اسكندر أمبروز
الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 01:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اعتدنا مع زمن التكنولوجيا الحديثة والانترنت خصوصاً أن نسمع اخبار الإرهاب الإسلامي بشكل شبه يومي...لا بل يومي لمن يصغِ ويهتم بهذا الموضوع , لدرجة أنّ احدهم قام بإنشاء موقع thereligionofpeace.com والذي يختص برصد الهجمات الإرهابيّة الاسلاميّة بشكل يومي وفي بعض الأحيان ساعيّ ! والذي يتابع بشكل مستمر هذه الأفاعيل البول بعيريّة لن يختلف عليه شيء من حيث حدّة الخبر الحاصل في ألمانيا , حيث أن أموراً مشابهةً تحصل يوميّاً في كل أنحاء العالم باسم الدين الداعشيّ , ولكن اللذي اختلف هذه المرّة على ما يبدوا هو مسبب الفعل لهذا الإرهابي , حيث أنّه لم يتحرّك ليقترف ما اقترف بسبب دين بول البعير , والذي يجب اعفائه في هذا المقال من السحق والنقد حيث أنّه لا علاقة له بالهجوم الأخير في مدينة ماغديبورغ , ولكن الذي لفت انتباهي هو النتيجة وليس فقط المسبب في هذا العمل الإرهابي.
حيث أنه تساوى من حيث المحصّلة مع الأفعال الإرهابيّة التي يقترفها المسلمون باسم دينهم في كل مكان وبشكل يوميّ حول العالم , وهو ما يدعونا للنظر في هذه الظاهرة الشنيعة والتي تتمثل باقتراف الإرهاب ! حيث أن الاسباب مختلفة بشكل كبير بين منفذ الهجوم السعودي الأصل والملحد , وأسباب الإرهاب الإسلامي المعروف , حيث أن الأخير يستند الى نصّ دينيّ مقدّس ووصايا تدفن عقله وانسانيّته وتدفعه لاقتراف أفعال مشابهة وأفظع بكثير , ولكن هل هذا يعني احتكار اتباع النص الإرهابي الحاثّ على الإرهاب للإرهاب ؟ لا طبعاً , فهو عمل يقوم به بعض الفئات من الأكراد مثلاً في تركيا للضغط على الحكومة التركيّة بشكل من الأشكال , أو حالات الهجوم المسلّح في المدارس الأمريكية واطلاق النار بشكل عشوائي من قبل بعض الطلّاب على زملائهم نتيجة حالاتهم النفسيّة الغير مستقرّة , فالإرهاب بعينه لا يمكن حصره بعقيدة واحدة أو طريقة تفكير أُحاديّة , ولكن العقيدة الإسلاميّة هي عقيدة ارهابيّة تشجّع على الإرهاب بحكم نصّها وتعاليمها. وهنا يكمن الفرق الشاسع في المسبب.
فهذا الإرهابي الملحد الذي اختلطت عليه الأمور بشكل يدعو للسخرية , قرر أن يعاقب أناساً أبرياء على أمر لم يقترفه احد منهم , بحكم نظريّة مؤامرة في رأسه تفيد بتواطئ الحكومة الألمانيّة على التاركين للإسلام من بلده ؟ هذا الدافع لوحده كفيل بوضعه ضمن دائرة المشبوه من حيث الإضطراب النفسي والتناقض الفكري والعقلي , وهو طبعاً عمل ارهابيّ غير مبرر والجميع ضده وضد من نفّذه , ولكن في رأيي المسبب في هذه الحالة هو نظريّة المؤامرة في فكر الفاعل , حيث أنه هنالك العديد من الأمثلة المشابهة التي أدّت بأشخاص مضطربين باقتراف افعال اجراميّة , كحادثة نيوزيلندا عام 2019 التي قتل فيها أحدهم اشخاصاً مسلمين في مسجدهم بشكل حيوانيّ عنيف , وسبب ذلك في رأيه كان نظريّة مؤامرة ادعى من خلالها استبدال الحكومة للسكان البيض باللاجئين من بلاد الشرق الأوسط , ومثال آخر يرتبط بأحد أعضاء جماعة مؤيدة لترامب في أمريكا , حيث قتل أحدهم شقيقه بحجّة ان الأخير متواطئ مع الماسونيّة , وفي عام 2021 قام أحد أعضاء نفس الجماعة بقتل اطفاله لاعتقاده بأن الحكومة قد زرعت فيهم جينات سامّة ستقتلهم وتقتل سكان منطقته جميعاً !
أيضاً ربما يسعني هنا ذكر هجوم أندرس بيرينغ بريفيك (النرويج عام 2011) في جزيرة Utøya , حيث اعتقد بريفيك بوجود مؤامرة إسلامية يسارية عالمية تهدد القيم الأوروبية , وهو ما دفعه إلى تنفيذ هجمات النرويج عام 2011 التي أودت بحياة 77 شخصاً معظمهم أطفال في مخيّم صيفي لحزب العمّال النرويجي الذي كان يحتضن أطفال اعضاء الحزب في نشاط صيفيّ ترفيهي. اللذي اعتبرهم بريفيك امتداداً للحزب المتآمر الذي يأتي باللاجئين الى النرويج لتغيير ديموغرافيا البلاد والقضاء على السكان الأصليين !
وكمثال اخير قام احدهم متأثراً بنظريات المؤامرة المعادية للسامية , بما في ذلك تلك المتعلقة بنظرية "Great replacement theory" بقتل 11 شخصاً وإصابة ستة آخرين في إطلاق نار في كنيس شجرة الحياة في بيتسبرغ الأمريكية. حيث اعتقد المنفّذ أن اليهود هم من يقفون وراء تسهيل الهجرة الجماعية للسكان غير البيض إلى الولايات المتحدة.
