|
ما سبب الدعم الأمريكي الهائل لإسرائيل؟ (2)
حسام عامر
الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 12:02
المحور:
القضية الفلسطينية
الكاتب: آدم هنية.
ترجمة: حسام عامر.
ملاحظة المترجم: هذا المقال مقتبس من مقال لأستاذ الاقتصاد السياسي والتنمية الدولية في جامعة إكستر أدم هنية، ونشر عام 2024، ويحمل العنوان Framing Palestine Israel, the Gulf states, and American power in the Middle East.
كما حدث في أماكن أخرى حول العالم في الخمسينيات والستينيات، ظهر عدد كبير من الحركات القومية والشيوعية واليسارية القوية التي تحدت الحكّام الذين كانوا مدعومين من الاستعمار الفرنسي والبريطاني في الشرق الأوسط، وشكلت تلك الحركات تهديدا للنظام الإقليمي الذي جرى بناءه بعناية. حدث ذلك بأشد حدّة في مصر، حيث أطيح عام 1952 بالملك فاروق المدعوم من بريطانيا بانقلاب عسكري قاده ضابط جيش ذو شعبية كبيرة، وهو جمال عبد الناصر. أجبر صعود ناصر للسلطة القوات البريطانية على الخروج من مصر، وأدى ذلك أيضا الى تمكّن السودان من تحقيق الاستقلال عام 1956. توجت السيادة المصرية التي اكتسبت حديثا بتأميم قناة السويس عام 1956 بعد أن كانت تحت سيطرة بريطانيا وفرنسا، واحتفل ملايين الناس في أنحاء الشرق الأوسط بتأميم قناة السويس الذي قوبل بمحاولة فاشلة لاجتياح مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وبينما كان ناصر يخطو هذه الخطوات، كانت تزداد حدّة النضالات المناهضة للاستعمار في أماكن أخرى في الإقليم، وخاصة في الجزائر التي بدأت فيها حرب الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي عام 1954.
في هذا السياق أصبحت إسرائيل الحصن المنيع الذي يحمي مصالح أمريكا في الشرق الأوسط. كانت بريطانيا هي الداعم الأساسي للاستعمار الصهيوني في فلسطين في السنوات الأولى من القرن العشرين، وبعد تأسيس إسرائيل عام 1948، استمرت بريطانيا في دعم مشروع بناء الدولة الصهيونية. لكن، مع حلول أمريكا محل السيطرة الاستعمارية الفرنسية والبريطانية في الشرق الأوسط في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الدعم الأمريكي لإسرائيل هو ركيزة النظام الأمني الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط. كانت نقطة التحول الأساسية هي حرب 1967 بين إسرائيل ومجموعة من الدول العربية، وشهدت تلك الحرب تدمير إسرائيل للقوات الجوية المصرية والسورية واحتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان. حطم انتصار إسرائيل حركات الوحدة والاستقلال الوطني العربية والمقاومة الصاعدة ضد الاستعمار التي كانت قد تبلورت بأشد حدّة في مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. وشجع الانتصار الإسرائيلي أيضا أمريكا على أن تصبح الراعي الأساسي لإسرائيل بدلا من بريطانيا. ومنذ ذلك الوقت، بدأت أمريكا بتزويد إسرائيل بمليارات الدولارات من الدعم العسكري والمالي.
أصبح الشرق الأوسط أكثر أهمية للنفوذ الأمريكي بعد تأميم احتياطات النفط في الإقليم (وفي أماكن أخرى) خلال السبعينيات والثمانينيات. أنهى التأميم التحكم الغربي المباشر بإمدادات النفط في الشرق الأوسط والذي استمر طويلا (لكن استمرت الشركات الأمريكية والأوروبية في السيطرة على معظم عمليات تكرير ونقل وبيع هذا النفط حول العالم). في هذا السياق، أصبحت المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط تدور حول ضمان الإمداد المستقر للنفط في الأسواق العالمية -مع الحفاظ على بيعه بالدولار الأمريكي- وضمان عدم استخدام النفط ك"سلاح" لزعزعة استقرار النظام العالمي الذي تشكل أمريكا مركزه. بالإضافة الى ذلك، مع تحقيق منتجي النفط في الخليج أرباحا بالمليارات من خلال تصدير النفط، أصبحت أمريكا أيضا مهتمة جدا بالكيفية التي ستنتقل بها أموال ما يسمى بالبترودولار في النظام المالي العالمي، وهو أمر مرتبط بشكل مباشر بهيمنة الدولار الأمريكي.
