|
الذكاء الاصطناعي هل يغير قوانينا ويعيننا في مواجهة المخدرات والمؤثرات العقلية في العراق
انعام السلطاني
باحثة قانونية
(Inam Alsultany)
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 00:14
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
منذ دخولنا الألفية الثالثة، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومع التقدم التقني أصبحت الآلات تحاكي وتتفاعل مع البشر فهي قادرة على أداء وظائف بشرية معقدة بدقة عالية وسرعة وتخلت التقنية عن ثوبها التقليدي في إدارة العمليات الحسابية البسيطة وبات الذكاء الاصطناعي يخترق كل نواحي الحياة. هذا التطور يفتح آفاقًا جديدة ولكنه يثير تساؤلات حول تأثيره على تطوير التشريعات حيث تمر التشريعات قبل إقرارها بمراحل عديدة قبل التصويت عليها ونشرها لتكون نافذة وان الهدف الرئيس في إقرار أي قانون هو اشباع احد الحاجات المجتمعية فعلى سبيل المثال في العراق هنالك حاجة ملحة الان الى التصدي الى استفحال المخدرات هذه الافة التي تهتك بالجسد العراقي وبالأخص الفئات الشابة التي تشكل بحدود 60% من السكان فالإحصائيات تشير الى دخول العراق الهبة الديموغرافية الا تستحق تلك الهبة توفير الحماية لها؟ الا انه اعتدنا في العراق ان تصدر القوانين دون دراية او اخذ رأي الجهة التي يمسها التشريع وبالتالي يولد ذلك التشريع دون ان يلبي الحاجة التي شُرّع من اجلها. كلنا يعلم انه تم تشريع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 والذي ركز بشكل أساس على تطوير أجهزة الدولة المعنية بمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات أو المؤثرات العقلية و تكثيف إجراءات مكافحة الإتجار والتداول غير المشروع بالمخدرات أو المؤثرات العقلية وتأمين سلامة التعامل بالمخدرات والمؤثرات العقلية للأغراض الطبية والعلمية والصناعية كما تضمن الوقاية من الإدمان على المخدرات أو المؤثرات العقلية وسوء استعمالها ومعالجة المدمنين في المصحّات والمستشفيات المؤهلة للعلاج. رغم ذلك لم يفلح هذا القانون في التصدي لتلك الآفة التي حولت العراق من معبر للمخدرات إلى مستهلك في العقدين الأخيرين. ولتدارك ذلك يسعى مجلس النواب العراقي لتعديل هذا القانون وابرز تلك التعديلات المقترحة هي تشديد العقوبات لتصل الى الإعدام بدل المؤبد خاصة للتجار سواء الأجانب او العراقيين، كذلك تشديد العقوبات بحق المروجين، مع زيادة التخصيصات بهدف انشاء المصحات خاصة لمعالجة المتعاطين.. ونحن نعتقد ان تلك التعديلات سوف لن تسعف المجتمع العراقي من مواجهة غول المخدرات اللعين. فهل بالإمكان اصدار قانون اكثر فعالية وهل يعيننا في ذلك استخدامات الذكاء الاصطناعي؟؟ الذكاء الاصطناعي ممكن ان يوفر لنا إمكانية خلق فرص للتواصل مع الجهة المستفيدة من القانون لمعرفة رأيهم في القانون وقياس الاثر المتوقع بالأخص في مرحلة ما قبل اقرار القوانين مما يضمن صياغتها بشكل سليم بحيث تستجيب لاحتياجات الفئات المستهدفة إذ بالإمكان اتاحة الفرص للمواطنين والجهات المستفيدة تقديم اقتراحاتهم وملاحظاتهم مباشرة مما يضمن مشاركة جميع الأطراف المعنية وخلق شعور أهمية آرائهم في تحسين جودة التشريعات . فعلى سبيل المثال إمكانية استخدام منصة الكترونية بإشراف فريق متخصص لمناقشة القوانين مع الفئات المستفيدة ، يجمع هذا الفريق بين المعرفة القانونية والخبرات التقنية لتحقيق شمولية وفعالية في التشريعات. ويتكون هذا الفريق من المستشارون القانونيون لصياغة وتحليل القوانين وخبراء تقنيون في الذكاء الاصطناعي لتطوير وتنفيذ الأدوات التقنية وكذلك مختصون في تحليل البيانات لفهم احتياجات الفئات المستفيدة فضلا عن متخصصون في إدارة الحوار المجتمعي للتواصل مع الجمهور المستهدف ، فبعد توزيع الأدوار تكون مراحل التنفيذ وكالتالي: مرحلة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي 1. تحليل القانون والتوقعات تحليل النصوص القانونية لفهم وتعريف الجوانب المعقدة. نماذج التنبؤ: لتقييم تأثير القانون قبل تطبيقه بناءً على بيانات سابقة، توجيههم لتقديم اقتراحاتهم بسهولة. 2. تنظيم جلسات حوار استخدام تقنيات الواقع الافتراضي: لعقد ورش عمل افتراضية تحاكي تطبيق القانون وتأثيراته. 3. تقييم النتائج لوحات بيانات تفاعلية: تستخدم لتحليل آراء المشاركين وتقديم ملخصات مرئية للفريق. توليد تقارير ذكية: باستخدام أدوات AIلتقديم توصيات دقيقة. مرحلة التوعية والتواصل 1. تسويق المشروع إطلاق حملة إعلامية عبر وسائل التواصل للتعريف بالفريق وأهدافه. تقديم فيديوهات قصيرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لشرح القوانين بلغة مبسطة. 2. بناء شراكات التعاون مع الجامعات، المؤسسات البحثية، ومنظمات المجتمع المدني. إشراك المؤثرين المحليين لتعزيز الحوار المجتمعي. مرحلة تقييم الأداء والتطوير المستمر قياس الأثر باستخدام مؤشرات أداء: عدد المشاركين في المناقشات. رضا الفئات المستهدفة عن مخرجات الفريق. جودة وتعديل القوانين بناءً على الملاحظات. تحسين الأدوات والأساليب بناءً على التقييمات. وهنا لابد ان نستعرض قصة نجاح في تشريع قانون مكافحة المخدرات باستخدام المشاورات العامة ففي عام 2017، واجهت البرتغال تحديات متزايدة تتعلق بتعاطي المخدرات، رغم نجاحاتها السابقة في تقليل الإدمان من خلال سياسات إزالة التجريم ، الا ان ظهور مخدرات صناعية جديدة (مثل "سبايس" و"الكانابينويدات الاصطناعية")، كان هناك حاجة لتشريع جديد يستجيب لهذا الواقع سريع التغير. دور بوابة المشاركة العامة: لضمان تشريع قانون فعال ومستدام، استخدمت البرتغال منصة إلكترونية أُطلق عليها اسم "Consultation Portugal"، والتي أتاحت للحكومة إشراك المواطنين والخبراء في صياغة القانون. خطوات العمل: عرض المشكلة: نشر إحصائيات وتقارير على البوابة لتوضيح خطورة المخدرات الصناعية الجديدة. تقديم مسودة القانون المقترح بلغة مبسطة. دعوة للمشاركة: استهداف الفئات المتأثرة مثل: الشباب (الفئة الأكثر تعاطيًا) ،ومنظمات مكافحة الإدمان وكذلك الهيئات الصحية وسلطات ضبط الامن. تم فتح النقاش العام لمدة شهرين عبر استبيانات مفتوحة. جمع وتحليل الآراء: تم استقبال آلاف التعليقات (أكثر من 5000 مشاركة من المواطنين والمنظمات). كذلك تم تنظيم جلسات استماع افتراضية حضرها خبراء في علم النفس، وعلاج الإدمان، والقانون. النتائج إجماع شعبي على التأكيد بضرورة التعامل مع المدمنين كمرضى وليس مجرمين باستمرار سياسات إزالة التجريم. ومقترحات فنية قدمت من قبل الهيئات الصحية بضرورة مراقبة الأسواق المحلية والخارجية لاكتشاف المخدرات الجديدة بشكل أسرع. ومخاوف مجتمعية لذا تمت المطالبة بفرض عقوبات مشددة على المروجين ومصنّعي المخدرات الصناعية. الحصيلة النهائية بناءً على نتائج المشاورات، صدر قانون مكافحة المخدرات الجديد في عام 2018، والذي تضمن: - إنشاء وحدة خاصة لمراقبة المخدرات الجديدة والتعامل معها بسرعة. - زيادة العقوبات على الإنتاج والترويج. - تعزيز برامج إعادة التأهيل مع توفير موارد إضافية للعيادات. الأثر المترتب: - انخفاض الوفيات: انخفضت حالات الوفاة الناتجة عن تعاطي المخدرات الصناعية بنسبة 30% خلال عامين. - الوقاية المبكرة: تم اكتشاف وإزالة 12 نوعًا جديدًا من المخدرات من الأسواق في السنة الأولى. - زيادة الثقة العامة: أشاد المواطنون بالقانون، حيث عكست نصوصه احتياجاتهم وأفكارهم. - مرونة التشريع: استجابة القانون لمخاوف المواطنين زادت من تقبله وفعاليته. اذن ساهم الذكاء الاصطناعي بإشراك الجميع ليصنع الفارق بالمشاركة الشعبية وتحسين فهم الحكومة لحجم المشكلة وتوقعاتها. ان الأوان ان يتخلى مجلس النواب العراقي عن ممارسة دوره التشريعي التقليدي ويتجه الى دور تشريعي اكثر ريادة بعد ان احدثت تطبيقات الذكاء الاصطناعي ثورة في كل مجالات الحياة ومن ضمنها التشريعات.
#انعام_السلطاني (هاشتاغ)
Inam_Alsultany#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة لفتاة عراقية تلاعبتها الاقدار
-
مهارات الاشراف الفعال
-
دراسة واقع الاحزاب العراقية وبنيتها التنظيمية قبل وبعد اقرار
...
-
معوقات رجال الاعمال بالتعاملات مع كافة المؤسسات الحكومية
-
المرأة ورئاسة أتحاد الحقوقيين العراقيين
-
دراسة مقارنة لمفهوم النشوز وفق احكام الشرع الاسلامي والتشريع
...
-
الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل
-
المادة 46 من قانون الاحوال الشخصيةرقم 188 لسنة1959 المعدل
-
دراسة ميدانية لبعض احكام قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة
...
المزيد.....
-
الإقامة لمن يعمل فقط - خطط صارمة للحزب البافاري تجاه المهاجر
...
-
هندوراس |تهدد بطرد القواعد العسكرية الأميركية في حال تنفيذ ت
...
-
إسطنبول: الآلاف يتظاهرون تنديدا باستمرار جرائم الاحتلال ودعم
...
-
10 شهداء بقصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي
-
أهالي الأسرى يحملون نتنياهو مسؤولية إفشال صفقة التبادل
-
الأمم المتحدة: تلوث مياه الشرب في قطاع غزة وصل إلى معدلات مق
...
-
انقاذ عثمان من الاعدام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 177 على تـ
...
-
ترامب يستغل حادثة الدهس بـ-نيو أورليانز- للتصويب على المهاجر
...
-
إيران تستدعي السفير السعودي -احتجاجا- على إعدام 6 من مواطنيه
...
-
تقرير صادم يكشف أوضاع السجون: اكتظاظ وأمراض وانتهاكات لحقوق
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|