علي مارد الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 17:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كما لا يوجد دين واحد فقط في العالم، فإنه لا يوجد مذهب واحد، ولا مدرسة فقهية واحدة. فالعقائد الدينية المتبعة هي حالة شخصية ذاتية، تمثل نفسها فحسب. إذ أن لكل منا دينه الخاص الذي يتشكل بفعل الظروف والعوامل البيئية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
هذه الدائرة الدينية الضيقة تتسع تدريجيًا، لكنها تحتفظ بخصائصها الفردية حتى عندما تنتقل من قوالب الأنا إلى الأسرة، ثم القبيلة، فالقرية، فالمدينة، فالطائفة. وفي النهاية، يبقى كل شيء يدور في فلك الرؤية الذاتية، سواء كانت للفرد أو للجماعة.
الله في تصور المسلمين يختلف عن الله كما يعرفه اليهود والمسيحيون أو أتباع البوذية والهندوسية. بل وحتى بين المسلمين أنفسهم، يختلف الله عند السنة عن الله عند الشيعة. هذا الاختلاف يتسع داخل المذاهب السنية ذاتها التي نشأت في العهدين الأموي والعباسي. لهذا نجد أن الله عند أبي حنيفة ليس هو نفسه عند ابن حنبل، وهو أيضًا يختلف عن الله كما يفهمه الشافعية أو المالكية. كل طائفة ترى الإله وفق مفاهيمها، التي قد لا تكون حقيقية أو منطقية أو صحيحة. أحيانًا يكون هذا الإله مسالمًا ومتفهمًا، وفي أحيان أخرى يبدو غاضبًا وناقمًا إلى درجة يعتقد فيها أتباع هذه الرؤية أنه لا يرضيه سوى قطع الرقاب وسفك الدماء وتفجير المخالفين.
هذا الاختلاف الذي يعتمد على الإسقاطات الشخصية والمجتمعية والبيئية لا يتوقف عند فهم الله، بل يمتد إلى تصور شخصيات الأنبياء، والأئمة، والصحابة، وحتى القرآن وتفسيره وتأويله. ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله لابن عباس عندما بعثه للاحتجاج على الخوارج، وهم من حفظة القرآن:
"لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال أوجه، ذو وجوه، تقول ويقولون..."
نحن اليوم بحاجة إلى تغليب العقلانية وفتح أبواب البحوث النفسية والاجتماعية والتاريخية الجريئة، لفهم ومعالجة كوارث تحول مفاهيمنا وقيمنا وتقاليدنا إلى دين فيه ما فيه من جوانب متخشبة ومتوحشة لا ترحم. علينا أن ندرس كيف امتدت هذه الآراء المتشددة واختلطت بحياتنا، فاستباحت جمالها وأفقدتها روحها ورونقها وسلامها.
ولنتذكر أن تحت شعارات ومتبنيات دينية، لدى الطرف الآخر، خُضبت لحية علي إمام العدالة في محرابه، وقطع رأس الحسين ابن بنت رسول الله لأنه رفض بيعة الحاكم الظالم، وهو نفسه الدين الذي تسبب، وما زال، عبر التاريخ في قتل وتهجير وسبي الملايين من الأبرياء بدعاوى الجهاد والفتح ونشر الإسلام.
#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