أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - وهم هاتف تسلا الرخيص ومعاناة الفقراء














المزيد.....

وهم هاتف تسلا الرخيص ومعاناة الفقراء


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8185 - 2024 / 12 / 8 - 15:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في زمن يطغى فيه الحلم على الحقيقة والتمني على الواقع، انتشرت في الأشهر الأخيرة شائعات متسارعة عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر والوطن العربي تزعم أن شركة تسلا، الرائدة في مجال الابتكار التكنولوجي، بصدد إطلاق هاتف ذكي بسعر زهيد للغاية. تسربت هذه الأخبار إلى العقول والقلوب كالنار في الهشيم، حاملة معها موجة من الآمال والأحلام، لا سيما بين الفقراء والمهمشين الذين باتوا يرون في الهواتف الذكية ضرورة يومية، بل بوابة للانخراط في العصر الحديث والتواصل مع العالم.

لكن هذه الحماسة، التي ألهبت مشاعر كثيرين، لم تلبث أن اصطدمت بغياب أي تأكيد رسمي من إيلون ماسك أو شركة تسلا نفسها، مما حول الشائعات إلى سراب واهٍ يكشف عن أزمة أعمق في التعامل مع المعلومة، وأزمة أكثر مرارة في واقع الفقر والتهميش الذي يعانيه ملايين المواطنين في العالم العربي.

لم تعد الهواتف الذكية في عصرنا هذا رفاهية، بل أصبحت ضرورة لا غنى عنها. فهي وسيلة للتعلم والعمل والتواصل وحتى للحصول على الخدمات الأساسية. ومع ذلك، يظل الحصول على هاتف ذكي من إحدى العلامات التجارية الكبرى مثل آيفون أو سامسونج حلمًا بعيد المنال بالنسبة لشريحة واسعة من المواطنين، حيث ترتفع الأسعار في ظل أوضاع اقتصادية خانقة، ما يجعل هذه الأجهزة بالنسبة للبعض رموزًا مستحيلة، تشبه النجوم البعيدة التي يمكن رؤيتها ولكن لا يمكن لمسها.

في ظل هذا الواقع، تأتي شائعات مثل "هاتف تسلا الرخيص" كنافذة أمل للكثيرين، لكنها نافذة تطل على الوهم أكثر مما تطل على الواقع. إن غياب الأدلة والبراهين يجعل هذه الأنباء أقرب إلى الخيال، ولكنها تعكس في الوقت ذاته ميل المجتمعات العربية إلى التشبث بأوهام الحلول السهلة والمخلّصين الذين يأتون من الخارج لحل أزماتها العميقة.

هذه العقلية، التي تنتظر المعجزات بدلاً من العمل، ليست جديدة على مجتمعاتنا. بل إنها تمتد إلى جذور ثقافية ودينية عميقة، حيث ينتظر البعض ظهور شخصيات مثل المهدي المنتظر أو السيد المسيح لحل أزماتهم وإصلاح أحوالهم. ولكن هذه الفكرة تعكس في جوهرها حالة من الاستقالة العقلية عن التفكير النقدي والعمل الجاد. إنها عقلية تعتمد على الخارج بدلاً من الداخل، وعلى الغيب بدلاً من التخطيط الواقعي.

في قلب هذه الأزمة، يقف التعليم العربي كعامل أساسي في تشكيل هذا النمط من التفكير. فبدلاً من أن يكون التعليم وسيلة لتحرير العقول، أصبح في كثير من الأحيان أداة للتلقين والتكرار، خاليًا من مهارات التفكير النقدي والتحليل المنطقي التي تمكن الأفراد من التمييز بين الحقيقة والخيال.

إن بناء مجتمع قادر على مواجهة هذه التحديات يتطلب ثورة تعليمية حقيقية. يجب أن يركز التعليم على تعزيز القدرة على التفكير المستقل والنقدي، حيث يستطيع الأفراد تحليل المعلومات وتقييم مصداقيتها. كما يجب أن يتعلم الطلاب كيفية التعامل مع الأخبار بطريقة علمية، وكيفية التمييز بين الشائعات والحقائق.

علاوة على ذلك، فإن التعليم يجب أن يرسخ ثقافة الحوار والنقاش الموضوعي، حيث يصبح من الطبيعي أن يطرح الأفراد أسئلة بدلاً من قبول أي معلومة تمر أمامهم. وعندما يتحقق ذلك، يصبح المجتمع أكثر وعيًا وأكثر قدرة على مواجهة الأكاذيب والشائعات.

إن الأمل في غدٍ أفضل لا يمكن أن يُبنى على شائعات أو وعود زائفة. بل يجب أن يرتكز على العمل الجاد، والوعي الذاتي، والسعي المستمر نحو المعرفة. إن تحقيق التغيير الحقيقي يتطلب أفرادًا قادرين على فهم الواقع والعمل على تغييره، بدلاً من انتظار معجزة تسحبهم من ظلمات التحديات اليومية.

في النهاية، يكمن الحل في أيدي الأجيال القادمة، وفي قدرتها على إدراك أن التغيير يبدأ من الداخل. فحين نتحرر من وهم الحلول السريعة ونؤمن بأهمية التعليم والعمل، سنتمكن من بناء مستقبل أكثر إشراقًا، يعتمد على الحقائق لا الأوهام، وعلى الجهد لا التمني.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اهتمامات الشعوب بين العالم العربي والغرب: قراءة في أولويات ث ...
- في أسر الأسطورة: العقل العربي والإسلامي بين الماضي وتحديات ا ...
- في العالم المتقدم: الحسد خرافة تم تفكيك أسطورتها
- العقول التي صنعت المجد: العلماء والفلاسفة والأدباء قادة الحض ...
- إنترنت الأشياء: عصر جديد من الترابط الذكي في حياتنا اليومية
- ابن خلدون: أعجوبة مازال تأثيرها حاضرا
- المطبعة التي لم تصل: انغلاق رجال الدين يعيق تقدم المجتمع
- في الحب نكتب: سر الحياة وملاذ القلوب
- التعليم في مصر والعالم العربي: يجب نسف أسلوب التلقين
- كهف أفلاطون ومأساة المستنير في كل العصور
- في الحداثة .. مساهمة شرقية قديمة
- لا أوْلويّة تسبق أولوية التعليم والبحث العلمي
- العقل المحرر يرفض الأوهام والخرافات!
- على هامش مباراة السوبر.. من شعب مصر: شكرا دولة الإمارات
- عن منتخب مصر.. الخسارة المحزنة والفوز المفرح.. نظرة تحليلية!
- هل يشهد مطار القاهرة قداس صلاة!؟
- قداس صلاة بمطار القاهرة الدولي!
- أزمة الدولار في مصر ومبادرة النائبة غادة عجمي
- النادي المصري بفيينا يستعيد القمة!!
- عبر الحوار المتمدن ... دعوة لنواب المصريين بالخارج للم الشمل ...


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - وهم هاتف تسلا الرخيص ومعاناة الفقراء