|
-نجم- … في قاعة -إيوارت-
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 8188 - 2024 / 12 / 11 - 22:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
Facebook: @NaootOfficial ليس الشعراءُ وحدهم من لا يهرمون ولا يموتون، بل كذلك متذوقو الشعر وداعموه لا يموتون. فلو للشعراء نصيبٌ في إيقاظ ضمير المجتمع، فإن داعمي الشعراء هم سدنةُ حصن ذلك الضمير والقابضين على جمرته لئلا تخبو. نحن الليلة في قاعة "إيوارت" بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، نطفئ الشمعة الحادية عشرة على رحيل "الفاجومي"، نرى ملامحه في وجه كريمته المليحة "نوّارة نجم" وهي تقدّم الحفل، وننصتُ إلى أصواتِ شعراء شباب حملوا مشعله الوقاد. تختلفُ بصماتُ أصواتهم، ويجمع بينهم عشقُ الوطن العظيم الذي عشقه "نجم" وكتب في عينيه أحلى قصائده. (مصر يا أَمّة يا بهيّة/ يا أم طرحة وجلابيّة؟ الزمن شاب وأنت شابّة/ هو رايح وأنتِ جاية)، تأملوا عبقرية المعنى واللعب بالكلمات! تظنُّ الشاعرَ يقولُ إن الزمان "شابٌّ" يتغزَّلُ في محبوبته الشابّة مصر، ثم سرعان ما تنتبه أن الزمانَ "شابَ"، أي طاله المشيبُ، في حين تظلُّ مصرُ شابّةً لا تعرف الهِرَم. مصرُ العريقة التي رافق ميلادُها ميلادَ الزمان، تقفُ تتأملُ الزمانَ الهَرَِمَ وقد داهمه الشيبُ ويسعى نحو الزوال (هو رايح) … لكن زهوة الصِبا لا تبرحُ جبينَ مصرَ الآتيةِ بكامل عنفوان شبابها: "جاية فوق الصعب ماشية". لا يشبعُ الإنسانُ من سماع تلك الكلمات النجمية بصوت ونغم "الشيخ إمام”، فتُجبرٌ الخواطرُ المكسورة. لهذا يظلُّ "نجم" و"الشيخ إمام" شابّين عَصيّين على الموات، مهما شابَ الزمانُ. نحن على شرف "جائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية المصرية"، التي أطلقها المهندس "نجيب ساويرس"، في ديسمبر ٢٠١٤ فور رحيل "نجم"، حتى يظلَّ اسمُه حيًّا في مسابقة حيّة، مثلما تظلُّ قصائده حيّةً في ضمائرنا وفي قلب مصر. وفي كلمته بالأمس في حفل إعلان أسماء الفائزين في المسابقة، قال "نجيب ساويرس" إن "نجم" معنا بكامل حضوره وسوف يظلُّ موجودًا ونظلُّ نجتمعُ على شرفه في هذه المسابقة السنوية التي تسعى للحفاظ على ماء شعر العامية المصرية شلالاً لا ينقطع برحيل أحد أربابه. وحكى د. “محمد العدل" من مجلس أمناء المسابقة عن ميلاد فكرة الجائزة يوم عزاء "أحمد فؤاد نجم" يوم ٣ ديسمبر ٢٠١٤، حين همس "نجيب ساويرس" في أذنه بأنه قرر تدشين مسابقة باسم الفاجومي تُمنح لشباب شعراء العامية المصرية. وظنَّ "العدل" يومها أن حزن "ساويرس" على صديقه جعله يتمنى تخليد اسمه على أي نحو، وسرعان ما سوف تشغله المشاغلُ عن الفكرة. لكن ها نحن نحتفلُ بالدورة ١١ من مسابقة لم تتوقف عامًا واحدًا؛ رغم ما مرّ بمصر والعالم من أزماتٍ وجوائحَ ومحن أوقفت كبريات الأنشطة الثقافية في مصر والعالم. هذا ما قصدته حين تكلمت عن "رُعاة الثقافة" الجادّين الذين يعرفون أهمية الثقافة والفكر والفن والأدب وحجم الدور الحيوي الذي تلعبه القوى الناعمة في النهوض بالمجتمع والحافظ على صحوة