الأستاذ الجامعي في زمن الذكاء الاصطناعي

علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 20:48
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

في عصرنا الحالي، يشهد العالم في السنوات الأخيرة تطورًا هائلًا في مجال التكنولوجيا، لا سيما في الذكاء الصناعي، مما أحدث تحولات جذرية في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم العالي. يُعد البروفيسور جزءًا أساسيًا من هذا التحول، حيث تطورت أدواره ومسؤولياته لتتكيف مع المتغيرات الجديدة في هذا العصر الرقمي.

في ظل انتشار أدوات الذكاء الصناعي مثل نظم التعلم الآلي والشبكات العصبية، أصبح لزامًا على البروفيسور تحديث معرفته باستمرار. يمكن للبروفيسور أن يصبح خبيرًا في استخدام الذكاء الصناعي لتعزيز فعالية التعليم، مما يجعل من دوره لا غنى عنه. لم يعد دوره يقتصر على تقديم المحتوى التعليمي التقليدي، بل أصبح مسؤولاً عن دمج تقنيات الذكاء الصناعي في العملية التعليمية. على سبيل المثال، يمكن للبروفيسور استخدام أنظمة التعليم الذكية في إنشاء مواد تعليمية مخصصة لكل طالب بناءً على احتياجاته، في تحليل أداء الطلاب واقتراح توصيات تحسين الأداء ومسارات تعلم مخصصة لكل طالب وأيضاً في استخدام تقنيات المحاكاة والواقع الافتراضي لتوفير تجارب تعليمية غنية.

مع توفر مصادر تعليمية متقدمة مثل MOOCs (Massive Open Online Cours) (الدورات التعليمية المفتوحة عبر الإنترنت) وأدوات التعلم الذاتية المدعومة بالذكاء الصناعي، تغير دور البروفيسور من ناقل للمعرفة إلى موجّه للتعلم. أصبح دور البروفيسور أكثر تركيزًا على الإرشاد والتوجيه بدلاً من نقل المعلومات فقط. يقوم البروفيسور بدور المرشد الذي يساعد الطلاب على اختيار المسارات المناسبة وتطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات. صار دوره يتمحور حول توجيه الطلاب نحو المصادر الموثوقة، تعزيز التفكير النقدي والتحليل بالإضافة إلى تعليم الطلبة كيفية استخدام أدوات الذكاء الصناعي بفعالية وأخلاقية.

في مجال البحث الأكاديمي، يُعتبر الذكاء الصناعي أداة قوية يمكن أن تعزز من قدرة البروفيسور على تحليل البيانات واستخلاص النتائج. يستخدم البروفيسور أدوات الذكاء الصناعي لتحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قصير، مما يتيح اكتشافات علمية أسرع وأكثر دقة. كما يمكن أن يساعد الذكاء الصناعي في أتمتة بعض المهام الروتينية مثل مراجعة الأدبيات وتحليل النتائج. كما يساهم في تسهيل التعاون بين الباحثين عبر العالم من خلال منصات تعتمد على الذكاء الصناعي.

يبرز دور البروفيسور أيضًا في تناول القضايا الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الصناعي. يجب أن يكون البروفيسور مثالاً يُحتذى به في تعزيز الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، ومناقشة تأثيراتها على المجتمع، وضمان أن يتم تدريب الطلاب ليكونوا مستخدمين ومطورين للتكنولوجيا بشكل أخلاقي. يمكن للبروفيسورات تصميم برامج تعليمية جديدة تركز على مهارات المستقبل مثل التفكير التصميمي، وتحليل البيانات، وأخلاقيات الذكاء الصناعي.

أصبح البروفيسور أيضًا وسيطًا بين الطلاب والتكنولوجيا. بدلاً من الاعتماد الكلي على الذكاء الصناعي، يُعلِّم البروفيسور الطلاب كيفية العمل بالتكامل مع هذه الأدوات لتحقيق أفضل النتائج. على سبيل المثال، يمكن للبروفيسور تنظيم ورش عمل لتعليم الطلاب كيفية استخدام الذكاء الصناعي في تحليل البيانات أو إنشاء النماذج.

رغم الفرص الكبيرة التي يوفرها الذكاء الصناعي، يواجه البروفيسور تحديات متعددة، من بينها:

فقدان المهارات التقليدية: مع الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، قد يواجه الطلاب صعوبة في تطوير بعض المهارات الأساسية التي كانت تُكتسب عبر التعليم التقليدي.

الخوف من فقدان الدور التقليدي: بعض البروفيسورات يشعرون بالقلق من أن الذكاء الصناعي قد يحل محلهم في وظائف معينة، مثل التصحيح الآلي أو تقديم المحاضرات.

الفجوة التقنية: قد يعاني بعض البروفيسورات من صعوبة في مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة. مما يتطلب برامج تدريب مستمرة.

الأخلاقيات والسياسات: يتطلب الدور الجديد للبروفيسور التعامل مع أسئلة أخلاقية معقدة تتعلق بحماية خصوصية الطلاب عند استخدام أدوات تعتمد على الذكاء الصناعي وكذلك بالتعامل مع قضايا التحيز في الخوارزميات.

خاتمة
يبقى البروفيسور الجامعي عنصرًا أساسيًا في التعليم العالي، ولكن دوره يتغير ويتطور لمواكبة عصر الذكاء الصناعي. أصبح دور البروفيسور أكثر تعقيدًا وتنوعًا. من كونه مصدرًا للمعرفة إلى كونه مرشدًا وميسرًا للتعلم، يضطلع البروفيسور بمسؤولية كبيرة في تشكيل الجيل القادم من المتعلمين والمبتكرين. سيظل التعليم العالي مجالًا يعتمد على التعلم مدى الحياة، مما يوفر للبروفيسور فرصة لاكتساب مهارات جديدة ومواكبة التطورات. لمواكبة هذا العصر، يجب أن يتبنى البروفيسور نهجًا مرنًا ومبتكرًا يتماشى مع تطورات التكنولوجيا واحتياجات الطلاب. من خلال التكيف مع التكنولوجيا الجديدة واستخدامها بذكاء، يمكن للبروفيسور أن يصبح أكثر تأثيرًا وقيمة في تشكيل مستقبل الطلاب والعلم.

#علي_دريوسي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات