أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟














المزيد.....


انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 20:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في أعماق العقل العربي، تسكن فكرة متأصلة لا تكاد تفارقه، تلك الفكرة التي تعيد تشكيل الأمل حين يغيب، وتبرر العجز حين يصبح خيارًا وحيدًا. هي فكرة انتظار الحلول الغيبية، التي تأتي من السماء أو من حيث لا يدري المرء، لتنقذه من مآزق الحياة وتنتشله من قبضة الواقع الموجع. في هذا الإطار، يصبح الأمل الغيبي أكثر إلحاحًا، وأكثر رسوخًا، ليحمل العقل مسؤولية تخفيف العبء عن الكاهل المثقل بالتاريخ والجغرافيا والظروف.

خذ مثالًا واضحًا من مصر، حيث يواجه الشعب أزمة سد النهضة الإثيوبي. إن هذه الأزمة التي تبدو كاختبار صعب لإرادة المصريين ووسائلهم، تحولت لدى قطاع كبير من الناس إلى انتظار لتدخل الغيب. فعندما صدرت تصريحات من بعض الباحثين تفيد باحتمالية انهيار السد بفعل زلزال أو كارثة طبيعية، تلقفها البعض كما لو كانت حقيقة لا تقبل الجدل، وكأن الطبيعة ستتولى ما عجزت عنه السياسة. لكن هذا لا يعكس التفكير الجمعي لكل المصريين، فهناك من يدرك تمامًا أن بناء السدود الكبرى يخضع لخبرات عالمية ودراسات علمية دقيقة، وأن الشركات المسؤولة عن هذا البناء لن تخاطر بسمعتها أو مستقبلها في السوق العالمية بسبب خلل يمكن تفاديه.

والأهم أن هذا التصور لا يمثل موقف الدولة المصرية، التي سعت وما زالت تسعى بشتى الوسائل القانونية والسياسية والدبلوماسية للتوصل إلى حلول عادلة ومناسبة تراعي احتياجات كل من مصر وإثيوبيا. إن مصر الدولة تعمل بشكل مستمر على استخدام الأدوات العملية والمنطقية، وتستند إلى ما تتيحه القوانين الدولية من آليات لحل النزاعات المائية، بعيدًا عن الاعتماد على الفرضيات الغيبية أو الحلول الخارجة عن إطار الواقع.

لكن هذه الظاهرة لا تقف عند حدود أزمة بعينها، بل تتسع لتشمل نمط التفكير ذاته في التعامل مع الثروات الطبيعية. ترى الشعوب العربية، والمصريين منهم على وجه الخصوص، ينتظرون أو يتمنون اكتشافات نفطية أو غازية مفاجئة تغير واقعهم الاقتصادي وتنقلهم من دائرة المعاناة إلى رحابة الرفاهية. ورغم أن الدراسات الجيولوجية في أغلب الأحيان لا تدعم هذا الأمل، يظل الكثيرون متشبثين بانتظار المعجزة، كأن الأرض ستجود بما ينقصهم، متجاهلين أن التغيير الحقيقي يأتي بالعمل والابتكار، لا بالتمنيات.

ومن هذا النمط ينتقل العقل العربي إلى حالة أخرى، وهي الاحتفاء بالمصائب التي تحل بالأعداء. ففي خضم المعارك والصراعات، تشتعل الحروب على غزة، وتُراق الدماء، ويتحول الألم إلى جزء من المشهد اليومي، لكن الشعوب تنظر لما يحدث في إسرائيل، من مظاهرات أو أزمات داخلية، كعلامات انتصار، بل وأحيانًا كغضب إلهي. وحين تم الإعلان عن مرض نتنياهو، ظهرت أصوات تحتفل وكأن المرض نصر بحد ذاته، وحين تخرج مظاهرات ضد الحكومة، يُنظر إليها كإشارة لانهيار قريب. لكن، هل هذه الأحداث هي ما يحقق النصر؟ وهل المصائب التي تحل بالخصم تُعد إنجازًا؟

في هذا السياق، يظهر الارتباط الواضح بين هذه الثقافة الغيبية وعقيدة الانتظار الكبرى. إن فكرة المهدي المنتظر الذي سيأتي في نهاية الزمان ليملأ الأرض عدلًا بعد أن مُلئت جورًا، أو المسيح الذي سيعود ليهزم الشر، أو المسيخ الدجال الذي يحمل علامات النهاية، كلها تجسد هذه النزعة. إنها ليست مجرد معتقدات دينية، بل أسلوب في التفكير يعكس عجزًا عن مواجهة الواقع وتعويلًا على قوة غيبية لتصحيح مسار التاريخ.

