بهجت العبيدي البيبة
الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 18:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كل عام، يشرق نجم مصر، محمد صلاح، لاعب فريق ليفربول الإنجليزي، ليضيء شمعة إنسانية تتلألأ في زمن يكتنفه التعصب والجمود. ففي مشهد يعكس جمال الروح البشرية، يظهر صلاح مع أسرته حول شجرة عيد الميلاد، يرسل تهنئة صادقة للإخوة المسيحيين بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام. تكتسب هذه الصورة بساطتها من إطارها، لكنها تحمل في طياتها رسائل عميقة تحاكي القيم النبيلة من حب وتسامح، وتجسد أسمى معاني الأخوة الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في هذا العصر.
ومع كل تجلٍّ سنوي لهذه الصورة، تتجدد موجة من الجدل الذي يغلي كبركان في داخل بعض العقول، حيث تنهمر على محمد صلاح انتقادات لاذعة وهجمات تتسم بالتكفير والتحريض من أصوات تعلو وسط زخم التناقضات. هؤلاء يزعمون أنه تخلى عن الدين بتقديم التهاني، متجاهلين بذلك جوهر الدين الإسلامي وروحه السمحة التي تدعو إلى الإخاء والمحبة.
لقد تصدى لهذا الجدل العقيم عدد من أعلام الفكر الإسلامي المستنير، مثل شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب، الذي أكد في عدة مناسبات أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ليست مجرد جائزة، بل تُعتبر من أرفع صور البر والإحسان، وهو ما يدعو إليه الله في كتابه الكريم. ولقد أكد أيضًا الشيخ الأزهري أحمد كريمة، الذي تُنْسب بعض آرائه إلى التيار المتشدد، على أن تهنئة المسيحيين تُعد واجبًا أخلاقيًّا ودينيًّا، تعكس الحقيقة الرائعة للإسلام المتمثلة في التسامح والتعايش.
وفي تناقض صارخ، ينصب بعض المتطرفين أنفسهم كأوصياء على الدين، رافضين الأصوات المستنيرة ومتمسكين بمواقف جامدة تُبعدهم عن جوهر الإسلام وقيمه السامية. إن الإسلام ارتبط منذ نشأته بمبادئ العيش المشترك والإحسان، وبالتالي فإن استخدامه كأداة لنشر الكراهية لا يمكن أن يُقبل بأي شكل من الأشكال.
وفي الميدان الآخر، يظهر فريق من المؤيدين لقيم المحبة والتسامح، الذين يدعمون محمد صلاح ويؤمنون بنشر رسالة إنسانية قوية. هؤلاء يعرفون تمامًا أن العالم في حاجة إلى من يزرع بذور السلام، لا من يزيد من نيران الفتن. إن الصورة التي ينشرها صلاح ليست مجرد تهنئة بل هي دعوة مفتوحة للعالم، تؤكد أننا قادرون على التعايش معًا بسلام، وأننا نستطيع تخطي الحواجز الدينية والثقافية لنلتقي في فضاء الإنسانية الواسع.
في هذا السياق، ليس محمد صلاح وحيداً، بل يمثل رمزًا لجماعة المحبة التي نسعى جميعًا للانتماء إليها. تلك الجماعة التي تؤمن بأن الأخوة الإنسانية تعدّ ليست شعارًا، بل فعل يتمثل في كل كلمة وكل سلوك. هي جماعة تثق في أن المحبة يمكنها أن تهزم الكراهية، وأن الإنسانية قادرة على تجاوز جميع العقبات إذا ما تمسكت بجوهرها الأصيل.
إن تهنئة المسيحيين بأعيادهم ليست خيانة للدين، بل تجسيد لجوهره. إنها دعوة لعالم ينعم بالسلام والوئام، عالم نطمح لرؤيته كل عام، ليس فقط من خلال صور محمد صلاح، بل في قلوبنا وعقولنا جميعًا. فلنجعل من هذه الرسالة نبراسًا يضيء دروبنا، ويقودنا نحو عالم أكثر تسامحًا وتفهمًا.
#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