آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8186 - 2024 / 12 / 9 - 16:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التأويل هو نزع القداسة عن النص، تجريده من أحماله القديمة والحديثة، تعريته، وضعه تحت أو أمام الشمس أو البرد أو الثلج.
يحتاج هذا النص إلى التأويل، إلى الدفئ، إلى الأغطية إذا كان بردانًا أو ترطيبه بالماء البارد إذا كان جلده مشققًا من ضربات الشمس القوية.
النص الغير مأول يبقى في العراء دون أنيس أو أليف يُدخل السعادة والطمأنينة على قلبه ويذهب عنه الوحشة والخوف.
إنه كائن حي يحب يد بيضاء أو سمراء تمتد إليه، يخاف أن يترك فيموت من العزلة والأهمال.
النص هو الذي خلق الله والأنبياء، ورسخ جذور الحضارة الذكورية كلها، ولهذا يحتاج إلى التأويل بين الفنية والآخرى، إلى من يضربه ضربًا خفيفًا على مؤخرته أو فمه، أو إلى مرياع يجره من شعره أو رأسه، وإذا فقد هذا الأخير قوته وطاقته، عليه الاستنجاد بالرهوان قليل الاضطراب في أمواجه
يفترض، بل من الواجب على التأويل أن يعمل على نزع القداسة عن النص، والتحليق في عالم العلوم والمعارف. إذا كان يستخدم لغرض بقاء القداسة فهذا اعتداء صارخ على التأويل ذاته. تاريخنا الإسلامي هو تاريخ نقل، وربما يستخدم التأويل، كنفاق، لخدمة القداسة. هناك صدام بيت التأويل والنقل، التأويل هو انفتاح، قراءات متعددة للنص، فيه جانب حر. اعود واقول ان استخدام التأويل لغرض حماية القداسة هو نفاق وتواطأ ومنفعة، وتوفيقية، وهذا نصب واحتيال.
البارحة تحدثت مع أختي حول الوضع في بلادنا، قالت:
حماس لعبة إسرائيلية أمريكية عربية لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وفي المستقبل سيهجرونهم إلى الأردن، وستمتد إسرائيل إلى الشمال، وسيمررون قناة بن غوريون لخنق مصر وإنهاء دورها نهائيًا.
هذه القناة مشروع قديم، وآن الآوان لتنفيذه من وجهة النظر الإسرائيلية، والولايات المتحدة ماضية في ترسخ وجودها في سوريا عبر إرسال المزيد من الجنود والمعدات في الأيام الماضية.
الأنظمة العربية مجرد أحذية في قدم اليانكي الأمريكي.
والولايات المتحدة الأمريكية، دولة بداوة وتصحر ثقافي وفني وأخلاقي وإنساني، دولة بنوك وعسكر، إذا استمرت في القبض على العالم ستنتهي أوروبا قريبًا، والعرب معها، ثم أفريقيا.
الصحراء الأمريكية قادمة، والواقع الاجتماعي في العالم خاضع، والحكومات متصالحة مع النهج الأمريكي.
نحن نعيش في العراء، الإنسان العادي عاري لا ثياب يغطيه.
لا يستطيع هذا القطيع الكبير أن يمشي إلى الأمام دون مرياع كبير الحجم، عليه هيبة ووزن يسير في مقدمته، بجرس ملتف حول عنقه، يقوده حمار محترم.
كرة القدم لم يعد فيها تمايز، لم يعد فيها براءة، والتمثيل الوطني أضحى مجرد واجهة.
أصبحت كرة القدم مثل شركات متعددة الجنسيات، الفرق والأندية فوق الأوطان والدول، أنها مؤوسسات سياسية اقتصادية، مثلها مثل مطاعم ماكدونالد وفنادق الشيرتون وسيارات تويوتا أو مارسيدس.
أغلب المباريات متشابهة، المدرسة التي تحرج اللأعبين واحدة، المعلم واحد، وبيع اللأعبين مثل بيع وشراء الأحصنة أو سباق السيارات.
ماتت الخصوصية في العالم الحديث، ومات الدين والقومية والوطن، كله يتجه للاندغام في بعضه.
لهذا سيبقى حنيننا إلى تلك الينابيع الجميلة في طفولتنا، إلى النهر البريء، إلى الناس الذين لم يتلوثوا بعصرنا.
دق على الباب:
ـ تفضل، هكذا قال المعلم من داخل الصف.
دخل المدير بثيابه الأنيقة، طقم أزرق، ربطة عنق جميلة وقميص أبيض نقي البياض، وابتسامة آخاذة على وجهه.
كنت في الصف الثالث الأبتدائي، في مدرسة اللواء الخاصة للأرمن الأرتوذكس في مدينة الحسكة.
ـ أستاذ، هل تسمح أن يأتي معي التلميذ آرام إلى الإدارة؟
خرجت من الصف برفقة المدير آرام باتجاه الإدارة، بمجرد أن دخلتها لمحت والدي واقفًا، وابتسامة عريضة تزين وجهه.
شعرت بالفرح العارم في هذه اللحظات، والضحكة الصافية لم تغادر فمي ووجهي.
ودعنا المدير وخرجنا، مررنا عبر الباحة الجميلة الأنيقة، الكنيسة كانت في مواجهتنا، بيت خادم الكنيسة، الأحجار البازلتية المرصوفة على الأطراف، خرجنا من الباب الشمالي الغربي.
الشمس صافية، والصباح الرطب، عصفور صغير يصفق بجناحيه الصغيرين بجوار السماء، فرح بوجوده في هذا الكون.
أركب السيارة اللاندروفر من الخلف، سيكون الموظفون في الأمام. هكذا طلب مني والدي.
ركبت.
رائحة السيارة المغسولة كانت منعشة، رائحة الماء فوق الجلد الطبيعي البارد يسكر الخاطر. رأيتها سعيدة مثلي ممتلئة بالنسيم العليل، بروح سورية الجميلة في فترة الستينات.
قال لي:
سنذهب إلى القامشلي، إلى بيت عمتك. سأضعك هناك تلعب مع أولادها، ستبقى هنا إلى حين عودتي من المالكية. سأجلب لك معي نوعًا من الأعشاب لمداواة يدك التي أصابها القروح.
رقصت بفرح الطفل الباحث عن الجمال في ربوع بلده.
عشقت السفر منذ كنت صغيرًا، وقتها كنت أظن أن الكون لا نهاية له، تستطيع السيارة أن تسير، وتسير دون أن تصل إلى النهاية، والحياة فضاء طلق لا حدود له، أنه مفتوح الأبعاد.
كانت أمنيتي أن أسافر وأسافر إلى لا نهاية، عندما كان القلب عطشانًا في البحث عن المجهول.
كان الطريق مفتوحًا، الأعشاب وحقول القمح على الطرفين، والأغنام والخراف، يرقصون ويغنون، نجتاز القليل من القرى، نرى القليل من الناس، والقليل من السيارات.
كانت سورية قليلة السكان في ذلك الوقت، ربما أربعة ملايين، والماء وافر والطبيعة خلابة، والأرض بكر معطاءة بسخاء.
تيد باندي، مجرم حكم عليه بالإعدام ونفذ فيه في العام 1989.
كان هذا الرجل يغري الكثير من الفتيات بوسامته وجماله، وكان يجلبهن إلى بيته، وبعد ذلك يقيدهن إلى الجدار ويبدأ بتعذيبهن بالحرق بعقب السجائر، بالجلد والاغتصاب، ثم يقتلهن.
المشكلة ليست هنا.
كان تيد يذهب إلى المحكمة متأنقًا متعطرًا وكأنه ذاهب إلى حفلة.
