|
معجزة رأسمالية الدولة والصراع الطبقي في الصين
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 18:12
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كانت سياسة الإصلاح والانفتاح التي أطلقها دينغ شياو بينغ في أواخر السبعينات بمثابة نقطة تحول جوهرية في مسار الصين. فقد مهدت هذه السياسة الطريق أمام استقطاب الاستثمار الأجنبي، وتحرير الاقتصاد من القيود البيروقراطية، وتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال. ورغم تبنيها نمط الاقتصاد السوقي، احتفظت الصين بدرجة ملحوظة من التخطيط المركزي، ما أتاح توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الاستراتيجية وتجنب الوقوع في أزمات اقتصادية.
كما استفادت من قوة عاملة كبيرة ومنخفضة التكلفة، مما جعلها مركزًا جاذبًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، خصوصًا في الصناعات التي تعتمد على العمالة بشكل كبير. إلى جانب ذلك، ركزت الصين بشكل مكثف على تطوير التعليم والتدريب، مما ساهم في تحسين مهارات القوى العاملة وعزز تنافسيتها على المستوى العالمي.
مع استمرار ارتفاع مستويات الدخل القومي للمواطنين الصينيين، شهدت البلاد زيادة ملحوظة في الطلب على مجموعة متنوعة من السلع والخدمات، مما ساهم بشكل كبير في تسريع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز النشاط التجاري. استجابت الصين لهذا التغير بتوجيه استثمارات هائلة نحو تطوير البنية التحتية الأساسية في البلاد، والتي تضمنت إنشاء وتحسين شبكة الطرق الحديثة، وتوسيع قدرات الموانئ البحرية، وتطوير السكك الحديدية عالية السرعة، مما أحدث طفرة في كفاءة التنقل الداخلي وسلاسة حركة التجارة الإقليمية والدولية. علاوة على ذلك، ركزت الحكومة الصينية جهودها على تنمية الصناعات التحويلية بشكل كبير، بالإضافة إلى إعطاء أولوية كبيرة للصناعات التكنولوجية المتقدمة. وقد أدى هذا النهج إلى تحقيق معدلات مرتفعة من القيمة المضافة للصادرات الصينية وتعزيز تنافسيتها الدولـــية في الأسواق العالمية. وفي السنوات الأخيرة، أولت الصين أهمية متزايدة لقطاع البحث والتطوير، حيث رفعت نسبة استثماراتها في هذا المجال بشكل ملحوظ. وكانت هذه الخطوة مدروسة للإسهام في تحويل الاقتصاد الصيني من مجرد كونه مصنعًا ضخمًا يخدم احتياجات العالم إلى قوة عالمية محركة للابتكار والإبداع في مختلف القطاعات. لم تقتصر الاستثمارات الصينية على تطوير الطرق والموانئ فحسب، بل امتدت لتشمل شبكات السكك الحديدية عالية السرعة، محطات توليد الطاقة، والمشاريع العقارية الكبرى. هذه الاستثمارات المكثفة لعبت دورًا بارزًا في تعزيز الكفاءة الاقتصادية وتيسير حركة التجارة. تبذل الحكومة الصينية جهودًا حثيثة لدعم الابتكار من خلال تقديم حوافز سخية للشركات الناشئة والباحثين، إلى جانب استثمارها الكبير في مجالات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات. ساهم انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية والعديد من المنظمات الدولية الأخرى في فتح آفاق جديدة أمام صادراتها، مما عزز اندماجها الاقتصادي على المستوى العالمي. كما شهدت البلاد تغييرات ديموغرافية كبيرة تمثلت في نزوح أعداد كبيرة من السكان من المناطق الريفية إلى المدن، وهو ما أدى إلى زيادة في الإنتاجية وارتفاع الطلب على مختلف السلع والخدمات.
