جين الاله وجينات الشياطين

فيليب عطية

الحوار المتمدن-العدد: 1786 - 2007 / 1 / 5 - 12:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

هناك مثل شعبي يقول : الفاضي يعمل قاضي ،وهكذا خرج علينا مؤخرا باحث امريكي في علم الجينات او الوراثة كما نسميه بنظرية جديدة تقول ان الشفرة الوراثية للانسان تحتوي علي جين او مورث سماه جين الاله او الجين الالهي ،وهو الذي يتيح للانسان ان يتعرف علي رب السموات والارض ،بل ووصل في نتائجه الي القول بأن الانبياء والمرسلين كان لديهم هذا الجين بدرجة من الكفاءة يسرت لهم الوحي والالهام والوصول الي السموات العلا
ولم يكتف هذا الباحث ويدعي "دين هامر" بنشر نظريته في المجلات الشعبية بل اخرجها في كتاب باسم "الجين الالهي" حدد فيه موضع هذا الجين في الخريطة الوراثية
للانسان ،ورزق الهبل علي المجانين !.....تصور الباحث ان نظرينه ستكسبه تأييد السلطات الكنسية في امريكا فيتحول من باحث مغمور في المعهد القومي الامريكي لابحاث السرطان الي جهبذ مشهور ،لكن السلطات الكنسية التي ادركت حجم المطبات التي تفتحها هذه النظرية انهالت عليه باللوم والتقريع ،واهي شهرة ايضا ،لكن دعونا من الحسابات الامريكية لكي نناقش تلك النظرية من منطلق ما نعرفه الآن في علم الوراثة ومن منطلق طائفة من العلوم الحديثة التي تتصل بمعتقدات الافرا د والشعوب كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الانثروبولوجيا
يقول لنا علم الوراثة ان الجينات الوراثية تنقل الصفات الطبيعية للافراد كالملامح والطول واللون ....الخ مالم تتدخل عوامل بيئية طارئة لافساد هذا المخطط الوراثي
فيما بعرف بالطفرة لكنه لايقول لنا ان الافكار تورث ،حتي الذكاء الذي يشاع انه صفة وراثية يمكن ارجاعه الي طبيعة الناقلات العصبية بين خلايا المخ وليس الي هبة طبيعية قابلة للتوريث ،كما ان الذكاء بالضرورة نتاج تفاعل متبادل بين الفرد ومجتمعه ،ولم يحدث في التاريخ ان توصل فلاح امي لايعرف القراءة او الكتابة الي نظريات الجاذبية او النسبية لنيوتن واينشتين ،ونفس القول ينطبق علي الاستعدادات الوراثية التي يؤمن البعض بتوريثها كالعدوانية مثلا فهي نتاج تفاعل اجتماعي وظروف بيئية اكثر من كونها هبة وراثية
فاذا انتقلنا الي علم الانثروبولوجيا الاجتماعية سنجد ان الاله فكرة اجتماعية نشأت لتنظيم المجتمع وقد بدأت بصورة ابتدائية فجة كفكرة الاب المشترك للقبيلة ومرت بالعديد من التطورات حتي وصلت الي شكلها الحالي الذي يعتمد علي شطحات افلاطون وارسطو اكثر من اعتمادها علي وحي او الهام
ويحتار المرء حقا وهو يتناول "يهوه" كمثال...اهو ذلك الاله البدائي الخاص بالعبرانيين والذي ينزل من سمائه ليصارع ابراهيم ،ام هو ذلك المطلق الذي احتكر كل الصفات الحسني والذي تسجد له السموات والارض
واذا افترضنا جينا يقود الي عتبات الاله ،فلما لانفترض جينا او جينات تقودنا الي مأوي الشياطين ،ولنسمها جينات الشياطين ،وهكذا يمكن لاي مجرم ان يصرخ في قاعة المحكمة :انا برئ ،فقد ارتكبت الجريمة مدفوعا بجيناتي ،وهكذا يتحول علم محترم نحاول من خلاله معرفة اسرار الطبيعة الي مسخرة ميتافيزيقية
وكم من الجرائم ترتكب باسمك ايها الجين

#فيليب_عطية (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات