|
الأعمام الحكومي بشأن وسائل التواصل: قيود إضافية أم تقييد للحقوق؟
سعد سلطان حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8205 - 2024 / 12 / 28 - 16:52
المحور:
حقوق الانسان
كتب الخبير الدولي سعد سلطان حسين في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أصدرت السلطات العراقية أعماماً موجهاً إلى المؤسسات الحكومية كافة يتضمن قيوداً صارمة على استخدام الموظفين الحكوميين لوسائل التواصل الاجتماعي. جاء في نص أعمام مجلس القضاء الأعلى المرقم 12864 في 27/11/2024 الصادر بناءاً على كتاب مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالعدد 3063 في 22/9/2024 : 1. ضرورة التزام الموظفين الحكوميين بـ”الحذر الشديد” عند نشر أو مشاركة أي محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة إذا كان ذلك قد يؤدي إلى الإضرار بسمعة المؤسسة الحكومية أو يؤثر على صورتها العامة. 2. التأكيد على منع الموظفين من نشر أي محتوى ذي طابع انتقادي أو إساءة للجهات التي يعملون فيها. 3. التوجيه بعدم السماح باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لنقل أو مشاركة معلومات تتعلق بأعمال المؤسسات الحكومية أو أي بيانات ذات طابع حساس. 4. التشديد على ضرورة الفصل بين الآراء الشخصية والوظيفة العامة، مع مراعاة تجنب التداخل بينهما بما يضمن عدم تأثر المصلحة العامة.
هذا النص الرسمي للأعمام أثار العديد من التساؤلات والمخاوف من الناشطين الحقوقيين والمهتمين بحرية التعبير، حيث يرون أن هذا القرار لا يضيف شيئاً جديداً على القوانين القائمة، بل يشكل تقييداً إضافياً قد يُستخدم بشكل تعسفي.
القوانين القائمة تغني عن القيود الإضافية
القوانين العراقية الحالية تنظم بالفعل سلوك الموظفين الحكوميين وتحدد بوضوح حدود الحريات المسموح بها. من أبرز هذه القوانين: 1. قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969: يعاقب هذا القانون على إساءة استخدام الوظيفة العامة أو الإضرار بسمعة الدولة والمؤسسات الحكومية. 2. قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991: يحدد واجبات الموظفين بدقة ويُجرّم أي إخلال بها، بما يشمل: • إفشاء المعلومات السرية. • التصرفات التي قد تضر بالمصلحة العامة. • إساءة استخدام الصلاحيات الوظيفية.
هذه القوانين تغطي كافة السلوكيات التي قد تُعد مخالفة، مما يجعل الأعمام الجديد تكراراً غير ضروري، بل قد يكون إضافة لقيود تُهدد الحريات الأساسية.
التحديات والمخاطر المرتبطة بالأعمام أهمها 1. غموض المصطلحات: فالأعمام يستخدم مصطلحات مثل “الإضرار بسمعة المؤسسة” أو “تأثير الآراء الشخصية”، دون تحديد دقيق لماهية السلوكيات التي تدخل ضمن هذه العبارات. هذا الغموض يفتح المجال لتفسيرات واسعة قد تُستخدم بشكل تعسفي. 2. الرقابة الذاتية واشاعة ثقافة الترصد والأخبار : يدفع الأعمام الموظفين إلى فرض رقابة ذاتية على أنفسهم خوفاً من العقوبات، حتى إذا كانت آراؤهم شخصية ولا علاقة لها بالعمل وفي ذلك تعسف كبير للإدارة في مواجهة موظفيها ناهيك عن إمكانية التوظيف للأعمام من قبل ضعاف النفوس للتسقيط والترهيب والملاحقة. 3. التدخل في الخصوصية: يمتد تأثير الأعمام إلى حياة الموظفين خارج أوقات العمل بمراقبتها، حيث يتضمن تقييداً لأنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام ويلاحقهم حتى عند منح الإعجاب او اعادة المشاركة لمنشور ما ، وهو ما يمثل تعدياً على الخصوصية. 4. أضعاف الرقابة: فالنقد البناء هو أداة أساسية لتحسين الأداء الحكومي. تقييد هذا النقد يعيق الوصول إلى مكامن الخلل في مؤسسات الدولة. 5. التعارض مع الالتزامات الدولية: ينتهك الأعمام المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تؤكد أن أي قيود على حرية التعبير يجب أن تكون: • مبررة قانونياً. • ضرورية. • متناسبة مع الهدف المشروع.
توصيتنا هي بإعادة النظر ومراجعة الأعمام لضمان وضوحه وتوافقه مع القوانين والدستور، مع التأكيد على حماية الحقوق الدستورية للموظفين. وتفعيل القوانين القائمة بالاكتفاء بتطبيق القوانين الحالية لمعاقبة أي إخلال بواجبات الوظيفة العامة، دون الحاجة إلى فرض قيود إضافية. وتعزيز التوعية بين الموظفين من خلال إطلاق برامج توعوية لشرح كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بمسؤولية دون الإضرار بالمصالح العامة. وتشجيع الحوار الداخلي من خلال تشجيع المؤسسات الحكومية على خلق منصات داخلية تتيح للموظفين التعبير عن آرائهم وملاحظاتهم دون خوف من العقاب.
ختاماً فإن حماية سمعة المؤسسات الحكومية هدف مشروع، لكن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه عن طريق تقييد الحقوق الأساسية. الأعمام الجديد، بصيغته الحالية، يُثير مخاوف جدية بشأن إمكانية إساءة استخدامه لتقييد حرية التعبير ومراقبة الموظفين. حرية التعبير ليست فقط حقاً دستورياً، بل هي أيضاً ركيزة أساسية لديمقراطية فعالة وشفافية أكبر.
#سعد_سلطان_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوانين العفو العام والعدالة ،كيف تؤثر قرارات العفو المتكررة
...
-
مبدأ تكافؤ السلاح في المحاكم العراقية وانتهاك الدستور
-
الاختفاء القسري
-
كورونا واشكالية الاخلاقيات
المزيد.....
-
اليونيسف: 2024 أحد أسوأ الأعوام للأطفال في الصراعات
-
مواجهات مع الشرطة.. مظاهرات حاشدة في إسرائيل تطالب بالإفراج
...
-
الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية يدفع ثمن إنسانيته.. اعتقال وض
...
-
شاهد: موكب خيري يضم المئات بلباس بابا نويل يوزّع الهدايا على
...
-
برلماني ألماني يصف سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة بـ -عاشق
...
-
الأردن: لن نجبر أحدا على المغادرة والخيار متروك للاجئين السو
...
-
العراق: الداخلية تعلن حصيلة عملياتها لمكافحة المخدرات وأحكام
...
-
إسرائيل.. عائلات الرهائن تناشد ترامب: نتنياهو مهتم بمنصبه لا
...
-
حوار| سعيد أبو علي الأمين العام المساعد للجامعة العربية: ما
...
-
عاجل | عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة: نتنياهو يعطل صفقة
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|