|
الإنسان من زاوية أخرى
الهيموت عبدالسلام
الحوار المتمدن-العدد: 8213 - 2025 / 1 / 5 - 18:13
المحور:
قضايا ثقافية
يرى "فيليب بوبولا" وهو عالم رياضيات وفيزيائي وأنثروبولوجي وباحث في أمراض السرطان أن جسم الإنسان يتكون من مليارات ومليارات الجزيئات و أن هذه الجزيئات تتشكل بدورها من ذرات، وأن الذرة الواحدة تتشكل فقط من 0.001 بالمائة من المادة، و99.99 في المائة من الخواء أو العدم، هذا العدم الذي يشكل 99.99 في المائة يتكون من الطاقة والأفكار. الطاقة شيء لا مادي ولا يٌرى بالعين مثل الجاذبية والحب والكراهية وغيرهما ، الطاقة توجد ولكنها غير مرئية ، الطاقة هي المشاعر أو الوجدان ،الطاقة هي المفتاح للحياة السعيدة أو الحياة الشقية ، الطاقة هي المحرك الذي يجعلنا نركض ونعمل ونطمح ونحب ، وهي التي تجعلنا نٌحبط وننكسر ونيأس، وحين نختار السير في اتجاه معين فإننا نسير بفضل دافع الطاقة ،الطاقة توجد في الأنهار ومحركات السيارات وفيما نأكله وما نشربه وفي كل خلية من خلايا جسمنا. الطاقة هي القوة في الحركة كما يقول أرسطو، الطاقة في كل شيء ، في النهر الذي يحرك العجلة ، في قوة الرياح التي تدير التوربينات ،وفي الإنسان طاقة تسري في جميع أعضاء وخلايا الجسم ، الحركة طاقة والكلمة طاقة والابتسامة طاقة ،والنظرة طاقة . وحين يحصل أن نتلقى صدمة أو نفقد قريبا أو نتعرض لحادثة سير فإننا نشعر بأننا ضائعون ومفصولون عن الواقع وغير قادرين على اتخاد القرار، في هذه الحالة نكون قد فقدنا الطاقة.
تقول الباحثة "ناتاشا كاليستريمي " في كتابها "مفتاح الطاقة" إن الطاقة هي العقل المدبر العاطفي لمجموعة من الشبكات العصبية الجسدية وتسمى الضفيرة البطنية أو الضفيرة الشمسية وتوجد في حفرة المعدة وأسفل عظمة القص مباشرة وهي واحدة من الشاكرات السبع وهي مقر الروح. يعتبر "نيتشه" أن الحياة هي الطاقة، الطاقة هي أن ترى الأشياء جميعها مفعمة بالحياة وتتجدد ،الشجرة ليست خضراء ولكن تخضر، نفس التصور للفيلسوف "هيراقليطس" في (ق 6 قم)يرى أن العالم يسير في دينامية متحركة كبيرة وأن كل شيء يتدفق دون توقف ولا يمكن أن نسبح في نفس النهر مرتين ، خلق مستمر، حركة مستمرة ،الحياة المفعمة بالطاقة تصارع الموت وتصارع الجمود ،هي حرب إيجابية لمناصرة الكائن ، الحياة كانت دائما في قلب الفكر ،لدى "شوبنهاور" ما يعرف بإرادة الطبيعة فهو يرى عالم النبات حي وعالم الحيوان حي وعالم الإنسان حي وعالم ما فوق الإنسان حي ، مثلا هناك من الناس من يعطيك طاقة ويجعلك أكثر تفاعلا وأكثر عطاء وإقبالا على الحياة وهناك من يعطلها فيك لأنه سلبي ومريض ويعمل على أن يصبح الجميع مرضى وسلبيين وعاجزين عن مجاراة نهر الحياة ، بل إن لديه رفض للحياة أو ما يسميه "نتشه" بالمتعة الثعلبية لتسميم الحياة وجعل الآخرين مرضى وببراعة يتحدث "نتشه" أن جدارة الحياة ترتبط بمقدار الطاقة لدى الإنسان . الإنسان في تشكيلهه قليل من المادة رغم هذا اللهاث والحروب والطمع والركض للحصول على الثروات والمصايف والشركات واليخوت والقلاع ،فإن الإنسان يكاد يكون في تركيبته كائنا فكريا أو روحيا أكثر منه ماديا، الإنسان توليفة من المشاعر والأفكار والأحلام والمعاني والرموز والاستعارات ...
ليس الإنسان فقط فإن الكون بأسره يحكمه قانون الاهتزاز الطاقي وهو قانون كوني وهو قد وٌجد هذا القانون حتى قبل نشوء الكون ،وأنه يسري في أصغر ذرة إلى أكبر مجرة في حالة اهتزاز مستمرة وهي رقصة لا تتوقف لهذا الكون ،إنه مثل مكنسة كونية كل جسم يلعب فيها دوره ،وباعتبارنا كائنات فكرية ذات تجربة إنسانية فلسنا مجرد متفرجين في هذه الرقصة بل نحن جزء منها ،فجوهرنا الإنساني يتشكل من هذه الطاقة الاهتزازية ،أجسامنا وأفكارنا وتطلعاتنا ومشاعرنا وأحلامنا كلها طاقة في حركة دائمة، التحدي هو أن نتعلم كيف نسبح في هذا العالم الطاقي وأن نعرف كيف نهتز في انسحام مع الموجات الترددية التي تجلب الفرح والنجاح والتضامن والتعاطف في حياتنا ، الكلمات التي ننطقها والإشارات التي نقوم بها وحتى الأفكار التي نفكرها والمشاعر التي نحسها كلها تبعث اهتزازت تشكل واقعنا ، هذه الرسائل بمثابة نواقل للطاقة قوية في العالم، بمثابة علامات تقول من أنا وماذا أريد ؟ تقول هل مشاعرنا فرحة أم حزينة؟ هادئة أم مضطربة؟.
