مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1786 - 2007 / 1 / 5 - 12:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقرب هذه القباب التّسع اللامعة
الأرض كبذرة خشخاش عائمة على المحيط .
وحين ترى إلى مقدارك بإزاء هذه البذرة ،
لابد أن تضحك على لحيتك .
الشبستري
( من تبريز مؤلف بستان السر)
( لمحة عن الكاتب وأعماله في مطلع مقالنا- معجزة القرآن ) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006
بذرة الخشخاش هذه ، كما يصف الشاعر محمود الشبستري الأرض ، تزن ستة آلاف بليون طن ومحيطها 40,067كم ومساحتها 510,100،000كم2. وهي واحد من أصغر كواكب المجموعة الشمسية . أما الوقت الذي يستغرقه دورانها حول الشمس فيزيد قليلاً على 365 يوماً. وتتحرك الكواكب الثمانية المعروفة إلى جانب الأرض من هذه المجموعة في مدارات مماثلة محددة مسبقاً. وأبعد هذه الكواكب هو بلوتو، الذي يتسم بكتلة أصغر ( تساوي تقريباً كتلة عطارد) ومدارٍ يبعد عن الشمس بين 4,5و7,5بليون كم. ويمكن لنا أن نتصور هذه المسافة على نحوٍ أسهل لو علمنا أن المدّة التي تحتاجها طائرة تطير بسرعة ثابتة 1000 كم في الساعة كي تصل إلى بلوتو هي 70 سنة . وتشير الأدلة العلمية والرياضية أنّ بلوتو ليس بالجرم السماوي الأخير المحكوم بالجاذبية الشمسية ، وأننا بحاجة إلى رحلة أطول بمئة مرّة ، أي إلى 7000سنة بسرعة 1000كم في الساعة ، كيما نبلغ حدود جاذبية نجم آخر . وشمسنا بكل مجدها وأهميتها بالنسبة لنا ، ليست سوى نجم متوسط الحجم في المجرّة المعروفة باسم درب التبّانة ، وفي اللغات الأوربية باسم درب اللبّانة، لأنها تبدو في ليالي الصيف مثل دربٍ بلون التبن أو لون اللبن في وسط السماء . ولقد أمكن إلى الآن تحديد سبعة آلاف نجم في هذه المجرّة وحدها ، كلُّ نجم منها هو شمسٌ يمكن أن نفترض ، على أسس قَبْـْليّة إنْ لم يكن على أسس تجريبية ، أنَّ لها مجموعتها الكوكبية الخاصة بها والتي تشبه المجموعة الشمسية إلى هذا الحد أو ذاك .
وبذرة الخشخاش الطافية على المحيط التي تبلغ مساحتها 510,100,000كم2، لها حجم يبلغ 1,082,210,000كم3، وهو حجم هزيل بالمقارنة مع حجم الشمس. ولو افترضنا وعلى سبيل المقارنة أن الشمس صدفة فارغة ، فإن بمقدور هذه الصدفة أن تتّسع لمليون من الكرات بحجم أرضنا . فالشمس تشتمل على 99,89 0/0 من مجموع المادة الموجودة في المجموعة الشمسية ، في حين لا تبلغ حصة كواكبها التسعة وتوابعها سوزى0,14 0/0 من المجموع الكلي ولا تبلغ حصة الأرض وقمرها إلا أقل من 0,0014 0/0 وفي الفضاء نجوم أكبر بخمسمائة مرة من الشمس بمحيطها الذي يبلغ 1,392,000كم وكتلتها التي تقارب 1,200,000,000من بلايين الأطنان . والشمس كما ذكرنا ، نجم من نجوم درب التبانة . ويقدّر أن كل مجرة تحتوي مائة بليون نجم على الأقل . ويُخمّن ، على اساس ماتمَّ إلى الآن من رصد جوي وحساب رياضي ، أن هنالك مائة مليون مجرّة على الأقل ( بما فيها درب تبانتنا) منثورة في الفضاء . ولأن بُعد النجوم لايمكن أن يشار إليه على نحو مقنع بالأرقام العادية ، فإننا نعبّر عن ذلك بالسنوات الضوئية . ولأن سرعة الضوء تقارب 300,000كم في الثانية فإن السنة الضوئية الواحدة تساوي ما يقارب 9,4608بليون كم. وبُعد نجوم معينة عن الأرض هو من الكبر إلى حدّ أنّ الزمن الذي يحتاجه ضوء تلك النجوم كي يصل إلينا يتراوح بين المائة والألف من السنين .
وهذه الأرقام تحيّر عقولنا ولا تقدم لنا سوى فكرة مبهمة على شساعة الكون؛بيد أنها تبين بوضوح أنّ الأرض بذرة خشخاش بالغة الصغر طافية على محيط هائل ، وكلّ نابهٍ يحاول أن يتصور هذه الضخامة لابد أن يشعر أزاءها بالعجز والضِّعة . فحدود الكون الذي يبدو لانهائياً ، إذا كانت له أيّة حدود ، إنما تقع أبعد من قدرة الذكاء البشري . وإذا ما كانت للكون الذي يبدو لانهائياً بدايةً في الزمان فضلاً عن الحدّ في المكان ، فذلك أيضاً شيء لا يسعُ عقولنا أن نتصوره . وحين نسلّم بوجود خالق لهذا الكون الشاسع ، فإننا نفترض مسبقاً وبالضرورة أن الخالق أكبر من هذا الكون ويحيط به . وحين نفترض أنّ لهذه الآلية الهائلة المرعبة ديّاناً يتحكّم بها ، فإننا نفترض مسبقاً وبالضرورة أنّ لهذا المسيطر قدرة لا نهائية . ولذلك فإن طبيعة هذا الخالق الديّان لابد أن تكون أنأى ، وأرفع ، وأشدّ تجريداً من أن يحيط بها فكرنا المحدود والمحدّد . مما لا نستطيع أن نتصوره هو هو ، كما يقول جلال الدين الرومي .وعموماً فإن البشر ليسوا بقادرين على التفكير بعيد المدى، وتبيّن دراسة المعتقدات الدينية أن الكائنات البشرية ، إلا باستثناءات نادرة ، لا تستطيع أن تتصور ترسيمة الإله الهائلة إلا كنسخة مطابقة مُضخّمة من النظام الذي عرفوه في حياتهم المحدودة التافهة، ولا يستطيعون تصوّر طبيعة الإله الفريدة إلا على أنها مماثلة لطبائعهم ، وإن تكن أرفع منها بعض الشيء بالطبع ، لكنها خاضعة في الجوهر للارتكاسات والانفعالات ونقاط الضعف، والرغبات ، والمطامح ذاتها.
وثمّة قول عربي ، نجده في الحديث وإن يكن مستمداً في النهاية من العهد القديم ، هو أن الله خلق الإنسان على صورته . وكان الأصوب أن يقال العكس ، أي ان البشر خلقوا الإله على صورتهم .
ومنذ حين مضى ، وقعتُ مصادفةً على كتاب هجائي ولكنه مكتوب بذكاء عنوانه وخلق موسى الله . ففي إشارة إلى الجملة ( وخلق الله الإنسان ) في العهد القديم ، رأى ذلك الكاتب أن العكس صحيح وأنّ الله من تلفيق خيال موسى .
يقدم لنا الله، طوال العهد القديم ، على أنه كائن مستبدّ ، سريع الغضب ، عديم الشفقة ، شديد التوق لأن يُسبَّح ويُعْبَد . ومن بين الملايين من مخلوقاته ، فضّل إبراهيم الذي أبدى الخضوع ، فجعل من ذريّة إبراهيم شعبه المختار . وصار من حق هذا الشعب إذا أن يسود على الأرض برمتها .
لقد وقع الاختيار على إبراهيم لأنه العبد الأشدّ طاعة وإجلالاً الذي استطاع الله أن يجده في الفترة بعد نوح . ولهذا السبب عينه ، فقد مكّن الله سارة امرأة إبراهيم من أن تحبل وتلد إسحق في شيخوختها . ولأنه لم تكن عذراء في كل أرض كنعان تليق بأن تكون زوجةً لإسحق وأن تغدو جدّة للشعب المختار ، فقد بعث إبراهيم بامر من الله رسولاً إلى أرام النهرين فخطب لإسحق رفقة بنت أخي إبراهيم وعاد بها إلى فلسطين . ثم أخذ الله على بني إسرائيل عهداً ألا يعبدوا إلاّه وأن يكون لهم بالمقابل حكم العالم . وهكذا كان أن تحول اهتمام ديّان الكون ليس إلى المجموعة الشمسية والأرض فحسب ، بل إلى جزء صغير من سطح هذي الأرض ، أعني فلسطين .
وفي مرّة ، حمي غضب الله إذ رأى قوم سدوم وعمورة وقد انصرفوا إلى الرذيلة والإثم فقرّر أن يهلك تينك القبيلتين ، ولم تنفع حتى شفاعة إبراهيم ، الذي كان أرْفَقَ من الله ، وأرسل الله كبرتاً وناراً قتلت جميع سكان المدينتين ، الآثم والبريء ، الرجال والنساء والأطفال على حدّ سواء ماخلا رجل واحد ؛ فلكي يسرّ الله إبراهيم ، كان قد أرسل أيضاً ملاكاً أنقذ ابن أخيه لوطاً من المذبحة الشاملة . وفي العهد القديم بطوله، فإن الله يُصَوَّر ، على هذا النحو ، طاغية متقلباً ، متطلباً ، لايلين .
ويشير النص إلى أن موسى كانت لديه الميول الطغيانية ذاتها، وأنّ داود وسليمان قد أعزّا مثال الملكية عينه حين حكما على إسرائيل. فقصة امرأة أوريا تبين على أي مدى كان داود يستخف بحقوق الآخرين ويزدريها .
وفي القرآن نجد أنّ الله قد اُسبغت عليه الصفات الحسنى جميعاً . فهو العليم القوي السميع البصير الحكيم الغني المحسن . غير أن صفاته لا تقتصر على هذه الصفات ، فهو غالباً ما يكون أيضاً مستبداً وناقماً ، بل ماكراً في بعض الأحيان، فهو في الآية 54 من سورة آل عمران والآية 30 من سورة الأنفال ، ( خير الماكرين ) . وهذه الخصائص ليست متناغمة بعضها مع بعض . فإذا ماكان الله مكتفياً بذاته وكاملاً ، فكيف يمكن أن تعتوره حوادث كالغضب والرغبة في الانتقام؟ وكيف له أن يغضب أبداً وهو صاحب القوة المطلقة، والغضب مزاج لاإرادي يستحثه الضعف ؟ وكيف يُغضبه ، وهو المستقل بالمطلق، جهل بعض البشر وغباؤهم ن وهم العاجزون عن إدراك وجوده وتسيّده على الكون ؟ وكيف ينذر الناس أيضاً وهو ( أرحم الراحمين ) ( الآية 92 من سورة يوسف ) ، بأنه لا يغفر أن يشرك به ( الآية 116 من سورة النساء) بل يعاقب على ذلك بعذاب أبدي ؟ ومع أن الله يقول عن نفسه ( ماأنا بظلاّم للعبيد) – الآية 29من سورة ق – فإنّه يُصْلي الآثمين جهنم أبدية ن وكيلا يظنوا أنّ الترمد بنارها يمكن أن يضع حداً لعذابهم ، فإنه يقول : ( كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ) – الآية 56 من سورة النساء –إنّ الناقم نقمةً لاسبيل لإروائها هو وحده من يمكنه أن يُنْزل مثل هذه القسوة ، والنقمة من علامات الضعف. فهل يمكن أن ننسب الضعف إلى الإله القدير؟
من كتاب : 23 عاماً قي الممارسة النبوية المحمدية .
الكاتب : علي الدشتي وترجمة ثائر ديب وإصدار رابطة العقلانيين العرب ..
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