تُعرف الثقافة الصينية بتقديرها العالي للعمل الجاد والالتزام المستمر والسعي الدؤوب نحو تحقيق الأهداف التي تمتد على المدى الطويل. وقد كان لهذه القيم تأثير كبير في دفع عجلة نجاح نموذج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين. وإلى جانب ذلك، استفادت الصين من فترات ممتدة من الاستقرار السياسي، وهو عامل أساسي ساعد في توفير بيئة مشجعة ومُهيَّأة للنمو الاستثماري والتوسع في مجالات التجارة المتنوعة، مما عزز مكانتها كقوة اقتصادية عالمية. رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها الصين، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات جسيمة في المستقبل. فقد شهد الاقتصاد الصيني تباطؤاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، مما يزيد من الضغوط على الحكومة للبحث عن مصادر جديدة للنمو. كما تفاقم التفاوت الاجتماعي بشكل لافت، مما يشكل خطراً على استقرار المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، تعاني العديد من المدن الصينية من مستويات عالية من التلوث، ما يؤثر سلباً على الصحة العامة ويضعف الحالة البيئية. ولا يمكن إغفال التأثير السلبي للتوتر التجاري القائم بين الصين والولايات المتحدة، الذي ساهم في تعزيز حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي. تعد مسيرة النمو الاقتصادي للصين واحدة من أبرز قصص النجاح الاقتصادي في القرن العشرين. ومع ذلك، فإن تحقيق نمو اقتصادي مستدام يتطلب مواجهتها لهذه التحديات والعمل بجد نحو بناء اقتصاد أكثر استدامة وشمولية يلبي احتياجات الحاضر والمستقبل. التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة، الذي نشأ خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، ترك آثاراً واضحة على الاقتصاد العالمي. إذ يشكل التبادل التجاري بين البلدين جزءاً أساسياً من التجارة الدولية، وأي خلل في هذه العلاقة ينعكس مباشرة على معدلات النمو الاقتصادي العالمي. من الآثار السلبية لهذا التوتر التجاري، تصاعد الرسوم الجمركية المتبادلة، ما زاد من تكاليف الإنتاج للعديد من الشركات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة التنافسية. وتعتمد العديد من الشركات العالمية على سلاسل الإمداد الوثيقة بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن التوترات التجارية أضرت بتلك السلاسل، مما أفرز تداعيات مثل ارتفاع تكاليف الشحن وتأخير عمليات التسليم. كما تسبب هذا المناخ غير المستقر في زيادة حالة عدم اليقين الاستثماري، حيث باتت العديد من الشركات تؤجل استثماراتها أو تنقلها إلى بلدان أخرى. إضافة إلى ذلك، فإن التباطؤ في النشاط التجاري بين أكبر اقتصادين عالميين أثر سلباً على وتيرة النمو الاقتصادي على نطاق واسع. رغم التحديات القائمة، لا يزال الطرفان يسعيان إلى الوصول إلى اتفاق تجاري شامل. وقد تم إحراز بعض التقدم في هذا السياق، إلا أن الطريق أمام تحقيق تسوية كاملة ما زال طويلاً. لقد بات الصراع الطبقي في الصين، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية الجذرية التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة بات واضحا، بل فاضحا حيث إن النمو الاقتصادي السريع الذي حققته الصين لم يكن مصحوبًا بتوزيع عادل للثروة. هذا الواقع أدى إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية وبرزت معه طبقات اجتماعية جديدة تحمل ملامح اقتصادية واجتماعية مختلفة. يُعزى تفاقم الصراع الطبقي في الصين بالدرجة الأولى إلى التحول الجوهري من نموذج الاقتصاد المخطط إلى نظام الاقتصاد السوقي، وهو تحول أتاح المجال لنشوء طبقة جديدة من الأثرياء الذين جمعوا الثروات بسرعة.
وفي المقابل، استمرت معاناة شرائح واسعة من المجتمع، وبالأخص الطبقات الفقيرة، التي وجدت نفسها عاجزة عن مجاراة السقف المرتفع للتقدم الاقتصادي. ومن بين أبرز الأسباب التي عمقت هذه الفجوة الطبقية تركيز السياسات الحكومية على تحقيق نمو اقتصادي قوي وسريع، إذ أولت الحكومة اهتمامًا كبيرًا لهذا الهدف دون أن ترافقه معالجة كافية للقضايا الاجتماعية الأساسية، مثل العدالة في توزيع الدخل وتوفير الفرص المتكافئة.
كما أن انتشار الفساد بين أوساط بعض المسؤولين أدى إلى تمركز الثروات في أيدي عدد محدود من الأفراد والمجموعات، مما عزز الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وعلاوة على ذلك، غالبًا ما تفضل السياسات الاقتصادية الصينية الشركات الكبرى وأصحاب المال الأثرياء جدا من خلال توفير امتيازات أكبر لهم مقارنة ببقية فئات المجتمع. هذه السياسات قد أسهمت بدورها في تعميق الهوة بين الشرائح المختلفة داخل المجتمع، مما أدى إلى مزيد من الاحتقان الطبقي وأثار تساؤلات حول إمكانية تحقيق التنمية المستدامة دون معالجة جذرية لهذه الاختلالات الاجتماعية.