الكثير الكثير من النساء لم يتعاطفن مع الضحايا من جنسهن، بله، كنا يندلقن تحت قدميه، يعشقنه إلى درجة الهيام. وكن يرسلن له رسائل غرامية جياشة فيها لوعة وحب ورغبة.
كن يتعلقن بوسامته وجماله وشكله الآخاذ من البعيد البعيد، أي دون معرفة مسبقة.
السؤال:
ما تفسير هكذا ظاهرة غريبة أن تقع النساء في حب رجل قاتل ومجرم ومريض نفسيًا وعقليًا؟
هل تكفي الوسامة لتكون معبرًا إلى الحب والعشق والخضوع؟
لماذا تعشق الكثير من النساء الرجال الساديين والشاذين أخلاقيًا وسلوكيًا؟
الكثير من النساء لا يشعرن بالأمان الا مع الرجل السادي، يبعد عنهن الخوف من المجهول، من ضعفهن.
بالعموم.
المرأة لا تحب الرجل العاقل أو المتوازن نفسيًا إلا ما ندر. ليس لدينا إحصاء لهذا الأمر، بيد أن الكثير من الوقائع يشير إلى هذا.
هل له علاقة بالتربية، بالتكوين النفسي للمرأة، بإنعدام الوعي، بإنعدام الأمان؟
بالمناسبة، الرجل السادي هو إنسان ضعيف، من البعيد يبدو للأخرين أنه قاسي وقوي الشخصية، بيد أن تكوينه النفسي والعقلي هش جدًا، يعاني من أزمات نفسية حادة، ودائمة، في علاقته بنفسه وفي علاقته مع المحيط.
في ممارسته السادية، يبعد عن نفسه الخوف من المجهول، ويعبأ الإحساس بالفراغ العاطفي والنفسي، وعدم الامتلاء، بهذا الشيء، مع محاولة تأكيد ذاته عبر العنف.
الإنسان العنيف، كائن مكسور من الداخل، مشوه، لديه أزمات عميقة وقاهرة، يفرغها في نفسه والآخرين.
إنه يحتاج إلى الرعاية والحماية حتى لا يفجر نفسه في الآخرين.
أنا لا أقلل من شأن الذين ذهبوا إلى مجلس الأمن وتحدثوا فيه وفضحوا النظام.
ألف شكر لهما، الشابان، وعد الخطيب وعمر الشغري.
لكن، من الخطأ أن نذهب إلى هكذا منابر عراة من ثيابنا، غير مسلحين بمجتمع مقاوم، متماسك، قوي يرفدك ويناصرك ويقف وراءك.
لقد ذهب الشابان الجميلان إلى هناك، كفرجة مجانية على هذه المنابر الدولية، مجلس الاحتفال بالموت، يتربع على عرشها دول استبدادية، قوية جدًا، منتجة للاستبداد السياسي، والفساد السياسي والأخلاقي.
أغلب هذه الدول، بله كلهم، شركاء في دمار سوريا، وتخريب تاريخها وأثارها وعمرانها، لإنتاج أسد أخر متخلف ودوني.
وهذه الدول، لهم جيوش فاعلة في تخريب هذا البلد الجميل، بالتواطأ مع نظام العائلة، وبقية الشلة الحليفة له، كحزب الله وايران، وبموازرة تركيا، وبدعم مباشر من دول عربية كثيرة منها دول الخليج.
أليس ذهابكما إلى هناك، لامعنى له، أم هي مجرد توابل للطاولة؟
إلى أين ذهبتم بالتحديد، إلى أي جهة؟
عائلة الأسد موجودة، جالسة في كرسي الولايات المتحدة، من تحت، وفي كرسي روسيا والصين، وانكلترا وفرنسا.
كلهم يعرفون البئر وغطاه، أفضل، وأحسن مني، ومن وعد الخطيب وعمر الشغري، بألف مرة ومرة، فلدى هؤلاء أجهزة مخابرات وقواعد عسكرية ودعم سياسي عالمي ولهم مصالح في بقاء الوضع على ما هو عليه.
