|
اللِيبِرَالِيَّةُ فِي بِلَادِنَا مَيِّتَةٌ، بَينَمَا اللِيبِرَالِيُّونَ أَحيَاءٌ يُرزَقُونَ!
ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8193 - 2024 / 12 / 16 - 18:48
المحور:
الفساد الإداري والمالي
د. ادم عربي
الليبراليون الجدد في بلادنا لا يحملون من قيم الفكر الليبرالي في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة سوى ما يكشف زيف ادعاءاتهم. ففي السياسة والثقافة، يظهرون ميولاً استبدادية شرقية الطابع، بعيدين عن مبادئ الحرية والمساواة. أما في ما يتعلق بمصالحهم الشخصية والفئوية، فهي تسود على حساب الحقوق الديمقراطية، حيث يتجسد دورهم في تمثيل دور السجّان وفرض القيود. الديمقراطية لديهم ليست إلا قناعاً للنفاق، فهي ديمقراطية تخدم مصالحهم الضيقة على حساب القيم الحقيقية، وتشبه شريعة الغاب في الاقتصاد حيث الأقوى هو المسيطر بلا اعتبار للعدالة.
في مجال الاقتصاد، لا يلتزمون بالمبدأ الأساسي للسوق الحرة، المتمثل في شعار "دعه يعمل، دعه يمر"، إلا إذا كان يخدم مصالحهم وحدهم. فهم يدعمونه إذا كان العمل عملهم والمرور لصالحهم، لكنهم يقفون ضده بشدة إذا تعلق الأمر بعمل الآخرين أو مرورهم.
في الليبرالية القديمة، كان بإمكانك أن تقول إن الوزير "فلان" فاسد لأنه شخصياً يتحمل مسؤولية فساده. أما في الليبرالية الجديدة، فلا يمكنك تفسير الأمر إلا بالقول إن الوزير "علان" فاسد لأن الفساد قد أصاب المنصب ذاته. فقد أصبح المنصب رمزاً للفساد، ولم يعد يُرى إلا ككرسي يجلس على من يشغله.
نحن مجتمع يفتقر إلى وجود رأسماليين قوميين يمتلكون ثقلاً اقتصادياً واجتماعياً يمكنهم من التأثير في الدولة والحكومة، تماماً كما تحرك الرقبة الرأس. لكن المفارقة الكبرى تكمن في وفرة الليبراليين، وخاصة من يسمون بالليبراليين الجدد.
إذا كان التطور الرأسمالي القومي يمثل نبض الحياة الاقتصادية وازدهارها، فإن الليبراليين الجدد (وأركز على الأشخاص لا الفكرة) قد حولوا اقتصادنا إلى أرض قاحلة، وزادوا من جفافها. قانونهم الوحيد هو: "بع كل ما يمكن بيعه، وحوّل كل شيء إلى سلعة قابلة للبيع!".
بالنسبة لهم، لا يهم لون القط طالما أنه قادر على اصطياد الفأر، ولا يهم هوية المشتري طالما أنه يدفع بالدولار، الذي أصبح بمثابة "هُبَل" العملات النادرة!.
كان برودون يهاجم الرأسمالية بشدة، معتبراً أن الملكية الخاصة هي ذاتها السرقة. لكن ماركس، رغم خصومته للرأسمالية، رد عليه مدافعاً بشكل غير مباشر، قائلاً إن الملكية الخاصة ليست السرقة بذاتها، بل هي الأداة أو الوسيلة التي تُستخدم لتحقيق السرقة!.
عندما يتعلق الأمر بانتقاد الليبراليين الجدد لدينا، فلا أجد أبلغ من وصف برودون للرأسمالية: إن ثرواتهم لم تأتِ إلا من السرقة، تلك التي يحاولون تجميلها بإطلاق اسم "الخصخصة" عليها.
الرأسمالي التقليدي، الذي ساهمت مصالحه في نشوء وتطور الليبرالية القديمة، كان يمتلك المصنع، ويؤمن المواد الأولية، ويوظف الأيدي العاملة، ليُنتج السلع، ويبيعها، ويحقق الأرباح.
أما الليبرالي الجديد في واقعنا، فلا يمكن اعتباره رأسمالياً إلا وفق المنظور البرودوني. فهو لا يمتلك مصنعاً أو وسائل إنتاج، بل يشغل موقعاً بيروقراطياً حكومياً يستغل من خلاله السلطة والنفوذ لتحقيق ثراء شخصي وعائلي. وكأن الملكية العامة أصبحت بالنسبة له مجرد مورد بلا صاحب، يُتاح له التصرف فيه بصفته المسؤول عن إدارته.
هذا الليبرالي الجديد لا يستمد قوته من الفكر الليبرالي الذي أصبح قديما ًوركاماً. إنه ليس من أحفاد روسو ومونتسكيو، ولا ينتمي إلى الورثة الفكريين لهما.
إنه يستمد قوته من ضعفين: ضعف الرأسماليين الحقيقيين في مجتمعنا، وضعف سلطة المجتمع على الجهاز البيروقراطي للدولة. كل وظيفته التاريخية في عصر العولمة تقتصر على "أجنبة وتغريب" الملكية الرأسمالية للأراضي التي تمتلكها الدولة باسم الأمة، إضافة إلى منشآت ومؤسسات القطاع العام. ثم يأتي "أجنبة وتغريب" الثروة الشخصية التي يحصل عليها من خلال هذا البيع غير الشرعي، وهذه الثروة لا تُستثمر في الاقتصاد الذي تم انتهاكه، بل تُوجه إلى عواصم ومعاقل الرأسمالية العالمية.
يخطئ من يعتقد أن هذه الخصخصة المشينة، أو الرأسمالية في شكلها البرودوني، تضر بالاقتصاد فقط، فلهذه الظاهرة نسختها السياسية والثقافية أيضاً.
إن الكثير من السياسة، التي دفع المجتمع ثمنها بدمه وعرقه، يتم تحويلها إلى سلعة وبيعها للأجانب بثمن بخس. فالليبراليون الجدد، في المجال السياسي، أسوأ حالاً منهم في المجال الاقتصادي. فهم يرون السياسة الجيدة كسلعة تزيد من أرباحهم بالورقة الخضراء، بينما يعتبرون السياسة الرديئة سلعة كاسدة.
الليبراليون الجدد في بلادنا ليسوا ليبراليين (لا في الاقتصاد ولا في السياسة)، ولا هم رأسماليون أيضاً. فهم في هجومهم المدروس، ليسوا إلّا بقايا نفايات الطاقة الاقتصادية للرأسمالية العالمية!
#ادم_عربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحاورُ الأفعى!
-
هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
-
الأعمى!
-
ماذا يحدث في سوريا؟ ولماذا الآن؟
-
في الثورة السورية !
-
تناقضات الذات!
-
تعارض النتائج مع التوقعات!
-
الفسادُ الطبيُّ!
-
العبثُ!
-
الطائفية في فكر مهدي عامل!
-
مشاكل تربوية وأخلاقية!
-
سلاسل الشمس!
-
هرَمُ نظامنا التعليمي!
-
أنا أُفَكِّر لأنِّي موجود!
-
أسباب فوز ترامب في انتخابات 2024!
-
عالمٌ من شظايا!
-
انفجارُ الصمت!
-
ببساطة...تباطؤ الزمن!
-
الأزمة في تعريف الحقيقة!
-
في الشعر!
المزيد.....
-
مصدر يكشف لـCNN عن لقاء لترامب مع الرئيس التنفيذي لتيك توك
-
25 نائبا بريطانيا يطالبون بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح
-
واشنطن: توجيه اتهامات لإيرانيين فيما يتعلق بمقتل 3 جنود أمري
...
-
مباشر: الجولاني يعد بحل الفصائل المسلحة وضم مقاتليها إلى الج
...
-
اليمن: الجيش الأمريكي يستهدف منشأة قيادة للحوثيين في صنعاء
-
8 شهداء في غارة إسرائيلية جديدة على مدينة غزة
-
-قسد-: جاهزون لإبقاء الطريق إلى ضريح سليمان شاه مفتوحا
-
نيبينزيا: روسيا لن تقبل أي تجميد للنزاع في أوكرانيا
-
سويسرا تشدد شروط تصدير الأسلحة لضمان عدم توريدها إلى أوكراني
...
-
إيران تنفي انخفاض صادراتها من النفط الخام
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|