|
قراءة سوسيولوجية في المثل الشعبي ... يا بخت من كان النقيب خاله
خالد كاظم أبو دوح
أستاذ جامعي
(Khaled Kazem Aboudouh)
الحوار المتمدن-العدد: 1786 - 2007 / 1 / 5 - 11:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تقدم هذه المقالة قراءة سوسيولوجية لواحد من الأمثلة الشعبية، التي يكتظ بها التراث الشفوي للمجتمع المصري، ولقد رأيت في هذا المثل عنواناً مناسباً للعديد من المواقف الحياتية التي نعايشها كل يوم، في سياق تفاعلاتنا اليومية، ولذلك سوف أعتمد علي عينة من هذه المواقف في تقديم تحليل سوسيولوجي لهذا المثل.
والمثل الشعبي الذي اخترته عنواناً لهذه المقالة هو" يا بخت من كان النقيب خاله "، فمن هو هذا النقيب؟ يعود الأصل اللغوي لكلمة "النقيب" إلي الفعل "نقب"، ومعناه "خرق"، ومنه "النقاب" أي القناع الذي تستر به المرأة وجهها، ومنه أيضا "النقيب" رئيس النقابة، والنقيب أيضا رتبة من رتب الجيش والشرطة. ويشير معني النقيب في هذا المثل، إلي شخص صاحب سلطة في موقع ما داخل البناء الاجتماعي، ويتميز هذا الشخص بأنه علي استعـداد لنقب القـوانين - أي خرقها- واستغلالها من أجل تحقيق مصالحه ومصالح الأفراد الذين يرتبطون معه بعلاقة ما، حددها المثل هنا بصلة قرابة، ولكن هذه الصلة ليست شرطاً لازم الوجود، فقد يقوم النقيب أو صاحب السلطة بخرق القوانين، واستغلال النفوذ من أجل تحقيق مصلحة فرد ما، لا يرتبط معه بصلة قرابة، ولكن يرتبط معه بمصالح ما، لأن تحقيق صاحب السلطة لمصلحة فرد معين أو مجموعة من الأفراد من خلال استغلال سلطته، قد يعود عليه بمغانم معينة هو يدركها جيداً.
وتمتلئ الحياة اليومية بالمواقف التي يكون بطلها صاحب السلطة، أو النقيب كما ورد في المثل، فلكي يجد أي شاب فرصة عمل داخل مؤسسة ما، قد يلزمه تحقيق ذلك الهدف أن يصل إلي النقيب أو صاحب السلطة داخل هذه المؤسسة، ويقوم صاحب السلطة بدوره في تسهيل وصول هذا الشاب لفرصة العمل، وترتبط عملية التسهيل التي يقوم بها النقيب أو صاحب السلطة بأن يجد صاحب السلطة ما يرضي طموحاته لدي من يفوز بفرصة العمل، وما يرضي طموحات صاحب السلطة قد لا يكون دائماً المؤهلات العلمية التي تتطلبها فرصة العمل، ولكن قد يكون أحياناً أشياء أخري تحقق منفعة شخصية لصاحب السلطة.
وفي مواقف حياتيه أخري يكون النقيب داخل مؤسسة ما، إنسان يمتلك دور محدود، وليس لديه سلطة دائمة، ولكن يمتلك سلطة موسمية، مرتبطة بتوقيت معين، أو مرتبطة بعمل ما ينظمه هو بشكل موسمي، فما أن يأتي موسم سلطته، إلا وتزداد حركته، ويعلو صوته، وهذه الأفعال تكون مرتبطة بالشوق للسلطة، لأن صاحب السلطة يخضع للسلطة، لأن السلطة هي التي تملك من الوسائل والأدوات ما يمكنها من التأثير في كل السيكولوجيات الأخرى، بل وإخضاعها والسيطرة عليها، وتوجيهها وقياداتها وفق كيفيات وطرائق تتحكم فيها السلطة، ومع كل ما تملكه السلطة، يخضع صاحب السلطة للسلطة، حتي يفوز بكل الإمكانات التي تملكها السلطة.
وتزداد حركة صاحب السلطة أو النقيب - علي حد ما ورد في المثل – في موسم سلطته، حتي يستمتع أولاً بالسلطة وبكل لحظاتها القصيرة بالنسبة له، ويبني الخطط والاستراتيجيات المناسبة للتعامل مع موسم سلطته، فنجده يخطط للإنفراد بالسلطة، حتي لا يشاركه أحد فيها، يحدد أهدافه التي ينوي تحقيقها وحصادها في موسم سلطته، وقد تتنوع هذه الأهداف بتنوع مرءوسيه، الذين سوف يمارس عليهم سلطته، وذلك علي النحو التالي:
شريحة من مرءوسيه، سوف يمارس عليهم السلطة كاملة، يستخدم ضدهم سلطته من أجل إخضاعهم، وإذلالهم، وإجبارهم علي أشياء تشبع لديه شهوة السلطة، وأفراد هذه الشريحة في الغالب ليس بينهم وبين صاحب السلطة مصالح مرتبطة، ومع هذه الحالة يصبح المثل الشعبي المناسب " يا سوء حظ من لم يكن النقيب خاله ". شريحة ثانية من المرءوسين، ترتبط مع صاحب السلطة بمصالح مشتركة، لذلك سوف يعتمد صاحب السلطة علي كل إمكانات سلطته في إرضاء وتدليل هذه الشريحة وتحقيق مصالحها معه، ويكون ذلك نظير أن يجني صاحب السلطة من وراء ذلك تحقيق أهداف خاصة له، تتحقق من خلال أفراد هذه الشريحة. وهنا يكون المثل الشعبي " يا بخت من كان النقيب خاله " معبر تماماً.
والصور السابقة لممارسة السلطة، صوراً سلبية، ولا أحد ينكر أن هناك ممارسات للسلطة إيجابية، وذلك حينما تعتمد السلطة علي شرعية ما، وعلي إمكانياتها المادية والمعرفية، وكذلك علي حجم الصلاحيات التي تتمتع بها، ومدي قبول الطرف الآخر لهذه السلطة، وموقفه منها، ورضاه عن ممارساتها. فالسلطة هي ممارسة لشرعية ما معترف بها بشكل أو آخر، من خلال كيفية ما، وهي بهذه الشرعية تصبح حقاً لأصحابها، يمارسونها بحقها، ويمارسونها بما يحفظ للآخر حقه وقدره وكرامته. ويجب علي صاحب السلطة أن يلتزم بالموضوعية، لأن الموضوعية سوف تبعده عن الأهواء والميول، وما فسدت سلطة ما إلا من جراء وقوع صاحبها في شرك الميول والأهواء.
#خالد_كاظم_أبو_دوح (هاشتاغ)
Khaled_Kazem_Aboudouh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم العولمة .... رؤية نقدية
-
الشخصية العربية وإعادة انتاج الاستبداد
-
عرض كتاب-رأس المال الاجتماعي لدي الشرائح المهنية من الطبقة ا
...
-
انحراف السلطة وتنكيد المعنويات في الحياة اليومية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|