هناك فرق كبير بين أن يذهب شخصية كرايزمية معتبرة مثل مانديلا، يعرف ماذا يريد وأين هو مكانه، وبين أطفال صغار في مجال السياسة وعالمها القذر، وفي مكان محصن للعبة الأمم على المستوى العالمي.
جميع النصوص وراءها مصالح، لا نص في الفراغ، هو صراع بين الحرية والعبودية، بين الغيبيات والعقلانية.
المشكلة أن النصوص العقلانية لم تستطع الاقتراب من عقل المجتمع لحمله بعيدًا عن العقل الغيبي، أي العبودي.
وهذه الحضارة العبودية، في داخلها مكونات كثيرة، ثقافية اجتماعية فكرية، موضوعيًا، يعزز هذا الاتجاه، ويبقيه، وهو ينسجم مع التيار العام للمجتمعات العبودية.
يستطيع النص الغيبي أن يدغدغ العقل العبودي وملامسته على أرض الواقع، لأنه نص بسيط، غير متكلف، ولا تعب فيه، ومتناغم مع الواقع الموضوعي للبشرية جمعاء.
العقل القائم عبر التاريخ الذكوري، ينسجم تمامًا، مع عقل الإنسان، شربه منذ نعومة أظفاره،ومنسجم مع النصوص الغيبية وأنه عقل نقل، أي العقل الذي لا يفكر، وليس لديه القدرة على تفكيك النصوص التي تخدمه.
ستبقى البشرية سيدة العبودية ما دامت النصوص الدوغما تلامس عقل الإنسان العادي.
أول خطوة يقدم عليها التأويل، هو نزع القداسة عن النص، يجرد من حمولاته الميتة، ويصبح نص بشري يقرأ كما يقرأ أي نص ثقافي، سواء فكري أو أدبي.
التأويل والقداسة في صراع دائم، لا هوادة بينهما.
أعمال العقل في النص الديني، التأويل الباطن، الذي لا يراه العامة، يعني تجريده في أعلى درجات التجريد، أي إطلاق سراحه من القيد ودفعه إلى الحرية.
في التأويل تتعدد القراءات، يخرج النص من النفق الضيق، من القيد أو الدوغما، يتحرر من الله والإنسان، ويحلق في الفضاء.
بمعنى، أن التأويل يحول النص الديني إلى نص ثقافي، نص يقرأ قراءة عادية دون أبعاد ما ورائية، ميتافيزيقية، يقرأ كأي نص أدبي أو فكري، دون توتر أو تزمت أو أبعاد اجتماعية أو سياسية.
لهذا فإن المتزمتين يرفضون التأويل، يحاربونه، ويركزون على النقل، هذا الاخير سلاحهم في ترسيخ العبودية والقيود.
التأويل هو فضاء واسع، وسع هذا الكون، يستطيع الإنسان فيه أن يسبح فيه كما يسبح رائد الفضاء في الفضاء.
كان الصديق سلامة كيلة يقول دائمًا:
ـ الديمقراطية ليست همًا عامًا، أغلب أبناء المجتمع لا يفكرون فيها ولا تهمهم. إنهم يريدون الأمان والطعام والشراب والحياة الأسرية المرتاحة، يهمهم أن يعيشوا بسلام.
أما النخبة المثقفة، مثلكم، لديهم هم الحصول على جزء من كعكة السلطة. ويضيف:
لو أن السلطة تمنح هذه النخبة البعض أو قطعة من الكعكة لما رأيت مثقف واحد في السجن.
كنت استغرب من حديث سلامة، كنت أقول في نفسي، كيف يصدر هذا الكلام من مثقف محترم.
الثورة السورية كشفت الأمراض النرجسية للكثير من المثقفين، بله تبين أنهم قادرين على البيع في المزاد العام، وخاصة بوجود مواقع التواصل الاجتماعي الذي حرك الوحل في الدولة والمجتمع، وبان للجميع أن الديمقراطية ليست الهم، أنما الوصول إلى الثروة والمال والسلطة.