من أجل حماية هذه المصالح، أصبحت استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط تركّز بشكل كامل على إبقاء ممالك الخليج بقيادة السعودية كحلفائها الرئيسيين. ازدادت أهمية هذه الاستراتيجية خصوصا بعد الإطاحة بحكم العائلة المالكة في إيران عام 1979، حيث كانت تلك العائلة دعامة أساسية أخرى للمصالح الأمريكية في الخليج منذ انقلاب عام 1953. تجلى دعم أمريكا لممالك الخليج بعدة طرق، ومن ضمنها بيع كميات ضخمة من العتاد العسكري مما حول الخليج إلى أكبر سوق للسلاح في العالم، ومبادرات اقتصادية مررت ثروات البترودولار الخليجية الى الأسواق المالية الأمريكية، وتواجد عسكري أمريكي دائم لا يزال يمثل الحامي الأساسي للحكم الملكي في تلك الدول. جاءت الفترة الأكثر أهمية في العلاقات الخليجية الأمريكية خلال الحرب بين العراق وإيران، والتي استمرت من 1980 الى 1988، وتعتبر واحدة من أكثر الحروب تدميرا في القرن العشرين (أدت الى مقتل قرابة النصف مليون إنسان). خلال تلك الحرب، زودت أمريكا كلا الطرفين بالسلاح والمال والدعم الاستخباراتي(1)، حيث اعتبرت أمريكا أنها طريقة لإنهاك قوة هاتين الدولتين الجارتين الكبيرتين، وضمانة إضافية لأمن العائلات المالكة في الخليج.
بهذا، أصبحت استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط تستند على ركيزتين أساسيتين: إسرائيل من ناحية، وممالك الخليج من ناحية أخرى. لا تزال هاتان الركيزتان الى الآن تمثلان أساس النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
الموقع الاستراتيجي المركزي الذي يحتله الشرق الأوسط الغني بالنفط بالنسبة الى النفوذ الأمريكي العالمي يفسر سبب كون إسرائيل أكبر متلقي تراكمي للمساعدات الأمريكية في العالم في الوقت الحالي، على الرغم من أنها تأتي في المرتبة ال13 من بين أغنى اقتصادات العالم حسب الناتج المحلي للفرد (ترتيبها أعلى من المملكة المتحدة وألمانيا واليابان). ويفسر ذلك أيضا دعم النخب السياسية من كلا الحزبين الرئيسيين في أمريكا (والمملكة المتحدة أيضا) لإسرائيل. في عام 2021 -خلال رئاسة ترامب وقبل حرب غزة الحالية- تلقت إسرائيل دعما عسكريا أمريكيا أكثر من كل دول العالم الأخرى مجتمعة.(2) وكما أظهرت الشهور الثمانية الأخيرة، لا يقتصر الدعم الأمريكي على الدعم المالي والعسكري، حيث تلعب أمريكا دور الحامي النهائي لإسرائيل سياسيا على الساحة العالمية.(3)
المراجع: (1)https://academic.oup.com/jah/article/99/1/208/854761 (2)https://www.independent.co.uk/news/world/americas/us-politics/biden-israel-us-military-aid-b2439537.html (3)هناك أيضا أنواع أخرى كثيرة من الدعم لإسرائيل غير الدعم العسكري والمالي المباشر، مثلا، تقدم أمريكا مليارات الدولارات على شكل قروض مضمونة لإسرائيل، مما يسمح لها الاقتراض في السوق العالمي بكلفة أقل. إسرائيل هي واحدة من ستة دول فقط في العالم التي حصلت على قروض كهذه في العقد الأخير (الدول الخمسة الأخرى هي أوكرانيا والعراق والأردن وتونس ومصر.)
#حسام_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سبع أساطير عن الاتحاد السوفيتي
-
ما سبب الدعم الامريكي الهائل لإسرائيل؟
-
لماذا استهدف الغرب سورية؟
-
محرك الابتكار هو التمويل الحكومي للبحث والتطوير، وليس الرأسم
...
-
لماذا تستهدف أمريكا إيران؟
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
-
ما سبب انهيار الاتحاد السوفيتي؟
-
لماذا استهدف الغرب ليبيا ولم يستهدف البحرين خلال أحداث الخري
...
-
ما الذي يجعل أمريكا أغنى من شركائها في مجموعة الدول الصناعية
...
-
الحمائية...توجد الحقيقة على ورقة ال10--$--.
-
مبروك يا سيادة الرئيس! مبروك بوليفيا!
-
قلب أسطورة الفساد رأساً على عقب
-
حقيقة التفاوت الصارخ في توزيع الثروة العالمية
-
مصر النيوليبرالية: الثورة المختطفة
المزيد.....
-
بينهم هيلاري كلينتون وبونو وميسي.. هؤلاء يكرمهم بايدن بـ-أعل
...
-
بعد اعتذار بوتين عن تحطم الطائرة الآذرية: هل تكشف الصور تورط
...
-
بايدن يوافق على بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 8 مليارات دولار
-
خليجي 26: البحرين تقلب الطاولة على عمان وتتوّج بلقبها الثاني
...
-
لحظة سقوط سيارة في نهر موسكو
-
أول طائرة مساعدات مصرية تصل مطار دمشق الدولي عقب سيطرة الإدا
...
-
مقتل مراسل قناة -إزفستيا- الروسية وإصابة آخرين إثر هجوم بمسي
...
-
محكمة أوزبكستانية تحكم بالسجن 4 سنوات على رجل شارك مع روسيا
...
-
الداخلية الألمانية: تعطل أنظمة مراقبة الحدود في المطارات سبب
...
-
مصر تدعو اللبنانيين لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي دون تدخلات خا
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|