تواجه الصين مشهدًا متناميًا من أشكال الصراع الطبقي، حيث يزداد عدد الإضرابات العمالية الداعية إلى تحسين الأجور وظروف العمل في مختلف القطاعات. كما يسعى العمال بشتى الوسائل لإيصال أصواتهم والحصول على حقوقهم عن طريق تنظيم الإضرابات والمظاهرات التي تمثل إحدى أبرز وسائل التعبير عن الشعور بالإحباط والغضب الناتج عن الظلم الاجتماعي الذي يتجلى في أمور مثل الفساد وعدم المساواة.
وقد امتدت الصراعات الاجتماعية لتمس قضايا أكثر تعقيدًا، منها التوترات بين العمال المهاجرين ونظرائهم المحليين، بالإضافة إلى الفجوة المتزايدة بين المجتمعات الريفية والحضرية. الصراع الطبقي في الصين لا يمثل فقط مصدر قلق اجتماعي، ولكنه أيضًا تهديد مباشر للاستقرار العام في البلاد. إذ يمكن أن تؤدي هذه الصراعات إلى تصعيد التوترات الاجتماعية وتعمق الانقسامات داخل المجتمع الصيني. من جانب آخر، يُرجّح أن تؤثر هذه الصراعات سلبًا على الأداء الاقتصادي، حيث قد تساهم في خفض معدلات الإنتاجية ورفع التكاليف التشغيلية على الشركات والمؤسسات.
علاوة على ذلك، تعتبر هذه الصدامات عاملًا يضعف شرعية النظام السياسي في أعين بعض المواطنين الذين يشعرون بعدم تمثيل الحكومة لمصالحهم أو حماية حقوقهم الأساسية. يمثل الصراع الطبقي تحديًا بالغ الخطورة للقيادة الصينية، التي تعمل على محاولة احتواء هذا التوتر الاجتماعي ومعالجة تداعياته. وعلى الرغم من المبادرات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة بهدف تقليص الفجوة الاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية للشرائح الأضعف، إلا أن التفاوتات الاجتماعية لا تزال قائمة وشديدة الوضوح. هذا الواقع يجعل الصراع الطبقي تهديدًا حقيقيًا ليس فقط للاستقرار الداخلي، ولكن أيضًا لمسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى الصين لتعزيزها. وقد كانت هذه الاحتجاجات انعكاساً للغضب المتراكم لدى العمال الذين يشعرون بالاستغلال وغياب العدالة.
يشكل قدر كبير من رأس المال الذي تم تجميعه في الصين نتيجة لاستغلال العمل غير المأجور، سواء كان ذلك من خلال ساعات العمل الطويلة، الأجور المتدنية، أو ظروف العمل غير الملائمة. يعاني العمال الصينيون غالباً من نقص الحماية القانونية الضرورية، مما يجعلهم عرضة لاستغلال أرباب العمل. ومع النمو الاقتصادي السريع في البلاد، تفاقمت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل كبير، مما ساهم في تعزيز الشعور بعدم الإنصاف لدى شريحة واسعة من العمال. كما أن النقابات العمالية في الصين تواجه تحديات جمّة في تنظيم صفوفها والدفاع عن حقوق العمال، وسط قيود حكومية وتدخلات مستمرة.
تعكس هذه الاحتجاجات أن الصراع الطبقي في الصين يمثل مشكلة عميقة ومتجذرة، وأن السياسات الحكومية الحالية لم تحقق نجاحًا كافيًا لمعالجتها إذ تسهم هذه التحركات الشعبية بشكل كبير في الضغط على الحكومة لإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تحسين ظروف العمل وضمان حماية حقوق العمال. تمثل هذه الاحتجاجات أيضًا تحديًا جادًا للنظام السياسي في البلاد، حيث تكشف عن وجود توترات اجتماعية عميقة قد تؤثر على الاستقرار السياسي.
التحديات المستقبلية تشير إلى احتمال أن تميل الحكومة الصينية نحو زيادة القيود والقمع لمواجهة الاحتجاجات العمالية، مما قد يفاقم من حدة التوترات الاجتماعية. ومن المتوقع أن تتطور أساليب الاحتجاج في الصين، حيث قد يتجه العمال إلى أساليب أكثر تطورًا لإيصال أصواتهم، مثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بفعالية أو إطلاق حملات مقاطعة منظمة.
