أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو اللهبي - العلمانية هي نتاج التراث الفلسفي العربي والاسلامي قديماً..أهملها العرب، وتقدم بها الغرب..!















المزيد.....


العلمانية هي نتاج التراث الفلسفي العربي والاسلامي قديماً..أهملها العرب، وتقدم بها الغرب..!


عبدو اللهبي

الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 08:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في العالم العربي أصبحت العلمانية تختزل أحيانًا في الصراع مع التراث الإسلامي بدلاً من أن تكون إطارًا أوسع يسعى إلى تحقيق التعددية وبناء الدولة المدنية. هذا التركيز على الصراع التاريخي يجعل الخطاب العلماني في كثير من الأحيان يبدو وكأنه ضد الهوية الثقافية أو الدينية للمجتمعات، بدلاً من أن يكون حوارًا بناءً يُسهم في تعزيز القيم المشتركة.

في العديد من السياقات العربية، العلمانية غالبًا ما تُفهم أو تُقدَّم كمعارضة أو نقيض للتراث الإسلامي، بدلًا من أن تكون مشروعًا قائمًا بذاته يعالج القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بطريقة مستقلة. هذا التصور يأتي من التاريخ السياسي للمنطقة، حيث كانت محاولات تطبيق العلمانية مرتبطة بصراعات بين القوى السياسية وبين أنظمة حاولت فصل الدين عن الدولة، أحيانًا بطريقة تصادمية أو قسرية.

أحد الأسباب لهذه النظرة السلبية يعود إلى غياب الطرح الإيجابي للعلمانية. في معظم الأحيان، يتم تقديمها كفكرة غربية دخيلة أو كوسيلة لإضعاف الهوية الثقافية والدينية، بدلًا من أن تُفهم كإطار يتيح التعايش بين مختلف الأفكار والمعتقدات في بيئة حيادية.

فالعلمانية ليست دخيلةً غربياً، بل هي مكون من صميم التراث العربي الإسلامي ،ومن خلال فهماً أعمق لجذور العلمانية في السياق العربي والإسلامي. إذا نظرنا إلى التراث العربي والإسلامي، نجد أن الفكر الصوفي والفلسفي قدم إرثًا غنيًا من الأفكار التي تتقاطع مع مفاهيم العلمانية، خصوصًا من حيث احترام التعددية الفكرية والبحث عن الحقيقة خارج إطار القوالب الجامدة.

ابن عربي في فلسفته الصوفية، تبنّى مفهوم "وحدة الوجود"، وهو فهم شمولي يتجاوز حدود التفسيرات الدينية التقليدية، ويدعو إلى رؤية أكثر روحانية وشمولية للعالم. هذه الفلسفة تمثل شكلاً من التحرر الفكري الذي يمكن اعتباره جزءًا من جذور التفكير العلماني.

ابن رشد: أما ابن رشد، فكان من أبرز المدافعين عن أهمية العقل والفلسفة في الإسلام. في كتابه "فصل المقال"، حاول التوفيق بين الشريعة والفلسفة، وأكد أن العقل هو الوسيلة لفهم العالم. رؤيته عن الفصل بين الدين والفلسفة يمكن أن تُعتبر بذرة لفكرة العلمانية باعتبارها تنظيمًا يوازن بين الدين والعقل في إدارة المجتمع.

إخوان الصفا: هؤلاء الفلاسفة وضعوا رؤية موسوعية تشمل جميع العلوم، من الدينية إلى الطبيعية والفلكية، واعتبروا المعرفة الإنسانية متعددة المصادر. دعوتهم للتسامح الفكري وعدم الاقتصار على تفسير واحد للوجود تعد تجليًا لفكر علماني متقدم في عصرهم.

فكرة " لا إكراه في الدين" وحدها هي تعزيز لمبداء حرية المعتقد الذي هو جزء لا يتجزاء من قيم الفلسفة العلمانية..

