|
مارك بلوخ وأطفال غزة
عبد المجيد السخيري
الحوار المتمدن-العدد: 8204 - 2024 / 12 / 27 - 04:49
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
مارك بلوخ وأطفال غزة-
ديديي فاسان= ت. عبد المجيد السخيري/ الحوار المتمدن
"هي إحدى تلك اللوحات التي أشعر أنني لن أعتاد عليها أبدًا: لوحة الرعب على وجوه الأطفال الفارين من سقوط القنابل، في قرية تم التحليق فوقها. هذه الرؤية، أصلي للسماء ألا تعيدها مرة أخرى أمام عيني أبدًا، في الواقع، وبقدر ما أمكن في أحلامي. إنه لأمر فظيع أن الحروب ليس بوسعها أن لا تتجنّب الطفولة، ليس فقط لأنها المستقبل وإنما بالخصوص لأن ضعفها الرقيق وعدم مسؤوليتها تتوجه إلى حمايتنا بدعوة واثقة". هذه العبارات هي لمارك بلوخ من نصه "الهزيمة الغريبة"، المحتفى به حول هزيمة الجيش الفرنسي عام 1940. إنه لمن الصعب، عند قراءة هذه السطور، أن لا نفكر في أطفال غزة الذين هم أيضا تحت القنابل، عدا أنه ليس لديهم مكان يهربون إليه، طالما أن المناطق التي يطلب الجيش الإسرائيلي من والديهم التجمع فيها تتعرض أيضا للقصف. يتم سحقهم تحت أنقاض المدارس حيث يحتمون، ويحرقون أحياء في المخيمات التي يلجؤون إليها، ويُقتلون في المستشفيات التي يعالجون فيها. وقبل أن يموتوا، فهم عرفوا الرعب الذي يصلي المؤرخ للسماء كي لا يضطر إلى رؤية علاماته مرة أخرى على وجوه الأطفال. والآخرون، الذين نجوا حتى الآن، عانوا أيضًا من هذا الرعب، وبشكل دائم تقريبًا خلال الأشهر الطويلة من القصف المكثف أكثر بكثير من ذلك الذي جرّبه القرويون الفرنسيون الصغار. فمن بينهم، سيحتفظ الكثيرون بالوصمات الجسدية لإصاباتهم، وعمليات البتر بدون تخدير والحرمان من الطعام، ومعظمهم سيحتفظ بالأثر النفسي لهذا العنف، صدمة لا نهاية لها، مصحوبة بذكريات مؤلمة، وأفكار مزعجة، وكوابيس متكررة، ومخاوف لا يمكن السيطرة عليها في بعض المواقف ومن السلوكيات المستبعدة لكل ما من شأنه أن يثيرها، الاكتئاب، القلق والاندفاع، وجميع العناصر التي ستزعزع حياتهم اليومية لفترة طويلة. وقد أظهر استطلاع حديث أجرته جمعية "أطفال الحرب" على عينة من 500 أسرة أن 96٪ من الأطفال يعتقدون أن وفاتهم قريبة وأن 49٪ منهم يتمنون ذلك، وهي نسبة تصل إلى 72٪ بين الأولاد. وغالبا ما كان جعل غزة غير صالحة للعيش صيغة مستخدمة في المجالين السياسي والعسكري الإسرائيلي. وفيما يتعلق بالأطفال الفلسطينيين، فالأمر أكثر من ذلك بكثير: جعل حياتهم غير قابلة للاحتمال. من السابع من أكتوبر 2023 إلى 10 دجنبر 2024، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة الرسمية المستندة إلى مصادر وزارة الصحة في غزة، توفي 13319 طفلًا فلسطينيًا في غزة. وهذه الأرقام هي أقل بكثير من التقدير الحقيقي، وليس فقط بسبب وجود آلاف الجثث المدفونة تحت الأنقاض. التحقيقات التي أنجزها "معهد واتسون" من جامعة براون بعد الحربين في العراق وأفغانستان كشفت أن العدد الفعلي المقدر للوفيات كان أعلى بنحو خمسة أضعاف من العدد المسجّل وقت الصراع، بالنظر إلى الوفيات غير المباشرة الناجمة عن تدهور الظروف المعيشية، والنظافة والرعاية الطبية التي تمثل حوالي أربعة أضعاف عدد الوفيات المباشرة. ومع ذلك فإن تعميم هذه النسبة على أطفال غزة غير كاف، لأن الحقائق أكثر فتكا بكثير مما هي عليه في الصراعات الأخرى، بسبب المجاعة الناجمة عن حصار المعونة الإنسانية، والأمراض غير المعالجة بسبب التدمير الممنهج للمرافق الصحية والإصابات الناجمة عن توقّف برامج التطعيم وتلوث مياه الشرب الناجم عن تدمير المجاري، وجميع العناصر التي يكون أصغرهم إزاءها أكثر ضعفا. ففي نهاية أكتوبر 2023، أعلنت اليونيسف أن غزة أصبحت مقبرة لآلاف الأطفال، وأكدت منظمة "إنقاذ الطفولة" Save the