|
الاسلام بين ثقافتين:العنف والتسامح
مهدي النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1787 - 2007 / 1 / 6 - 09:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقول أبو حنيفة مُلخِّصاً ما بلغه الأمر في عصره وما سيتفاقم من بعده: " من أراد أن يزلّ صاحبه فقد أراد أنّ يكفّر صاحبه، ومن أراد أن يكفّر صاحبه فقد كَفر قبل أن يكفرُ صاحبه" ابن البزاز الكردي/ مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة
سنقع بأوهام بالغة الشــــــطط حين نطالب الشباب المنتمين إلى الاجتماع العربي الإسلامي أن يكفوا عن الانخراط في ظاهرة العنف(وهم يشكلون أغلبية الفاعلين في هذه الظاهرة)أو نقترح عليهم نبذ الكراهية والجنوح إلى حياة الأمن والاستقرار والحوار والتحدث عن الحريات والديمقراطيات،مثل هذه المقترحات والمطالبات تبدو مُزحة بين أناس يعيشون في بيئات خانقة،مشوهَة بالعوز والبطالة والفقر والتشتت،يتفرجون على ازدهار الحداثة وتقنياتها ومتعها ولذائذها بحرمان وحسرات،كأنهم من عالم غير هذا العالم ،لذا بدا مشهد الحداثة يُصدم مشاعرهم ويحبط معنوياتهم فانقلبوا عليه بتطرف،وتولدت في نفوسهم نزعات الحقد والضغينة والكراهية،ليس هذا فحسب،فميول العنف مخزونة أو متراكمة في أحشاء هذه المجتمعات(العربية الإسلامية) طيلة تاريخها المليء باللوعات والماسي،بالتفجرات والتمردات والثورات،متجسدة هذه المظاهر بعنف السلطة والعنف الضاد (على سبيل المثال:الخوارج660 ،البابكية780 ،الزنج850 ،القرامطة1050 ) لم يكن العنف ينتظر إلا الفرصة السانحة لكي يعبر عن نفسه بهذا الشكل أو ذاك،بهذه الطريقة أو تلك، ولم يقع كل اللوم على الحركات الأصولية المتشددة التي تفاقم نشاطها في عصرنا الراهن، إنما تكمن الأسباب في الواقع الفعلي الموصوف برثاثته وهشاشته الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والمعرفية وانفجاراته السكانية الكارثية المروعة ،فوق ذلك ما آلت إليه المفسدة الاستبدادية(النظم السلالية الشمولية) عبر تاريخها الغابر والمعاصر من حماقات التشبث العائلي بالسلطة وتضييع ثروات هذه الاجتماعيات والتعثر في تنظيمها وحمايتها وانتهاك حقوق الناس المدنية، خاصة حقوقهم في الرأي والثقافة. إن الأصولية المتشددة،المتصلبة في عقيدتها والتي تزعم هي وحدها من يمتلك الحقيقة أما بقية الآراء والعقائد فهي على ضلال وباطل وكفر،هذه الأصولية التي ينسب إليها العنف،وبالذات الأصولية الإسلامية،انتعشت بشكل هائل في هذه البيئات العربية الإسلامية التي وصفناها آنفا،وقد استخدمت بمهارة المعجم الديني القديم والطقوس والمبادئ المتعلقة به من اجل خلع المشروعية على نشاطاتها السياسية فراحت تستقطب في فضاءلتها الشباب المنهك،العاطل،المستلب،عبر خطاباتها التي تتوسل الغرائز والعواطف الخالية من المعرفيات الأبجدية والتقنية،باعثة في نفوس الناس القوى الغامضة والمظلمة للعالم العتيق،أي التقاليد والممارسات الخانقة للروح،خاصة فيما يتعلق بشان الرأي والنساء،هذه المعضلة الكبرى في ثقافة التأصيليين المتشددين،إضافة إلى تأجيجها للمشاعر الرخوة وتجييشها للعصبيات والطائفيات كي تجسد معتقداتها سلوكا دمويا ودعوة طوباوية مستحيلة،حتى وصل الأمر بهذه الأصوليات أن تشطب من قواميس الديانات كل ما يتعلق بثقافة التسامح القائمة على لطائف الحجج ومنطق