أكرم شلغين
الحوار المتمدن-العدد: 8189 - 2024 / 12 / 12 - 15:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
م يعرف التاريخ نظاما يشبه النظام السوري البائد في تعقيداته ودمويته؛ فقد تفرد بدمج أسوأ ما في الأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية وثقافة القمع في العالم الثالث، ليصوغ منها نموذجا فريدا في الاستبداد. لا كوريا الشمالية، ولا إيران، ولا أي نظام آخر شهدته أمريكا الجنوبية اقترب يوما من هذا المزيج الغريب الذي تفنن في ترويض الشعب وقهره.
حافظ الأسد كان المعلم الأول في هذا المشروع. علّم ابنه كيف يتحكم بالأرواح ويعتبر الوطن ملكا خاصا للعائلة. لكنه تجاهل أن حركة التاريخ لا تعرف التوقف، وأن التغيير آت مهما طال الزمن.
حافظ الأسد لم يكتفِ بالقمع داخل حدود سوريا؛ بل تجاوز ذلك ليستخدم السوريين وغيرهم كورقة للمساومة في صفقاته السياسية. يروي، على سبيل المثال وليس الحصر، "روبير حاتم"، المعروف بلقب "كوبرا"، في كتابه المعنون من إسرائيل إلى دمشق عن بناء مكون من ستة طوابق في أحد أحياء دمشق احتفظ فيه النظام بسجناء من مختلف أنحاء العالم ـ للغرابة كان بينهم شقيق بينازير بوتو، وكثر حتى من دول صديقة، لاستخدامهم كرهائن. أحد أشهر الأمثلة على هذه المقايضات جاء عندما زار وزير الخارجية البريطاني، دوغلاس هيرد، سوريا في التسعينيات، حيث أطلق حافظ الآلاف من المعتقلين كخطوة للتقرب من الغرب.
أما الابن، فقد تفوق على والده في قسوته وتوحشه وفقدانه للاتصال بالواقع. رأى في سوريا إقطاعية خاصة، وفي السياسة تجارة مربحة. لم يعِ أن التاريخ يملك ديناميكية خاصة وأن الشعوب تصبر ولكنها لا تنسى. منذ وراثته للسلطة، أتيحت له فرص عديدة لإحداث تغيير حقيقي، لكنه رفضها جميعا بتكبره وغطرسته. بدأ بمنع المنتديات السياسية وتجاهل دعوات المعارضة لبناء وطن يليق بأبنائه. ومع كل فرصة جديدة للتغيير، كان يتمادى في عنجهيته، حتى قسم البلاد وشتت شعبها ودمر بنيتها وهو يضحك كالأبله.
سيكتب التاريخ أن سوريا عانت من حكم مستبد متغطرس على مدى ربع قرن. واليوم، هناك أمل في رؤية شوارع سوريا وقد استعادت حريتها، خالية من الخوف من سلطة القمع وشبيحة النظام وأذرعه. ربما الأسد الآن في روسيا، لاجئ فاقد السلطة، وهو ما قد يكون درسا عميقا لمن يحاول أن يسير على خطاه.
#أكرم_شلغين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