Children أنه في غضون ثلاثة أسابيع مات عدد أكبر من الأشخاص هناك مقارنة بمن مات في عام واحد من مجموع النزاعات في كل واحدة من السنوات الأخيرة. ومنذ ذلك الحين، تضاعف العدد الرسمي للضحايا الفلسطينيين الشباب أربع مرات، وينبغي، استنادا إلى التحقيقات المذكورة، أن يُضرب العدد في عشرين على الأقل. لكن الرعب في عيون الأطفال، سواء ماتوا تحت القنابل أو نجوا من الهجمات، لم يكن ليراه الجمهور الغربي – ولا أيضا قد تمّ الابلاغ عنه. فقد أنقذته وسائل الإعلام السمعية البصرية الرئيسية من الاختبار العاطفي لرؤية تلك المعاناة. تذرّعوا بالحظر الفعلي للصحفيين الأجانب من السفر إلى غزة، إنما تجاهلوا مئات الآخرين الذين كانوا ينتجون وهم مخاطرين بحياتهم – قُتل منهم 137، أكثر من أي حرب معاصرة أخرى - صورا وقصصا تشاركها وسائل الإعلام الأخرى يوميًا. في الواقع، وكما أشار البعض من هيئات التحرير، فإن أسباب هذا التجنب ينبغي بالأحرى البحث عنها في إرادة عدم التعرّض للاتهام بمعاداة السامية من خلال إظهار القسوة التي مع ذلك لا يتردد الجنود في تمجيدها في مقاطع الفيديو العديدة الخاصة بهم. ولعل الكشف أيضا عن الرعب الذي تسبّبت فيه عمليات القتل الجماعي، وقد كشف تحقيق إسرائيلي أنه كان أثرا مطلوبا من القادة العسكريين، يخاطر بإدراج هذه السياسة في إطار التعريف الذي يعطيه القانون الفرنسي للإرهاب. وعلى أي حال، فإن مصير سكان غزة، قليل الحضور أصلا في وسائل الإعلام، قد اختفى تقريبا مع مرور الشهور. في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الجمهورية الدخول المقبل لمارك بلوخ إلى البانتيون، كان من الممكن أن يتوقع المرء من السلطات الفرنسية القليل من التعاطف والشجاعة من الشخص الذي يعتزمون تكريمه. لأنه بالتأكيد لم يكن ليلتزم الصمت في مواجهة مذبحة الأبرياء تلك. وفي مواجهة مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين الذين قُتلوا، شُوهوا، جُوعوا، أُصيبوا بصدمات نفسية، حُرموا من المدرسة والمنزل، حزنًا على وفاة والديهم أو إخوانهم وأخواتهم، لم يكن بالتأكيد ليبقى غير مكترث وسيفصح، هذه المرة أيضا، عن الطابع «الوحشي» للحرب التي كان مسؤولا عنها. ومع ذلك لم يكن هذا الخيار الذي اتخذته الدبلوماسية الفرنسية. فبينما وضعت الأمم المتحدة إسرائيل على «قائمة العار» للدول التي لا تحترم حقوق الأطفال في النزاعات وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تذرّع مرتين بالعدو التوراتي عماليق الذي يجب تدمير أطفاله، كان موضوع مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ترفض الحكومة الفرنسية، التي فقدت مصداقيتها بالفعل بسبب سخافات وأخطاء الرئيس الفادحة منذ 7 أكتوبر، تطبيق قرار المحكمة العليا، بحجة حصانة لم يتم الاحتجاج بها في قضايا سابقة وتعتبرها الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان مضللة. وهذا في الوقت الذي صوّت فيه البرلمان الإسرائيلي لتوه على قانون يحظر على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) الوصول إلى الأراضي الفلسطينية، وهي وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن الإغاثة والتنمية لهؤلاء السكان، متسببة بذلك في حرمان مئات الآلاف من الفتيات والفتيان من المساعدة الإنسانية ومن برامج التعليم التي هم بحاجة إليها استعجاليا. في هذا الوقت الاحتفالي في بقية العالم، وفي غزة، يحجب الرعب، كل يوم وليلة، وتحت قصف لا يزال يودي بحياة العشرات من الضحايا، وجوه الأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون بين أنقاض بيئتهم المدمرة. وإن فرنسا، التي تكرم مؤلف كتاب "الهزيمة الغريبة"، بعدم اكتراثها بمصيرهم المأساوي وإنكارها للقانون الدولي، تخون قيمه والتزاماته.