ضميره. والحقُّ أن "عائلة ساويرس" لها باعٌ أصيلٌ وثقيلٌ في دعم الثقافة والفنون والتعليم والآداب في مصر من خلال مبادرات عديدة يصعب ذكرها جميعًا في مقال. منها مبادرة ترميم المتاحف والمعالم الثقافية في مصر للحفاظ على التراث المصري، ومنها رعاية الفنون التشكيلية بدعم الفنانين التشكيليين وتدشين معارضهم، ومنها الاستثمار في التعليم بدعم البرامج التعليمية والثقافية، وتمويل المنح الدراسية للشباب الواعد، ومنها "جائزة ساويرس الثقافية" التي أطلقتها "مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية" لتشجيع الإبداع الأدبي في الرواية والقصة القصيرة، ومنها "مهرجان الجونة السينمائي" الذي يعدُّ أحد أهم المهرجانات العالمية في السينما، ومنها هذه الجريدة الجميلة "المصري اليوم" التي دشّنها عام ٢٠٠٤ المهندسان "صلاح دياب" و"نجيب ساويرس" لتكون، وسوف تظل، صوتًا جسورًا حرًّا لا يميل ولا يخضع. جميع تلك المشاريع المشرقة وغيرها تشهد على عمق إيمان "آل ساويرس" بأن الثقافة والفنون الرفيعة هما صخرةُ التنمية المجتمعية التي يتكئ عليها الوطنُ لكي ينهض، وهما المشعل الذي ترفعه مصرُ عاليًّا ليظلَّ ضوؤها ساطعًا على الساحة الإقليمية والعالمية، لا يذوي. ولهذا نحتشدُ في قاعة إيوارت" التي ولدت عام ١٩٢٨ لتُخلّد اسم "وليم دانكان إيوارت" رجل الأعمال الذي دعم الثقافة والتعليم في مصر في أوائل القرن العشرين. جائزة "أحمد فؤاد نجم" ليست تكريمًا لاسم شاعر عملاق، بل هي منبرٌ راسخٌ يُعيد للعامية المصرية ألقَها كصوت شعبي يحمل أحلام الناس وهمومهم. تُكرّم الجائزة إرث شاعر جعل من الكلمة البسيطة ثورةً، ومن القصيدة الشعبية نضالًا. إنها شهادة للروح المصرية التي تحول الكلمات إلى لوحات ترسم نبض الشارع وسحر تفاصيله اليومية. تُعززُ الجائزة مكانة الأدب، وتشجع الأصوات الشابة على الانطلاق بجسارة، فوق جسر يربط ماضي الكلمة الثائرة بحاضر حاشدٍ بالتحديات والأمل، ويؤكد أن الشعر الشعبي يظل دائمًا ضمير الأمة وسلاحها. ***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-دولة الأوبرا- … منارةُ البهاء
-
المحبة التي لا تسقط … في -أروم-
-
كتابايَ الجديدان … و حدوتةُ الحاج -مدبولي- (١)
-
حدوتةُ الحاج -مدبولي- (٢)
-
-غيَّروا وجه التاريخ-… بينهم المصريان: “نجيب ونوال-
-
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
-
الدوجمائيُّ … ومعركةُ التقاويم!!
-
-أوديب- … وقد غادر الطائرة
-
الثعبانُ والعقربُ … الراهبُ والمؤمن
-
٧ شمعات … يا -كاريزما-
-
-كيميت-... تُحيِّي القانونَ في عيده
-
رفعت عيني للسما
-
رحلةُ العائلة المقدسة … و-الوعي الشعبي-
-
-فيروز-… عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم
-
المُلحد … الشيطان!!
-
قشرة البندق!
-
-عيد الحب- … يبحثُ عن شجرة الزيتون!
-
“مهرجان آفاق مسرحية-… شمعة عاشرة
-
“ميتا- تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي في حضرة -المتحف المصري-
-
صديقتي … الأطفالُ …. والشغف
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|