محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 22:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أصدرت الحكومة الموازية في شرق ليبيا (برقة) ، برئاسة أسامة حماد ، التابعة لبرلمان طبرق لصاحبه عقيلة صالح ، والمؤتمرة بأمر الجنرال حفتر ، قرارا يقضي بحظر مظاهر الاحتفال برأس السنة والكريسمس .
وحذر بيان لوزارة الداخلية بحكومة شرق ليبيا (بنغازي) أصحاب المحلات التجارية من بيع أو تداول الألعاب والمنتجات المتعلقة باحتفالات رأس السنة والكريسمس ، معتبرا ذلك « مخالفة واضحة للشريعة » .
أما جهاز البحث الجنائي فقد توعد المخالفين باتخاذ إجراءات قانونية صارمة ، ضد أي محل يُضبط صاحبه متلبساً ببيع أو عرض هذه المنتجات (الكفرية) ، وتُصادر على الفور .
ففي بيان لجهاز البحث الجنائي ، التابع لوزارة الداخلية بحكومة أسامة حماد الموازية (الموالية لحفتر) في بنغازي ، أعلن رئيس الجهاز عن تنفيذ تعليمات وزير داخلية الحكومة الموازية (عصام أبو زريبة) ، وذلك بتكليف كل من : (إدارة الفروع / جهاز مكافحة الظواهر السلبية والهدامة / إدارة التحري والاستدلالات الجنائية / الدوريات والتمركزات الأمنية / قسم مكافحة التزييف والتزوير / إدارة الآداب العامة) ، للقيام بكل ما يلزم لمنع الاحتفال بعيد رأس السنة ، وضمان عدم السماح بدخول وبيع السلع المرتبطة بعيد ما يسمي « رأس السنة » كشجرة الميلاد (الكريسماس) ، وتمثال بابا نويل ، والصلبان ، وغيرها ، ومنع كافة مظاهر الاحتفال بهذا الحدث .
وفي حملة تفتيش على المحلات التجارية ، صادر جهاز الحرس البلدي بمدينة بنغازي مجموعة من الألعاب وأدوات الزينة والأغراض المتعلقة باحتفالات رأس السنة ، كما تم إلقاء القبض على شجرة عيد الميلاد في إمارة بنغازي الداعشية ، حيث ظهرت شجرة الكريسمس المقبوض عليها (في صورة سيلفي) محاطة برجال الشرطة في بلدية البطنان !
وجاء في بيان رسمي للحرس البلدي ، أن «هذه الشجرة لا تمت لديننا الحنيف بصلة وهي من شعائر أعياد النصارى (المسيحيين) » ، وقد « نهانا ديننا الحنيف عن التشبه بالنصارى أو حتى مجرد معايدتهم في أعيادهم » . وطالب الحرس البلدي التجار بِـ « أن يتقوا الله وألا يستهينوا بمثل هذه الأمور» .
والملفت للانتباه في قرار حكومة شرق ليبيا بمنع مظاهر الاحتفال براس السنة والكريسمس ، هو تطابقه التام مع بيان سابق لولاية برقة التابعة لداعش ، ونصه : « بناء على الإرشادات الواردة من أمير ديوان الحسبة في ولاية برقة ، يحرم تحريمًا قاطعًا الاحتفال برأس السنة ، لأنه يخالف الشريعة الإسلامية ، ونُعلم التجار والبائعين بأنه ستصادر منهم أي بضائع متعلقة بهذا الاحتفال الكفري ، وسيُقفل المحل فورًا ويُحال مالكه إلى قاضي الولاية ، كما ستصادر في البوابات كل سيارة يوجد بها ما يتعلق بهذا الاحتفال الدخيل على ديننا وشريعتنا الإسلامية » .
والواقع أنه لا غرابة في التطابق التام بين قرارات ولاية برقة - السابقة - التابعة لداعش ، وبين قرارات حكومات بنغازي - الموازية - الموالية للجنرال حفتر ؛ ذلك أن الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية (المدخلية) ، هي السلطة الدينية المتنفذة - تشريعيا وسياسيا - في الشرق الليبي . مثلها في ذلك ، إلى حدٍّ ما ، مثل الهيئة العامة - الموازية - للأوقاف والشؤون الإسلامية (المدخلية) في الغرب الليبي بطرابلس .
وكانت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية (المدخلية) التابعة لحكومة شرق ليبيا ، قد أصدرت - سنة 2017 - بيانا تكفيريا ، دانت فيه الاحتفال بالحدث العالمي {ساعة الأرض} ، في جامعة بنغازي ، فوصفت الطلاب المحتفلين بأنهم « أراذل » ، وأفتت بأن ملتقى هؤلاء الشباب هو « للفجور والعصيان » ، وأن هذا الحدث « المشين » جعلوه يوما « يختلط فيه الذكور بالإناث تحت ستار الليل ، وفي جو مليء بكل ما يُسخط الله عز وجل ، وظهر بعضهم بمظهر خاص بملة من ملل الكفر ، ويشيرون بأيديهم إشارات دالة على الماسونية وعبدة الشيطان » !
وهذا هو حال ليبيا ، في عهد (ثورة التكبير) ؛ ففي الغرب الليبي ، يُصدر وزير الداخلية في حكومة الدبيبة (عماد الطرابلسي / الزنتاني) ، قرارا يقضي بفرض الحجاب على النساء الليبيات ومنعهن من السفر دون محرم ، ويعيد تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وفي الشرق الليبي ، يصدر وزير داخلية أسامة حماد (الموازية) قرارا بمنع الاحتفال برأس السنة ، وتجريم الكريسمس ، وتحريم معايدة المسيحيين بمناسبة عيديّ الكريسمس ورأس السنة !
