راقي نجم الدين
(Raqee S. Najmuldeen)
الحوار المتمدن-العدد: 8215 - 2025 / 1 / 7 - 20:16
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
يميل الكثيرون إلى القول إنهم يحملون "دكتوراه في فلسفة الفن" أو "دكتوراه في فلسفة التصميم"، مما يعكس طموحاتهم وأحلامهم. ولكن، إذا نظرنا إلى حقيقة الأمور، نجد أن الصيغة الأدق هي "دكتوراه فلسفة في الفن" أو "دكتوراه فلسفة في التصميم"، كما يتضح جلياً من الوثائق الجامعية. هذا الفرق البسيط في التسمية يعكس إشكالية أعمق تتعلق بمدى فهمنا لطبيعة الشهادات الأكاديمية التي نحملها.
لا يقتصر هذا الأمر على تخصص معين، بل ينسحب على المجالات الأكاديمية كافة. فنجد دكتوراه فلسفة في الفيزياء النووية ودكتوراه فلسفة في هندسة الطيران، وغيرهما. هذه الدقة في التسمية لا تعبر فقط عن الجانب اللغوي، بل تتجلى أهميتها في تعزيز الهوية الأكاديمية ومدى انعكاسها على المسيرة المهنية.
ومن المفارقات المثيرة أن بعض الأكاديميين يصلون إلى مرحلة التقاعد دون أن يدركوا المسمى الحقيقي لشهاداتهم. يبدو الأمر وكأنهم يعيشون في عالم من الغموض، يرددون ما هو متداول دون التوقف للتأمل في معانيه. هذا التكرار الأعمى يُبرز فجوة عميقة في النظام التعليمي، حيث يغيب التفكير النقدي ويتراجع الفهم الواعي لطبيعة الشهادة.
إذا كانت هناك دكتوراه تُمنح في فلسفة الفن أو التصميم، فهي بالضرورة تأتي من كلية الآداب، قسم الفلسفة. وعندها تُسمى بدقة "دكتوراه فلسفة في فلسفة الفن" أو "دكتوراه فلسفة في فلسفة التصميم". هذا التخصص الدقيق يُشكل الهوية الأكاديمية، ويُضفي على الشهادة بُعداً فلسفياً يعكس عمقاً فكرياً ومعرفياً.
لكن حين يتبنى الأساتذة فهماً غير دقيق لهذه الشهادات، فإن ذلك يُنتج أطروحات تفتقر إلى العمق، تنحصر في أطر نظرية ضيقة، دون أن تُلامس الجوانب التطبيقية والتجريبية التي يتطلبها الواقع. هذا التباين بين المسمى الأكاديمي وما يتطلبه الواقع العملي يُبرز الحاجة إلى إعادة النظر في فهمنا للشهادات الأكاديمية.
الألقاب الأكاديمية ليست مجرد كلمات تُزين السير الذاتية، بل هي تعبير عن الهوية العلمية والتوجه الفكري. إن فهمنا الصحيح لطبيعة الشهادة يُسهم في بناء معرفة حقيقية تعكس قيمتها وأثرها في المجتمع. فكما أن النهر لا يمكن أن يكون إلا بمياه جارية، كذلك لا تنمو الأفكار إلا من خلال الفهم العميق والواعي.
علينا أن ندرك أن الطريق إلى الفهم السليم يبدأ بإعادة صياغة العملية التعليمية. يجب أن نزرع بذور الفكر النقدي والإبداع في مناهجنا، لنجني ثماراً تنعكس على المجتمع بأسره. إن فهمنا للألقاب الأكاديمية ومدلولاتها يُمكن أن يكون مدخلاً لإصلاح شامل يُعزز من قدرتنا على تقديم إسهامات حقيقية وفعّالة.
في النهاية، يتوجب على الأكاديميين أن يتجاوزوا مرحلة التكرار الأعمى، وأن يتبنوا فهماً واعياً لشهاداتهم ومسمياتهم. هذا الفهم ليس مجرد رفاهية فكرية، بل هو ضرورة تمليها علينا مسؤولياتنا تجاه التعليم والمجتمع.
#راقي_نجم_الدين (هاشتاغ)
Raqee_S._Najmuldeen#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