|
الديون البغيضة: أداة لقمع الشعوب ودعم الأنظمة الديكتاتورية
غالب احمد العمر
الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 12:03
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
إن القروض الممنوحة لدولة قمعية استبدادية تُستخدم ضد إرادة الشعوب التي تعيش تحت حكم حكومات ديكتاتورية، أو الديون التي تفرض أعباء اقتصادية على الدولة وتعجز عن الوفاء بها في ظل نظام اقتصادي فاسد، تُبرز مفهوم الديون البغيضة أو غير الشرعية. وينطبق ذلك أيضًا على الدول التي دعمت هذه الأنظمة من خلال تقديم الدعم العسكري والاقتصادي عبر القروض والعقود، وشاركت في العمليات القمعية إلى جانب النظام ضد إرادة الشعب، مثل إيران وروسيا.
في القرن التاسع عشر، حدثت حالتان بارزتان تتعلقان بتنصل الدول من ديون حكومات سابقة. الأولى كانت في المكسيك، حيث رفضت الحكومة المكسيكية الجديدة بعد سقوط الإمبراطورية المكسيكية عام 1867 سداد الديون التي اقترضتها حكومة الإمبراطور ماكسيميليان من الدول الأوروبية. الثانية كانت في كوبا، حيث رفضت الحكومة الكوبية بعد استقلالها عن إسبانيا عام 1898 تحمل المسؤولية عن الديون التي تراكمت خلال فترة الاستعمار الإسباني.
تُعتبر هاتان الحالتان أمثلة على كيفية تنصل الحكومات الجديدة من ديون الحكومات السابقة، وهو موضوع رئيسي في الدراسات القانونية المتعلقة بالديون السيادية. تمثل هاتان القضيتان المبدأ القائل بأن الحكومات الجديدة قد ترفض دفع ديون كانت قد اقترضتها الحكومات التي سقطت أو تغيرت، مما يفتح بابًا للنقاش حول حقوق الدول في التعامل مع ديونها في ظل تغييرات النظام السياسي
(ساك، 1927).
المقصود بالديون البغيضة هي القروض التي تُمنح لدولة أو حكومة ما، في ظل حكم نظام سياسي استدان هذه القروض دون موافقة شعبه، والتي تم إنفاقها في أغراض غير شرعية ولم تُستخدم في مشاريع تنموية أو اقتصادية. أي أنها لم تعُد بالنفع على المجتمع، بل تم توظيف تلك الأموال لقمع الشعب وإخماد الانتفاضات أو لإثراء طبقة السلطة والنخبة الحاكمة. ويتضمن هذا المفهوم أن الدولة الجديدة، بعد تغيّر أو سقوط النظام الحاكم الفاسد، قد تعتبر نفسها غير ملزمة بسداد هذه الديون، لأنها أُبرمت في ظل انتهاكات دستورية وظروف غير قانونية أو بدون موافقة شعبية.
نشأة مفهوم الديون البغيضة:
1. ظهر مصطلح "الديون البغيضة" لأول مرة عام 1927 من خلال كتابات ألكساندر ناحوم ساك، في كتابه "آثار التحولات في سيادة الدول على ديون الدولة والأصول العامة". اقترح ساك أن الديون التي تُستخدم ضد مصالح الشعب، والتي لم توافق عليها الأغلبية الشعبية، تُعتبر "بغيضة" وبالتالي غير ملزمة للحكومات التي تخلف الأنظمة التي حملت هذه الديون.
شروط تطبيق نظرية الديون البغيضة:
غياب الموافقة الشعبية: يجب أن تكون هذه الديون قد تم الحصول عليها دون موافقة الشعب أو ممثليه الشرعيين.
الاستخدام ضد مصالح الشعب: يجب أن تكون الأموال قد استُخدمت لأغراض تتعارض مع مصالح الشعب، مثل تمويل القمع أو استغلال الموارد.
علم المقرضين: يجب أن يكون المقرضون على دراية بأن هذه الأموال تُستخدم في أغراض غير شرعية.
القانون الدولي:
على الرغم من أن القانون الدولي لم ينص صراحةً على مبدأ "الديون البغيضة"، ولا توجد معاهدة دولية تُنظم هذا المبدأ بوضوح، إلا أن الاعتماد يكون على المبادئ العامة للقانون الدولي، مثل: مبدأ السيادة الشعبية ،حق تقرير المصير.
تُستخدم هذه المبادئ لدعم نظرية الديون البغيضة كأساس قانوني وأخلاقي للطعن في شرعية هذه الديون.
نوعية الدعم الإيراني للنظام السوري
لم يبدأ الدعم الإيراني للنظام السوري في عام 2011، بل سبق ذلك بعشرات السنين، حيث كان النظام السوري جسرًا يربط بين إيران وحزب الله في لبنان. ومع ذلك، فإن طبيعة الدعم الإيراني مع بداية الثورة السورية لعبت دورًا محوريًا في إطالة أمد الصراع بهدف الحفاظ على بشار الأسد في الحكم.
يمكن حصر نوعية الدعم المقدم للنظام السوري في شكلين رئيسيين:
1. دعم مباشر لتقوية النظام عسكريًا وماليًا، بهدف تحقيق أبعاد استراتيجية تخدم مصالح إيران في المنطقة.
1. الدعم العسكري:
إرسال المقاتلين وقوات الإسناد: أرسلت إيران عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لدعم النظام السوري ومنع سقوطه.
تنظيم وتدريب الميليشيات:
نظمت إيران ودعمت ماليًا ولوجستيًا ميليشيات موالية لها، مثل حزب الله اللبناني. كما أنشأت وأرسلت جماعات شيعية مسلحة من العراق وأفغانستان وباكستان، مثل ميليشيات فاطميون، زينبيون، عصائب أهل الحق، والحشد الشعبي العراقي.
منحت إيران النظام دعمًا واسعًا بالأسلحة والمعدات العسكرية، بما في ذلك الصواريخ والأسلحة الثقيلة، مما ساهم في قتل مئات الآلاف، وتهجير الملايين، وتدمير سوريا.
كما دعمت النظام بإرسال الآلاف من الخبراء العسكريين، من خلال إرسال مستشارين عسكريين لمشاركة الجيش السوري في معاركه ضد شعبه، وتقديم الخبرة الفنية والتكتيكية في إدارة المعارك ضد المعارضة المسلحة.
2. الدعم المالي:
القروض المالية:
قدمت إيران قروضًا بمليارات الدولارات للنظام السوري لدعم الاقتصاد المنهار. وقد خُصصت هذه القروض لتمويل واردات النفط والسلع الأساسية.
إنشاء خطوط ائتمان:
أنشأت إيران خطوط ائتمان للنظام السوري لتأمين احتياجاته من الوقود والمواد الغذائية والمستلزمات الأساسية، التي دعمت آلة الحرب ضد الشعب السوري.
مشاريع البنية التحتية:
ساهمت إيران في تمويل مشاريع البنية التحتية السورية، كجزء من استراتيجيتها لترسيخ نفوذها في مرحلة ما بعد الحرب.
تطبيقا لمبدأ "الديون البغيضة"، نرى وبشكل جلي وواضح أن القروض والمساعدات المالية التي قدمتها إيران للنظام السوري توفر فيها الشروط الثلاثة الرئيسية لهذا المبدأ، وهي:
1. غياب الموافقة الشعبية
القروض والمساعدات الإيرانية للنظام السوري مُنحت بدون الرجوع إلى الإرادة الشعبية، أي لم تكن بناءً على موافقة شعبية. سواء من الشعب الإيراني، الذي لم يُستشَر في هذه النفقات، أو من الشعب السوري الذي يعاني من استبداد وقمع النظام الذي استفاد من تلك القروض والمساعدات. لقد مكنت المساعدات المقدمة النظام السوري من تعزيز سلطته وإحداث تغييرات ديمغرافية في التركيبة السكانية السورية. كما ساعدت في توطين مجموعات على أساس طائفي، رغم معارضة قطاعات واسعة من الشعب السوري.
2. الاستخدام ضد مصالح الشعب
المساعدات الإيرانية للنظام السوري استُخدمت بشكل مباشر في تمويل آلة الحرب التي شنها النظام ضد الشعب السوري، مما أدى إلى قتل مئات الآلاف من المدنيين، وتهجير الملايين، وتدمير المدن والبنية التحتية. كانت الأموال الإيرانية سببًا في إطالة أمد الحرب السورية وساعدت النظام السوري في تمويل العمليات العسكرية، بدلاً من أن تُخصص لدعم مشاريع تنموية أو لتحسين حياة الشعب السوري.
3. علم المقرضين
كانت إيران على علم ودراية بأن القروض التي حصل عليها النظام السوري تُستخدم في قمع الشعب السوري وفي الحرب الأهلية. فقد كان الدعم الإيراني غير مقيد أو مشروط بأي ضوابط تُلزم استخدام القروض في التنمية أو تحسين حياة المدنيين. بل كان موجّهًا بشكل أساسي لحماية مصالح إيران الإقليمية عبر الإبقاء على نظام بشار الأسد كحليف استراتيجي.
الدعم من القانون الدولي
رغم عدم وجود نص صريح في القانون الدولي يُجرّم هذه القروض، إلا أن المبادئ الأساسية مثل حق تقرير المصير والسيادة الشعبية يمكن الاستناد إليها لإثبات أن ديون إيران للنظام السوري تُعتبر "بغيضة".
الشعب السوري لم يكن طرفًا في الاتفاقيات المبرمة بين إيران والنظام السوري الذي انتهك حقوق الإنسان، واستخدم الأموال الممنوحة من إيران في قمع الشعب وتعزيز سلطته، مما يعزز عدم شرعية هذه الديون
التحرك ضمن استراتيجية قانونية ودولية لإسقاط الديون الإيرانية باعتبارها ديونًا بغيضة
توثيق الانتهاكات وجرائم الحرب: العمل على إنشاء قاعدة بيانات شاملة توثق بشكل كامل عمليات القتل، التهجير القسري، التعذيب، والتغيير الديمغرافي.
الاعتماد على شهادات الناجين، اعترافات الجنود الإيرانيين، الصور، الفيديوهات، تقارير منظمات حقوق الإنسان، والمنظمات المحلية.
ربط هذه الانتهاكات بالتنظيمات التي ارتكبت الجرائم
(مثل الحرس الثوري الإيراني، حزب الله، والميليشيات الطائفية).
. رفع دعاوى قضائية:
تحريك قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم المختصة بشأن دور إيران في دعم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
الاعتماد على توثيق الجرائم لتوضيح كيف ساهم الدعم الإيراني بشكل مباشر في وقوعها.
إثبات أن الدعم الإيراني للنظام السوري يندرج ضمن إطار "الديون البغيضة".
. التوجه نحو المحاكم المحلية:
استغلال ولايات القضاء العالمي في الدول التي تسمح بمحاكمة الجرائم الدولية (مثل ألمانيا أو إسبانيا) لرفع قضايا ضد مسؤولين إيرانيين بتهم جرائم حرب.
تمكين أقرباء الضحايا من تحريك دعاوى قضائية ضد العسكريين الإيرانيين والمؤسسات العسكرية الإيرانية التي
شاركت بشكل مباشر في المجازر، التهجير القسري، والتغيير الديمغرافي.
هناك عدة تجارب في كيفية التعامل مع الديون البغيضة، ويمكن تطبيقها على الحالة السورية
بعد أن سقط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، برزت مسألة الديون التي أثقلت الدولة بها خلال فترة حكم النظام العنصري. بعض الدول والمؤسسات المالية العالمية رفضت الاعتراف بشرعية هذه الديون بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، واعتبرتها ديونًا غير شرعية لأنها تمثل التزامات غير مشروعة. يمكن في سوريا الاستفادة من هذا النموذج لإثبات أن الدعم المالي والقروض التي منحتها إيران للنظام السوري خلال الحرب استخدمت لتمويل الانتهاكات ضد الإنسانية، وبالتالي يجب أن تُعتبر هذه الديون غير مشروعة، وأن الدولة الجديدة غير ملزمة بها.
حالة سقوط نظام صدام حسين في العراق:
بعد سقوط النظام في عام 2003، قامت بعض الدول بتخفيض ديونها على العراق أو شطبها بناءً على مبدأ "الديون البغيضة"، لأن هذه الديون كانت مرتبطة بأنظمة قمعية ارتكبت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
التطبيق على سوريا: يمكن استخدام هذا المبدأ للتأكيد على أن القروض الإيرانية التي دعمت النظام السوري لم تكن لمصلحة الشعب السوري، بل لتمويل عمليات قمعية ضد المدنيين. هذا قد يساعد في دفع المجتمع الدولي للاعتراف بعدم شرعية هذه الديون.
هناك عدة أمثلة على إسقاط الديون جزئيًا أو كليًا:
في الأرجنتين خلال أزمة الديون في 2001، تمكنت الدولة من إعادة التفاوض على ديونها وشطب جزء كبير منها باعتبارها غير عادلة.
في هايتي بعد زلزال 2010، أُسقط جزء من ديونها بسبب الظروف الإنسانية التي تسببت في عجز الدولة عن السداد.
في الإكوادور عام 2008، أعلنت الحكومة أن جزءًا من ديونها غير شرعي وتمكنت من شطبه أو إعادة التفاوض بشأنه.
في لبنان بعد الحرب الأهلية، تم إسقاط بعض الديون لتخفيف العبء المالي وإعادة الإعمار.
هذه التجارب تؤكد إمكانية السعي لإلغاء أو تقليص الديون التي تُعتبر غير شرعية أو غير عادلة.
إن القروض والديون المقدمة استغلها النظام في قمع الشعب السوري. ولولا هذه الأموال والقروض لسقط النظام ولم يستمر لهذه الفترة، ولكان الكثير من المجازر والانتهاكات والتهجير والخراب قد تجنب حدوثه. إيران لم تكن فقط على علم بهذا الإجرام، بل كانت شريكة فيه. إن تحريك دعاوى قضائية ضد المؤسسة العسكرية وضد أشخاص عسكريين إيرانيين يسهم إلى حد كبير في اعتبار هذه الديون غير شرعية، باعتبارها ديونًا بغيضة لا تتحمل الدولة الجديدة مسؤوليتها.
#غالب_احمد_العمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطط أزلام الأنظمة الاستبدادية بعد سقوطها: من التخريب الداخلي
...
-
المحاسبة دون عقاب: آلية لتحقيق العدالة التصالحية والمصالحة ا
...
-
قراءة في المشهد السوري الحالي
-
أنت كوردي إذاً فإنت pkk!!!!
-
قصة جحا
-
المجرم بريء حتى وان ثبت اجرامه
-
هوية مجتمع مقيد
-
ثورتنا السورية
-
ذبح جنيف2
-
ثورة ام سياسة
-
الاكراد بيت عزاء لاينتهي
-
قراءة في سياسة الهيئة الكوردية العليا
-
القصير قصة صمود لم تكتمل
-
الوجه الحقبقي لpyd
-
الاكراد من تهميش الى اقصاء
المزيد.....
-
الخارجية الأميركية تلغي مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقال الج
...
-
اعتقال خلية متطرفة تكفيرية في قضاء سربل ذهاب غرب ايران
-
تفاصيل اعتقال اثنين من النخبة الإيرانية في الخارج
-
قصة عازفة هارب سورية، رفضت مغادرة بلادها خلال الحرب رغم -الا
...
-
قوات الاحتلال تقتحم قرية برقة بنابلس وتداهم المنازل وتنفذ حم
...
-
ألمانيا: قتيلان على الأقل وعشرات الجرحى في عملية دهس بسوق عي
...
-
الأردن يأسف لقرار السويد وقف تمويل الأونروا ويدعو لإعادة الن
...
-
بعد محادثات إيجابية.. أمريكا تلغي مكافأة الـ10 ملايين دولار
...
-
السعودية ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارا بشأن إسرائيل
-
أهالي قرية معرية في ريف درعا يتظاهرون لإخراج القوات الإسرائي
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|