-هذه ترجمة لنص: .(Marc Bloch et les enfants de Gaza , par Didier Fassin (24 décembre 2024- https://blogs.mediapart.fr/didier-fassin/blog/241224/marc-bloch-et-les-enfants-de-gaza =Didier Fassin، أنثروبولوجي وطبيب فرنسي، أستاذ بالكوليج دو فرانس وبمعهد برينستون للدراسات المتقدمة. مؤلف كتاب: هزيمة غريبة. حول الرضا عن سحق غزة (La Découverte).
#عبد_المجيد_السخيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جورج إبراهيم عبد الله: -إننا نشهد ذروة أزمة الرأسمالية والسي
...
-
حين عرّف سارتر الإبادة الجماعية
-
محرقة غزة والتطهير العرقي في فلسطين
-
حرمون يختتم اليوم الأول من مؤتمره السنوي الرابع للأبحاث حول
...
-
انطلاق المؤتمر السنوي الرابع للأبحاث حول سورية في إسطنبول
-
حرمون يختتم مؤتمره السنوي الرابع للأبحاث حول سورية: رؤى متعد
...
-
المؤتمر السوري للأبحاث حول سورية يختتم دورته الرابعة بعدد من
...
-
قصائد غاضبة (15) جنسية الدمع
-
قصائد غاضبة (14) شروط التهدئة
-
قصائد غاضبة (13) فلسطين
-
قصائد غاضبة (12) سرحان لا يتسلم مفاتيح القدس (بكائيات)
-
قصائد غاضبة (11) الأم الحزينة
-
قصائد غاضبة (10) الشهيد
-
قصائد غاضبة (9) الفدائي والأرض
-
قصائد غاضبة (8) سأقاوم
-
قصائد غاضبة (7) كفرتُ بإسرائيل
-
قصائد غاضبة (6) هوامش على دفتر النكسة
-
قصائد غاضبة (5) سجّل أنا عربي
-
قصائد غاضبة (4) ارفعوا أيديكم
-
قصائد غاضبة (3) الطريق إلى الزنزانة
المزيد.....
-
تركيا: اعتقال مطلوب دولي بشبهة الانتماء إلى -داعش-
-
تحت ضغط أميركي.. سحب -تقرير المجاعة- بشأن غزة
-
-سوريا الجديدة-.. كيف توازن بين ضبط الأمن ومخاوف الأقليات؟
-
إنفوغرافيك.. اللاجئون السوريون يعودون إلى وطنهم
-
ارتفاع وفيات المهاجرين لإسبانيا عبر الأطلسي في 2024
-
مصدر أمني: ضبط أجهزة تجسس بين خيام النازحين في غزة
-
شاهد.. لماذا يعرقل نتنياهو صفقة تبادل الأسرى مع حماس؟
-
من يكون محمّد كنجو الحسن مسؤول عمليات الإعدام في سجن صيدنايا
...
-
المرصد: إيقاف المسؤول عن عمليات الإعدام في سجن صيدنايا السور
...
-
واشنطن: سعي هونغ كونغ لاعتقال معارضين يهدد السيادة الأميركية
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|