الأربعاء 09 يوليو 2003 06:50
للمرة العاشرة في تاريخ الكويت يتم انتخاب النواب الخمسين في مجلس الأمة للسنوات الأربع المقبلة•• وقد جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة ببرلمان مفاجأة غالبية أعضائه من أنصار الحكومة•• والمفاجأة الكبرى كانت في سقوط العديد من رموز التيار الليبرالي والإسلامي الأقوياء المتوقع فوزهم••• وبين متفائل وراض عن الفائزين وبين مستاء وغير متفائل بمستقبل المجلس الجديد تضاربت المشاعر وأحلام الناخبين•• ويبقى أن نعرف أن من اختار ذلك المجلس هم 12 في المئة فقط من الشعب الكويتي بعد حرمان النساء والشباب ممن دون سن الـ21 من الترشح والترشيح•• وفي هذه الانتخابات وصل عدد الناخبين البالغة أعمارهم 54 سنة فما فوق إلى 29 ألف شخص، في حين يبلغ عدد الناخبين البالغة أعمارهم بين 33 و53 سنة 60 ألف ناخب، أما الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و32 سنة فهم 47 ألف شخص•
بنظرة سريعة إلى نتائج الانتخابات الأخيرة يتضح أن المرأة الكويتية ستكون اكثر الرابحين والمستفيدين لأنه تشكل أخيرا مجلس احتمال موافقته على مشاركة المرأة السياسية أكبر وأفضل من المجالس السابقة•
إنني أتكلم اليوم عن مبدأ وليس عن رجل أو امرأة ولا عن الكويت أو غيرها من الدول•• ففي أي مجتمع ليس من المنطق أن يكون قرار اختيار البرلمان - والذي هو السلطة التشريعية في البلد - محصورا في يد أقل من 15 في المئة من الشعب•• فليس في ذلك شيء من المنطق بل وان تأثيرات مثل هذا الأمر لا تكون في صالح البلد وهذا ما يجب التفكير والتركيز عليه في أي مجتمع يريد أن يصبح ديمقراطيا ويريد أن يكون برلمانه ممثلا تمثيلا سليما•• فتمثيل الشعب في الانتخابات بشكل سليم أمر مهم ويفترض أن يتم العمل على أن يكون البرلمان ممثلا لأكبر شريحة في المجتمع لا لأصغر شريحة فيه!•
وفي جميع الحالات فبالتأكيد أنه ليس هناك مجتمع يمثل بأكمله في البرلمان ولكن على الأقل إن لم يكن أغلب المجتمع ممثلا فعلى الأقل أن يكون نصفه وهذا أقل المقبول••لا أن يكون أقل من ربع المجتمع هو الذي يختار البرلمان•• وفي المقابل فإن الفئة الكبيرة من المجتمع التي لا يحق لها الاختيار تكون في الواقع فئة مؤثرة جدا على القرار السياسي ليس في اختيار البرلمان وليس في يوم الانتخابات وإنما في جميع نواحي الحياة وطوال العام•• لذا فإننا نؤكد أن هذه الفئة لا يفترض أن يتم تجاهلها•
المرأة الكويتية لم تستطع أن تقف متفرجة على إجراء أول انتخابات تشريعية في بلدها في القرن الحادي والعشرين دون أن يكون لها حظ فيها فقررت الذهاب للمشاركة بشكل صوري إلى صناديق اقتراع صورية، في إشارة إلى رغبتها الجادة في الوصول إلى مقاعد البرلمان•• وكشفت نتائج هذه الانتخابات الصورية والتصويت الصوري - الذي نفذته عينة من النساء الكويتيات تزامنا مع الاقتراع العام لانتخاب برلمان جديد - عن رغبة نسائية بفوز مرشحين هزمتهم الانتخابات الحقيقية، وفاز ليبراليون وإسلاميون هزموا في الانتخابات الحقيقية مما يعطي مؤشرا بمدى تأثير صوت المرأة على نتائج الانتخابات كما تؤكد أهمية مشاركتها•• وربما هذا ما يخشاه معارضو المشاركة السياسية للمرأة•
حتى سنوات قليلة مضت كان الجميع يتوقع أن تكون المرأة الكويتية هي أول خليجية تدخل البرلمان وتفوز بالانتخابات ومن باب أولى أول من تعطي صوتها لمرشح وتمنعه عن آخر ولكن هذه التوقعات خابت جميعها فقد سبقتها أخواتها في دول خليجية أخرى وهي ما تزال تقاتل من أجل هذا الحق الطبيعي!••
والمفارقة أن الكويت التي تتمتع بنظام ديمقراطي منذ عقود ما يزال موضوع ترشيح وانتخاب المرأة لدخول البرلمان أمرا غير مرغوب فيه بل ويواجه مقاومة من قبل شريحة من المجتمع••• ولا أفهم ما هي المشكلة في دخول المرأة إلى البرلمان؟! فما الذي لم تفعله المرأة وأي مكان لم تدخله حتى تمنع من الحياة النيابية فهي تشارك في كل جوانب الحياة•• فلماذا يحرم المجتمع عليها المشاركة في البرلمان؟!
وعلى رغم الرغبة الأميرية التي دعت البرلمان السابق إلى منح المرأة هذا الحق إلا أنها ردت من جانب مجلس الأمة وذلك بسبب الطيف السياسي الذي كان يسيطر على المجلس، ومن المتوقع أن يتم دفع هذه الرغبة أمام البرلمان الجديد والذي يبدو أن مؤيدي الحقوق السياسية للمرأة فيه أكبر وقد تحصل على هذا الحق الدستوري المشروع قريبا•
يوجه اللوم بشكل علني إلى التيار الإسلامي في عدم وصول المرأة إلى البرلمان حتى اليوم وذلك بسبب سيطرته على مفاصل قرار عديدة في الكويت•• واليوم أعتقد أن الوضع قد تغير فمن المتوقع ألا يكون للتيار الإسلامي تأثير كبير في المجلس الجديد لذا فإن احتمالات وصول المرأة إلى البرلمان في الانتخابات القادمة والمشاركة في الاقتراع والترشح للبرلمان باتت أكبر بكثير من السابق••• وخصوصا أن هنالك وعودا صارمة من جانب الحكومة بمشاركتها في الدورات البرلمانية المقبلة•
لا أدري لماذا يصر الإسلاميون في الاعتراض على المشاركة السياسية للمرأة ويرون أن دخولها البرلمان أمر عظيم وكأنها ستدخل الجنة وليس مجلسا يناقش هموم الوطن والمواطن؟!••• على رغم أن الأسباب الحقيقية التي تبعد المرأة الخليجية بل والعربية عن الفوز في الانتخابات هي أسباب اجتماعية مرتبطة بثقافة شعوب المنطقة وتقاليدها وليس لأسباب دينية كما يوحي البعض وكل الانتخابات التي جرت في الدول العربية أكدت هذه الإشكالية التي يفترض أن يتعاون في علاجها المجتمع والمرأة••• أما التفسيرات الدينية الجاهزة بما تشتهيه أنفس البعض فلا أشك في أنها يمكن أن تتبدل وتتغير في أي وقت وحسب مصالح البعض!•
لقد صبرت وطالبت وقاتلت المرأة الكويتية من أجل الحصول على حقوقها وعليها ألا تيأس من المطالبة بحقها السياسي لأنها ستحصل عليه في النهاية، ولكنها بالتأكيد عندما تصل إلى البرلمان ستكون قد سبقتها أختها في الدول الخليجية الأخرى على رغم حداثة التجارب البرلمانية الأخرى فالمرأة في قطر وعُمان والبحرين سبقت أخواتها في الدول الأخرى في التصويت والانتخاب والترشيح أيضا ولكن ربما الوضع المتشابه منع المرأة الخليجية من الحصول على الأصوات التي تؤهلها لبلوغ مقاعد البرلمان•••
أعتقد أن الحجم الذي أخذته مناقشة موضوع المشاركة السياسية للمرأة اكبر مما يستحق ومن الأفضل أن تدخل المرأة وتأخذ مقعدها بشكل طبيعي في البرلمان إلى جانب الرجل•• ولا أشك أن يكون ذلك في صالح الرجل ومن صالح المجتمع الذي يحتاج إلى جهد نصف المجتمع في كل جوانب الحياة•• كما أن الاستمرار في الحديث عن المرأة والرجل في البرلمان على حسب الجنس لم يعد مقبولا فمن يعمل يستحق أن يصل إلى البرلمان وإن كان امرأة ومن لا يعمل لا يجب أن يصل إلى البرلمان وإن كان فحلا أو عنتر زمانه•
المسألة أبسط بكثير مما يصورها البعض وأعتقد أن هناك قضايا كثيرة غير مشاركة المرأة أو عدم مشاركتها يفترض أن تنال اهتمام الشارع الكويتي والشارع الخليجي عندما يتم الحديث عن الانتخابات وعن البرلمان وعن اختيار النائب الذي يمثلنا• وقد لاحظنا تطورا في اهتمام بعض الناخبين الكويتيين فقد بدؤوا يركزون على قضايا جوهرية ويطالبون بها المرشح وغالبية تلك القضايا تنحصر في الإسكان والتعليم والتوظيف والصحة والأمن والإعلام والمعوقات البيروقراطية في أداء القطاعين العام والخاص، هذا فضلا عن الإصلاح السياسي والتشريعي المطلوب لتحسين الأداء على كافة الأصعدة•
الأسلوب الرجعي والمتخلف في التفكير والذي لا يتناسب وروح العصر يجب أن يوضع له حد ويمنع انتشاره بين أفراد المجتمع ونحن في دول الخليج عانينا كثيرا من تلك الأفكار الرجعية التي لا خير فيها وأصبح من الضروري أن نكون أكثر قدرة على معرفة أهدافنا والسير في الطريق الصحيح الذي يناسب المرحلة التي نحن فيها•• والفصل بين الرجل والمرأة على أساس الجنس أمر غريب وغير مقبول لا عرفا ولا عقلا بل ولا دينا ••• أما من يضع الفروق والحواجز بين الرجل والمرأة وكأنهما شيئان مختلفان متنافران فهم أناس رأوا أن في صالحهم هذا الأمر واستغلوا الدين والتقاليد لتحقيق أهدافهم••
كاتب وصحافي - الإمارات
الأتحاد الأماراتية