ويستدعي حل المشكلات المرتبطة بالصراع الطبقي في الصين تبنّي إصلاحات جذرية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي تشمل تعزيز حقوق العمال، وتحقيق توزيع عادل للثروات، والتصدي لظاهرة الفساد التي تؤثر على منظومة العدالة الاجتماعية. تعد الاحتجاجات العمالية في الصين انعكاساً واضحاً لوجود توتر طبقي عميق الجذور. وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجهها، إلا أنها تلعب دوراً محورياً في تحفيز مسارات الإصلاح والتغيير داخل البلاد
تتنوع أشكال الاحتجاج في الصين، من الاحتجاجات العمالية إلى الحركات الانفصالية والاحتجاجات ضد الفساد والظلم الاجتماعي. وهذا يدل على أن السخط الشعبي يتخذ أشكالًا متعددة ويتجاوز القضايا الاقتصادية البحتة. تلعب الأيديولوجيات دورًا هامًا في تحفيز الاحتجاجات، حيث تمتزج في بعض الحالات الأيديولوجيات الدينية والقومية مع الأيديولوجيات اليسارية. في بعض الحالات، يلجأ المحتجون إلى تبني أساليب عنيفة كوسيلة للضغط على الحكومة بهدف إسماع صوتهم وتحقيق مطالبهم، وهو ما لوحظ في أحداث قرية يونتانغ حيث تصاعدت التوترات بشكل لافت. وعلى الجانب الآخر، تواجه الدولة مثل هذه الاحتجاجات باستخدام القوة المفرطة واللجوء إلى أساليب قمعية في محاولة للسيطرة على الوضع، مثلما حدث في حالة يونتانغ، عندما تم تصنيف القرية بأكملها كجماعة إجرامية لتبرير التدخل.
هناك العديد من العوامل التي تقف وراء ظهور هذه الاحتجاجات، أبرزها التفاوت الكبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين المناطق المختلفة داخل الصين. ففي حين تشهد بعض المناطق ازدهاراً ملحوظاً، تعاني مناطق أخرى من فقر شديد وتهميش مستمر، ما يؤدي إلى تفاقم الشعور بالظلم والإحباط بين سكانها. إضافة إلى ذلك، فإن استفحال الفساد بين المسؤولين وضعف الرقابة المؤسساتية يؤدي إلى تآكل الثقة العامة في الحكومة ويغذي الرغبة العامة في الاحتجاج للتعبير عن السخط. ومن الجدير بالذكر أن غياب القنوات السلمية التي تتيح للمواطنين التعبير عن مظلوميتهم ومخاوفهم يزيد من احتمالية لجوئهم إلى استخدام العنف كوسيلة أخيرة لتحقيق أهدافهم والمطالبة بحقوقهم.
من المتوقع أن تشهد الصين تطورات جديدة في أشكال الاحتجاج، حيث يستخدم المحتجون وسائل تكنولوجيا المعلومات للتواصل والتنظيم. قد تشهد الصين زيادة في القمع الحكومي للاحتجاجات، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية. يتطلب حل مشكلة الاحتجاجات الاجتماعية في الصين إجراء إصلاحات شاملة في النظام السياسي والاقتصادي، بما في ذلك مكافحة الفساد، وتعزيز الحريات، وتوزيع الثروة بشكل أكثر عدالة. إن حملة القمع العنيف التي تواجه الاحتجاجات الاجتماعية في الصين تمثل أحد الجوانب المظلمة المرتبطة بالصراع الطبقي المستمر في البلاد. تهدف السلطات من وراء هذا القمع إلى تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في الحفاظ على حالة الاستقرار الاجتماعي ومنع انتقال الاحتجاجات أو تحولها إلى موجة أكبر، إلا أن هذه الإجراءات تدفع بوضوح نحو تعميق التوترات الاجتماعية القائمة وتعزز شعور الأفراد بالظلم والاستياء المتزايد. تضع الحكومة الصينية مسألة استقرار البلاد في قمة أولوياتها، حيث تعتبر أي تحرك احتجاجي بمثابة تهديد مباشر لاستقرار المجتمع، وأيضًا كتهديد ضمني لشرعيتها وسلطتها الحاكمة. القلق الرئيسي لدى السلطات يكمن في احتمال أن تمتد شرارة الاحتجاجات إلى مناطق أخرى، مما قد يؤدي إلى تكون حركة احتجاجية واسعة النطاق يصعب السيطرة عليها. بالرغم من نجاح الحكومة في الحد من انتشار هذه الاحتجاجات في بعض الأحيان، إلا أن السياسات القمعية المصاحبة لها تؤثر بعمق على النسيج الاجتماعي. الإجراءات القمعية ليست فقط أداة لسحق الاحتجاجات، ولكنها تؤدي كذلك إلى تفاقم مشاعر الغضب لدى المحتجين، إذ يشعرون بأن الحكومة تتجاهل مطالبهم واحتياجاتهم الأساسية. هذا الشعور المتزايد بالغبن يولد انعدام