أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إبراهيم اليوسف - الهندسة المعمارية لسجن صيدنايا: البناء، الزنازين، والطوابق السفلية














المزيد.....

الهندسة المعمارية لسجن صيدنايا: البناء، الزنازين، والطوابق السفلية


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8189 - 2024 / 12 / 12 - 05:08
المحور: حقوق الانسان
    


2/2



يُعدّ سجن صيدنايا من أكثر السجون المشهورة بسمعتها السيئة في سوريا. يمثل السجن نموذجًا مرعبًا للعنف الممنهج الذي يمارسه النظام السوري بحق المعتقلين، سواء كانوا سياسيين أو مدنيين عاديين. من خلال تصميمه المعماري القاسي، يكشف السجن عن هدفه الأساسي: القمع والتعذيب بعيدًا عن أنظار العالم. وقد تم إنشاء سجن صيدنايا -كما أشرنا- في سنة 1987 في منطقة جبلية معزولة تقع شمال دمشق، على بُعد حوالي 30 كيلومترًا من العاصمة. يعكس اختيار الموقع استراتيجية مقصودة تهدف إلى تعزيز عزلة السجن وإبعاده عن الحياة المدنية. هذه العزلة الجغرافية تضيف المزيد من السرية حول كل ما يجري داخل هذا المكان المخيف. يُعدّ السجن جزءًا من شبكة مترامية الأطراف من السجون والمراكز الأمنية التي تنتشر في مختلف أنحاء البلاد، وكلها تهدف إلى تحقيق الهيمنة الكاملة على المعتقلين.
يبدو سجن صيدنايا للوهلة الأولى كقلعة عسكرية، صُمّم ليكون منفصلًا تمامًا عن العالم الخارجي. يتكون السجن من عدة طوابق، بعضها يقع تحت الأرض، ما يزيد من صعوبة الوصول إلى المعتقلين داخله. يعكس التصميم هدفًا واضحًا يتمثل في إبقاء المعتقلين في عزلة تامة، بحيث لا تصل إليهم أي مساعدة ولا تسرب أي معلومة عن أحوالهم إلى الخارج. يضم السجن مباني تحتوي على زنازين وغرفاً بأحجام مختلفة. تُخصَّص هذه الزنازين حسب تصنيف المعتقلين، حيث صُممت لتكون ضيقة جدًا ومظلمة. الحياة داخل الزنازين تجعل السجناء يعانون من غياب الضوء الطبيعي والهواء النقي، ما يحول حياتهم إلى معاناة يومية مستمرة.
تتسم الزنزانة الفردية بصغر مساحتها التي بالكاد تكفي لجسد الإنسان، إضافة إلى افتقارها لأبسط مقومات الحياة. لا توفر الزنازين أي تهوية أو إضاءة، ما يجعلها بيئة مثالية لانتشار الأمراض. وتُذكر تجارب المعتقلين مع الحشرات، مثل الصراصير التي تصبح جزءًا من يومياتهم، أو مع القطع البسيطة كعجوة الزيتون التي يعلّقون عليها أحلامهم الصغيرة وسط الألم النفسي والجسدي.

الطوابق السفلية
تُعد الطوابق السفلية من أكثر الأجزاء إثارة للرعب في سجن صيدنايا. هذه الطوابق مُخصصة لتعذيب المعتقلين واحتجازهم في ظروف غير إنسانية. تتميز الزنازين في هذه الطوابق بظلامها الحالك وضيقها الشديد، إضافة إلى انعدام التهوية تمامًا. الرطوبة والحرارة المرتفعة تجعلان هذه المساحات خانقة للغاية، لتتحول إلى بيئة تعذيب بحد ذاتها.
الطوابق السفلية ليست مجرد أماكن احتجاز، بل هي مراكز لتنفيذ أساليب تعذيب مروعة. تتحدث التقارير عن استخدام أدوات مثل مكابس لهرس الأجساد، والصعق الكهربائي، إضافة إلى حبال للشنق. كل زاوية من زوايا هذه الطوابق تحكي قصة رعب: ممرات ضيقة، جدران مغطاة بآثار دماء، ورائحة عفن متراكمة تعكس وحشية المكان.
لم تكن التهوية أو الإضاءة من الاعتبارات التي أُخذت في تصميم سجن صيدنايا. في الطوابق السفلية، يعاني المعتقلون من نقص شديد في الأوكسجين، إلى جانب غياب تام للضوء الطبيعي. هذا الحرمان المتعمد جعل الحياة داخل السجن أشبه بعقوبة إعدام بطيئة، حيث يترك السجناء يعانون من ضغوط نفسية وصحية خطيرة. كثيرون منهم فقدوا ذاكرتهم أو أصيبوا بانهيارات نفسية نتيجة هذه الظروف غير الإنسانية.