نحن أفكار ومشاعر وليس أجساد ونحن لم نولد لأنفسنا فقط ، إن قوة الفكر أعظم طريق للاكتشاف وللتغيير وليس هناك أجمل من شخص يبذل قصارى جهده ليجعل الحياة جميلة للآخرين وأن مساعدة الأخرين هي الخلطة السرية للحياة، يقول "نيكولاي غوغول" في "مذكرات مجنون" : أعتقد أن تبادل الأفكار والمشاعر والانطباعات هو أحد أكثر مٌتع هذا العالم رٌقيًا ، وتقول "سوزي قاسم" فيلسوفة ومخرجة سينمائية : "لكي نغير العالم حقًا علينا أن نساعد الناس على تغيير الطريقة التي يرون بها الأشياء، إن التغيير العالمي هو عملية تغيير لعقول الناس وليست عملية تتطلب مبالغ ضخمة من المال أو مستوى عال من السلطة، التغيير يجب أن يكون نفسيا وفكريا، لذا إذا كنت تريد أن ترى تغييرا حقيقيا فابق مثابرا ومواظبا على تثقيف الإنسانية حول مدى تشابهنا جميعا وليس خلافاتنا ، ساعد أيضا جميع من حولك على رؤية العالم من خلال القواسم المشتركة حتى يرغبوا في التغيير معك. هذه هي الطريقة التي ستتطور بها البشرية لتصبح أفضل وأعدل، هذه هي الطريقة التي يمكنك بها تغيير العالم، إنها لغة الفكر والمشاعر وهي اللغة المشتركة الرئيسية للبشرية". المعتقل قد تضيق عليه زنزانته حد الاختناق وقد تتسع وتلمع حسب الأفكار التي تدور في رأسه ، يقول "دان براون" روائي أمريكي "في الأيدي الصحيحة يمكن للنار أن توفر الإضاءة ولكن في الأيدي الخطأ يمكن أن تكون النار مدمرة وحارقة " والمال ليس أصل الشرور كما يقول الكتاب المقدس فالبمال يمكن أن نبني الطرق والجسور والمدارس والجامعات والمستشفيات وننقد حياة الناس من الجوع والبرد والبؤس وبالمال يمكن ان نستعبد الناس ونقهرهم ونجهلهم ونحولهم إلى مجرد أرقام بل إلى مجرد حيوانات. كل التحولات وكل الثورات وكل النهضات سبقتها ثورات فكرية، وكل الثوار والمصلحون والفلاسفة والأنبياء جاءوا بنظريات فكرية لتغيير تصورات وأفكار شعوبهم قبل تغيير أوضاعهم، في حصيلة بئيسة يقول "عبد الله العروي" إننا في مجتمعات نتكلم عن الأموات أكثر ما نتكلم عن الأحياء .
#الهيموت_عبدالسلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا التي ...
-
حول مذكرة الاعتقال في حق نتن ياهو ويوآف غالانت
-
انهيارإسرائيل
-
يكفيك فخرا
-
المغاربة
-
الكتابة والارتزاق
-
حرب الأنفاق في غزة
-
الحركة الطلابية الغربية و دعمها لغزة وفلسطين
-
جحيم الفكر
-
آفة العبودية الطوعية
-
أسئلة المعنى واللايقين
-
النحل أم الدبابير
-
الشعب الفلسطيني وجدارة الحياة
-
صفحات سوداء من تاريخ منطقة زرهون : الباشاوات القواد والشيوخ
-
البنيات الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة زرهون (1911-1939)
-
صفحات من تاريخ منطقة زرهون
-
حين كنت ذبابة إلكترونية
-
افرضوا علينا المزيد من الضرائب قبل أن يفوت الأوان
-
المدرسة وهوس التميز
-
مزاد الأعضاء البشرية
المزيد.....
-
بحجم دراجة نارية.. سمكة تونة تُباع بأكثر من مليون دولار بمزا
...
-
-هل هذه مزحة؟-.. شاهد راكبًا يعلق بسيارة أجرة ذاتية القيادة
...
-
رئيس أذربيجان يتهم روسيا بـ-التستر- على حادث تحطم طائرة الرك
...
-
فريق CNN يزور نهر الليطاني بلبنان.. ما أهميته بالنسبة لإسرائ
...
-
الحرب بيومها الـ459: مقتل قائد سرية إسرائيلي ونائبه بشمال قط
...
-
سوريا: التوغل الإسرائيلي واحتلال أراضي القنيطرة يثير غضب سكا
...
-
ترامب والذكاء الاصطناعي.. خمسة تحديات تنتظر العالم في 2025
-
مبعوث ترامب الخاص يؤجل زيارته إلى كييف
-
دراسة تنصح بأفضل الوجبات الصحية للعام الجديد 2025
-
بايدن يزور نيو أورلينز لتكريم ذكرى ضحايا هجوم رأس السنة (صور
...
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|