الثقة بشكل متزايد بين المواطنين والحكومة، حيث يرى الشعب أن السلطات لا تعير اهتمامًا حقيقيًا لرغباتهم أو تسعى للتواصل معهم بشكل بناء. علاوة على ذلك، يسهم القمع في خلق مناخ عام من الخوف والترهيب داخل المجتمع، مما يدفع الكثيرين إلى الصمت والتراجع عن ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم أو المطالبة بحقوقهم. وفي ظل هذا السياق المتوتر، قد تدفع الاستراتيجيات القمعية أيضًا نحو تغيير طبيعة الاحتجاجات نفسها. فمع تصعيد العنف من طرف الحكومة، يصبح المحتجون أكثر ميلًا إلى استخدام أساليب مبتكرة وسرية للتعبير عن آمالهم ومطالبهم. وفي بعض الحالات، قد يتحول الإحباط العميق لدى المحتجين إلى لجوئهم إلى أشكال أكثر عنفًا من المقاومة، وذلك كرد فعل على غياب المساحة المتاحة للحوار والتفاهم. ومن هنا يتضح أن القمع العنيف لا يشكل سوى علاج مؤقت للمشكلة على السطح، لكنه يغذي أزمة أعمق تحوم حول رفض الناس للغياب المستمر لقنوات تواصل حقيقية واستجابة عادلة لمطالبهم المتزايدة. هذا الأمر يتطلب إعادة تقييم جذرية لكيفية تعامل السلطات مع هذه الأزمات المتكررة لتجنب انزلاق الوضع نحو تصعيد أخطر في المستقبل. وقد تلعب الدعاية دورًا هامًا في محاولة طمس حقيقة الصراع الطبقي وتقديم صورة مثالية عن المجتمع الصيني. ولكن الحقيقة على الأرض تختلف تمامًا، والأرقام والإحصائيات لا تكذب.
مراجع: https://www.ida2at.com/sinophilia-reality-class-struggle-china/ الصين ومساراتها: عن السوق والتحديث والاشتراكية https://www.7iber.com/politics-economics/ الصين ونظامها الاجتماعي: بين القوالب الميتة والرؤية الحية https://taqadoom.com/6105/ https://en.wikipedia.org/wiki/Socialist_market_economy الصين: الطريق الرأسمالي نحو الاشتراكية https://www.marrakechalyaoum.com
مالمو 2024-12-23
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يلدا انتصار النور على الظلام وبداية دورة جديدة
-
استغلال الدين لترسيخ العرش سلاح ذو حدين
-
قراءة في رؤية أدونيس حول التغيير في سوريا
-
رجلنا في دمشق: دور سوريا في توظيف غرف التعذيب لصالح وكالة ال
...
-
أبارك لأبناء سوريا الجميلة الخلاص من كابوس الطغيان
-
تعبيرات جسد المرأة في ايران سياسياً وثقافياً
-
حزب الحرب الديمقراطي وفقدانه للشرعية
-
المعادلة المعقدة بين الشيوعي والشيعي
-
إمكانية إيقاف انزلاق أمريكا نحو الفاشية
-
شخص واحد، صوت واحد، دعابة واحدة... عن الديمقراطية
-
في ذكرى بازوليني
-
الفكرة اللينينية عن الامبريالية اليوم
-
المهاجرون الذين لا يمكن الاستغناء عنهم في أمريكا
-
كيف ساهمت جائزة نوبل للسلام في التغطية على الإبادة الجماعية
...
-
الشعر والالتزام في ستينيات القرن الماضي والعصر الرقمي
-
ألبرت أينشتاين لم يحصل على جائزة نوبل عن نظرية النسبية
-
لعنة الحدود
-
دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحركات الاجتماعية والتحولات
...
-
نزعة نتنياهو العسكرية الخطيرة
-
لماذا لا نجد في عصرنا الحالي كتّابًا عباقرة مثل شكسبير، وبلز
...
المزيد.....
-
الشيوعي العراقي يُحشّد لاحتجاجات الكهرباء ويطالب بحلول جذرية
...
-
بلاغ صادر عن الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي
...
-
هجوم ماغديبورغ.. حزب البديل يدعو لمسيرة حداد ومهاجمة سياسية
...
-
صوفيا ملك// لنبدأ بإعطاء القيمة والوزن للأفعال وليس للأقوال
...
-
الليبراليون في كندا يحددون خليفة لترودو في حال استقالته
-
الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن
-
كلمة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ال
...
-
الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية من مسافة صفر وسط مخيم
...
-
الجيش اللبناني: تسلمنا مواقع عسكرية من الفصائل الفلسطينية
-
مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال
...
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|