كيف تجدُ الطُّيُورُ طريقها أَثناء الهجرةِ: أَسرارُ الملاحةِ الطَّبيعيَّةِ!

محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)

الحوار المتمدن-العدد: 8213 - 2025 / 1 / 5 - 10:06
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

تُعتبرُ هجرةُ الطُّيورِ من أعظمِ الظواهرِ الطَّبيعيةِ التي تُثيرُ الاهتمامَ والإعجابَ. في كلِّ عامٍ، تقومُ ملايينُ الطُّيورِ برحلاتٍ طويلةٍ عبرَ مسافاتٍ شاسعةٍ، تنتقلُ خلالها من مناطقِ تكاثرِها في الشَّمالِ إلى المناطقِ الأكثرِ دفئاً في الجنوبِ، ثمَّ تعودُ مرةً أُخرى، لكنَّ السؤالَ الذي يظلُّ يطرحُ نفسَه: كيفَ تَجدُ الطُّيورُ طريقها في هذهِ الرِّحلاتِ الطويلةِ والمُعقَّدةِ؟

أحدُ العواملِ الرئيسيَّةِ التي تُساعدُ الطُّيورَ في تحديدِ اتجاهاتِها أثناءَ الهجرةِ هو استخدامُ الحُقولِ المغناطيسيَّةِ الأرضيَّةِ. قد لا يكونُ هذا الأمرُ جديداً بالنسبةِ للعلماءِ، فقد أثبتت العديدُ من الدراساتِ أنَّ الطُّيورَ تمتلكُ قُدرةً فِطريَّةً على اكتشافِ الحُقولِ المغناطيسيَّةِ للأرضِ واستخدامِها كمرشدٍ لتحديدِ الاتجاهاتِ. هذهِ القُدرةُ تُتيحُ لها التَّنقُّلَ عبر مسافاتٍ شاسعةٍ، حتى في غيابِ أيِّ معالِمَ بَصريَّةٍ.

هُناكَ أجزاءٌ مُعيَّنةٌ في دماغِ الطُّيورِ تحتوي على خلايا حسَّاسةٍ للمغناطيسيَّةِ، تسمحُ لها بالاستفادةِ من الحُقولِ المغناطيسيَّةِ للأرضِ.
وعندما تَطيرُ الطُّيورُ في السَّماءِ، يُمكنُها استخدامُ هذهِ الحُقولِ كمؤشِّرٍ على الاتجاهِ الصَّحيحِ.
كما أظهرت بعضُ الدِّراساتِ أنَّ الطُّيورَ قد تَعتمدُ أيضاً على شِدَّةِ الحُقولِ المغناطيسيَّةِ للاعتمادِ على تقنياتِ الملاحةِ المختلفةِ.

إلى جانبِ الحُقولِ المغناطيسيَّةِ، تَعتمدُ الطُّيورُ أيضاً على مواقعِ النُّجومِ والشَّمسِ أثناءَ رِحلاتِ الهجرةِ.
على سبيلِ المثالِ، أثناءَ الهجرةِ اللَّيليَّةِ، يُمكنُ للطُّيورِ استخدامُ النُّجومِ كأداةِ ملاحةٍ. قد تستخدمُ بعضُ الطُّيورِ النَّجمَ القُطبيَّ، المعروفَ بموقعِه الثَّابتِ في السَّماءِ، كمرشدٍ رئيسيٍّ.
هذا يُساعدُها في تحديدِ الاتجاهاتِ، خاصَّةً في اللَّيلِ عندما يكونُ غيابُ الشَّمسِ.

أمَّا في النَّهارِ، فإنَّ الشَّمسَ تُشكِّلُ مصدراً آخرَ للاتجاهاتِ. الطُّيورُ قادرةٌ على حسابِ الوقتِ واستخدامِ موقعِ الشَّمسِ في السَّماءِ لتحديدِ المَسارِ الصَّحيحِ.
من خلالِ معرفةِ وقتِ النَّهارِ، يُمكنُها تعديلُ رحلاتِها وفقاً لموقعِ الشَّمسِ وتوجيهِ نفسِها بدقَّةٍ نحوَ وجهتِها.
البحثُ عن الرَّوائحِ الجغرافيةِ والمعالمِ البيئيَّةِ يُعتبرُ من العواملِ المُهمَّةِ التي تُسهِمُ في توجيهِ الطُّيورِ أثناءَ هجرتِها. تُظهرُ العديدُ من الدِّراساتِ أنَّ الطُّيورَ تَستطيعُ رصدَ الرَّوائحِ في الهواءِ وتمييزَها وفقاً للبيئةِ التي تَمرُّ بها.
على سبيلِ المثالِ، عندما تُهاجرُ الطُّيورُ بالقربِ من الشَّواطئِ أو السَّواحلِ، قد تَستخدمُ الرَّوائحَ الخاصَّةَ بتلكَ المناطقِ للمُساعدةِ في تحديدِ المَسارِ الصَّحيحِ.

بالإضافةِ إلى ذلكَ، قد تَستخدمُ الطُّيورُ معالمَ جُغرافيةً مُحدَّدةً مثلَ الجبالِ والأنهارِ في رِحلاتِها. هذهِ المعالمُ يُمكنُ أن تكونَ بمثابةِ نِقاطٍ مرجعيَّةٍ تُساعدُ الطُّيورَ في الحفاظِ على مَسارِها أثناءَ التَّنقُّلِ عبرَ أراضٍ شاسعةٍ.
قد تكونُ هذهِ المعالمُ أكثرَ وُضوحاً للطُّيورِ التي تَطيرُ في مناطقَ مألوفةٍ.

