ما أشبه اليوم بالبارحة

عباس موسى الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 8214 - 2025 / 1 / 6 - 22:11
المحور: السياحة والرحلات
    

زار الرحالة الفرنسي الكونت دو شوليه بغداد عام 1890، فتحدث عنها قائلا:

كان والي بغداد سري باشا مكروهًا من كافة أهالي الولاية وموظفيها المدنيين. فقد كان يرتكب أبشع الانتهاكات بحقهم. وجرى الاتفاق بالإجماع على أن بغداد لم ترَ أحداً بهذا القدر من الجشع والأنانية. فمنذ وصوله، بات كل شيء معروضًا للبيع في المزاد؛ إذ تُباع مختلف دوائر الولاية في المزادات أو يُعهد بها إلى شركاء محتالين، ويجري شراء المحاكم وذمم قضاتها علنًا، وتنهب الضرائب التي يتم ابتزازها بالعنف، على الرغم من عدم دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية. أما القتلة واللصوص، فهم على يقين تام من الإفلات من العقاب لقاء مبالغ تعرض على الوالي أو على أعوانه، لذا، فهم يقتلون وينهبون بلا رادع ودون أي عقاب. ولن تمر ليلة واحدة لا يسمع فيها المرء أصوات إطلاقات نارية متكررة تشير إلى عدة مشاجرات، وأحيانا أمام أعين رجال الشرطة دون أي تدخل منهم لفض النزاعات. ولم يعد المرء يجرؤ على الخروج ما لم ترافقه صحبة قوية في شوارع بغداد التي كانت، فيما مضى، واحدة من أهدأ المدن. دعونا نذكر مثالين فقط على الجرأة النادرة التي يتمتع بها المجرمون اليوم، فهم متأكدون من الإفلات من العقاب، إذ أخبرنا القنصل أن مدير مصنع لينتش الإنجليزي المعروف تعرض لاعتداء داخل منزله على يد خمسة وعشرين لصًا. ولم يكن عدد الخدم في منزله كافيًا لصدهم، لذا جاء لإنقاذه ثلاثين جنديًا هنديًا ممن كانوا يحرسون القنصلية الإنجليزية. وقبل أسبوعين، تعرض طبيب نمساوي للسرقة في وضح النهار على يد ستة أفراد ملثمين.

معظم اللصوص الذين تم القبض عليهم بشق الأنفس وإحضارهم إلى مراكز الشرطة، لم يمكثوا في السجن إلا لفترة متفق عليها لحين جمع الأموال اللازمة للحصول على فدية. وبرغم الشكاوي العديدة، مازال اللصوص يتجولون بسلام في المدينة.
أثناء إقامتنا في بغداد، كنا شهود على الفوضى المخيفة التي يمكن أن تسببها مثل هذه الأمور. وخلاصة القول، منذ وصول هذا الوالي وزمرته إلى بغداد، عمل على تفكيك الولاية بأكملها وتدميرها من أجل مصالحه الذاتية، دون أي أعتبار لمشاعر رعاياه.

من كتاب (رحلة إلى بلاد ما بين النهرين عبر أرمينيا وكوردستان – 1890) -
ترجمه عن الفرنسية: عباس موسى

#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات