أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بهجت العبيدي البيبة - التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم














المزيد.....


التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 14:01
المحور: قضايا ثقافية
    


عندما كتب الدكتور طه حسين كتابه الذي أثار جدلًا عاصفًا، والذي كان عنوانه الأصلي “في الشعر الجاهلي” قبل أن يصبح “في الأدب الجاهلي” بعد محاكمته الشهيرة، كان يمهد لمسار جديد في الفكر العربي، مسار يقوم على إخضاع التراث للنقد العلمي، ونزع القداسة عن النصوص التي لا ينبغي أن تُقدَّس. لقد جادل طه حسين، بمنهج صارم، أنه لا يمكن اعتماد النصوص الدينيّة كمرجع تاريخي مطلق، وهي الفكرة التي لم تكن لتُطرح حينها دون أن تُحدث زلزالًا فكريًا ومجتمعيًا.

ولا يمكننا أن ننسى هنا الموقف الشجاع لممثل النائب العام محمد نور، الذي لم يتعامل مع القضية بمنطق الدفاع عن الموروث فحسب، بل أبدى رؤية واسعة تعكس ثقافة رفيعة وحسًا بالعدالة، فانتصرت مرافعته للمنهج العلمي ولحرية الفكر. هذا الموقف، بكل أبعاده، كان مشهدًا من مشاهد الصراع بين القديم والجديد، بين الجمود والانفتاح، بين النصوص الجامدة والعقل النقدي.

في مرافعته، أشار محمد نور إلى أن ما قدمه طه حسين في كتابه لا يخرج عن كونه بحثًا علميًا يتناول موضوعًا أدبيًا، وأنه استخدم فيه منهجًا علميًا بحتًا، حيث قال: “إن المؤلف لم يثبت شيئًا ولم ينفه، وإنما عرض أقوالًا وناقشها، وإن ما جاء بالكتاب لا يعدو أن يكون بحثًا علميًا في موضوع أدبي”.

اليوم، وبعد أكثر من قرن على ذلك الجدل، نجد أن المساحات التي يكسبها التنويريون في العالم العربي تتسع يومًا بعد يوم. فما كان يستدعي محاكمات وعواصف اجتماعية وثقافية في زمن طه حسين، بات اليوم يُناقش في فضاءات أرحب، وإن ظل الجدل قائمًا. نجد، على سبيل المثال، عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس يصرح بوضوح أنه لا يوجد دليل أثري يثبت وجود بني إسرائيل في مصر كما ورد في النصوص الدينيّة، تصريح كهذا لم يعد يثير سوى ردود فعل متواضعة، غالبًا ما تكون مقالات صحفية أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا التقدم في مساحة الحوار، وإن بدا للبعض بطيئًا، هو نتيجة لما زرعه رواد التنوير الأوائل من أمثال طه حسين وسلامة موسى وفرح أنطون وغيرهم. لقد مهد هؤلاء الطريق لفكر يستند إلى العقل والنقد والتحليل العلمي، وهي الجهود التي سمحت لاحقًا لشخصيات مثل زاهي حواس وخزعل الماجدي وفراس السواح أن يواصلوا البحث في التاريخ والتراث بمنهجيات علمية، دون أن يخشوا السيف المُسلط على الرقاب.

ولعل المثال الأبرز الذي يمكن أن نستشهد به هنا هو ما يقوم به الباحث العراقي خزعل الماجدي، الذي يُخضع الروايات الميثولوجية والتاريخية للنقد الصارم، موضحًا أنها ليست إلا إسقاطات زمنية ومكانية لحضارات متعاقبة. وكذلك فراس السواح، الذي أعاد قراءة النصوص الدينية من منظور تاريخي-أنثروبولوجي، محاولًا فك شفراتها وتحليلها ضمن سياقها التاريخي بعيدًا عن التفسيرات التقليدية.

لكن، وإن بدا لنا أن الجدل الآن أقل حدة، لا ينبغي أن نقلل من أهمية وشجاعة ما قام به هؤلاء الرواد. لقد كانوا أشبه بمن يحمل شعلة تنير طريقًا مظلمًا مليئًا بالمخاطر. إن الجرأة التي تحلى بها طه حسين وأمثاله لم تكن مجرد فعل فكري عابر، بل كانت خطوة مفصلية غيرت مسار الفكر العربي، ودفعت بمفهوم التنوير ليصبح واقعًا، وإن كان مشوبًا ببعض العثرات.

اليوم، يواصل التنويريون العرب تلك المسيرة، مستفيدين من إرث فكري عظيم ومن واقع عالمي بات أكثر تقبلًا للنقد العلمي ولحرية الفكر. الطريق طويل، لكنه مليء بالإنجازات التي زرع بذورها الأوائل، وها نحن نرى ثمارها تتجلى في اتساع مساحة الحوار وقبول الاختلاف. إنها رحلة العقلانية التي ستظل تتقدم، وإن تعثرت في بعض محطاتها.

نحن مدينون لطه حسين ولرواد التنوير الأوائل بفضل كبير، فلولا جرأتهم لما كنا لنرى ما نراه اليوم من إنجازات فكرية وتاريخية تحرر العقول من قيودها، وتفتح أبوابًا جديدة للمعرفة. تلك هي ثمار التنوير، التي كلما مرت الأيام زاد إثمارها ونضجها



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...
- ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير
- إعمال العقل في النصوص الدينية: بين نور الفكر وظلام الجمود
- مصر والجائزة الكبرى في مخطط الشرق الأوسط الجديد
- اللغة العربية: بين عظمة الإرث وتحديات العصر
- قراءة في خريطة الصراعات العالمية والإقليمية: مستقبل العرب وم ...
- العقل النقدي بين “حرية العقل” وتحقيق “دويتشه فيله”: معركة ال ...
- الذكاء الاصطناعي: شريك الإنسانية في غزو المستقبل واستكشاف عو ...
- الفوضى الخلاقة: معارك عربية بين الانهيار والصمود
- في الوفاء نكتب: قيمة إنسانية لا تموت
- التاريخ بين الحقيقة والتحريف: دعوة لدراسته بمنهج علمي موضوعي
- الحب.. بوابة العروج إلى السماء
- حرية العقل وبوصلة الفكر: التعليم في مواجهة الفوضى الكبرى
- قراءة في قرارات القيادة العامة السورية: رؤية شاملة لمستقبل ج ...
- سوريا بعد سقوط الأسد: تحديات ومطامع
- سوريا بعد سقوط النظام: تحديات المرحلة المقبلة بين مطامع الخا ...
- وهم هاتف تسلا الرخيص ومعاناة الفقراء
- اهتمامات الشعوب بين العالم العربي والغرب: قراءة في أولويات ث ...
- في أسر الأسطورة: العقل العربي والإسلامي بين الماضي وتحديات ا ...
- في العالم المتقدم: الحسد خرافة تم تفكيك أسطورتها


المزيد.....




- موسكو في انتظار العام الجديد
- مروحية -Mi-35M- تدمر معقلا للجنود الأوكرانيين
- منظومة -غراد- تستهدف مشاة ومعدات عسكرية أوكرانية
- شركة -روستيخ- تسلم دفعة جديدة من مقاتلات وقاذفات إلى القوات ...
- وفد حكومي روسي يصل إلى طهران
- مقاطعة كورسك.. القضاء على 300 عسكري أوكراني في 24 ساعة
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع ...
- سلاح البحرية الروسي يتسلم سفينة حاملة للصواريخ المجنحة
- صحيفة: روته طالب زيلينسكي بوقف انتقاداته لشولتس
- نتائج مفاجئة!.. علماء يكشفون الحد الأقصى لسرعة الدماغ البشري ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بهجت العبيدي البيبة - التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم