أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو اللهبي - علاقة الشعوب مع الإستبداد السياسي، ورهانها على حرية لاتعرف معناها..!














المزيد.....


علاقة الشعوب مع الإستبداد السياسي، ورهانها على حرية لاتعرف معناها..!


عبدو اللهبي

الحوار المتمدن-العدد: 8195 - 2024 / 12 / 18 - 08:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الشعوب التي تخضع لقهر السلطة تتحول تدريجياً إلى خانعة، مأسورة داخل قوالب الاستبداد. تصبح علاقتها مع الجلاد علاقة معقدة، تجمع بين الخوف والاعتياد، حتى تصل إلى مرحلة تعشق فيها جلادها وتعتبره رمزاً للقوة والاستقرار. وعندما يزول الجلاد ليحل مكانه آخر، يتلونون بتلون سلطته، ويتبعونه بنفس الولاء، متوارثين نمط الخضوع ومبرراته جيلاً بعد جيل.

إضافة إلى خنوع الشعوب للسلطة المستبدة، فإن تاريخ القمع والحرمان من التعليم يلعب دورًا حاسمًا في تكريس هذا الخنوع. فالاستبداد لا يكتفي بتكبيل الأجساد، بل يسعى إلى استعباد العقول، عبر حرمان الشعوب من أدوات المعرفة والوعي. الجهل يصبح أداة الطاغية الأهم؛ لأنه يسهل السيطرة على شعب جاهل، يخشى التغيير ويفتقد القدرة على التساؤل والنقد.

في المجتمعات المقموعة، يصبح التعليم إما غائبًا أو مُفرغًا من مضمونه، فلا يُعزز الوعي ولا يرسخ قيم الحرية، بل يُستخدم أحيانًا كأداة لتمجيد السلطة وتعظيم الطغاة. وبمرور الزمن، تُزرع في الأجيال مفاهيم مشوهة تجعلهم يقبلون الظلم ويبررونه، ظنًا منهم أنه قدر محتوم أو ضرورة لا غنى عنها.

إن قمع التعليم وإبقاء الشعوب في ظلام الجهل يُنتج مواطنين يفتقرون إلى أدوات التحرر الذاتي، فتتحول مطالبهم إلى مجرد حاجات مادية آنية، بعيدًا عن السعي للكرامة والحرية. وهكذا، يُعاد إنتاج الاستبداد مرة تلو الأخرى، لأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث دون تعليم يُنير العقول ويُحفزها على التفكير الحر والناقد.

في أعماقهم، يغيب مفهوم الحرية الحقيقي، فهي بالنسبة لهم حلم بعيد المنال، يكاد يستحيل إدراك معانيه. فالحرية تتطلب وعياً وشجاعة وكسراً للقيود الذهنية، وهي أمور لم تعتدها الشعوب التي طالما قهرت تحت تأثير الاستبداد لفترات طويلة من الزمن..!

إن الحرية، في ظل هذه العقلية، تبدو سراباً بعيد المنال. فهي ليست مجرد غياب القمع، بل هي ثقافة ووعي وممارسة تُبنى على إدراك عميق للكرامة والحقوق. وهنا تكمن المأساة؛ إذ من الصعب على هذه الشعوب أن تفهم معاني الحرية أو تتطلع إليها بصدق، لأنهم عاشوا طويلاً في ظلال القهر، حتى غدت القيود جزءاً من هويتهم وكيانهم.

عندما تتحرر هذه الشعوب من قيود طاغية، ينفجر غضبها المكبوت فرحاً، فتمارس الاحتفالات الصاخبة وتقيم المهرجانات الكبيرة، ظناً منها أنها حققت الخلاص النهائي. لكنها، في خضم نشوة الحرية المؤقتة، تتجاهل أو تتغافل عن حقيقة القائد الجديد الذي جاء بحزمة جديدة من الاستبداد، قد تكون أكثر دهاءً وخداعاً من سابقتها.

عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الإستبداد" يرفض الثورة الفجائية ويدعو إلى الإصلاح التدريجي أولاً، لأن الاستبداد يُضعف الشعوب ويجعلها غير مؤهلة لتقبل الحرية دفعة واحدة..

إذاً ففي لحظة التحرر تلك، تُعطل العقول، وتُغيب الأسئلة الضرورية حول المستقبل، وحول طبيعة السلطة الجديدة. فالفرحة بالانتصار تُغشي البصر عن ملامح الطغيان الذي يتسلل بصمت. وهكذا، يُعاد إنتاج الاستبداد بشكل آخر، وتدور الشعوب في نفس الدائرة المغلقة، تتعلق بالرموز والشعارات، غير مدركة أن الطغاة يتشابهون، وإن اختلفت أسماؤهم ووعودهم.

الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو ذكر في كتابه" العقد الإجتماعي":
"أن الشعوب المستعبدة، وإن كسرت قيودها، تبقى بحاجة إلى وقت طويل لتتعلم معنى الحرية؛ لأنها لم تعتد سوى العبودية"..!

إن المأساة الحقيقية تكمن في أن هذه الشعوب، التي لم تتعلم دروس الماضي، تُكرر نفس الخطأ؛ تُسلم رقابها مجددًا لقائد جديد، تظنه المُخلّص والمنقذ، دون أن تُدرك أن تغيير الأشخاص لا يعني بالضرورة تغيير النهج. فتجد نفسها بعد حين تحت نفس السوط، وفي نفس القفص، حيث تُستبدل أدوات القمع فقط، بينما يبقى الاستبداد جاثمًا على صدورها.

إنها شعوب تُراهن على التغيير الظاهري، بينما تغفل عن التحرر الحقيقي، التحرر الذي يبدأ من العقل والوعي. فلا تحرير يُرجى ولا كرامة تُستعاد ما دامت العقول مكبلة بالخوف والجهل والاعتياد على الخضوع. إن "تحريرًا" آخر لن يجيء ما لم تتحرر هذه الشعوب من الداخل أولاً، وتُعيد صياغة علاقتها مع السلطة والحرية، بعيدًا عن أوهام القائد الملهم أو المخلص الفرد.



#عبدو_اللهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولات الفلسفة النهوض بالفكر الديني قديماً على يد أبن عربي ...
- استبدال الديكتاتوريات العسكرية بجماعات الإسلام السياسي والمي ...
- عند باب سجن (صيدنايا)
- تهديد المهاجرين لبقاء الغرب على ديمقراطيته وليبراليته..ودعمه ...
- مشروع 2025 المخاطر والتحديات التي يواجهها المجتمع الأمريكي و ...
- الإنتخابات الأمريكية، وإنتقال العرب الأمريكيين من الإنتماء ا ...
- العنصرية..بين الموروث ومتطلبات العصر..
- العنصرية بين أمريكا والعالم العربي
- التاريخ والموروث الثقافي..تأسيس ممنهج لتحييد العقل وتغييب ال ...
- حرية التعبير عقيدة لا يؤمن بها أحد..
- التفكير الجمعي..وأثره في واقعنا وثقافتنا المعاصرة..
- الكراهية .. ثقافة البشر المتوارثة..،
- الكراهية والعنصرية هل هي مستقبل البشر المنتظر..؟!
- الخطاب الديني وهمٌ كبير بعمرٍ كبير
- زوبعة في فنجان، أم أن لها علاقة بحقوق الإنسان، قضية إغتيال ا ...


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو اللهبي - علاقة الشعوب مع الإستبداد السياسي، ورهانها على حرية لاتعرف معناها..!