أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟














المزيد.....


ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8211 - 2025 / 1 / 3 - 18:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مجتمعاتنا، يثير الدهشة أن تجد إنسانًا متعلمًا، وربما يحمل أعلى الدرجات العلمية كالدكتوراه، يقف بعناد أمام حقائق علمية راسخة، متشبثًا بنظريات مؤامرة لا سند لها. إن هذا المشهد، رغم غرابته، يتكرر كثيرًا، ويطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة الفكر والعقل لدى هؤلاء الذين يفترض أنهم ينتمون إلى النخبة المثقفة.

إننا نجد بعض هؤلاء يتحدثون بثقة عن أن وكالة ناسا قامت بتدليس صور نزول الإنسان على القمر، مستندين إلى جملة مبتسرة من هنا أو هناك، أو إلى تفاصيل سطحية قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها تثير الشكوك. لكن، ما إن يتعمق المرء في الأمر، يجد أن تلك الشكوك مبنية على انتقاء مغرض للمعلومات، وإغفال متعمد للسياق الكامل. ولعل الأسوأ من ذلك أن من يحمل هذا المعتقد ليس أميًا بسيطًا، بل شخصًا قد يمتلك شهادة علمية رفيعة.

يتكرر الأمر مع قضايا علمية كبرى مثل كروية الأرض. فتجد من يرفض الفكرة برمتها، ويتهم مئات السنين من البحث العلمي بالخداع. وبينما يهاجم هؤلاء المؤسسات العلمية الكبرى التي كرست حياتها لفهم الكون، تراهم يتمسكون باقتباسات مبتورة أو آراء قديمة تجاوزها العلم منذ عقود طويلة. والأمر لا يتوقف عند رفض الحقائق، بل يصل إلى صناعة روايات بديلة، تعتمد على نظرية المؤامرة لتبرير هذا الإنكار.

إن الأمر يزداد غرابة حين يتناول قضايا مثل نظرية التطور. فبالرغم على أن ما يقرب من 98% من العلماء حول العالم يؤيدون هذه النظرية، بناءً على أبحاث مدعومة بآلاف الأدلة العلمية، يرفض البعض هذا الإجماع رفضًا قاطعًا. فيركز هؤلاء على ما يعتبرونه فجوات في النظرية، وهي فجوات علمية طبيعية في كل مجال معرفي، لكنها تصبح في أيديهم ذريعة لتفكيك النظرية بأكملها. إنهم يبدون وكأنهم يصارعون العلم نفسه، متشبثين بمواقف متناقضة لا أساس لها إلا رفض كل ما يهدد قناعاتهم المسبقة.

وفي خضم هذا الإنكار، تتجه الأنظار نحو علماء عرب يساهمون بجهود كبيرة في نشر الحقائق العلمية، مثل الدكتور هشام سلام، أحد أبرز علماء الحفريات في العالم العربي. إن الدكتور هشام، الذي لا يتردد في إعلان أن نظرية التطور حقيقة علمية مدعومة بالأدلة، يتعرض لحملة هجوم شرسة على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك. المفارقة أن معظم الهجمات تأتي من متعلمين أو حاصلين على شهادات علمية، يرفضون قبول الحقيقة العلمية، ويحولون نقاشًا أكاديميًا رصينًا إلى ساحة للتجريح الشخصي.

وقد يحتج البعض على هذه الظاهرة في مجتمعاتنا بالقول إن هناك في الغرب أيضًا من يؤمن بنظرية المؤامرة، أو يرفض كروية الأرض، أو ينكر نظرية التطور. ونحن لا ننكر وجود هؤلاء، لكننا نشير إلى أنهم في الغرب يمثلون عددًا قليلًا للغاية، لا يُعتد به مقارنة بالأغلبية الساحقة التي تتبع العلم والمنهج العلمي. أما في مجتمعاتنا، فالأمر يختلف بشكل ملحوظ، حيث يبدو أن الإنكار والتشبث بنظريات المؤامرة أصبح ثقافة واسعة الانتشار. ومن يحتج بمثل هذه الحجة إنما يسلك نفس مسار الذي يبحث عن رأي شاذ في أي نظرية علمية، متجاهلًا كل الأدلة المدعومة التي يقدمها العلماء.

ولا يتوقف المشهد عند حدود العلوم الطبيعية، بل يمتد إلى التاريخ وعلم الآثار. إذ كيف يمكن لشخص يحمل درجة علمية أن يرفض نتائج أبحاث أثرية رصينة فقط لأنها لا تتماشى مع الروايات التاريخية التي نشأ عليها؟ فنجدهم يهاجمون علماء مثل زاهي حواس، الذي أكد أن علم الآثار لم يقدم حتى الآن أي دليل يثبت وجود بني إسرائيل في مصر، ويهاجمونه بشراسة تفوق أي نقاش علمي منطقي.

