعبادة "العجل الذهبي" عند اليهود ؟ز وهل تشابه "الادعية السومرية" بخاصة ما تواتر عن " دموزي" : ( اتو يعطي الصلاح الصلاح ويسحق الشر بقدمه ) مع ما يتم تدواوله عند الايزيديين ( يارب اعط الخير "الصلاح " واسحق اقلب الشر ) محض صدفة ام للأكمة ما وراءها ؟. هل تم حقا دمج عقيدة الإله" دموزي" الأرضية وعبادة الإله "الشمس " ( بابار السماوية ) ؟. وهل "بير كار "لدى الايزيديين، هو نفسه "بابار "المسمى الذي تلقب به إله الشمس لدى السومريين ؟. وهل" دياووس بيتر "المعبود الهندي الحالي، هو نفسه" زؤوس باتير" اليوناني "، وزوبتير الروماني " ؟. وهل تقود كلها الى" طاوس ملك" ؟. هل صحيح ان "البير" و"الشيخ" و "المريد" من ارومة واحدة...وهل حقا اصل اشتقاقها هندو ـ أوروبي او هندو ـ جرماني ؟. وهل حقا "مالا آديا " مرتبطة ب "إديا "، المتداولة بمغزى قدسي عند الشعوب الهندو ـ آرية ؟ اين كان الايزيديون ساعة "الطوفان"؟. لماذا تدرج قصة النبي نوح والطوفان في الموروث الايزيدي والادعية ؟. وهل بلدة "عين سفني" الايزيدية التابعة ل "الشيخان "ـ الموصل ،محورة عن الـ" عين" أي الـ "ينبوع"،التي شيد نوح عليها السفينة ؟. وهل لموقع "سن الكلوب" في جبل سنجار، دلالة ما ...او لـ"الحية" التي تكورت على الثقب علاقة ما بـ"الحية المقدسة" لدى الايزيديين ؟. هذا غيض من فيض أسئلة، جاهد الدكتور خليل ان يبلغ، وفق مناهج البحث العلمي، أجوبتها، حيث استطاع ان يسند الاحداث الى بعضها او يربط الحاضر الايزيدي المعاش بالماضي او قل بالجذور، بأدوات باحث اكاديمي، متجاوزا بحور متلاطمة من حيرة وعقابيل، كما هو واضح بشغف كبير. مدلولات لغويات ودلالات ثقافية انتروبولوجية ومعرفية بنيوية: يعيد الدكتور جندي مفردات و تراكيب مزجية ذات بعد قدسي او اثني او احتماعي ـ عرفي في الوسط الايزيدي الى لغات بعضها منقرض والآخر متداول ويعتمد نهجا لغويا يبين عبره صور التغيير في المفردة او العبارة المقصودة او يرجعها الى أصولها المفترضة أي المحتملة مبينا هياكل التعارض والتزامن داخل اللغة او اللغات عبر التركيز على الآثار المعرفية والتواصلية ولا يسهو عن ان يحلل اللغة باعتبارها نظاما من العلاقات بين عناصرها مثل الأصوات والمفاهيم . فيمسك حيث يعتقد بتلابيب الجذر اللغوي شارحا ما جد على الكلمة من تغيير على هيئة "سوابق" Prefixes او "دواخل" Infixes او "لواحق" Suffixes او "تداخل" أو "ادماج" او " حذف" او "اختصار" او "تحوير" . ولا يخفى هنا مدى المثابرة والصبر والأناة التي عاناها الباحث في رحلة بحثه داخل العائلة اللغوية او خارجها مستعينا بالمراجع والمخطوطات والقوامس وسواها من الوثائق المتاحة من جهة والموروث الشفاهي الايزيدي من جهة أخرى بقصد الوصول الى ما يعزز سعيه في جسر هوة القطيعة ما بين بين الحاضر والماضي الايزيديين. القداسة وتفكيك الابعاد اللاهوتية : لقد تعاطى الكاتب كي تسهل مهمته ومن منطلق باحث انتروبولوجي مع النصوص المقدسة كمنتجات ثقافية وتاريخية وتمكن من ان يجرد مفردات ومدلولات ومفاهيم ونصوصا دينية ذات خاصية تنزيهية من "البعد المقدس" وذلك استناداً إلى منهجية عقلانية ومنطقية لعله استلهمها من أفكار الباحث الألماني "رودولف بولتمان" ، الذي دعا إلى "إزالة الطابع الميثولوجي عن المقدس"، وتأتى له وهو يستشهد ب بولتمان ان يحرر النصوص الدينية من تراكماتها الميثولوجية وشحناتها الرمزية التحريمية وان يعيد قراءتها في ضوء التاريخ والثقافة الإنسانية المتداولة. وحقق من خلال هذا النهج مقاربة علمية تربط النصوص الدينية بالواقع التاريخي والثقافي الذي نشأت فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والسياسية التي أثّرت على تشكيلها وتطورها لجهة المبنى والمعنى واستطاع ان يثير تساؤلات عميقة حول حدود العقلانية في تناول النصوص والرموز والرؤى ذات الطابع القدسي والسؤال هنا هل استطاع حقا وهو يتجاوز الرؤى التقليدية ويفكك من ثم الابعاد اللاهوتية وما يرافقها من عصمة ان يقدم فهما