|
الجولاني وتجديد الخطاب الديني
فارس التميمي
كاتب
(Faris Al-timimi)
الحوار المتمدن-العدد: 8202 - 2024 / 12 / 25 - 08:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا شك أن موضوع التغير السريع في الوضع السياسي وربما الاجتماعي في سوريا، كان ومازال موضوع الساعة. ليس فقط في المنطقة العربية، الشرق الأوسط على وجه أكثر تحديدا، بل في أهم بقاع السياسة والاقتصاد في عالم اليوم. فما حدث في سوريا وبالسرعة الفائقة وغير المتوقعة أو المنتظرة، قد فرض نفسه أنه حدث العام 2024 وبدون منافس، بعد أن كان (طوفان الأقصى) هو حدث العام 2023! وسواء أعجبنا أم أزعجنا هذا الحدث، وهو سقوط حكم عائلة الأسد الذي تخطى عمره حاجز نصف قرن، كنظام هجين جمهوري/وراثي بتركيبة فريدة. يضاف لها أن هذا السقوط، لم يكن أقل غرابة عندما تمّ على أيدي مجموعة مسلحة، كانت واحدة من عدة مجموعات تتناحر فيما بينها، وهي تحاول مجتمعة إسقاط نظام عائلة الأسد لأكثر من 13 عاما متواصلة! ولم يكن أي من دول القوى العالمية تدّعي أو تصرّح، بأنها تدعم أياً من هذه القوى، بل على العكس كانت الولايات المتحدة الأميركية رسمياً، تعلن عن جوائز مالية سخيّة، لمن يقدم معلومات عن أشخاص معينين ممن يتولون قيادة أو العمل في هذه المجاميع. في الوقت الذي كان البعض من أعضاء الكونغرس، وخلال زياراتهم لسوريا في عزّ تلك الأيام الساخنة من الحرب والمواجهات، يقفون مبتسمين ومستبشرين أمام الكاميرات، بصحبة البعض من رجال تلك المجاميع! إنه بالتأكيد شأن أميركي لا يصحّ وليس مهما التنويه إليه! أما عن روسيا، فقد كانت تدعم نظام حكم الأسد وظلّت تدعمه حتى سقوطه، وذلك بمشاركتها في الحرب الفعلية، التي دارت بين النظام والمجموعات المحاربة له مجتمعة، وكان دعمها السبب الفعلي وراء بقائه في الحكم لأكثر من 13 عاما. أبو محمد الجولاني، أو أحمد الشرع، شاب في بداية عقد الأربعينات من عمره، لا يعرف الناس عنه الكثير، سواء في سوريا أو البلدان العربية القريبة أو البعيدة عن سوريا. غير أن هنالك مؤشرات موثقة أنه في فترة مبكرة، كان منظماً لإحدى المجموعات الجهادية/الإرهابية، التي تسللت إلى العراق لمحاربة القوات الأميريكية التي دخلت للعراق، تصحبها القوات البريطانية لإسقاط نظام صدام. ذلك النظام الذي كان مرشحاً للبقاء في حكم العراق حتى وقت كتابة هذا المقال، لولا دخوله فيما ليس له قدرة على تحمله، ولولا جهله في معادلات القوى والحكم في العالم، ورعبه القاتل ممن لم يكن عليه أن يرتعب منهم ويخشاهم! وكان بإمكانه أن يحتفظ بسجل (جينيس ريكورد)، في أطول حكم عائلة للعراق في التاريخ الحديث والمنطقة. الجولاني، أو أحمد الشرع، شخصية يبدو أن معظم دول الغرب قد بدأت ترحب بها، وهنالك دلائل عديدة أن هذه الدول ومنها وأهمها الولايات المتحدة الأميركية، التي إن تحقق لها الرضا الفعلي عنه، فإن رضا الآخرين سيصبح تحصيل حاصل، وسوف تتهيأ للجولاني