|
سؤال العلمانية في السودان
خزامي مبارك
الحوار المتمدن-العدد: 8193 - 2024 / 12 / 16 - 18:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سؤال العلمانية في السودان؟
خزامي مبارك
على الرغم من الانتشار الكبير، لشعارات التنوير والعقلانية في السودان، الا ان موضوع العلمانية واستقلاليتة العقل والتفكير النقدي لم تجد حظها الكافي من المداولة والحوار ، سواء كانت في الأوساط الأكاديمية او حتى بين من يطلق عليهم بالمثقفين، سوى القليل من الشذرات التي هنا وهناك. وبالمقابل هناك انتشار واسع لقيم وطرائق التفكير التي لاسند عقلي لها، فهناك أولوية للتنجيم والسحر والخرافة وغيرها، ِعوضاً عن التشويه والالتباسات الكثيرة التي صاحبت مفاهيم العلمانية والديموقراطية واستقلاليتة العقل، حيث لن تدخر قوى الظلام جهداً إلا وبظلوه في تشوية صورة ومفهوم العلمانية وخلق إلتباسات حوله،فاطلق عليه البعض كفر مبين وطعن في الدين واحياناً وصفه بأنه مرادفه للالحاد وتقليد واتباع للغرب في أحيان أخرى، وأقصد بقوى الظلام هنا الاسلاميين بتياراتهم المختلفة، السلفين منهم والأخوانيين،ومن شايعهم من الدواعش والارهابيين. هناك من يرى أن أي دعوة للعلمنة أو لسيادة قيمة العقل وضرورتها هي خضوع وانصياع للتفكير الحداثي الأوروبي، وهناك من يراه خروج على الدين والقيم الدينية باعتبارها لها الأولوية في كل مكان وزمان. تحدث هذا نتيجة لسببين الأول هي أن واقع وطبيعية مجتمعاتنا السابقة للرأسمالية (أي المجتمعات التي ما ظالت تتحرك كبنية واحد لاانفصال بين الدين والاقتصاد والدم واللغة.. الخ) تجعلها تشجع من قيم الأساطير والخرافة والدين، والسبب الثاني هي أن وجود الدين كفاعل رئيسي ومحرك من محركات الدولة تضفي الشرعية وتعضد من سلطة الجماعات المسيطرة،وهي ما أدت إلي ولادة الحروب الأهلية في السودان منذ الاستقلال إلي يومنا هذا. عموماً ودون الخوض في التفاصيل، الحديث عن العلمانية لها مستويين،المستوى الأول هي مستوى الدولة ومؤسستها، وهنا نجد العلمانية سمة جوهرية من سمات الدولة الحديثة(دولة وستفاليا)، وليس من المنطقي النقاش عن ضرورتها أو عدم ضرورتها، فمنذ ولادة الدولة الحديثة في 1648م ولدت معلمنة ومن يريد أن تديينها يعني أنه تخلف عن البشرية على الأقل 450 عاماً. وأما المستوىالثاني فهي استقلالية العقل أهميته ، وكما يرى عادل ضاهر في اجابته لهذا لمعنى اي استقلالية العقل" ، وضح أن هناك معنيين، المعنى الأول هو معنى معياري والثاني ابستمولوجي، المعنى المعياري، هو ان تجعل للعقل قيمة ومرتبة اعلى من. بقية تكوينات النفس، كالعاطفة والشعور... الخ. مثل هذه الإتجاهات المعيارية لها تاريخ طويل مع الفلسفة وابرز ممثلين له وهو افلاطون وارسطو، وهناك من يعبر عن انتصار العلم واعطائه أهمية أكبر من الفنون وغيرها من النشاطات، تعود الي هذا الموقف، وطبعاً الجدير بالذكر هنا، ان هذا الاتجاه تعتريه مشكلة فلسفية لايمكن تجاهلها، وهي أولاً ليس هناك معنى لمقارنة العقل بالجوانب الأخرى (العاطفة، الشعور)، بل حتى الفصل بينهم وبين العقل لايمكن، الا كان هذا الفصل فصل نظري، وهناك عدة انشطة مشتركة بين العقل وبقية الوظائف. إذاً تبقى الجانب المهم هو الجانب الابستمولوجي، وتتلخص هذا الجانب في عدة مسائل يمكننا مناقشتها ، أولاً موثوقية العقل على كل المصادر الاخرى، وطبعاً يمكن اعتبار هذا اقرار بوجود مصادر أخرى غير عقلية، لكنها في الحقيقة لا تتعارض مع العقل في ظروف كتيرة، وأيضاً لامانع من الرجوع اليها، ولكن لا ترتقي موثوقيتها الي درجة موثوقيتة العقل، المسألة الثانية في هذا السياق هي، اي تعارض بين الاعتبار الغير عقلية المذكورة مع اعتبارات عقلية، فان النتيجة هي ابطال للاعتبار العقلية، اي بمعنى آخر ان لا يمكن إعطاء مصدر غير عقلي السلطة فقط لغياب سند عقلي، المسألة الثالثة والمهمة هي: لو افتراضنا وجود أسس غير عقلية لبعض المعارف، أو للمعرفة ككل، أيضاً لايمكن برهنته بدون سند عقلي، مثلاً :لو ان هناك شخص مسافر من الفاشر الي الخرطوم وفجأة قرر النزول من البص المقرر توصيله، وقال ان هذا البص سوف يتعرض لحادث مروري، فعلاً تعرض البص لحادث مروري، ومصدر معرفته بهذا كله، ناتجة فقط من إحساسه الداخلي، سيظل هذا الموقف رغم صحته الا انه مجرد اعتقاد وليس له أدنى صلة بمستويات المعرفة المختلفة، ولا يجعله يستغني عن المصادر العقلية.
#خزامي_مبارك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النخبة المهزومة تلملم أطرافها من جديد لتصفية الثورة
-
لا ثورة وطنية بلا قوى ريفية
-
هل ابتلعت قوى المركز حزب المؤتمر السوداني؟
-
نخاسة الرقيق كوعي في دولة الاسلاموعروبيين
المزيد.....
-
بايدن خلال احتفال بعيد يهودي: أنا صهيوني.. ولن أتوقف حتى أعي
...
-
فيديو مؤثر من غزة.. صاحب عبارة -روح الروح- يلحق بحفيدته
-
-ستكون طبيعية-.. أحمد الشرع يتحدث عن فرض الشريعة الإسلامية ف
...
-
ثبتها الآن لأطفالك .. تردد قناة طيور الجنة 2025 على العرب وا
...
-
مقتل 4 أشخاص وإصابة 5 آخرين في إطلاق نار في مدرسة مسيحية بول
...
-
لماذا يعاني المسلمون في شمال الهند أكثر من جنوبها؟
-
بقذيفة -دبابة إسرائيلية-.. مقتل خالد نبهان صاحب مقولة -روح ا
...
-
الجهاد الاسلامي: الحديث عن وجود خارجين عن القانون هو مسألة ل
...
-
الجهاد الاسلامي: تطورات جنين تأتي في ظل حرب الابادة وهذا غير
...
-
مغردون: صاحب مقولة -روح الروح- شهيد يشهد على طغيان الاحتلال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|