أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - روح غرامشي















المزيد.....

روح غرامشي


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 14:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ترجمة وإعداد:حازم كويي

يعيش كريستوف نيكس ويعمل في سردينيا. وهو محام جنائي وكاتب ومخرج وعالم. سافر إلى سردينيا بعد 40 عاماً من وفاة أنطونيو غرامشي. كان هدفه هو التقرب من الفيلسوف السرديني والمُمارس السياسي من خلال أصوله. منذ عام 1981،قام بأكثر من 50 رحلة إلى الجزيرة. وأقام هناك رابطة قوية ذات نتائج بعيدة المدى: مشاريع مسرحية مشتركة، أوبرا لغرامشي، لقاءات إنسانية وسياسية.
عام 2024 نشر الطبعة الجديدة من سيرة جوزيبي فيوري* "حياة أنطونيو غرامشي" الصادرة في ألمانيا. حيث يتصدر غلافه ثلاثة وجوه لغرامشي: رجل شاب وسيم، وصورة منمقة، وطفل صبي لمست قلبي، من الواضح أن رقبته كانت قصيرة جداً و رأس كبير لجسم صغير.
هناك حرر نفسه من الفقر المُدقع، وشكل يوتوبيا يسارية، وعانى في السجن ولم يفقد قط حس الفكاهة وحبه للمسرح والأدب والسينما.
شعرت كما لو كان عليَّ أن أبدأ مرة أخرى من البداية لكي أفهم ما حدث في الثلاثينيات:
لقد دمرت الستالينية إلى الأبد البدايات الرقيقة لمثل هذا المشروع الودي للفكر الشيوعي. فلسفة روزا لوكسمبورغ وأنطونيو غرامشي وإيما غولدمان وكارل كورش،الذي بدى منسياً.
القصة التي لا تنتهي عن المُفكرين،من صفوفنا، الذين عاشوا حياة أنطونيو أو روزا أو كارل منحوتة في الحجر الصلب وفي نفس الوقت أدانوا العفوية والتفكير الجامح، كل هذا تم تحديثه في كتابي،واصبحت مهتماً بحياة غرامشي،كما ورد في الكتاب.
ويسترسل، أردت أن أعرف كيف عاش غرامشي في سردينيا،وكيف كان من الممكن أن يصبح مفكراً للشيوعية الأنسانية بعيداً عن مراكز أوربا،لتطوير مثل هذه الرغبة التي لايمكن كبتها مثل نينو الصغير،للمشاركة في التعليم وفي ثقافة أوربا بأكملها.
أصبح أنطونيو غرامشي خلال حياته القصيرة أحد أهم المنظرين الثقافيين، ولم يدرك ذلك لا اليسار وأدب الدراسات الثقافية في أوربا.مراجعاته المسرحية مليئة بالبهجة،وحياته مادة لإوبرا عظيمة،والرسائل الموجهة الى أبنائه هي إعترافات حب من الآباء المسجونين لإطفال هذا العالم.
لإكتشاف غرامشي يعني أيضاً إكتشاف سردينيا المخفية والمُستغلة، والهياكل الفلاحية الإقطاعية، واللصوصية التي تتناقض بشدة مع المافيا،والمجموعات اليسارية المستقلة.
قرية أورغوسولو، الجبال غير السالكة، والبحر الصافي الصديق، النوراس، سانتا كريستينا، علامات معمارية لثقافة ما قبل التأريخ متقدمة غير معروفة، حيث نشأ نينو غرامشي هنا. وحتى يومنا هذا، ظلت سردينيا جزيرة خاصة في البحر الأبيض المتوسط، بعيدة ولكنها قريبة جداً.
ربما أستقرت مجموعة الطائرات الدولية في الشمال الشرقي، ولكن على بعد بضعة كيلومترات جنوباً، نجد أرضاً قاحلة، وأكبر الكثبان الرملية في الغرب، وأسلوب حياة هادئ. في نهاية السبعينيات، ذهبت إلى بورتو توريس مع ثلاثة من أصدقائي وإبنتي يانا البالغة من العمر 18 شهراً، مُتبعاً خطى الشاب أنطونيو غرامشي.
في غيلارزا، القرية التي عاش ونشأ فيها لا توجد إشارة إلى مسقط رأسه.تبدو المدينة ميتة من حرارة منتصف النهار.ووجدنا حانة: "هل تعرفين منزل أنطونيو غرامشي؟" نظرت إلينا الشابة التي تقف خلف الحانة غير مُصدِقة، نحن أربعة رجال ألمان وطفل رضيع؛وبكل تعاطف دلتنا الطريق. لكن المنزل كان مغلقاً، وكانت هناك رسالة مكتوبة بخط اليد تحتوي على عبارة: غرامشي يعيش هنا،سأعود مساءاً،وماكان منا سوى الأنتظار،بعد فترة ظهر رجل عجوز وفتح لنا الباب الأمامي وقال: "هذا منزل أنطونيو غرامشي ".
كانت تحتوي على سريره وكتبه وبعض الصور،واحدة منها وهو يسير على طول طريق ترابي. ثم توقف عن النمو وأصبح جسمه ملتوياً. الصبي ذو الوجه الجميل يصبح مشلولاً. بعد فترة وجيزة، وبعد سجن والده، توقف عن النمو، وأنحنى عموده الفقري، ويأست والدته، وإشتكت أخواته، وربطه إخوته إلى عارضة عالية وحاولوا جره. محاولات طفولية مؤلمة وغير مجدية لعلاج مرض لا يمكن علاجه.
في الطابق الأول من المنزل. نرى صورة لوجه غرامشي كرجل عجوز وهو لم يتجاوز السادسة والأربعين من عمره، موسوم بمعاناة السجن والذل وخيبات الأمل. ولم يرَّ أبنائه مرة أخرى بعد إعتقاله.
وجه الشاب أنطونيو غرامشي، كما نعرفه من الصور والمُلصقات، هو وجه رجل جميل، كثيف الشعر، عيون ودودة خلف نظارة بلا إطار، خط دقيق حول الفم والأنف، يُذكرنا بالشباب. ليون تروتسكي، وكل الشبيبة الثوريين عشية ثورتهم.
لقد كنت مهتماً بسيرته الذاتية أكثر من فهم حكمته. في ذلك الوقت، لم تتُم ترجمة كتاباته إلى الألمانية، أو تمت ترجمتها جزئياً فقط، وفي جمهورية ألمانيا الديمقراطية نصوص مختارة خصيصاً أو حتى خاضعة للرقابة، أما ألمانيا الفيدرالية، لم يجد غرامشي مكاناً كبيراً في التأريخ اليساري.
نشرت طبعة عنه وبمقال عنوانه "الاشتراكية والثقافة" عام 1987 والتي تضمنت بعضاً من مراجعاته المسرحية،أعطيت فيها فكرة من أن غرامشي كان حقاً شخصاً مستقلاً. لم يكن الفن والثقافة بالنسبة له وسيلة لتحقيق غاية الدولة، بل كانا تعبيراً عن الحرية والشوق وتجسيد الأنسان.
»الثقافة شئ مختلف تماماً. إنه التنظيم والانضباط للذات الداخلية، تستحوذ على شخصية المرء، وإكتساب وعي أعلى يستطيع من خلاله أن يفهم قيمته التاريخية، ووظيفته في الحياة، وحقوقه وواجباته [ ...] الإنسان هو فوق كل روح […]«
إن الصوت الذي نسمعه هنا،المتواضع والواضح والصريح،هو صوت مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي. وفي نهاية العشرينيات من القرن العشرين، أصبحت المنطقة أكثر هدوءاً على نحو متزايد، وغرقت بسبب الرياح المتزايدة، وبهدير الفاشيين وضجيج الدبابات،وأصوات أولئك الذين رأوا الستالينية ضرورة تأريخية،بعدها بوقت قليل ماتت فكرة اليوتوبيا الشيوعية.
لسنوات طويلة كنت على قناعة بضرورة كتابة وتأليف أوبرا عن أنطونيو غرامشي.أنت بحاجة الى الموسيقى لفهم غرامشي. سمعت إخوته يغنون عندما حاولوا سحبه الى الخارج، وسمعت نعيق موسوليني والفاشيين،وصرخات والدته وأغاني حبه الرقيقة لزوجته واطفاله،لقد أستمتعت لإحلام أنطونيو غرامشي.
قمت بزيارة دور الأوبرا في مودينا ورافينا، والمعهد الموسيقي في ساساري، وحاولت إقناع الفنانين الإيطاليين بعمل أوبرا غرامشي؛ كان الملحن الألماني فريدريش شينكر (1942-2013) بحاجة إلى ملحن إيطالي يُشاركه.
بعد فترة تلقيت أخباراً من هانس كلاوز يونغ هاينريش، بأنه قد كتب بالفعل نصاً، بناءاً على سيرة فيوري الذاتية، وأن المُلحن كورد مايرنك، على وشك الانتهاء من التأليف. فهم يستخدمون السيناريو والفكرة الخاصة بي، ودون علمي بذلك،سيعمل معه مساعده السابق بعزف مقطوعات على البيانو ويريد أن يؤديها في نهاية العالم: سرقة الأفكار. لكن هذا يمر عبر قصة غرامشي.
بعد كل هذه السنوات، يروي لنا جوزيبي فيوري حياة أنطونيوغرامشي بشكل جديد، يلتقي بشهود عيان وأشقاء وأصدقاء الطفل الصغيرنينو وحياة أنطونيو العظيم، وتستيقظ هذه الحياة مرة أخرى، كما في اليوم الأول، في صباح الأفكار الطوباوية العظيمة.

جوزيبي فيوري* توفي عام 2003 عن عمر يناهز 80 عاماً. وكان محامياً ومحرراً وسيناتور اليسار المستقل في روما لسنوات عديدة والباحث دوماً عن السير الذاتية للمفكرين المنسيين.



#حازم_كويي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقشف كمقدمة للفاشية
- عندما كانت الأرض كرة ثلجية
- هل يلوح في الأفق سباق تسلح جديد؟
- ماركس وكوهي سايتو والصدع الأيضي (الجزء الثاني)
- تحول هائل نحو اليمين في الولايات المتحدة
- ماركس وكوهي سايتو والصدع الأيضي(الجزء الأول)
- اليساريون ووسائل الأتصال الأجتماعي
- ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟الجزء الثالث
- ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟ الجزء الثاني
- ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟
- ماهي الأشتراكية؟ لماذا يجب علينا التغلب على الرأسمالية؟
- زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي تولياتي يحذرالحزب الشيوعي السوفي ...
- هل للكون من نهاية؟
- حين يهاجر الأنسان عنوة بسبب المناخ.
- العلم والتغير المناخي مثار جدال
- من الغبار ولِدَت الأرض
- هل لدى كمالا هاريس بديل عن سياسة دونالد ترامب الخارجية؟
- التحليل النفسي وعلم النفس والأيديولوجية.
- هل الكون لانهائي؟
- منظمة الأمن والتعاون في أوروبا جاهزون للسلام


المزيد.....




- سوريا.. ما العمل؟
- لا للتهجير.. متضامنون مع أهالي جزيرة الوراق
- العمل في وضع الوقوف–معلومات أساسية
- أوغست بيبل مناضلا ضد اضطهاد النساء
- في الذكرى 91 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي لتتوحد قوى الشعب ا ...
- سويسرا توقف مساعداتها لبنغلاديش...والفقراء يدفعون الثمن
- نـــــداء حزب التقدم والاشتراكية للتضامن مع الشعب الفلسطيني ...
- تركيا.. الجماهير تنتفض مجددا
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ...
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ...


المزيد.....

- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ... / بندر نوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - روح غرامشي