الفرصة لأن يصبح وجه سوريا الجديد، شاء من شاء وأبى من أبى، فقد تعوّد أبناء المنطقة كلها أن تُفرض عليهم الحلول، وفرض الجولاني حاكماً على سوريا، لم ولن يكون أسوأ ما شهدته المنطقة كلها! ليس الموضوع هنا من هو الجولاني وكيف يقيّمه السوريون أو غيرهم، أكثر مما هي الكيفية التي سيكون عليها الوضع في سوريا بأديانها وأطيافها وقوميّاتها المختلفة، وماذا ستكون إفرازات هذا الوضع الجديد، ليس على سوريا وحدها، بل على كل الدول العربية وربما الإسلامية؟ منذ عقود ونحن نسمع دعوات من مراجع ثقافية مختلفة، لا يتفق الجميع في تقييم جدوى دعواتها، لضرورة تجديد ما يسمى الخطاب الديني. تلك الدعوات التي تحدّث عنها المثقفون وغيرهم من مدّعي الثقافة، ممن يعلمون شيئا أو بعض شيء عن هذه الأديان والطوائف، وممن لا يعلمون. ممن يعرف ماذا يمكن تجديده في هذا الخطاب ومن لا يعرف ما الذي لا يمكن تجديده. من يعرف شيئاً عن أسس الأديان والمذاهب، ومن لا يعرف شيئاً له قيمة، بل إنه يهرف بما لا يعرف! لقد أجرت جهات مختلفة لقاءات مصورة مع الجولاني، كان منها جهات سياسية لها وزنها، وجهات إعلامية عالمية لا تهتم عادة بجميع من يظهرون فجأة على سطح الأحداث، بل لا تهتم حتى بتغطية أخبار جميع الأحداث، عندما لا تراها تسير في اتجاه ما ترغب فيه. لقد كانت إجابات الجولاني غير واضحة، ومتحفظة كثيراً، ولا يكاد من يريد فعلا معرفة ماذا يدور في عقل الرجل أن يصل لنتيجة، أو يستطيع تخمين ماذا سيكون موقفه مما ينتظر الشارع والمجتمع السوري في الأشهر والأيام القادمة. لقد كان ذلك واضحاً في البعض من مقابلاته، لكنني لم أتابعها كلها، ومع ذلك فقد كان هنالك لقاء آخر كان من أهمها، وهو لقاؤه بوليد جنبلاط (اللهم إلا إذا كان ذلك اللقاء مصوراً مفبركا!)، والذي أطلق فيه تصريحاً كان فيه الكثير من المنطق والعقلانية، عندما بدأه بقوله ما مضمونه وباختصار: أن السوريين شعب مسالم، ليس لهم دخل بما حدث قبل 1400 سنة، وليسوا مسؤولين عما حصل من خلافات في ذلك الزمن، ولا يجوز لأي جهة أن تعتبر ذلك مدعاة للدخول لبلاد السوريين والتدخل في شؤونهم،،،، وهذا على ما أعتقد هو فحوى ما قاله، أو أنه أراد قوله وإيصاله للعالم، وعلى وجه الخصوص لإيران الشيعية! لقد أبدع الرجل في قولته هذه، وبالتأكيد أنه كان جريئا بقدر أكثر بكثير من جرأة من سبقوه، إن كان فيهم جريئا من قبل، وأصدق تعبيراً ممن سبقوه في محاولاتهم لرسم صورة الواقع، الذي عاشته الأمة على مدى قرون البؤس التي مرّت عليها! لكن الغريب والمفاجئ أنه سرعان ما ألحق مقولته لتوضيح أكثر لفكرته هذه، بأن حصر اللوم والذنب في إيران وحدها، وما أكثر ذنوب إيران! ولو أننا أحصيناها لما احتوتها كتب ومجلدات، بداية من تأسيسها لصناعة المذاهب التي لم يعرفها العرب المسلمون قبل أن تُسلم إيران، ولم يعرفوا التفنن في صياغتها وفلسفة اختلافاتها، قبل قدوم محنّكي وحكماء أهل فارس وبلداتها لبغداد (بلد الرشيد، ومنارة المجد التليد)،، لكي يصوغوا حياة جديدة لم يعهد بها العرب من قبل، ومن ثم ليحكموهم ويحكموا دينهم! ليس من السهل الجمع بين مقطعي التصريح، إذا ما اعتمدنا وصدّقنا أن الرجل صادق، وجادّ، ويعني فعلا ما قاله في المقطع الأول، لأننا لابد أن نتوقف عن تصوّر أي فسحة من الأمل عندما نسمع المقطع الثاني! إنها الدوامة نفسها والعودة للمربع الأول، إن لم يكن ما قبله، إن كان هنالك شيء قبله، وفي حالة هذه الأمة، ليس هناك شيء مستبعد! لقد كان المقطع الأول رائعاً أيها الأخ الجولاني، لقد كان فعلا رائعاً، وفيه الأمل الكبير لنزع الكثير من أحمال هذه الأمة التي أتعبتها الحروب، وأتعبها الجهل والأمية والمرض، وأتعبها كرهها لأرضها وتاريخها ومبادئها. لقد كان في مقطع تصريحك الأول شعلة كبيرة من الأمل، وكان بإمكانك وأنت تتمتع بتأييد كائن مَنْ كان مِن الأمة أو من غيرها، أن تضيء الطريق لما كنا نسمع عنه أنه دعوة لتجديد الخطاب الديني، وقد كان من الممكن حقاً أن يكون بداية حياة جديدة لهذه الأمة، التي لا يبدو أنها ستستطيع أن تحيا مثل ما تحيا باقي الأمم! هل هو قدر الله؟ أم أنه اجتهاد عباد الله المخلصين؟ سوف تمرّ سنوات عجاف، تتبعها سنوات عجاف، ثم سنوات عجاف، ولن نعلم متى ستحين النهاية؟
#فارس_التميمي (هاشتاغ)
Faris_Al-timimi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فوضى الطبيعة
-
دور العراقيين في تكوين التوراة
-
نحن والتكنولوجيا
-
حقيقة التطور
-
الرقص مع الطغاة...!
-
برد العجوز
-
نحن والطبيعة
-
خواطر
-
سرقة المبادئ،، أكبر السرقات في التاريخ
-
الموت.... الحقيقة الكونية الوحيدة
-
الموت... الحقيقة الكونية الوحيدة
-
الإنسان وتشريعه للسرقة
-
مقالة عن صدور كتاب -فوبيا المقدس- تأليف مصطفى العمري
-
فنانو هوليوود والرياضيون يحكمون العالم
-
رد على خطبة الأب المكرم ثيودورس داود
-
القطيعة مع التأريخ
-
المرجعية.... وشر البلية ما يضحك
-
محطات ما بعد الخمسين من العمر (3) الحلقة الثالثة والأخيرة
-
محطات ما بعد الخمسين من العمر (2) الحلقة الثانية
-
محطات ما بعد الخمسين من العمر
المزيد.....
-
السوريون يحيون ميلاد السيد المسيح من دون حكم عائلة الأسد للم
...
-
عاجل | حاخام اليهود الشرقيين دافيد يوسف: يجوز ويجب إطلاق أسر
...
-
ميقاتي: يجب حل ملف الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية
...
-
فيديو.. مسيحيو غزة يستقبلون عيد الميلاد في خيام النزوح
-
بابا الفاتيكان يحث كل شعوب العالم على إسكات صوت الأسلحة
-
بأي حال يعود ميلاد السيد المسيح على مسيحيي الشرق
-
مسيحيو سوريا يحتفلون بعيد الميلاد تحت إجراءات أمنية مشددة
-
المسيحيون السوريون يتجمعون بالكنائس في دمشق وسط إجراءات أمني
...
-
حماس تشيد بهذا الإجراء للطائفة المسيحية في فلسطين
-
“الحلو صار يحبي” استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|