أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في الواقع المصري مع الدكتور حسن حماد














المزيد.....


الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في الواقع المصري مع الدكتور حسن حماد


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8213 - 2025 / 1 / 5 - 19:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في سهرة من ليالي الفكر العميقة، خصصت مساء الأمس وقتي لمشاهدة تسجيل ندوة عقدت قبل ست سنوات في مقر حركة علمانيون بالقاهرة، حيث استضافت أستاذ الفلسفة الكبير والصديق العزيز الدكتور حسن حماد. تلك الندوة كانت محطة فكرية هامة تناولت مفهوم الاغتراب كما عالجه الفيلسوف وعالم النفس الألماني إريك فروم، وربطته بواقع الإنسان المصري المعاصر. وبينما كنت أتابع هذا النقاش الثري، وجدتني أستعيد تفاصيله وأتأمل في عمق ما قدمه الدكتور حماد، الذي لم يكتفِ بالشرح النظري، بل أضاء على أبعاد الاغتراب التي نشهدها في حياتنا اليومية.

لقد تحدث الدكتور حسن حماد عن مفهوم الاغتراب عند إريك فروم، الذي رأى أن الإنسان في المجتمعات الحديثة يعيش حالة من الانفصال عن ذاته، غارقًا في عالم مادي يطغى على القيم الإنسانية. فبالنسبة لفروم، فقد الإنسان علاقته الحقيقية بنفسه ومجتمعه، وتحول إلى أداة تخدم آليات السوق والرأسمالية، ما أفرغ حياته من المعنى. هذه الفكرة، رغم بساطتها الظاهرية، تفتح أبوابًا لفهم أعمق لأزمات العصر، حيث يصبح الفرد مجرد ترس صغير في آلة ضخمة تستهلك طاقته دون أن تمنحه شعورًا بالانتماء أو الغاية.

لقد استعرض الدكتور حماد أمثلة عديدة من الواقع المصري تعكس تجليات هذا الاغتراب. فقد أصبح المثقف المصري يعاني من عزلة فكرية، يجد نفسه في صراع دائم بين محاولاته للتعبير عن رؤى عميقة وبين واقع اجتماعي منشغل بتفاصيل الحياة اليومية. ففي هذا السياق، يظهر المثقف وكأنه مغترب عن ذاته وعن مجتمعه، غير قادر على بناء حوار فعال مع من حوله. إن هذا الاغتراب المزدوج يشبه ما تحدث عنه فروم عندما أشار إلى فقدان الإنسان قدرته على التفاعل الحقيقي مع محيطه.

إن الشباب المصري أيضًا ليس بمعزل عن هذه الظاهرة، إذ أشار الدكتور حماد إلى أمثلة من حياتهم اليومية، مثل تقليدهم لموضة “البنطال الممزق” التي بدأت كرمز للتمرد في مجتمعات غربية، لكنها فقدت معناها الأصلي عندما انتقلت إلى مصر. فهنا، لم تقتصر الظاهرة على التقليد الأعمى، بل أضيفت إليها تناقضات جديدة، مثل ارتداء سروال أسفل البنطال الممزق، مما يفرغه من رمزيته. إن هذا التناقض يظهر أيضًا في سلوك الشباب الذين قد يظهرون بمظهر عصري وحداثي، لكنهم يحملون في داخلهم أفكارًا تقليدية أو متشددة، مثل المطالبة بخضوع الخطيبة لرقابة صارمة على حياتها الخاصة، مما يعكس انفصالًا عميقًا بين مظهرهم وسلوكهم.

ولم يغفل الدكتور حماد الحديث عن ظاهرة أغاني المهرجانات، التي أصبحت تعبيرًا عن تمرد جيل من الشباب على القيم التقليدية. ورغم ما تمتلكه هذه الأغاني من شعبية واسعة، فإنها تعكس أيضًا حالة من فقدان الهوية والارتباط بالقيم المجتمعية. يرى الدكتور حماد أن هذه الظاهرة تكشف عن فراغ ثقافي وقيمي يعاني منه المجتمع، حيث تُستخدم الموسيقى كوسيلة للهروب من الواقع، لكنها تفتقر إلى مضمون بنّاء يمكنه أن يعيد للإنسان شعوره بالانتماء.

إن ما يجعل هذه الندوة ذات أهمية خاصة هو الربط العميق الذي قدمه الدكتور حماد بين الواقع المصري وأفكار إريك فروم، إضافة إلى استدعائه رؤى فلاسفة آخرين تناولوا مفهوم الاغتراب. فلقد تحدث عن هيجل الذي رأى الاغتراب كحالة روحية ناتجة عن انفصال الإنسان عن الروح المطلقة، وماركس الذي ركز على الاغتراب الاقتصادي والاجتماعي، حيث يصبح العامل منفصلًا عن منتجه وزملائه. كما أشار إلى كيركجارد الذي نظر إلى الاغتراب كفقدان العلاقة مع الله ومع الذات الأصيلة، وسارتر الذي رأى أن الاغتراب يحدث عندما ينكر الإنسان حريته أو يعجز عن ممارستها، مما يجعله أسيرًا لعالم لا يملك السيطرة عليه.

إن الدكتور حماد لم يكتفِ بالتشخيص، بل أشار إلى أهمية استعادة الإنسان وعيه بذاته كخطوة أولى لتجاوز حالة الاغتراب. فشدد على أن الحل لا يكمن في رفض القيم الحديثة أو العودة العمياء إلى التراث، بل في إيجاد توازن يعيد بناء العلاقة بين الإنسان وذاته ومجتمعه، وهو ما يتفق مع رؤية فروم التي ترى أن الحب، والتعاطف، والبحث عن المعنى هي أسس تجاوز هذه الأزمة.

وبينما انتهت السهرة، لم تنتهِ تأملاتي في هذه الندوة التي أعادت لي التفكير في واقعنا المصري. فبرغم مرور ست سنوات على انعقادها، ما زالت أطروحاتها صالحة للتأمل والنقاش، حيث تكشف عن أبعاد أزماتنا الاجتماعية والثقافية وتضعنا أمام سؤال ملح: كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز اغترابه ويعيد الاتصال بذاته ومجتمعه؟ إن هذه الندوة لم تكن مجرد لحظة فكرية عابرة، بل دعوة صادقة للبحث عن معنى أعمق للحياة في عالم يزداد فيه الاغتراب يومًا بعد يوم.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟
- ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض
- حوار حول مستقبل سوريا: بين التفاؤل والتشاؤم
- محمد صلاح: رمز سلام يتحدى التعصب
- الحروف الفينيقيّة: الثورة الصامتة التي غيّرت مجرى التاريخ
- الرشدية اللاتينية: بذور النهضة الأوروبية وخسارة العالم الإسل ...
- التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...
- ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير
- إعمال العقل في النصوص الدينية: بين نور الفكر وظلام الجمود
- مصر والجائزة الكبرى في مخطط الشرق الأوسط الجديد
- اللغة العربية: بين عظمة الإرث وتحديات العصر
- قراءة في خريطة الصراعات العالمية والإقليمية: مستقبل العرب وم ...
- العقل النقدي بين “حرية العقل” وتحقيق “دويتشه فيله”: معركة ال ...
- الذكاء الاصطناعي: شريك الإنسانية في غزو المستقبل واستكشاف عو ...
- الفوضى الخلاقة: معارك عربية بين الانهيار والصمود


المزيد.....




- استقبل تردد قناة طيور الجنة 2025 على الأقمار الصناعية بجودة ...
- الحداثة والفن الإسلامي في لوحات هندية تجسد ميلاد المسيح
- أحدث تردد قناة طيور الجنة Toyor Al Janah 2025 نايل سات وعربس ...
- بوتين يهنئ المسيحيين الأرثوذكس بعيد ميلاد السيد المسيح وفقا ...
- مسيحيون يغوصون في مياه اليونان لاسترداد الصليب في عيد الغطاس ...
- مسيحيون عراقيون في المهجر يعينون مسيحيي سهل نينوى
- السيسي يشارك الاقباط احتفالات عيد الميلاد للعام 11 على التوا ...
- الأزهر: 2024 سجل رقما غير مسبوق في أعداد مقتحمي المسجد الأقص ...
- تفاصيل اعتقال الناشطة اليهودية الداعمة لفلسطين ياعل كاهن بلن ...
- الاعلام العبري: اصابة 3 اشخاص باطلاق نار على سيارة قرب سلفيت ...


المزيد.....

- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في الواقع المصري مع الدكتور حسن حماد