أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - إبراهيم اليوسف - الخطاب الشعبوي: صناعة الوهم واستدامة الكارثة-2-














المزيد.....


الخطاب الشعبوي: صناعة الوهم واستدامة الكارثة-2-


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 20:15
المحور: قضايا ثقافية
    


يكتسب الخطاب الشعبوي سلطته وسطوته حين يتم استغلاله كأداة لإعادة تشكيل الواقع وفرض رؤية محددة، لتسيده، بغض النظر عن صحة هذه الرؤية وتوافقها مع منطق الواقع أم لا. هذا النوع من الخطاب لا يكتفي بتقديم المواقف الخاطئة بوصفها حقائق، بل يتجاوز ذلك إلى تشويه المواقف العقلانية، وتجريم كل من يتبنى رأياً صائباً، في محاولة لترسيخ الوهم وإضعاف كل محاولة للتصحيح. إن أول خطوات هذا التوظيف يتمثل في فرض رؤية تخدم جهة معينة، سواء كانت سياسية أو أيديولوجية أو إعلامية، بل إن كل هذه الجهات تندمج ضمن مسمى أو مصطلح واحد دال، و مختصر. ويتم ذلك عبر تقديم هذه الرؤية على أنها الحقيقة المطلقة، دون الالتفات إلى مدى مصداقيتها أو انعكاساتها على الواقع. هنا تظهر براعة الخطاب الشعبوي في استثمار أدواته، وفق توجيهات وترتيبات مسيريه، ومطلقيه. بدءاً بتكرار المقولات الجوفاء إلى نشر مفاهيم خاطئة تتدثر بعباءة الحقائق المشوهة. وما يثير القلق هو أن هذه الممارسات لا تقتصر على إطار نظري، بل تتحول إلى سلوك يومي”ببَغاوي” يعيد تشكيل وعي الجمهور، ويدفعه للقبول بما لا يمكن قبوله عقلاً أو منطقاً.
مؤكد أن التشويه والتشويش على المواقف العقلانية يُعدان عنصرين أساسيين في الخطاب الشعبوي. فكل صاحب رأي صائب يُعرض- في هذه الدوامة أو المعمعة- كمتهم، وكأن منطقه خيانة للمجتمع أو للثوابت التي يدّعيها هذا الخطاب. وهذا أسٌ رئيس لتمرير الخطأ من خلال ضجيج متعمد يطمس الحقيقة، ويعيد إنتاج الأكاذيب بأساليب تبدو جديدة لكنها تحمل لب المضمون المضلل ذاته. هذا- تحديداً- ما يخلق الصراع داخل المجتمع، إذ يتكون لدينا طرفان متناقضان، قد يدفع الطرف الصائب إلى ردود فعل خاطئة، محدودة، أو غيرمحدودة، يتم استثمارها لاحقاً من قبل ناشري هذا الخطاب. ثم تتوالى الدوامة بنشر خطاب الكراهية ضمن صفوف الطرفين، بموجب ثنائية: الفعل وردة الفعل، وتزداد الطامة عندما يكون ناشر الثقافة الشعبوية ممتلكاً للقوة والمال، ولديه أبواق إعلامية قادرة على قلب الحقائق والموازين وفرض الرأي من خلال التكرار المستمر للخطأ.
من هنا، فإن الخطاب الشعبوي لا يكتفي بإعادة تدوير الأخطاء السابقة، بل يبدع في تكرار بدع أخرى، ضمن متوالية تكاد لا تنتهي، يعيد إنتاج البدعة التي فشل في سياق تسويقها، أو يبتكر أو يبتدع أخرى بديلة!!. إذ ما يثير الحيرة هو استمرارية دعم هذه الأخطاء، حتى بعد افتضاح أمرها، وكأن الهدف ليس التصحيح والتصويب، بل ترسيخ الوهم كجزء من الواقع. هنا- تماماً- تبرز قدرة الشعبوية على الاستفادة من أنصاف الحقائق وأرباعها، في بناء منظومة خطابية تبدو منطقية لكنها، في جوهرها، مموَّهة وخادعة. إن آثار ما هو كارثي ستدوم، وتظل المعاناة مستدامة، لاسيما عندما تصبح هذه الممارسات وسيلة لإحداث عمى الألوان الفكري، حيث تضيع الفوارق، وتمحى الحدود بين الحقيقة والوهم، ويُقلب الصواب إلى خطأ والخطأ إلى حقيقة مطلقة، من دون الاكتراث بحجم الدمار متعدد الأشكال الذي تظل آثاره، في مختلف الجوانب النفسية، والاجتماعية. على الكائن والمكان، في آن!؟
أجل. إن أحد أخطر أوجه الخطاب الشعبوي يتمثل في عدم الاكتراث بالعواقب الكارثية التي يخلفها وراءه. إذ إن الكوارث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تنجم عن هذا الخطاب يتم التعامل معها كأضرار جانبية لا أهمية لها. ويعود السبب في ذلك إلى طبيعة هذا الخطاب الذي يعتمد على الرأي الأحادي، ويرفض أي اختلاف أو تعددية في وجهات النظر.
إلى جانب ذلك، يظهر تهميش المثقف كعنصر آخر يعزز من سيطرة الخطاب الشعبوي. المثقف الذي يُفترض أن يكون صوت العقل والتفكير النقدي، فهو يُقصى تماماً ما لم يكن تابعاً لهذا الطرف أو ذاك. وبذلك يتم شلُّ العقل الجمعي، وشلُّ التفكير الفردي، وتحويل المجتمع إلى كتلتين متضادتين، أو كتل متضادة، أو حتى في صورة محض كتلة متجانسة من القطيع الذي يردد ما يُقال له دون تفكير أو نقد، نتيجة استلاب الرأي وغسيل الأدمغة.
إن الأشد خطورة من ذلك كله هو التحالف العلني أو المخفي أو التلقائي مع النخب الانتهازية التي تلتحق بركب الخطاب الشعبوي لدواعٍ منفعية، فهي مستعدة لتبديل مواقفها مع كل تحول. هذه النخب، سواء كانت سياسية أو أيديولوجية أو إعلامية، فإنها تستغل قوة المال والسلطة وأدوات الإعلام لتفرض واقعاً من البلادة الفكرية، تاركةً جمهورها في دوامة من الفوضى والتشتت. كي تُبقي رحى الفرقة دائرةً، لتضمن لنفسها النجاة فوق ركام المعاناة العامة.
ويظهر هذا النوع من الخطاب بوضوح في محاولات بعض الأطراف- في هذا المجتمع أو ذاك- فرض رؤى تخدم أجنداتها الخاصة، دون اكتراث بالتاريخ أو الواقع. فيتم الترويج لهذه الرؤى عبر وسائل إعلامية وأيديولوجية تنشر الخوف والشك، وتعمل على تحييد كل صوت يدعو إلى التعقل أو التفكير النقدي. إنها البلطجة الخطابية التي تفرض هيمنتها من خلال تكرار الخطأ، وإغراق الساحة بتفاصيل سطحية تساهم في تعطيل التفكير النقدي.
وبدهي أن الديماغوجيا التي تصنعها هذه الأطراف لا تكتفي بإدامة الكارثة، بل تُحولها إلى نمط من الحياة اليومية، بحيث يصبح استيعاب الخطأ أو مواجهته أمراً مستحيلاً. في النهاية ليتسيَد هذا الخطاب ويصبح أداة لتكريس المأساة، بدل أن يكون وسيلة للخروج منها.
ورغم كل ما سبق، فإن الأمل يبقى معقوداً على قدرة العقول الحرة في كسر هذا النمط من الخطاب، وإعادة الاعتبار للتفكير النقدي. من الضروري أن يكون المثقف جزءاً من الحل، لا تابعاً لمعادلات الخطأ. لأن الشعبوية، بكل مظاهرها، ليست- أولاً وأخيراً- إلا انعكاساً لحالة مرضية تحتاج إلى علاج شامل، يبدأ بتعزيز الحوار، والاعتراف بتعددية الآراء، وتقدير العقل كأداة لتصحيح المسار.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات
- في شؤون وشجون “الموفد الكردي” الموحد إلى دمشق
- الدكتور محمد فتحي راشد الحريري: مسيرة علم وأخلاق وحياة خالدة
- آن الأوان لعودة- ب ك ك- إلى ساحته
- الثقافة الكردية في سوريا الجديدة نحو الاعتراف القانوني
- سقوط القيم والأخلاق قبل سقوط النظام بشار الأسد أنموذجاً للخس ...
- مفارقات العقل الأحادي: قراءة في الموقف من الكرد وقضاياهم
- دمشق وقامشلي: من الأولى بمبادرة احتضان الأخرى؟
- الاستبداد والاستبدال: رؤية لما بعد نظام الأسد!
- الكرد من أوائل مؤسسي و بناة سوريا: لماذا يتم تغييب دورهم؟
- الرئيس المخلوع: بين جبن الطغاة وبذخ العروش
- تقرير -قيصر- ودوره في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا
- سجون سوريا: الداخل مفقود وهل من أحد يخرج منها؟.. سجن صيدنايا ...
- الهندسة المعمارية لسجن صيدنايا: البناء، الزنازين، والطوابق ا ...
- تنويه واعتذار من إبراهيم اليوسف
- سايكولوجيا الجلاد: في استقراء نفسية مرتكبي التعذيب والجرائم ...
- لا تكن رئيساً دكتاتوراً لئلا يُداس ضريحك!
- تجريم ب ي د وتكريم فروع القاعدة:ازدواجية المعايير في المشهد ...
- من أوصل بشار الأسد إلى هذا المصير الأسود؟
- مهجرون أم رهائن: لماذا يمنع عودة كرد عفرين المهجرين؟


المزيد.....




- ما تعليق الصين بشأن تهديد ترامب باستعادة السيطرة على قناة بن ...
- سوريا.. حرق شجرة عيد الميلاد وما قاله مسلح بالفصائل بجانب قس ...
- إسرائيل تعلن اعتراض خامس صاروخ أطلق من اليمن خلال أسبوع
- أوكرانيا تكشف عن -خدعة- تستخدمها روسيا لإخفاء هوية جنود كوري ...
- للمرة الخامسة في أسبوع.. إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ أطلق من ا ...
- وزير خارجية سوريا يوجه تحذيرا إلى إيران
- إيران تستنكر الاعتراف الإسرائيلي باغتيال هنية وتصفه بـ-الوقح ...
- وزير خارجية سوريا الجديد يحذر إيران من نشر الفوضى في بلاده
- حرب غزة.. تصعيد بلا نهاية وأفق سياسي غائب
- حصيلة جديدة لضحايا إعصار- شيدو- في أرخبيل مايوت


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - إبراهيم اليوسف - الخطاب الشعبوي: صناعة الوهم واستدامة الكارثة-2-