|
ديالكتيكية التوبة والعقاب - غافر
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 11:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد ان انتهت المرحلة الشفهية قصار السور، ومرحلة تنزيل الآيات داخل السور، دخل القران في مرحلته النهائية تنزيل الكتاب ، لجمع كل ما نزل في مكة والمدينة في كتاب واحد ، حم حروف مقطعة لها علاقة بأرشفة السور التي نزلت في مكة بشكل كامل ، تنزيل الكتاب تعني سيأخذ الكتاب منزلة دعوية جديدة يلجئ إليها الأفراد والجماعات لقراءة ما هو جديد الآيات وسور الكتاب ، أو الاستماع الى ما يتلى منه على مسامع الناس ، هذا بالنسبة للذين لا يجدون القراءة ، حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم
حم{1} تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{2}
أحدثت الدعوة القرآنية تغيرا فكريا عقائديا داخل المجتمع المكي، أثمر عن إيمان عدد من أفراد الطوائف والديانات المكية ، فكان للتهديد والوعيد الأخروي تأثير نفسي على المؤمنين الذين ارتكبوا المعاصي والموبقات في ضل اعتقاد الملائكة بنات الله ، وبالرغم من قبول الله للتوبة بشكل عام، إلا ان تساؤلات كثيرة طرحها المذنبون تبحث عن دلائل مادية أو معنوية تؤكد على قبول الله لتوبتهم ، فانزل الله سورة غافر للتأكيد عليها قائلا ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، ذي الطول والطول هي قدرة الخالق التي ستطول كل فرد لينال مصيره الأخروي ، لا اله إلا هو إليه المصير
غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ{3}
بداية لم تهاجم الدعوة القرآنية أي من الديانات الشركية ولا طوائف الدين السياسي ، مجرد كانت تصحيح لصورة الله المشوهة بالمعاصي والجرائم والكذب والنصب والاحتيال على الشعوب ، فلما بداء التنزيل باطلاع المجتمع المكي على صورة الله الحقيقية ، نهض الزعماء والأسياد والرأسماليين والكهنة للدفاع عن مصالحهم السياسية والاقتصادية المرتبطة بالملائكة بنات الله ، فاخذوا يجادلون بآيات الله لادحاض الحق ، فتوعد الله المجادلين بعذاب دنيوي أفصح عنه عبر عدد من الأمثلة التاريخية ليعكس حالة الانهيار الذي طال أمم وشعوب كانوا على شاكلتهم ، ففي الوقت الذي كان محمد يترقب نزول العذاب بهم ، وجدهم ازدادوا أموالا وتجارة وتوسعا في أنشطتهم الاقتصادية رافقه إصرارا وتحدي لله ، ذلك مما بلور بعض الشكوك لديه حول مصداقية نزول العذاب بالمجادلين ، ولإنهاء ديالكتيكية عدم نزول العذاب الدنيوي وجدلية تأخره ماديا ، قال الله وما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ، الأبعاد السياسية من وراء الجدال هو للكفر بالله واليوم الأخر، فلا يغرنك يا محمد تقلبهم في البلاد ، فلا يغرنك تقلبهم تعني مزاولة أنشطتهم التجارية والحرفية دون عوائق بيئية وكونية ، فالعذاب يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ{4}
عدم نزول العذاب الدنيوي بالمجادلين زاد من حدة الجدال ، حتى بات معضلة أما التغير العقائدي ، ذلك مما أثار استياء محمد ، فلا بد من إرشاد قولي يشرح له الوضع بشكل عام ، ليستوعب حجم المرحلة وانعكاساتها على التغير العقائدي ، فوضح الله له بان العذاب الدنيوي لن ينزل إلا وفق معطيات على ارض ، منها اليأس من النصر ، أو تعرض الأنبياء والرسل والمؤمنين الى القتل والتهجير ألقسري ، فضرب له مثلا تاريخيا على أمم من قبل جادلت بالله فقال ، كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم، وهمت كل امة برسولهم ليأخذوه ، ليأخذوه تعني ليقتلوه ، وجادلوا بالباطل ليدخضوا به الحق ، فأخذتهم ، أخذتهم تعني أهلكتهم فكيف كان عقاب ، بشكل عام لن ينزل العذاب الدنيوي بالمجادلين لطالما الدعوة في طور الصراع الفكري العقائدي ولم ينتقل ميدانيا الى مرحلة الاضطهاد والقمع السياسي ، فقوله وهمت كل امة برسولهم ليأخذوه حددت لمحمد ديالكتيكية وقت نزول العذاب لإنهاء جدليته دنيويا ، أما المصير الأخروي للمجادلين ، وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ{5}وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ{6}
لا زال المذنبين في ريبة من المعاصي والآثام التي ارتكبوها قبل إيمانهم بالله واليوم الأخر ، ونظرا لغياب التوبة عن المشهد الدنيوي ، خاف المؤمنون من عدم قبولها أخرويا ، طمئنهم الله عبر ديالكتيكية لإنهاء جدلية غياب التوبة عن المشهد الدنيوي ، مسخرا لهم السماوات والأرض كدليل مادي يساهم في الاستغفار من الذنوب قائلا ، الذين يحملون العرش والعرش هي المنظومة الكونية السماوية والأرضية اللتان تحملان عرش الرحمن ، ومن حوله ، أي من حول العرش هم الملائكة ، يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ، ويستغفرون للذين امنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم انك أنت الغزير الحكيم ، وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ، وذلك هو الفوز العظيم
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{7} رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{8} وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{9}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انثروبولوجيا المجتمعات والحساب الأخروي - الزمر
-
كورنولوجيا الرأسمالية والمصير الأخروي - الزمر
-
الإسراف الرأسمالي والبعث والنشور - الزمر
-
فوبيا الوطأة وشفاعة شركاء الله - الزمر
-
راديكالية المتشاكسون على شركاء الله - الزمر
-
جيوبوليتيكية المهجر والردة عن الدين - الزمر
-
الدين الخالص وخرافة أولياء الله - الزمر
-
ميتاترون وخرافة الملأ الأعلى – ص
-
الباراسيكولوجيا وخرافة الملأ الأعلى – ص
-
التوتاليتارية الرأسمالية الدينية - ص
-
التوتاليتارية بين القضاء والزعامة الدينية - ص
-
التوتاليتارية بين الدين السياسي والتنزيل - ص
-
الديانة الإبراهيمية بين مكة وأمريكا – الصافات صفا
-
الاثنوغرافيا وتراثية الاعتقادات البشرية - الصافات صفا
-
إبراهيم بين الكسمولوجيا والأديان السياسية-الصافات صفا
-
الاسترولوجيا بين الرجعية والتقدمية- الصافات صفا
-
الاسترولوجيا وراديكالية اليمين – الصافات صفا
-
استرولوجيا الكوكب الشمسية – الصافات صفا
-
الكريبكائية المكية بين البراغماتية والإلحاد السياسي
-
الكريبكائية المكية والشيطنة العالمية
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي:ندين العدوان الصهيوني على منشآت يمنية بصنعاء
...
-
الجهاد الاسلامي:البطش الصهيوني يؤكد ان هذا الكيان خطر علينا
...
-
الجهاد الاسلامي:نشيد بصمود اليمن امام عدوان الاحتلال والغطرس
...
-
الجهاد الاسلامي: نشيد باستمرار اليمن في توجيه الضربات للكيان
...
-
الجهاد الاسلامي: ندعو الشعوب العربية للتكاتف لوضع حد للعدوان
...
-
حماس: ندعو الدول العربية والاسلامية لاتخاذا قرارات لكبح جماح
...
-
حماس: ندعو الدول العربية والاسلامية لاتخاذ قرارات لكبح جماح
...
-
لبنان.. ملف الموقوفين الإسلاميين يعود إلى الواجهة
-
هل يستطيع أحمد الشرع -الجولاني- إقامة دولة إسلامية قوية بسور
...
-
عراقجي يأمل بأن تحقق القمة نتائج تتماشى مع مصالح الدول الاسل
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|