تُشيرُ الأبحاثُ أيضاً إلى أنَّ بعضَ الطُّيورِ تَكتسبُ مهاراتِ الهجرةِ من خلالِ التعلُّمِ والتَّجربةِ. الطُّيورُ الصَّغيرةُ، على سبيلِ المثالِ، قد تَعتمدُ في بدايةِ هجرتِها على الطُّيورِ الأكبرِ سِنّاً أو أكثرِ خِبرةً.
يُمكنُ للطَّائرِ البالغِ أن يُرشِدَ الطُّيورَ الصَّغيرةَ في كيفيةِ استخدامِ تقنياتِ الملاحةِ، مثلَ التوجيهِ باستخدامِ النُّجومِ أو الشَّمسِ.

قد تكونُ الطُّيورُ الصَّغيرةُ أقلَّ قُدرةً على التَّنقُّلِ بشكلٍ دقيقٍ في بدايةِ حياتِها، ولكن معَ مرورِ الوقتِ والتَّجربةِ، تَكتسبُ مهاراتِها الخاصَّةَ وتتعلَّمُ كيفيَّةَ استخدامِ الحَواسِ والملاحظاتِ البيئيَّةِ للوصولِ إلى وجهتِها.

من خلالِ التقدُّمِ التِّكنولوجيِّ في علمِ الأحياءِ، أصبحَ من الممكنِ اليومَ دراسةُ كيفيَّةِ تنقُّلِ الطُّيورِ أثناءَ الهجرةِ بشكلٍ أكثرَ دِقَّةً.
فبِاستخدامِ أجهزةِ التَّتبُّعِ الحديثةِ، مثل أجهزةِ GPS، أصبحَ العلماءُ قادرينَ على تتبُّعِ مَساراتِ الطُّيورِ في الوقتِ الفعليِّ. هذهِ التِّقنياتُ قدَّمت رؤىً جديدةً حول كيفيَّةِ تعامُلِ الطُّيورِ مع تحدِّياتِ الهجرةِ، مثل العواملِ الجويَّةِ أو الحواجزِ الجُغرافيةِ.

تسمحُ هذهِ الدِّراساتُ أيضاً بفَهمِ كيف يتأثَّرُ سُلوكُ الطُّيورِ بسببِ التَّغيُّراتِ البيئيَّةِ، مثل تغيُّرِ المُناخِ، وكيف يُمكنُ أن تُؤثِّرَ هذهِ التَّغيُّراتُ على طُرقِ الهجرةِ. فالتَّغيُّراتُ في درجاتِ الحرارةِ أو توافُرِ الغذاءِ يُمكنُ أن تُؤثِّرَ بشكلٍ كبيرٍ على توقيتِ وسُلوكِ الهجرةِ.

تُعدُّ هجرةُ الطُّيورِ من أعظمِ الظواهرِ الطَّبيعيةِ التي تلعبُ فيها العديدُ من العواملِ دوراً حيويّاً. من خلالِ استخدامِ الحُقولِ المغناطيسيَّةِ للأرضِ، والاعتمادِ على النُّجومِ والشَّمسِ كأدواتِ ملاحةٍ، بالإضافةِ إلى الاستفادةِ من الرَّوائحِ والمعالِمِ الجغرافيةِ، تتمكَّنُ الطُّيورُ من قَطعِ مسافاتٍ شاسعةٍ والعودةِ إلى وجهاتِها بدِقَّةٍ مذهلةٍ. ورغمَ أنَّ بعض الطُّيورِ تَعتمدُ على الخِبرةِ والتعلُّمِ، فإنَّها جميعاً تُظهِرُ قُدرةً هائلةً على التَّأقلمِ مع البيئةِ والملاحةِ عبر الرِّحلاتِ المُعقَّدةِ.
......................

مراجع باللغة العربية:

1. من الخريطة المغناطيسية لجينات الارتحال.. كيف تستدل الطيور المهاجرة على سُبلها؟

سنة النشر: 14 أغسطس 2021

الدولة: المملكة العربية السعودية

المصدر: موقع العربية

2. كيف تحدد الطيور مسارها عند الهجرة بين البلدان والقارات؟

سنة النشر: غير محددة

الدولة: الأردن

المصدر: موقع طقس العرب

3. كيف تعرف الطيور المهاجرة طريقها في الليل

سنة النشر: 23 سبتمبر 2019

الدولة: روسيا

المصدر: موقع سبوتنيك عربي

مراجع باللغة الإنجليزية:

1. How Migrating Birds Use Quantum Effects to Navigate

سنة النشر: 1 يونيو 2012

الدولة: الولايات المتحدة الأمريكية

المصدر: مجلة Scientific American

2. The Basics: How Birds Navigate When They Migrate

سنة النشر: 1 أكتوبر 2006

الدولة: الولايات المتحدة الأمريكية

المصدر: موقع All About Birds

3. How Do Birds Navigate?

سنة النشر: 1 سبتمبر 2016

الدولة: الولايات المتحدة الأمريكية

المصدر: مركز Smithsonian Science Education Center

4. How migratory birds use Earth s magnetic field to navigate and...

سنة النشر: 1 فبراير 2022
الدولة: الولايات المتحدة الأمريكية
المصدر: موقع Vox

#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات