|
في بؤس مقولة.. -هذا مش وقته-
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 09:39
المحور:
القضية الفلسطينية
لما كان فعل الكتابة أو عملية الخلق؛ سواء كانت هذه العملية، التي يقوم بها الكاتب، نصا سياسيا أو فكريا أو أدبيا، فهو فيما نعتقد نتاج واع لكاتبه، له علاقة بمقاربته الموضوعية وموقفه من الوقائع التي يعيشها وتمسه بشكل مباشر أو غير مباشر،بصفته كائنا اجتماعيا غير محايد، سواء في كينونته كشخص ينتمي إلى مجتمع محدد بذاته له همومه وقضاياه، أو في كونه إنسانا ينتمي إلى الفضاء الإنساني الرحب المتجاوز للجغرافيا، وهي بالطبع مقاربة غير مفصولة عن قراءاته لظاهرها وباطنها وأبعادها بتجلياتها المختلفة، انطلاقا من وعيه الذاتي وذهنيته وثقافته وخياراته ونظرته الموضوعية للوقائع، كما يفهما بعقله وبصيرته هو، بعيدا عن ذهنية أصحاب المحتوى المعلب الذي يجتره القطيع، ضمن ما يمكن تسميته المحتوى "الببغائي" . وهذه الذهنية؛ هي ذهنية مفارقة، انطلاقا من مكنة هندستها بالتأسيس على موروث ثقافي له علاقة بمفهوم الطاعة، التي لا تعرف فضيلة السؤال، ووعي معلب كمنتج إعلامي أو دعائي أو حزبي، لا تستوعب أنه يمكن أن يكون هناك رأيا آخر غير رأيها، أو أن هناك من يفكر بطريقة مختلفة عن تفكيرها ، كونها منحت نفسها الوصاية السياسية والفكرية والأخلاقية على تفكير الآخرين، وهو أمر جعلها تتوهم أن كل رأي أو موقف، خلا رأيها ومقاربتها السياسية والفكرية، هو فعل "مدنس"، يُجرم القائل به، وينعت بأبشع الصفات؛ وصولا إلى كونه يقف في الخندق المعادي وفق ما تقرر، لأنها تنكر أنه من حق أيا كان أن يفكر بشكل مختلف عن تفكيرها، انطلاقا من مقارباتها الذهنية الدوغمائية، التي لا تري جدل الوقائع في مقدماتها، ونتائجها، وتفاعلها، وحركتها، وعلاقاتها الداخلية والخارجية في الزمان. والمكان، بسبب من ما تعتبرها حقها في الوصاية على بعض المفاهيم، كمفهوم "المقاومة"، وهي وصاية تعتبر أنها تجعلها تحتكر التوصيف والحكم بالصواب والخطأ على مقاربات الأشخاص الطبيعية والمعنوية للوقائع، وسواء كان ذلك بالاتكاء على مفهوم رباني أو حتى التزاما بـ"تابو" قرار حزبي يحلل ويحرم بالمعني الفكري والسياسي ، انطلاقا من مفهوم الجماعة الربانية أو الحزب القائد المتعالي، وهي وصفة لنفي الآخر معنويا، وتكريس سطوة اللون الواحد والرأي الواحد، عوض التعدد الذي من شأنه أن يشكل صمام أمان في مواجهة خطايا التفرد وإلغاء الآخر، في تجاهل مشبوه لما يمثله التعدد الفكري والسياسي من ثراء وحيوية، وهو ثراء بديله هو التماثل، والرأي الواحد، الذي يعني الجمود والموت. ومن المهم ابتداء التنبيه، إلى أن هذا الرأي المخالف، لا يتعلق بصوابية النوايا ومشروعية الفكرة أو الأفكار، وإنما في مدى ملاءمة ونجاح الأفكار، ارتباطا بالأهداف والآليات والنتائج، وشرط اللحظة في بعديها الذاتي والموضوعي، وليس بمدى صوابيتها بالمعنى المجرد، وإنما في كونها؛ هل قدمت الإجابات الصحيحة على الأسئلة الصحيحة في الزمان والمكان من خلال الفعل الملموس الذي هو تجلي نزيه للأفكار والنوايا؟ بعيدا عن الشعبوية والنزوع الإرادوي. وهنا يجب وعي ربما أحد أبشع أشكال التضليل، كنتاج للتواطؤ المعنوي، الفكري والإعلامي من قبل الجمهور العربي من القطيع والنخب، التي لم ترى في نكبة غزة غير المسبوقة، سوى مشروعية فكرة طوفان حماس، وتحميلها ما لم تقله وليس في طاقتها، جراء إرادوية مفارقة ليس لها أساس موضوعي، من السهل وعيه، لو مارس أصحابها فضيلة التفكير وطرح الأسئلة الصحيحة، عوض الالتفاف الرغائبي عليها، ظنا منه أنه بحسن نية يخدم الفكرة، وفصلها فصلا تعسفيا عن نتائجها ، في حين أن الوقائع المعاشة في غزة وغيرها تنفيها مطلقا، إذا ما استحضرنا ما جرى في لبنان وسوريا وطهران على خلفية تغول الكيان الصهيوني عبر التأكيد على أنه استعاد مفهوم الردع عمليا، بتجلياته الملموسة في لبنان وسوريا والعراق وإيران. ومع ذلك لا يجب أن يغيب عن الذهن والوعي أن الكيان الصهيوني ومعه واشنطن هما وراء نكبة غزة ولبنان، كفاعل أساس فيما يمكن وصفه بالنكبة، جعلت مؤسسات دولية توصف ما جرى ويجري بأنه حرب إبادة، كان قد استدرج فيها رد فعل الكيان، مما جعله يدعي أن يقوم برد الفعل والدفاع عن النفس، عبر القرار الخطأ إذا ما ربطناه بالنتائج ، وإنه لمن السخف والتضليل أن يجري تبرير طوفان حماس ، أنه كان ضربة استباقية، لأن مفهوم الضربة الاستباقية هي منع العدو من توجيه أي ضربة قاضية لاحقا، وهذا ما لم يحصل وإنما أعاد غزة وأهلها عقودا للوراء، واستباح الضفة، ومع ذلك هناك من ما يزال يتحدث عن إنجازات طوفان حماس الاستراتيجية، في ما خريطة المنطقة الجيوسياسية، كلها قد انقلبت رأسا على عقب، بعد ما جرى في لبنان وسوريا وطهران، كنتيجة، سواء مباشرة أو غير مباشرة لطوفان حماس. ومع ذلك هناك في لبنان لدى حزب الله، وفي فلسطين عند حماس، من اختزل محرقة غزة وتجريف لبنان في بقائهم هم أحياء، وأن هذا كاف لإعلان النصر على الكيان، في تجاهل يفتقد للنزاهة بمعناها الفكري والسياسي والعملي، وهي أن معيار النصر ولو بالمعنى النسبي، هو في مدى مطابقة النتائج بالأهداف، في الواقع، وهي المطابقة التي تكشف بجلاء، أن غزة دمرت تماما ـ وتعرض أهلها لعملية إبادة كيفها سدنة طوفان حماس وقطعانهم على أنها ثمن مستحق للحرية، فيما تقول مؤسسات دولية رسمية إن قطاع غزة لم يعد مكانا يصلح للحياة، جراء جرائم الكيان الصهيوني الذي استدرجه الطوفان في عملية أحادية، نفذتها حماس، لتنفيذ تعهد قطعه السنوار على نفسه أمام الأسرى في سجون الاحتلال، بأنه سيحررهم من الأسر، والنتيجة كانت عشرات الآلاف ذهبوا أضاحي من أجل أن يبر السنوار بتعهده، على قاعدة أولوية التعهد على حياة أهل غزة، ليتلاشى مع ذلك تماما الهدف من الطوفان والنتائج الكارثية التي لحقت بغزة ولبنان كنتيجة مباشرة لطوفان حماس الذي اعتبر زلزالا أطاح بالكيان، وتحولا استراتيجيا في مسار النضال الفلسطيني، فيما الوقائع تقول : إنه كان نكبة ثانية، سيستمر مفعوله طويلا، وذلك جراء القصور الفكري والعسكري والسياسي، لدى من قاموا بذلك، بذريعة المقاومة التي هي خيار ثابت أصيل، شرط أن يتوفر شرطة وأدواته، في الزمان والمكان، كونه فعلا دائما، وليس فزعة لتحقيق هدف لنزوة لدى هذا الفصيل أو ذاك، أو هذا المسؤول أو ذاك. والمؤسف أنه لا يمكن فصل هذا التحول الجيوسياسي الذي قلب المنطقة رأسا على عقب، عن ما جرى يوم 7 أكتوبر 2023 فيما سمي بطوفان حماس، ومع ذلك ، ومع كل هذا الخراب والدم، هناك من هو مصر على أن تأخذه العزة بالإثم، وما يزال يهتف للطوفان والنصر الاستراتيجي الذي حققه، ولو كان قد راجع سلوكه مقارنة بالنتائج الكارثية في غزة، عوض القول، أنه لا يجوز النقد وقت المعركة ، ورفع لافتة " هذا مش وقته" ، ولو فعل بما تقتضيه المسؤولية الأخلاقية والإنسانية لكان جنب غزة وأهلها كل هذا الخراب، لأن السؤال هو والحال هذه "متى يحين وقته"؟ وهل ينفع أي تصويب للأخطاء والخطايا بعد خراب كل غزة، ويكون وقت التصويب قد نفد؟
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شكرا.. الحوار المتمدن
-
سوريا .. مؤشرات مفارقة حول هوية الحكم الجديد..!
-
سوريا.. منظومة القمع والفساد أسقطت النظام
-
المتغير السوري الدراماتيكي.. الرابحون والخاسرون
-
استهداف الإرهاب الدولة السورية.. لعبة جيوسياسية تتعدى دمشق
-
نحو صفقة بين حماس والكيان.. ما الذي تغير؟!
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. مقاربات
-
قرارات الجنائية الدولية .. تبني دولي ونشاز أمريكي
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. بين التفاؤل والتشاؤم
-
في غياب الموقف الفلسطيني الموحد.. القطاع بقبضة الشركات الأمن
...
-
القمة العربية والإسلامية.. الأسئلة المشاكسة
-
الوحدة الكفاحية.. لمواجهة -فخ- ترامب نتنياهو
-
ترامب.. السمسار الرئيس عام 2017.. هو الرئيس السمسار 2025
-
مشاكسات.. عُسر.. النزاهة!.. تعاطف.. !
-
حماس ما بعد السنوار .. الخيارات الصعبة
-
ما رفضه السنوار.. لن يقبله خلفه
-
مشاكسات.. مفارقة..! ليست حربا دينية..
-
شمال القطاع.. حرب إبادة بذريعة المنطقة العازلة..!
-
مشاكسات.. ماناجوا أقرب.. ! -إكسر رجله..-
-
مشاكسات. . -ناتو- يهودي.. عربي! ...عمان لن تسمح.!
المزيد.....
-
شاهد مراسل CNN يؤدّي طقوسًا قديمة عند شلال في اليابان
-
فوضى ترامب تجعله يتراجع عن وعده الانتخابي
-
الحوثيون يستهدفون منطقة في تل أبيب، ومفاوضات وقف الحرب في غز
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخي حوثي
-
ارتفاع حصيلة ضحايا عملية الدهس في مدينة ماغديبورغ الألمانية
...
-
الجيش الإسرائيلي تمركز على أنقاض حاجز للجيش اللبناني عند مدخ
...
-
تركيا.. فقدان شخصين جراء انهيار ثلجي بمنتجع للتزلج
-
أول تعليق من -حماس- بعد استهداف -الحوثيين- تل أبيب
-
الجيش الإسرائيلي يعتقل شخصين في جنوب سوريا
-
هنغاريا: لا يمكن إرسال قوات لحفظ السلام إلى أوكرانيا قبل وقف
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|