الحياة داخل الطوابق السفلية

الحياة في الطوابق السفلية كانت أقرب إلى الجحيم المستمر. الطعام شحيح ورديء الجودة، وغالبًا ما يكون ملوثًا. المياه المستخدمة في الشرب والاستحمام غير نظيفة، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض بين المعتقلين. الحمامات المشتركة تضيف إلى معاناتهم، حيث تتحول إلى مصدر للعدوى وانتقال الأمراض. لقد كان الهدف من تصميم الطوابق السفلية هو إحداث أكبر قدر ممكن من الألم النفسي والجسدي للمعتقلين. لم يكن الأمر يتعلق فقط بحرمانهم من حقوقهم الأساسية، بل بمحاولة تدميرهم بالكامل، جسديًا ونفسيًا. تمثل هذه الطوابق رمزًا للرعب والقمع، حيث تسلب الإنسان كرامته وتجعله يفقد كل أمل في النجاة.
إن سجن صيدنايا لا يمكن اختزاله في كونه مجرد بناء. إنه تجسيد مادي لسياسة ممنهجة تهدف إلى سحق الإنسان وتحطيمه. من خلال التصميم الهندسي الذي يعزل المعتقلين عن العالم الخارجي، والزنازين التي تقتل الروح قبل الجسد، والطوابق السفلية التي تجعل كل لحظة تعذيبًا لا ينتهي، يظل هذا السجن شاهدًا على أسوأ الانتهاكات التي تعرض لها البشر في ظل هذا النظام.
.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنويه واعتذار من إبراهيم اليوسف
- سايكولوجيا الجلاد: في استقراء نفسية مرتكبي التعذيب والجرائم ...
- لا تكن رئيساً دكتاتوراً لئلا يُداس ضريحك!
- تجريم ب ي د وتكريم فروع القاعدة:ازدواجية المعايير في المشهد ...
- من أوصل بشار الأسد إلى هذا المصير الأسود؟
- مهجرون أم رهائن: لماذا يمنع عودة كرد عفرين المهجرين؟
- شجاعة الكتابة في زمن الفوضى: بين وضوح الرؤية وتحديات المجهول
- سقط الأسد: أي مصير ينتظره؟ أي مصير ينتظر سوريا والسوريين؟
- سقط الأسد: أي مصير ينتظره؟
- مأساة سري كانيي وتل أبيض: الوجه الآخر للتهجير في أوج التجاهل
- إطلاق النار الاستباقي ووسائل التواصل الاجتماعي مقاربة نفسية ...
- الشائعات في زمن الحرب: بين التضليل والتحقق
- أردوغان متذاكياً مجرم محتل في صورة ملاك!
- قوافل العودة إلى عفرين: حين يصبح الحنين إلى- المنزل الأول- م ...
- مصطلح الثورة في ترجمات القتلة وأشباههم!
- الكرد وحق الاستقلال و مواجهة مخططات الإبادة
- سوريا على مفترق طرق.. من أطلق النصرة من قمقمها؟
- عابرون في مهمة عابرة.. في منفذي المخطط
- سوريالية المشهد السوري: بين لعبة المصالح وتفكيك الجغرافيا
- انتفاضة نساء- كاخري-


المزيد.....




- الاحتلال يعلن اعتقال منفذ عملية القدس التي اوقعت قتيلا وعدة ...
- سويسرا تترأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2 ...
- وسط مخاوف من الصدام.. مؤيدو ومعارضو عزل يون يتظاهرون بسيئول ...
- الأمم المتحدة تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة وتدعم الأو ...
- الأمم المتحدة تتبنى قرارا بوقف فوري لإطلاق النار في غزة
- سفير ايران بالامم المتحدة يدعو الى اعادة النظر في عضوية الكي ...
- الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تدعو للتحقيق في سلوك قوات الأمن ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت لصالح قرار يطالب بوقف إطلا ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تتبنى قرارا داعما للأونروا
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قراراً يدعو لوقف إطلاق نا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إبراهيم اليوسف - الهندسة المعمارية لسجن صيدنايا: البناء، الزنازين، والطوابق السفلية