ولعل أكثر ما يدعو للأسف أن هذا الهجوم لا يقتصر على غير المتعلمين أو هواة النقاش، بل يصدر أيضًا عن أشخاص يُفترض أنهم علماء أو باحثون. إن هؤلاء، بدلًا من أن يكونوا قدوة في تقبل الحقائق والبحث عن المعرفة، يتحولون إلى رموز لثقافة الإنكار والتمسك بالأساطير.

كيف لإنسان عاقل، يحمل لقب عالم أو باحث، أن يهاجم زملاءه العلماء لمجرد أنهم يقدمون أدلة لا تتماشى مع آرائه؟ كيف لعقل يُفترض أنه متفتح أن يغلق أبوابه أمام كل ما توصل إليه العلم، متشبثًا بآراء شاذة لم تُثبت يومًا، أو بنظرية مؤامرة تُعفيه من عناء التفكير النقدي؟

إن الأمر ليس مجرد جهل أو نقص في التعليم. إنه يتعلق بثقافة أكبر، ثقافة ترى في العلم تهديدًا للموروثات، وتجد في نظريات المؤامرة ملاذًا آمنًا يحمي الفرد من مواجهة تعقيدات الحقيقة. إن هؤلاء لا يدركون أن العلم ليس عدوا، بل هو رحلة مستمرة لفهم هذا العالم الذي نعيش فيه. إنه طريق مليء بالتساؤلات والشكوك، لكنه يعتمد دائمًا على الأدلة، وليس على الافتراضات.

ربما كان من الأسهل على هؤلاء أن يعيشوا في عالمهم الخاص، حيث كل شيء بسيط وواضح، وحيث تكون المؤامرة هي التفسير الوحيد لكل ما لا يفهمونه. لكن الحقيقة تظل حقيقة، والعلم سيبقى هو الطريق الوحيد لفهمها، مهما رفضه الرافضون أو هاجمه المنكرون.

إن ما يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم ليس نقص المعرفة بقدر ما هو فقدان الثقة بالعقل والمنهج. إن هؤلاء ينسون أن الشك في العلم لا يعني نفيه، وأن الحقيقة العلمية، وإن لم تكن مطلقة، تظل أفضل ما توصلت إليه البشرية في رحلتها لفهم هذا العالم. ولعل أعظم إنجاز للعلم أنه يعلمنا التواضع، ويذكرنا دائمًا بأن الطريق إلى المعرفة لا ينتهي.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض
- حوار حول مستقبل سوريا: بين التفاؤل والتشاؤم
- محمد صلاح: رمز سلام يتحدى التعصب
- الحروف الفينيقيّة: الثورة الصامتة التي غيّرت مجرى التاريخ
- الرشدية اللاتينية: بذور النهضة الأوروبية وخسارة العالم الإسل ...
- التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...
- ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير
- إعمال العقل في النصوص الدينية: بين نور الفكر وظلام الجمود
- مصر والجائزة الكبرى في مخطط الشرق الأوسط الجديد
- اللغة العربية: بين عظمة الإرث وتحديات العصر
- قراءة في خريطة الصراعات العالمية والإقليمية: مستقبل العرب وم ...
- العقل النقدي بين “حرية العقل” وتحقيق “دويتشه فيله”: معركة ال ...
- الذكاء الاصطناعي: شريك الإنسانية في غزو المستقبل واستكشاف عو ...
- الفوضى الخلاقة: معارك عربية بين الانهيار والصمود
- في الوفاء نكتب: قيمة إنسانية لا تموت
- التاريخ بين الحقيقة والتحريف: دعوة لدراسته بمنهج علمي موضوعي


المزيد.....




- حزب -النور السلفي- المصري: محاولات تصدير التجربة السورية إلى ...
- تفاصيل عام صعب على المسجد الأقصى
- سلي طفلك تحديث تردد قناة طيور الجنة للأطفال الان
- قوات الاحتلال تقتحم حي البستان ببلدة سلوان جنوب المسجد الاقص ...
- ما هي بواعث التوجس المصري من وصول -إسلاميين- إلى سدة الحكم ف ...
- الزعيم الروحي للموحدين الدروز في سوريا: حل الفصائل المسلحة و ...
- بابا الفاتيكان: التنمر في المدارس يُعدُّ الطلاب للحرب بدلا م ...
- احدث تردد قناة طيور الجنة 2025 عبر نايل وعرب سات جودة HD
- تسليم لوحة تتضمن كلمات قائد الثورة عن المسيح (ع) لبابا الفات ...
- حقيقة الطائفية .. ما بين الحكومة السورية السابقة والراهنة


المزيد.....

- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