مع الأسف، أغلبنا لديه قدرة كبيرة على تقديم خدماته لمن يدفع، لمن يطعمنا.
الديمقراطية السياسية إذا استطاعت الصمود في وجه التيارات الرافضة لها، سيكون في صالح المجتمعات المنضوية تحتها، أما إذا انهارت، وهذا احتمال أكثر من كبير، ستتجه المجتمعات نحو الاستبداد في كل مجالات الحياة، وسيحل الظلام من جديد على البشرية كلها.
كما قال سلامة، الديمقراطية ليست همًا عامًا، قبضت عليها النخبة وسيرتها في الاتجاه الذي تريد ولم تطورها، وربما لا تستطيع تطويرها، لأن تطويرها ليست من مصلحتها.
في غياب الديمقراطية ستعود المجتمعات إلى القومية أو الدين، إلى التوازن الهش، وسنعود إلى القرون الوسطى ثقافيًا واجتماعيًا.
مواقع التواصل الاجتماعي على الصعيد العالمي كله يشير إلى أن الديمقراطية لا تعني الناس، وليس في وارد الدفاع عنها. وكمان الدولة كمفهوم ليس من مهامها بقاء الديمقراطية، إذا ما الحل؟
يقول أحد الأصدقاء، أن الديمقراطية منظومة قيم اخلاقية و اسلوب تفكير من حيث قبول الاختلاف وقبول الاخر بقيمه المختلفة والوعي بان الجميع يعمل من اجل المصلحة العامة و الرقي بالمجتمع
الديمقراطية اسلوب حياة قبل ان تكون أسلوب حكم.
نقول، الديمقراطية ليس لها حاضنة شعبية، لا في زمننا ولا في زمن الأغريق. كانت حاجة للنخب الثقافية والمالية والسلطة، من أجل التربع على القمة. حتى في زمن الأغريق كان تداول السلطة يتم بين السادة، أما العبيد فهم خارج المنظومة.
ولم تتغير كثيرا في الولايات المتحدة فقد كرسها سادة العبيد. كما نرى عالمنا اليوم كيف تنهار هذه الديمقراطية أمام أعيننا، وليس لها نصير شعبي، وعلى الأغلب لا يعرف ماذا تعني الديمقراطية.
لم تتغير الصين أو روسيا، بقيتا استبداديتان وتركيا في طريقها إلى دولة الرجل الواحد، والباكستان حدث ولا حرج، فقد أنتجت رجل رجعي متخلف، قميء وتافه مثل رئيس وزراءها السابق، عمران خان.
المشكلة أن الديمقراطية تصطدم بالحاجات السياسة، مثلا إيران ايام الشاه، كان يمكن تطوير هذه الدولة باتجاه الديمقراطية لو انها دعمت تيارًا علمانيًا يؤمن بتداول السلطة، وكان بالامكان تطويرها في زمن الملكية في مصر وليبيا.
وكلها قرارات من فوق.
المشكلة أن الولايات المتحدة تخلط بين المصالح والديمقراطية، ولا تحاول أن تنقل بقية دول العالم إليها، إلى الديمقراطية.
السؤال من له مصلحة في بقاء واستمرار الديمقراطية، الناس، النخبة، الدولة؟ لم لا تتجه الديمقراطية أو تنتقل من الديمقراطية السياسية إلى ديمقراطية اجتماعية، ولم لا تشتغل عليه النخب الفكرية اليسارية في عصرنا ولا اليمنية، واليوم ترهلت، وها تأتيها شعوب بدوية متخلفة لم تر في حياتها نسمة ديمقراطية او حياة مدنية، وها هي تعبث في دول ذات خلفيات مدنية.
الموضوع جدا معقد. صدقا لو أن الديمقراطية حاجة اجتماعية لناضل الناس من أجل تكرسها وتعميمها لتعمل العالم كله.
قبل فترة دعت الولايات المتحدة إلى مؤتمر للبحث في الديمقراطيات، وهذه الأمريكا هي أكثر دولة دعمت الاستبداد السياسي والاجتماعي على مستوى العالم، منذ أن تربعت على عرشه العالم الدولي.
الديمقراطية جاءت للدول الديمقراطية من فوق، ولم تنزل إلى مستوى المجتمع ليعرف قيمتها ويدافع عنها.
وهناك خلط بين الحاجات السياسية الداخلية والخارجية لهذه الدول وبين الديمقراطية كمفهوم سياسي اجتماعي وأخلاقي وحاجة للتوجه العلماني. مؤسف ما يحدث في عالمنا بعد الحرب الباردة، يشعر المرء بالضياع وفقدان البوصلة
أعرف أن عائلة الأسد كلها, لم يخرج منها فنانًا أو موسيقيًا أو شاعرًا أو اديبًا, أو مغنيًا. أو لدى أي واحد منهم موهبة ما, في مجال ما, له علاقة بالحس الإنساني أو الوجودي.
سقطت روما في العام 476 ميلادي, على يد البربارة. هناك مئات, بله آلاف التحليلات حول هذا الموضوع المثير, بيد أن جميع المفكرين الغربين يعلمون أبعاد هذا السقوط, ويضعون ذلك في حسبانهم, ويرصدون مصدر أي خطر يهدد مجتمعاتهم ووجودهم في المستقبل.
لقد تعلم الغرب من تجربة قرطاجة أن نقل المعركة إلى أرض العدو هو خير وسيلة للدفاع عن روما من هجمات هاني بعل.
وسابقًا, قالها, الجنرال غورو عندما وقف على قبر صلاح الدين:
ـ ها قد عدنا يا صلاح الدين.
يجب أن نتعلم أن نكون أقوياء في بلادنا, فالأخر لنا بالمرصاد. ان لا نضحك على أنفسنا ونوهمها أننا نستطيع أن نسقط الأخر عبر التسلل إلى بلاده.
العمل الجاد, العمل المبني على أسس صحيحة سيفضي إلى بناء صحيح, إلى بناء بلداننا
لا تظلموا إيران في انفتاحها على الولايات المتحدة. الخطأ ليس فيها. إنها تعرف ماذا تريد.
والخطأ فينا
الدول ليسوا مثلكم. إنهم يعرفون مصالحهم, براغماتيون تمامًا. إنهم ينطلقون من مصالح السلطة, التي تدرك حاجاتها. وأن هذه الأخيرة, ليست ايديولوجية او مؤمنة بالله وبالقيم والاخلاق والمبادئ.
الغباء فيكم, عندما تصبغون الدولة طابعًا اخلاقيًا وإنسانيًا.
إذا اعطاني اي إنسان مثلا واحدًا عبر التاريخ كله عن إنسانية السلطة أو رجالها, سأقول له لقد غلبتني بالضربة القاضية.
نحن عاطفيون في تقييمنا, للسلطة ودعاياتها, كذبها ونفاقها. سواء في تاريخنا القديم أو المحدث أو حاضرنا, لهذا نخرج من حفرة لنقع في غيرها, نخرج من أزمة لنقع في غيرها.
ونصبغ السلطة بطابع إسلامي أو مسيحي أو طائفي أو مذهبي.
هذا كله هروب من تحليل الواقع بازماته المستعصية. وعدم القدرة على كشف خباياه وقسوته.
ابعدوا الدين والاخلاق عن السياسة, تصحوا. وشغلوا عقولكم لتكتشفوا الحقيقة المخبئة تحت رماد الجمر.
قلنا, مرات كثيرة, أن الرأسمالية كشفت قليلًا عن جوهرها الحقيقي الذي غطته ابان الحرب الباردة, وتلطت خلف راية حقوق الإنسان والحريات, بيد أن قوة الواقع والحقيقة كشفت المضمون المزيف له.
سوريا نموذجًا حيًا لهذه الكذبة التي لا طعم لها.
في النظام العبودي, الاستغلالي لا قيمة للإنسان. المشكلة ليس في من يستغلك, انما في العبد الذي يمكن ركوب ظهره بسرعة الضوء. يصدق بسرعة وينسى بسرعة. ويمكن تشكيله كما يريد السيد.
حتى أولئك السادة الذين كانوا في مقدمة نشرات الأخبار, وأصبحوا نجومًا في الدفاع عن حقوق الإنسان في ليلة وضحاها, انطفئ بريقهم وغاب تمامًا. والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
حتى الحب وفق مقاس ايديولوجي لا طعم له ولا مذاق. بله, أنه مخرب. وأكاد أقول أنه مدمر, لانه ولد وفق مقاس مسبق. مقاس مصنع. ولإنه لم يخرج من القلب.
أحبك, لأن ديني أو فكري يحتم علي أن اتصرف هكذا أو أقول هذا.
أنت مجرد تابع مسكين, ذليل. لا حول لك ولا قوة. قوة الفكرة تشدك أو ترخيك, ترفعك أو تنزلك. أنت لست أنت, أنت مجرد مسنن في مكنة مسبقة صنعت من شخصيتك أوامر أو نواهي.
حتى الفكرة, عبودية, خضوع لذلك الإله/ الفكرة/ الذي صنعه البشر من قبلك.
أراضي الجزيرة مستوية, سهولها خضراء كالبحر وأنهار السماء. منذرة نفسها للخصب والجمال. في الربيع, في ستينيات القرن الماضي كانت الأرض ترقص بالتقائها بالسماء. وعلى الامتداد تزهر باللون الاحمر, شقائق النعمان ورائحة النعناع البري الطيب.
في بيت حاجو, خيم الصمت المطلق على الجميع. قدموا ضيافة ما زالت في ذاكرتي. تفاح احمر, وموز وبرتقال. كل واحد ثلاثة قطع في صحن. الطريقة التي قدموا بها كانت مختلفة عن بقية القرى التي زرتها مع والدي. سألته بعد أن خرجنا وبقينا وحدنا:
ـ ما حدث هنا؟
ـ موظفو الدولة, الاصلاح الزراعي يكتبون على الورق المساحات التي سيستولون عليها من الأراضي التي بحوزة حادو. لديها أراض كثيرة في أماكن كثيرة من المناطق المحيطة بمدينة قبور البيض.
ـ ولماذا هذا الصمت المخيم على الجميع وكأنهم في حفلة عزاء. أو وليمة وجع.
ـ وماذا تريد أن يفعلوا. أراضيهم ستؤخذ منهم اليوم.
لم يعترضوا. بقيت عائلة حاجو صامتة. لم تقاوم أو تبدي أي رفض.
كانت اللاندروفر, القوية تغريني جدًا. كنت أقول لوالدي, كلما سنحت لك الفرصة أتمنى أن تأخذني معك. لم يكن يبخل. كان يأتي إلى المدرسة, اللواء الخاصة للأرمن الارتذوكس في الحسكة ويطلب من المدير, آرام, أن أرافقه. كنت أركض كسعدان بريء إلى السيارة وأركب في المقعد الخلفي. ونذهب إلى القامشلي. في الطريق الوحيد الذي يربط القامشلي بالمالكية ببقية المناطق أو النواحي.
مرات كثيرة كنت اذهب إلى بيت عمتي في مدينة القامشلي, الحي الوسطى. قبل هجرتهم النهائية من سوريا واستقرارهم في أرمينيا مثل الذثير من الأرمن, في الأعوام 1964 و1965 و1966. أتذكر أوهانيس وجوزيف أولاد في القامشلي . وأولاد عمتي الثانية في قرية الشيخ عجيل, زافين وسيروب وهوسيب. أيضًا لم أرهم إلى اليوم.
الأرض مثل الأحلام, تسترجع الإحساس الكامل بالحياة والحرية وتدفع سحب القلب أن يتعرى أمام الضوء. كل شيء يبقى مضطرمًا تحت وسادة الحياة إلى أن يتفجر مثل ينبوع تغذى بماء المطر.
كان بيت عمتي في الشيخ عجيل ساحرًا بالنسبة لي. يطل على الشمال, مبني من اللبن. فيه حوش. أتذكر كيف كان يجلب زوج عمتي ثورًا ويجبره على منازلة البقرة مرات كثيرة. ولديهم التنور في الضفة الثانية من مجرى الجغجغ. نقطع مسافة بضعة أمتار, نعبر جسر خشبي, محشو بالتبن, وفوقهما الطين. هناك تخبز عمتي الخبز, وتجفف البطيخ التنوري الاصفر والبندورة وبقية الخضار.
كان لديهم عربة يجرها بغلان. وفي العصرونية نركبها برفقة هوسيب, الطالب في الاعدادية, ومعنا زوج عمتي. ما أن نصل حتى نرى كومات البطيخ المقطوف على الأطراف داخل الحقل. ننزل ونملأ العربة. رائحة الأرض تكون ممزوجة براحة البطيخ المنعشة.
كم كانت لذيذة تلك الرائحة.
كنت أتذلل لزافين أن يسمح لي أن أقود العربة. من النادر أنهم كانوا يسمحون وذلك لصغر سني. وأذكر رائحة الجلد الذي كان يلتف حول مؤخرة البغال الممزوج برائحتهم.
جميلة هي تلك السلاحف التي كنا نخرجها من البرك في الضفة الأخرى من بيت عمتي بجانب بستان العنب والتين. ونلعب بهم إلى أن نتعب ونحول البركة إلى كتل طين.
في محكمة أمن الدولة كان حسن عبد العظيم من اتفه المحامين الذين ارادوا الدفاع عن السجناء السياسيين في العام 1993.
لقد تفه قضية الاعتقال السياسي في تلك المرحلة عبر مرافعات مخجلة, حيث حول قضيتنا السياسية الى قضية مطلبية بسيطة, تخفيض سعر الخبز والمازوت وتحسين ظروف المعيشة.
لا أعرف كيف لهذا المدجن أن يصبح من قوى المعارضة في اخطر مرحلة من مراحل الثورة السورية.
لو بيدي لن اسلمه صوص واحد يدافع عنه.
الحياة تمضي إلى الامام مثل حصان مجنون, دون ان تتوقف عند اشارة حمقاء او حمراء, تسير دون هدف أو هوية او وجهة محددة أو فعل عاقل.
يقول الرئيس السيسي:
ـ القيم الدينية أعلى من القيم الإنسانية.. والتساوي بينهما أمر غير مقبول.
ما قال السيسي يعبر عن الواقع الاجتماعي والسياسي لمصر والدول العربية، يعبر عن نهج دولة الاستبداد الديني والثقافي والاجتماعي.
وعبر الرئيس مكرون عن نهج فكري واجتماعي وثقافي لفرنسا، عندما قال:
ـ نحن نعتبر أن قيمة الإنسان فوق كل شيء هذه فلسفة التنوير وهذا ما يجعل من حقول الإنسان قيمة عالمية وهي في ميثاق الأمم المتحدة.
أعمال العقل في النص الديني، التأويل، يعني تجريده، أي إطلاق سراحه من القيد ودفعه إلى الحرية.
في التأويل تتعدد القراءات، يخرج النص من النفق الضيق، من القيد أو الدوغما، يتحرر من الله والإنسان، ويحلق في الفضاء.
بمعنى، أن التاويل يحول النص الديني إلى نص ثقافي، يقرأ قراءة كاي نص أدبي أو فكري.
لهذا فإن المتزمتين يرفضون التاويل، يحاربونه ويركزون على النقل، هذا الاخير سلاحهم في ترسيخ العبودية والقيود.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