هذا النمط من التفكير له جذور عميقة. ربما يعود إلى الإرث الثقافي الذي تشكّل على مدار قرون، أو إلى تاريخ طويل من المحن والاضطرابات التي جعلت الأمل في الغيب ملاذًا أخيرًا. وربما لعب ضعف التعليم وتراجع التفكير العلمي النقدي دورًا في تعزيز هذه الفكرة، إلى جانب غياب النماذج الواقعية للنجاح التي يمكن أن تلهم الشعوب للسعي والعمل بدلًا من انتظار المجهول.

إن الحل لا يكمن في مهاجمة هذه المعتقدات أو محاولة استئصالها، بل في إعادة توجيهها. فالإيمان بالغيب يمكن أن يكون دافعًا للسعي والعمل، بدلًا من أن يتحول إلى أداة للهروب من المسؤولية. الشعوب التي تنتظر انهيار السدود بفعل الطبيعة يمكنها أن تستثمر في الحلول الدبلوماسية والعلمية. والأمل في اكتشاف الثروات الطبيعية يمكن أن يُستبدل بالسعي لتنمية الطاقات المتجددة وتطوير الصناعات المحلية. أما الاحتفاء بمصائب الأعداء، فهو لا يصنع نصرًا، بل يصرف الانتباه عن بناء الذات.

إن العقل العربي بحاجة إلى ثورة في التفكير، ثورة تجعل من الإيمان قوة للبناء والعمل، لا وسيلة للتبرير والانتظار. ففي نهاية المطاف، لا يصنع الغيب المعجزات، بل يصنعها من يؤمنون به ويسعون لتحقيقها بأيديهم.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض
- حوار حول مستقبل سوريا: بين التفاؤل والتشاؤم
- محمد صلاح: رمز سلام يتحدى التعصب
- الحروف الفينيقيّة: الثورة الصامتة التي غيّرت مجرى التاريخ
- الرشدية اللاتينية: بذور النهضة الأوروبية وخسارة العالم الإسل ...
- التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...
- ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير
- إعمال العقل في النصوص الدينية: بين نور الفكر وظلام الجمود
- مصر والجائزة الكبرى في مخطط الشرق الأوسط الجديد
- اللغة العربية: بين عظمة الإرث وتحديات العصر
- قراءة في خريطة الصراعات العالمية والإقليمية: مستقبل العرب وم ...
- العقل النقدي بين “حرية العقل” وتحقيق “دويتشه فيله”: معركة ال ...
- الذكاء الاصطناعي: شريك الإنسانية في غزو المستقبل واستكشاف عو ...
- الفوضى الخلاقة: معارك عربية بين الانهيار والصمود
- في الوفاء نكتب: قيمة إنسانية لا تموت


المزيد.....




- الاعلام العبري: اصابة 3 اشخاص باطلاق نار على سيارة قرب سلفيت ...
- المسيحيون الأرثوذكس يحيون قداس عيد الميلاد في بيت لحم.. أجوا ...
- ماذا عن تصريحات وزير الخارجية التركية بشأن انعاش تنظيم الدول ...
- Toyor Al Janah أحدث تردد قناة طيور الجنة 2025 عبر النايل وعر ...
- -سوريا ستصبح تحت قيادتك دولة رائدة-.. ماذا طلب نجل الحاخام ا ...
- الجهاد الاسلامي: نبارك العملية البطولية قرب مستوطنة كدوميم ش ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: من يتبع طريق حماس في غزة ويرعى قتل ا ...
- محافظة المثنى تحيي المواقف الجهادية لقادة النصر في مجابهة ال ...
- راكب يهودي يهاجم مضيفة طيران لارتدائها دبوسا تضامنا مع الفلس ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن البدء في تجنيد أول دفعة من اليهود -الم ...


المزيد.....

- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