وفي العشرية الثالثة من القرن العشرين ، كانت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية (المدخلية) في طرابلس ، قد أصدرت - سنة 2022 - كتابا يحمل عنوان : « كتاب الأربعين ، في السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين » ؛ فشيوخ السلطان يعتبرون الرئيس وليّاً لأمر الشعب ، وليس خادما للشعب مقابل أجر يدفعه له الشعب ! والغرض من الكتاب المذكور ، هو تكميم الأفواه ومنع التظاهر الاحتجاجي ضد الحكومة .
والمفارقة الطريفة - المبكية المضحكة - في مسألة ولاية أمر المسلمين ؛ هي أن سلطة الدبيبة / المنفي في العاصمة طرابلس ، كانت قد تشكلت بقرار من لجنة الـ 75 (غير الدستورية) في جنيف ، بمعزل عن إرادة الشعب الليبي ، تحت تصرف وبإشراف ستيفاني وليامز نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا .
أما المبكي المضحك الأكثر إيغالا في الكوميديا السوداء ، فهو أنه ليس من شرعية لأي جسم من أجسام سلطة الأمر الواقع في ليبيا ؛ فحكومة الوحدة الوطنية الانتقالية التحاصصية في طرابلس - ومجلسها الرئاسي التحاصصي - قد انتهت صلاحيتها التوافقية منذ 24 ديسمبر 2021 ، أما برلمان طبرق فاقد الشرعية الدستورية أصلا ، فقد انتهت ولايته (ولاية فرض الأمر الواقع) منذ تاريخ 15 أكتوبر 2015 ، وأما المجلس الأعلى للدولة (النسخة المعدلة من المؤتمر الوطني العام السابق) فهو منتهي الصلاحية منذ 7 فبراير 2014 !
وعودةً إلى الموضوع ؛ فإن الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية (المدخلية) في طرابلس - مثلها مثل نظيرتها في برقة - كانت قد أصدرت فتوى دينية ، تكفّر فيها أتباع المذهب الإباضي ، بما يعني - ضمنا - إهدار دماء عشرات الالاف من الشعب الليبي ، وإشعال فتنة حرب طائفية لا تُبقي ولا تذر شيئا من الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي ؛ لولا أنّ جماهير الشعب الليبي قد واجهت تلك الفتوى الداعشية ، بالرفض والاستهجان والاستنكار ، في إجماع نادر ، عبّر به أغلبية الليبيين عن رفضهم للإسلام السياسي .
ومن غرائب قرارات الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية (المدخلية) ، التابعة لحكومة غرب ليبيا ، إصدارها قرارا بإنشاء جهاز (حِسْبة) للتضييق على الحريات والتفتيش في الضمائر ، أسمته {جهاز حُراس الفضيلة} ، أسندت إليه مهام : « رصد وتتبُّع الانحرافات العقَدية والفكرية والأخلاقية وإحالة المنحرفين للجنة إعادة التأهيل » ! ولم تنجُ المصطلحات من تدخّل الهيئة المذكورة ، فأصدرت قرارا يقضي بتحريم استعمال مصطلح (النوع الاجتماعي) !
أما هدر ونهب 600 مليار دولار ، واغتصاب السلطة مِن قِبَل ما يسمى مجلس النواب و مجلس الدولة ، لمدة أكثر من 10 سنوات ، مع إيثار أنفسهم برواتب فلكية فاحشة وامتيازات خيالية أشد فحشا , وارتكاب الجريمة الكبرى بتخفيض سعر الدينار الليبي مقابل الدولار (من 1,37 دينار مقابل 1 دولار ، إلى 4,48 دينار مقابل 1 دولار ، زائدا فرض ضريبة على مبيعات الدولار بقيمة 27%) ، وتحكم السوق السوداء بسعر صرف العملة ، وانهيار الاقتصاد الوطني ، وانحدار مستوى الخدمات الطبية إلى الحضيض ، وتأجير ليبيا لروسيا (بوتن) وتركيا (اردوغان) مقابل حماية كراسي السلطة المغتصبة ، واستشراء الجريمة المنظمة لضواري افتراس المال العام ، واختفاء السيولة النقدية من البنوك ، وتغوّل التجار ، وتدني مستوى معيشة 90% من الشعب الليبي إلى ما تحت مستوى خط الفقر ... ؛ فذلك كله وغيره الكثير الكثير ، لا يحرك ساكنا لدى حكومة الدبيبة المولودة سفاحا في جنيف على يد القابلة ستيفاني ويليامز ، أو لدى حكومة حماد الموالية لحفتر والمولودة بعملية قيصرية على يد عقيلة صالح الملوثة بخيانة الأمانة في بنغازي . وإنه لَتحصيل حاصل ، أن لا يحرك ساكنا أو واعزا من الوطنية ، لدى برلمان طبرق القبلي و/أو المجلس الأعلى للدولة الإخواني ؛ ذلك أنهم جميعا - كياناتٍ وأفراداً - فاقدون للشرعية بالمطلق ، ومغتصبون للسلطة بحكم الأمر الواقع ، وغارقون في الفساد بلا حدود ؛ مطمئنين إلى الإفلات من المساءلة والعقاب .
وتلك هي محصلة تحالف سلطة الدولار وسلطة الجامع وسلطة المسدس ، في غياب وعي العامّة بضرورة وقوة (لا) .
و على نهج الإنسانية ..
آمل عيدَ ميلادٍ سعيداً للمسيحيين كافةً في مشارق الأرض ومغاربها ، وعاماً جديدا جميلا للبشر محبي السلام من شعوب العالم قاطبة .
(Apulios Zekri)
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