الاستدلال والبراهين العقلية ،إلا إن مثل هذه الثقافة الإنسانية تظل عصية على الشطب. إن التسامح بمفهومه الحديث يعني ما يلي: (الاعتراف للفرد ـ المواطن بحقه في أن يعبر داخل الفضاء المدني عن كل الأفكار الدينية أو السياسية أو الفلسفية التي يريدها). إن كل الثقافات الدينية تعترف بذاك المعنى ضمنيا وعلنا ،صراحة وتأويلا،خاصة الديانتين المسيحية والإسلامية،وتعبران عن التسامح بصور نبذ البغضاء والأحقاد والقتل بين البشر،وزرع المحبة والتآخي والوئام بينهم ،فمن نداءات المسيحية نورد : "من قال انه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة ،من يحب أخاه يثبت في النور " رسالة يوحنا الرسول /الإصحاح الثاني. نداء آخر على فضيلة المحبة، أساس التسامح، نورد الوصية التالية: " هذه وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم، ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه " إنجيل يوحنا /الإصحاح الخامس عشر. وينبذ الإسلام بشدة دعوات العنف والاحتراب : "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين " البقرة/اية208 نلاحظ إن القران الكريم ينص بكل وضوح على قانون مبدأي وكوني في تحريم قتل الإنسان فمن يقتل شخصا واحدا فكأنما قتل البشرية كلها من خلاله،وهذا تحريم قاطع مانع لجريمة القتل : "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمفسدون"المائدة/اية32 . إن هذه التوصيات والتأكيدات تشغل ساحة واسعة وجوهرية في النصوص الدينية لتشكل بنية أساسية في ثقافة التسامح الديني ولا يمكن لأحد ،حسب اجتهاداته وآرائه وفقهه،أن يلغي هذه المساحة الإنسانية الداعية لفلاح البشر. أصبح صعبا ومتعذرا ،على المجتمعات المعاصرة أن يقف أحدها خارج الحداثة الكونية أو يمتنع عن الاندراج في مسارها،هذه صيرورة تاريخية إجبارية،إلا إن على الآخرين،أهل الحداثة وثقافة العولمة(الغرب وأمريكا)أن لا يتوقفوا عند حدود مطالبة أهل الشرق الأوسط الكبير بهذا الاندراج ،حدود الإصلاحات الديمقراطية وتجفيف منابع العنف ،إنما أن يسعوا جادين لفحص الوضع الصعب لجماهير الشرق وان تكف لوبياتهم عن التلاعب بثرواتهم وخبراتهم وأمزجتهم،ويسهموا بشكل فعال وعملي في حل معضلاتهم الكبيرة والمزمنة (معضلة فلسطين ومعضلة التنميات الاقتصادية والمعرفية) لان أوطان الحداثة، وكل أوطان المعمورة،دون ذلك من الصعب أن تهدا وتعيش حياة التسامح.
#مهدي_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مذكرات غابرييل غارسيا ماركيز
-
الصخب وثقافة العولمة
-
الوقائع المزورة والام الحلاج
-
النداءت المضيئة لرقي الانسان
-
عن ماذا يكتب المثقفون
-
جدليات ابن خلدون
-
لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم
-
الدستور والتمويه الثقافي
-
رسالة في التسامح
-
من اجل قراءة معرفية للتراث
-
ماذا نفعل مع ثقافة العولمة
-
مذهب للكراهية...مذهب للتسامح
-
جدلية الثقافي والسياسي
-
الجدل روح الثقافة
-
الدستور من الطائفية الى العلمنة
-
الفضاءات الطوباوية وهدر الدم
-
بغداد بين الشريعة والحكمة
-
الاسلام المتنور وثقافة العنف
-
الذكرى السنوية السابعة لرحيل البياتي
-
كيف يمكن ان نعيش سويا ومختلفين
المزيد.....
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
-
المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|