اعمق واكثر شمولية في الاطار الإنساني والثقافي. هل استطاع ان يتفادى الوقوع في تعميمات او ان يتجرد كليا عن جوانب رمزية وروحية ترافق ما يتناوله، بمعنى آخر الى أي مدى استطاع ان يفك شيفرة كانت مصدر قلق حضاري له كباحث انتروبوجي ولعموم ايزيدييه. هذه متعة يترك اكتشافها والتفاعل مع عموم جوانبها لمن يستهويه خوض غواية القراءة بنفسه إشكال شكلي : قد يشير بعضهم ،ومن منظور نقدي، الى اشكالية شكلية او اسلوبية تطفو على فضاءات نص "البحث عن الدين الايزيدي التاريخي"، وتؤثر، من ثم، على القارئ من حيث انسيابية التلقي او تعكر عملية ادراك مضامين هذه المادة العلمية القيمة. وقد يتم الاستشهاد بهذا النقد استنادا الى بعض الأفكار المتكررة في عدة فصول، مما ينعكس بصورة مؤذية على تماسك النص وانسجامه من جهة وعلى جودة العرض من جهة أخرى. بيد ان آخرين، رغم إقرارهم بهذه الإشكالية، قد يتمسكون بالقيمة العلمية والتاريخية للبحث بل وقد يشفعون له بترجيح مفاده ان يكون العمل قد أُعِدَ أصلا على فترات زمنية متباعدة، في صورة مواد بحثية مستقلة او مقالات منفصلة، ثم جرى تجميعها بين دفتي كتاب واحد . على كل حال، ونظرا لأهمية الجانب الاسلوبي في البحث العلمي وضرورة تحسينه بما يتناسب مع قيمة هذه المادة العلمية التي يحملها ولكون هذا البحث يعد مرجعا رفيعا ذا أهمية كبرى للقراء العاديين والباحثين على حد سواء، فأن معالجة هذه الإشكالية في الطبعات القادمة، خاصة فيما يتعلق بتكرار الأفكار، ستضمن تقديم محتوى اكثر اتساقا ووضوحا بعيدا عن أي حشو وتداخل غير مفيدين وستزيد تاليا، قليلا او كثيرا من جمالية بل قيمة البحث. و في الختام، يعد هذا "العمل"، الذي يتناول بالدراسة والتحليل "الدين الايزيدي التاريخي"، اسهاما علميا طموحا يسعى الى الكشف عن أحد الجوانب المهمة في التاريخ الفكري والروحي للإنسانية. كما يشكل إضافة ثرية الى مكتبة الثقافة الإنسانية، فضلا عن كونه دعوة مفتوحة لكل باحث ومتهم بهذا الحقل المعرفي للتعمق فيه، بما يعزز من فهمنا لجماعة دينية فريدة، ويسهم في اثراء التراث الإنساني واماطة اللثام عن المزيد من الجوانب المستترة في تاريخ الفكر الإنساني.
#ابراهيم_سمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شنكالُ احترسي
-
شنكال الإبادة و..الامل
-
في لافا الشهيدة
-
على ضفاف((ابناء الدواعش))وفتوى المجلس الروحاني الايزيدي
-
ثرثرة على ضفاف -الناجيات الايزيديات واطفالهن-
-
ايزيديو -روج آفا- و-الكوتا -الانتخابية
-
عفرين ..-ابو عبدو- و..-الميكرو-
-
الاقليات الدينية والمذهبية في الدستور العراقي
-
داؤد شمو أسيرُ جهاتٍ حكومية ام مجهولة
-
مرافعاتُ سَبيّةٍعراقيّةٍ صاخبةٌ في-مجلس الأمن-
-
سبية الرافدين؛ نادية و..فرعونيات مصر
-
-فضائية الجزيرة- ام إعلام داعش ..شنكال مِثالا
-
الكلب ..انا ومديرة الثقافة
-
في-الايزيديين السوريين-ولقاء السيد صالح مسلم
-
شنكالُ.. حولٌ على الإبادة
-
قائد -قوة حماية شنكال- رهن اعتقال هولير
-
التحولات الحاسمة وانشداه المثقف الكردي
-
عواصف شاريا وتقصير كردستان
-
الخلافة الداعشية والاقليات العراقية
-
كوباني -موسيكي وهرجو-
المزيد.....
-
بيان سعودي يعلق على خريطة -إسرائيل التاريخية- بعدما نشرتها -
...
-
وفاة جان ماري لوبان.. لماذا يصف جزائريون -اليميني المتطرف- ب
...
-
ملكة جزماتي.. -طباخة ميركل- تتحدث لترندينغ عن عودتها إلى سور
...
-
شاهقة مائية استثنائية وأمطار غزيرة وسيول جارفة تضرب السعودية
...
-
تحذيرات صارمة من فريق ترامب لموظفي البنتاغون.. إثبات الولاء
...
-
هل العالم مستعد لمواجهة الجائحة المقبلة؟
-
توقف حركة الطيران بين سوريا والإمارات بشكل مؤقت
-
فريق ترامب يعتقد أن التوصل إلى اتفاق أمني بين روسيا والولايا
...
-
مسؤولون إسرائيليون: الجيش اللبناني ضعيف.. قادة يتعاونون مع ح
...
-
فرنسا: تصريحات ترامب حول غرينلاند شكل من أشكال الإمبريالية
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|