وقد استفاد الغرب من التراث الفلسفي العربي الإسلامي، وكانت مرحلة حاسمة في انتقال أوروبا من العصور الوسطى إلى عصر النهضة، وهي من الأسباب التي مهدت لظهور العلمانية والحداثة في الغرب. هذه العلاقة التاريخية تسلط الضوء على كيف أن الفكر العربي الإسلامي لعب دورًا كبيرًا في تشكيل النهضة الأوروبية، بينما تأخر العالم الإسلامي في الاستفادة من هذا التراث لعدة أسباب تاريخية واجتماعية وسياسية..

وبالتالي، يمكن القول إن العلمانية ليست بالضرورة دخيلة على العرب أو نقيضًا لتراثهم، بل هي امتداد طبيعي لتيارات فكرية عربية إسلامية نشأت على التسامح الفكري، واحترام العقل، والبحث عن المشترك الإنساني. المشكلة تكمن في أن هذه الجوانب من التراث العربي لم تُستثمر بشكل كافٍ لتقديم نسخة أصيلة من العلمانية تنبع من سياق فينا الثقافي والتاريخي. إذا استطعنا إحياء هذا التراث الفلسفي والصوفي والتاريخي، فقد نصل إلى صيغة علمانية عربية تليق بمجتمعاتنا وتنسجم مع هويتنا.

عدم تركيز العلمانية في العالم العربي على معالجة التحديات الواقعية يعود إلى عدة عوامل تاريخية وسياسية وثقافية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

في كثير من الأحيان، ارتبطت العلمانية في العالم العربي بالفكر الغربي، وتم تقديمها كجزء من مشاريع الاستعمار أو التغريب. هذا الارتباط جعلها تبدو وكأنها أداة لإضعاف الهوية الثقافية والدينية، بدلًا من كونها إطارًا محايدًا للتنظيم الاجتماعي والسياسي. نتيجة لذلك، جرى التركيز على صدامها مع الدين أكثر من إمكانياتها في معالجة قضايا المجتمع.

غالبًا ما كانت الحركات العلمانية في العالم العربي بقيادة نخب ثقافية وسياسية بعيدة عن نبض الشارع. هذه النخب ركزت على نقاشات أيديولوجية حول الدين والدولة بدلًا من تقديم حلول ملموسة للتحديات اليومية التي يواجهها الناس، مثل الفقر، البطالة، التعليم، والرعاية الصحية.

في العديد من الدول العربية، تم استخدام العلمانية كأداة لتبرير القمع السياسي ومحاربة التيارات الإسلامية المعارضة، مما أدى إلى تشويه صورتها. الأنظمة الاستبدادية قدمت العلمانية كغطاء لقمع الحريات الدينية والسياسية، مما جعلها تبدو معادية للدين وللشعب بدلًا من كونها أداة للتحرر والتنمية.

غياب مشاريع تنموية حقيقية تواكب تطبيق العلمانية جعل الناس ينظرون إليها كفكرة غير عملية. في مجتمعات تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، تصبح الأولويات اليومية مثل الغذاء والوظائف أهم بكثير من النقاشات الفكرية حول فصل الدين عن الدولة.

في العالم العربي، الدين ليس مجرد عقيدة شخصية بل جزء جوهري من الهوية الثقافية والاجتماعية. هذا التداخل جعل النقاشات حول العلمانية تتخذ طابعًا دفاعيًا أو عدائيًا، حيث يُنظر إلى العلمانية على أنها تهديد للهوية بدلًا من كونها وسيلة لتنظيم العلاقات بين الأفراد والمجتمع والدولة.

وإلى الى الأن لم يتم تطوير خطاب علماني يقدم رؤية شاملة لحل مشكلات المجتمع بطريقة تتوافق مع القيم المحلية. بدلًا من ذلك، انحصر الخطاب العلماني في نقد الدين أو مهاجمته، مما عزز الانقسامات بدلًا من تقديم نموذج توحيدي.

في سياق الصراعات بين الحركات الإسلامية والعلمانية، أصبحت العلمانية جزءًا من معركة أيديولوجية بدلًا من أن تكون إطارًا محايدًا يتيح لجميع الأطراف العمل معًا لحل مشكلات المجتمع.