وللتأكيد على علاقة نظريات المؤامرة او تسببها بالأعمال الإرهابيّة , اليكم بعض الأبحاث العلميّة التي توصَّلَت الى هذه النتيجة والتي استندت عليها بشكل شخصيّ في تحليلي لهذه الحوادث. والتي تستكشف كيف يمكن أن يؤدي الإيمان بالأعداء الخفيين المتآمرين , بما في ذلك النخب أو المهاجرين أو الفضائيين...الخ. إلى سلوك عنيف :
1-
Imhoff, R., & Bruder, M. (2014). "Speaking (un-) truth to power: Conspiracy mentality as a generalised attitude." European Journal of Social Psychology, 44(3), 293-303.
- يستكشف هذا البحث دور معتقدات المؤامرة في تشكيل مواقف الأفراد تجاه المجتمع والسلطة. ويبين أن نظريات المؤامرة غالباً ما تنشأ من مشاعر جنون الارتياب وانعدام الثقة تجاه النخب أو السلطات , ويمكن أن تؤدي هذه المعتقدات إلى العداء الاجتماعي , وفي بعض الحالات إلى أعمال عنف. على سبيل المثال , عندما يعتقد أحدهم أن النخب أو الحكومات تتحكم سراً في الأحداث أو تضطهد مجموعات معينة , فقد يشعر من يؤمن بذلك بأن هناك ما يبرر اتخاذ إجراءات متطرفة للرد وإيقاف المؤامرة أو تسليط الضوء عليها.
2-
Goertzel, T. (1994). "Belief in conspiracy theories." Political Psychology, 731-742.
- يوضح البحث أن الإيمان بنظريات المؤامرة يمكن أن يعزز الشعور بجنون العظمة. تربط هذه الدراسة أيضا بين الإيمان بنظريات المؤامرة والعداء والعدوانية تجاه الأعداء المتصورين (مثل المهاجرين أو النخب السياسية أو غيرهم من الجماعات الخارجية). ويدعم البحث فكرة أن مثل هذه المعتقدات يمكن أن تخلق عقلية "Us vs Them" أو "نحن ضد الآخر" حيث يشعر الأفراد بالتهديد ويتخذون تدابير متطرفة للدفاع عن أنفسهم أو "كشف الحقيقة".
3-
Van Prooijen, J.-W., & van Dijk, E. (2014). "The influence of control and certainty on the endorsement of conspiracy theories." Social Psychological and Personality Science, 5(6), 619-625.
- توضح هذه الدراسة أن الافتقار الملحوظ في السيطرة على حياة المرء يمكن أن يجعل نظريات المؤامرة أكثر جاذبية او حتّى منطقيّة. حيث قد يتجه اليها الأشخاص الذين يشعرون بالعزلة الاجتماعية أو الذين يرون أنفسهم ضحايا للأنظمة المجتمعية أو السياسية. ويمكن أن يتجلى الخوف والارتياب الناتج عن ذلك بشأن "النخب" أو "العدو المتآمر" في تصرفات عدوانية تجاه من يُنظر إليهم على أنهم مسؤولون عن هذه التهديدات المتصورة.
وما يجمع كل هذه الأمثلة مع المثال الأخير لحادث ماغديبورغ هو عدم الثقة في الحكومة والبارانويا والخوف والاعتقاد بوجود خطر وشيك من أعداء خفيين (مثل النخب أو المهاجرين او الماسونيّة) التي قد تدفع الأفراد إلى التصرف بعنف اضافةً الى الكراهية تجاه فئات معيّنة من الناس التي تتغذّى على تلك النظريات الخطيرة والفصاميّة والتي لا تستند على أي أدلّة تماماً كالأديان والمعتقدات الدينية التي تبرر لذات الأفعال بشكل مقدّس وممنهج , وهو ما يضع هؤلاء الحمقى في خانة المؤمنين سوائاً بآلهة وخزعبلات ميتافيزيقيّة , أو ادعائات وخرافات ماديّة المضمون كنظريات المؤامرة وما شابهها من هراء , ففي رأيي هذا المعتوه الذي نفّذ هجوم ماغديبورغ هو ملحد بالمعنى العربي او الإسلامي للكلمة أي شخص لحد عن الدين البول بعيريّ , ولكنّه ليس ملحداً بالمعنى الإصطلاحي أو المتعارف عليه للكلمة أي شخص يرفض اي ادعاء دون دليل يثبت صحّته.
وللأمانة الفكريّة فقط وبحكم الثقافة العربيّة للقارئ الكريم سأجزم بأن هذا الإرهابي ملحد , ولكن ما علاقة الفكر المعادي للدين بالعداء ضد البشر ؟ لا بل والكراهية ؟ فنعم نحن كملحدون ننتقد الأفكار والأديان ونلعنها ونلعن آلهتها ليل نهار ولكن من يقوم بهذا يقوم به بدافع الانسانيّة لا الكراهية المحضة , فحتّى إرهابيي داعش لديهم الحق بالحياة والتغيير والحصول على فرصة تصحيح اخطائهم واعادة النظر في دينهم الفاجر , مثلهم كمثل النازيين في كندا وعملية اعادة التأهيل التي حصلت لهم عقب الحرب العالمية الثانية ! فالمضطرب نفسياً وفكريّاً بسبب الدين أو الفكر السياسي والقبلي أو بسبب نظريات المؤامرة , اختلفت بهم المسببات ولكن تساوت معهم النتائج.
#اسكندر_أمبروز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