الخلاصة:

لو ركزت العلمانية في العالم العربي على تقديم حلول ملموسة للتحديات الواقعية – مثل تحسين التعليم، ضمان العدالة الاجتماعية، وتعزيز الحريات الفردية – لكان من الممكن أن تصبح أكثر قبولًا وانتشارًا. ولكن التحول عن النقاشات الأيديولوجية نحو الممارسات العملية يتطلب وجود قيادات علمانية متجذرة في واقع المجتمعات، وقادرة على تقديم نموذج يربط بين القيم العلمانية ومتطلبات الحياة اليومية للمواطنين.

المشكلة أيضًا تكمن في أن العلمانية، كما طُبقت أو قُدمت في العالم العربي، لم تركز على معالجة التحديات الواقعية التي تواجه المجتمعات، مثل العدالة الاجتماعية، التعليم، الحريات الفردية، أو التنمية الاقتصادية. بدلًا من ذلك، غالبًا ما وقعت ضحية للنقاشات الأيديولوجية التي عززت الانقسامات بدلًا من الحلول.

لإعادة تعريف العلمانية في السياق العربي، يجب أن تُطرح كوسيلة لتمكين المجتمع من تحقيق المساواة، تعزيز الحريات، وضمان فصل السلطات، دون التقليل من أهمية التراث الثقافي أو الديني. بمعنى آخر، تقديم العلمانية كأداة تنظيمية تخدم جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن معتقداتهم، بدلاً من تقديمها كصراع مع الدين أو التراث.

ما تحتاجه مجتمعاتنا هو تجاوز الصراع الآيديولوجي التقليدي نحو رؤى جديدة تُركز على القضايا الجوهرية مثل التعليم، التنمية، والعدالة الاجتماعية. يمكن للعلمانية أن تكون أداة للتعايش والتنوع إذا ما قُدِّمت كنهج محايد يضمن حرية الأفراد والمجتمعات في اختيار قيمهم دون فرض أو إقصاء.

لعلّ التحدي الأكبر أمام العلمانيين العرب هو تطوير خطابهم ليكون أكثر التصاقًا باحتياجات الناس وتطلعاتهم، بعيدًا عن التكرار المرهق للجدالات التاريخية..!



#عبدو_اللهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاقة الشعوب مع الإستبداد السياسي، ورهانها على حرية لاتعرف م ...
- محاولات الفلسفة النهوض بالفكر الديني قديماً على يد أبن عربي ...
- استبدال الديكتاتوريات العسكرية بجماعات الإسلام السياسي والمي ...
- عند باب سجن (صيدنايا)
- تهديد المهاجرين لبقاء الغرب على ديمقراطيته وليبراليته..ودعمه ...
- مشروع 2025 المخاطر والتحديات التي يواجهها المجتمع الأمريكي و ...
- الإنتخابات الأمريكية، وإنتقال العرب الأمريكيين من الإنتماء ا ...
- العنصرية..بين الموروث ومتطلبات العصر..
- العنصرية بين أمريكا والعالم العربي
- التاريخ والموروث الثقافي..تأسيس ممنهج لتحييد العقل وتغييب ال ...
- حرية التعبير عقيدة لا يؤمن بها أحد..
- التفكير الجمعي..وأثره في واقعنا وثقافتنا المعاصرة..
- الكراهية .. ثقافة البشر المتوارثة..،
- الكراهية والعنصرية هل هي مستقبل البشر المنتظر..؟!
- الخطاب الديني وهمٌ كبير بعمرٍ كبير
- زوبعة في فنجان، أم أن لها علاقة بحقوق الإنسان، قضية إغتيال ا ...


المزيد.....




- الشرطة الألمانية تنفي أن تكون دوافع هجوم ماغديبورغ إسلامية
- البابا فرانسيس يدين مجددا قسوة الغارات الإسرائيلية على قطاع ...
- نزل تردد قناة طيور الجنة الان على النايل سات والعرب سات بجود ...
- آية الله السيستاني يرفض الإفتاء بحل -الحشد الشعبي- في العراق ...
- بالفيديو.. تظاهرة حاشدة أمام مقر السراي الحكومي في بيروت تطا ...
- مغردون يعلقون على التوجهات المعادية للإسلام لمنفذ هجوم ماغدب ...
- سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو اللهبي - العلمانية هي نتاج التراث الفلسفي العربي والاسلامي قديماً..أهملها العرب، وتقدم بها الغرب..!