أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسام الدين فياض - الإذلال الاجتماعي: الوجه الآخر لنزع الصفة الإنسانية















المزيد.....

الإذلال الاجتماعي: الوجه الآخر لنزع الصفة الإنسانية


حسام الدين فياض
أكاديمي وباحث

(Hossam Aldin Fayad)


الحوار المتمدن-العدد: 8185 - 2024 / 12 / 8 - 12:04
المحور: حقوق الانسان
    


” الكرامة هي حق الفرد في أن تكون له قيمة وأن يُحترم لذاته، وأن يُعامل بطريقة أخلاقية. إن محتوى الكرامة المعاصرة مستمد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والذي يُلخص في المبدأ القائل بأن لكل إنسان الحق في الكرامة الإنسانية. ففي المادة الأولى، ينص على أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وقد وهبوا العقل والضمير وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء “

حاول الفكر الإنساني منذ القِدم تصور مجتمع مثالي تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والمساواة، لكنها ظلت محاولات طوباوية لا تمت للواقع بصلة، وفي العصور الحديث سعت العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى توضيح وتفسير قيمة المساواة وأهميتها في حياة المجتمعات الإنسانية بالتوازي مع الإنجازات العلمية والاقتصادية والسياسية التي حققها الإنسان في شتى المجالات. ومعنى ذلك أن الشعوب على مر العصور تمنت تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وأدخلت ذلك في مذاهبها، ورؤياها الطوباوية، ثم في فلسفاتها، ونظمها الدينية، والأخلاقية، والقانونية. إلا أن المساواة والعدل مازالا بعيدين المنال ما دام في القرن الواحد والعشرين هناك اغتصاب لحقوق الإنسان وجرائم مرتكبة ضد إنسانيته والشاهد على ذلك ممارسات الأنظمة الاستعمارية والاستبدادية (النظام الأسدي القاتل) في سوريا، والكيان الصهيوني المجرم في فلسطين المحتلة (غزة). وبالرغم مما حققه الكائن البشري العاقل من تقدم مذهل في المجالات المادية والعلمية والتكنولوجية، إلا أنه بالمقابل فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق إنسانيته المهدورة التي تتجزأ حسب انتماءاته وثقافته التي ينتمي إليها، فإنسانية الإنسان المتحضر (حسب المركزية الأوروبية) تختلف عن إنسانية بقية المجتمعات من حيث الكم، والكيف، والدرجة.
يتجسد الإذلال الاجتماعي social humiliation من خلال الشعور بالخجل أو فقدان الاحترام للنفس، وهو إذلال الكبرياء الإنساني مما يؤدي إلى حالة من الانحدار والخضوع. إنه عاطفة يشعر بها الشخص الذي انخفضت مكانته الاجتماعية، إما بالقوة أو طواعية. يمكن أن يحدث من خلال الترهيب أو سوء المعاملة الجسدية أو العقلية أو الخداع أو الإحراج إذا تم الكشف عن أن الشخص قد ارتكب فعلاً غير مقبول اجتماعياً أو قانونياً. في حين يمكن البحث عن التواضع وحده كوسيلة لتقليل من أهمية الأنا، يجب أن ينطوي الإذلال على شخص أو أشخاص آخرين، وإن لم يكن بالضرورة بشكل مباشر أو طوعي خلاصة القول: الإذلال هو الفشل العلني في تحقيق مطالب المرء بمكانته.
إذن، الإذلال هو سلوك يمارسه فرد، أو جماعة، أو سلطة، بحق آخرين، أفراد أو جماعات، وحتى دول أخرى، بهدف التقليل من قيمة المُذَل وتبخيسه، والحط من كرامته. وغالباً ما يقع الإذلال في الوجه الآخر للغطرسة، أو لجنون العظمة، فالشخص المتعجرف هو الأكثر ميلاً لإذلال الآخرين. والإذلال في المجتمعات المستبدة يكون فيها منهج متعمد ومعمم، وقانون لعلاقة السلطة بمواطنيها، فإنه يصبح تعويضاً للذات المحتقرة، وآلية لتخفيف وقع المهانة التي تلحق بهذه الذات من أطراف أخرى، هكذا تصبح القدرة على الإذلال معياراً لقيمة الشخص، وإثباتاً لوجوده ولأهميته.
بذلك يعتبر الإذلال موضوعاً بحثياً حيوياً في وقتنا المعاصر، ويُنظر إليه الآن باعتباره ديناميكية أساسية مهمة - ومعقدة - في العلاقات الإنسانية، ولها آثار على المستويات الشخصية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
إن فقدان المكانة، مثل فقدان الوظيفة أو اتهامك بالكذب أو تشويه سمعتك بشكل جائر، قد يتسبب في عدم قدرة الأفراد على التصرف بشكل طبيعي في مجتمعاتهم. ويمكن استفزاز الأفراد المهانون ورغبتهم في الانتقام، وقد يشعر بعض الأشخاص بعدم القيمة واليأس والعجز، مما يخلق أفكاراً انتحارية أو الانعزال الاجتماعي إذا لم يتم تحقيق العدالة، ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى رؤى جديدة ونشاط وقرابة جديدة مع المجموعات المهمشة اجتماعياً.
يُنتج الإذلال بشكل عام كردة فعل غضباً مذلاً، وعندما يتحول إلى الداخل يمكن أن يؤدي إلى اللامبالاة والاكتئاب، وعندما يتحول إلى الخارج يمكن أن يؤدي إلى جنون العظمة والسلوك السادي وأوهام الانتقام وممارسة العنف ضد ضحايا إضافيين، بما في ذلك المارة الأبرياء، وعندما يتم توجيهه إلى الداخل، فإن كراهية الذات الناتجة تجعل الضحايا غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الخاصة، ناهيك عن عدم امتلاك الطاقة المتاحة لحب الآخرين ورعايتهم.
وفي هذا السياق، كشفت دراسة أجراها باحثون في جامعة ميشيغان أن نفس مناطق الدماغ التي تنشط استجابة للتجارب الحسية المؤلمة يتم تنشيطها أثناء التجارب المكثفة للرفض الاجتماعي. بعبارة أخرى، يتم الشعور بالإذلال والوحدة بنفس شدة الألم الجسدي. وغالباً ما يستخدم إذلال شخص ما من قبل المتسلط كوسيلة لتأكيد السلطة عليه، وهو شكل شائع من أشكال القمع أو الإساءة المستخدمة في سياق الاعتقال أو جلسات التعذيب غير القانونية في الماضي، مثل دهن المخالفين للقانون بالقطران والريش، والتشهير، ووضع علامة العار (الوصمة) كوسيلة لجعل الشخص عبرة وتقديم رادع للآخرين، إلا أن هذه الممارسات أصبحت أدوات غوغائية لتحقيق العدالة غير الرسمية. وإذا كانت التصفيات مسألة مباشرة وعلنية في ممارستها وآثارها، من حيث التعدي الجذري والكلي على إنسانية الإنسان، من خلال إلغاء وجوده المادي ذاته، فإن حالات الاعتقال والتعذيب تؤدي إلى تدمير الكيان النفسي للإنسان.
بالمقابل، وصف دونالد كلاين Donald Klein الإذلال بأنه عامل بالغ الأهمية في العلاقات الإنسانية، وقد أهمله دارسو السلوك الفردي والجماعي لأسباب عديدة. وهو تأثير شامل ومدمر للغاية في سلوك الأفراد والجماعات والمجتمعات والدول. وعلى الرغم من أن الإذلال هو عاطفة ذاتية، إلا أنه يتمتع بجانب عالمي ينطبق على جميع البشر: إنه الشعور بالإهانة، والشعور بأنك أقل مما تشعر به.
إن المجتمع الذي يعاني من الإذلال هو مجتمع غير مستقر نفسياً وعنيف اجتماعياً، لأن كراهية الأغلبية للأفراد المختلفين عنهم تعيد قدراً من احترام الذات لأنفسه وتوفر مساراً للاعتراف بذاتهم المهترئة من خلال التقليل من شأن الآخرين لأسباب متعددة منها الاختلاف الثقافي، والعرقي، والديني، والمذهبي، والقومي. وفي هذا السياق يتم نزع الصفة الإنسانية عنهم وهذا الفعل هو إنكار الإنسانية الكاملة لدى الآخرين المهمشين إلى جانب القسوة والمعاناة التي تصاحب ذلك. ويشير التعريف الإجرائي إلى ذلك باعتباره النظر إلى الآخرين ومعاملتهم كما لو كانوا يفتقرون إلى القدرات العقلية التي تُنسب عادةً إلى البشر. بناءً على هذا التعريف، فإن كل فعل أو فكرة تعتبر شخصاً " أقل " من الإنسان هي نزع الصفة الإنسانية.
إن نزع الصفة الإنسانية dehumanization هو أحد أشكال التحريض على تشجيع الكراهية والعنصرية. كما تم استخدامه لتبرير الحرب، والقتل القانوني وغير القانوني، والعبودية، ومصادرة الممتلكات، والحرمان من حق الاقتراع والحقوق المدنية الأخرى، ومهاجمة الأعداء أو المعارضين السياسيين. ومن الناحية السلوكية، يعتبر نزع الصفة الإنسانية تصرفاً تجاه الآخرين يحط من شأن فرديتهم من خلال منح الأشياء أو التجريدات غير الحية صفات إنسانية، وبالتالي فإن نزع الصفة الإنسانية هو نزع هذه الصفات نفسها أو الاختزال إلى التجريد.
يُستخدم نزع الصفة الإنسانية بشكل مهين بالتزامن مع تعطيل المعايير الاجتماعية، حيث يُنظر إلى هؤلاء الأفراد على أنهم يفتقرون إلى الثقافة أو اللباقة، وهي مفاهيم يعتقد أنها تميز البشر عن الحيوانات. كما يمكن أن يحدث نزع الصفة الإنسانية خطابياً من خلال اللغة الاصطلاحية التي تشبّه البشر الأفراد بالحيوانات غير عاقلة، والإساءة اللفظية، ومحو صوت المرء من الخطاب، أو رمزياً من خلال التصوير السلبي، أو جسدياً من خلال العبودية، والإساءة الجسدية، ورفض التواصل البصري. وغالباً ما يتجاهل نزع الصفة الإنسانية الفروق الفردية أي الجوانب الإبداعية والمثيرة للشخصية ويمكن أن يمنع المرء من الشعور بالتعاطف أو فهم المجموعة الموصومة بشكل صحيح.
وقد يتم نزع الصفة الإنسانية من قبل مؤسسة اجتماعية كالأسرة أو المدرسة أو جماعة من الأشخاص أو حتى داخل الذات. ويمكن أن يكون نزع الصفة الإنسانية ممنهج كما هو الحال في ممارسة خطاب العنصرية والكراهية ضد مجموعة من البشر ذات ظروف خاصة مما يؤدي إلى شرعنة بعض السلوكيات مثل: الإقصاء والاستبعاد والعنف وتشجيعه ضد الآخرين. ويرى ديفيد سميث David Smith أن البشر كانوا تاريخياً يجردون بعضهم البعض من إنسانيتهم لآلاف السنين. وفي بحثه في " مفارقات نزع الصفة البشرية "، يقترح سميث أن نزع الصفة البشرية يتم من خلال النظر إلى بعض الأفراد (الجماعات) على أنهم بشر وأقل من البشر في نفس الوقت. وتظهر هذه المفارقة، كما يحددها سميث، لأن سبب نزع الصفة البشرية عن الناس هو تجريدهم من صفاتهم الإنسانية.
كما وجد هربرت كيلمان Herbert Kelman في بحثه حول نزع الصفة الإنسانية، أن الإنسانية تتسم بخاصيتين: " الهوية " أي تصور الشخص كفرد مستقل ومتميز عن الآخرين وقادر على اتخاذ القرارات، و " المجتمع " أي تصور الشخص باعتباره جزءاً من شبكة مترابطة من الأفراد الذين يهتمون ببعضهم البعض. فعندما يتم حرمان الشخص المستهدف من قدرته على التصرف وانخراطه في المجتمع، فإنه لم يعد يثير التعاطف أو الاستجابات الأخلاقية الأخرى وقد يعاني من العنف.
إن نزع الصفة الإنسانية على أساس عنصري يستلزم فهم الجماعات والأفراد على أنهم أقل من البشر الكاملين بحكم عرقهم. وغالباً ما يحدث نزع الصفة الإنسانية نتيجة للصراع بين الجماعات. حيث يتم تمثيل الآخرين من العرق المختلف على أنهم حيوانات في الثقافة الشعبية والعامة وفي بعض الدراسات العلمية. وهناك أدلة على أن هذا التمثيل يستمر في السياق الأمريكي مع ربط الأمريكيين من أصل إفريقي ضمناً بالقردة بهدف نزع الصفة الإنسانية عنهم، مما يؤدي إلى تشجيع العنف ضد كل أمريكي من أصل إفريقي. بذلك يرتبط نزع الصفة الإنسانية بالصراعات السياسية والإبادة الجماعية حيث تصور الإيديولوجيات قبل وأثناء الصراع الضحايا على أنهم دون البشر كالقوارض.
كما يتم توظيف بعض المصطلحات في الواقع الاجتماعي كأداة أساسية في عملية نزع الصفة الإنسانية عن بعض الجماعات ذات الظروف الخاصة. مثل: كلمة مهاجر، ومغترب، ولاجئ، والتي تصف الأجانب بناءً على وضعهم السياسي والاجتماعي وانتماءاتهم الثقافية والعرقية، وليس بناءً على حقوقهم الإنسانية أو قدراتهم الفردية وإنجازاتهم العلمية والمهنية، مما يوحي إلى تدني المكانة الاجتماعية. فعلى سبيل المثال نجد أن كلمة " مهاجر أو لاجئ " تقترن أحياناً بكلمة " غير شرعي "، والتي تحمل دلالة مُهينة للغاية. إن إساءة استخدام هذه المصطلحات في وصف الآخرين، قد يؤدي إلى تشجيع ممارسات البعض لأفعال غير قانونية وغير إنسانية ضد الفئات المستضعفة.
يواجه معظم اللاجئين - المنتشرون حول العالم في بلدان اللجوء بسبب الكوارث الطبيعية، والحروب، والمجاعات، والنزاعات العرقية، والطائفية - مجموعة من التحديات المصيرية تتعلق بمستقبلهم ومستقبل أسرتهم، إلا أن هذه التحديات تختلف من جماعة إلى أخرى ومن شخص لآخر بناءً على الفروقات الفردية التي تتعلق بالمستوى المادي والعلمي والثقافي، وعاداتهم الاجتماعية والثقافية المكتسبة من مجتمعاتهم الأم التي تربوا بها وقدرتهم ومرونتهم على التأقلم مع الواقع الجديد، بالإضافة إلى طبيعية البلد المضيف. وعلى العموم يعاني اللاجئون من خطاب الكراهية الذي يتمظهر من خلال التصرفات الفردية لبعض الفئات، التي تتسم بأنها عنصرية ومعادية وكارهة لوجود اللاجئين في مجتمعاتهم بناءً على مبررات ثقافية أو عرقية أو دينية، وغالباً ما تكون هذه الأحكام بمثابة الإذلال الاجتماعي الذي يمارس ضد ذوات اللاجئين كونهم أفراداً غير مرغوب بهم، كما أنهم لا يملكون قرار البقاء أو المغادرة لأسباب كثيرة أنتجتها حالة اللجوء التي ألقت بظلالها على كل مفاصل الحياة الاجتماعية والنفسية للاجئين. إن فقدان الكرامة والقيمة الإنسانية، بحيث يتحول فيه الإنسان إلى أقل من شيء ووسيلة، ومن ثم فهو مرتبط بشكل حتمي بالإذلال الاجتماعي الذي مُورِسَ عليه في المجتمع الذي يحيا به.
خلاصة القول، إن الإذلال الاجتماعي يرتبط بالسلوك الانتقامي، حتى ولو كان الثمن الذي سيدفعه المنتقم إضافياً. فعندما يتعرض الأفراد والجماعات للإذلال، يبدو أنهم يميلون إلى الانتقام، ويخشى البعض أن الذات لن تعود إلى ما كانت عليه أبداً ما لم يتم التعامل مع هذا الظلم على النحو اللائق. وما يجعل الإذلال مصدراً خطيراً لتوليد العنف هو حقيقة مفادها أن مثل هذه التجارب غالباً ما تغذيها مشاعر سلبية للغاية وطويلة الأمد. كما يتضمن الإذلال الاجتماعي الشعور بالعجز والدونية أمام الآخرين، مما يدفع الشخص إلى تقييم الموقف على أنه غير عادل وينتج عنه مزيج من المشاعر السلبية، وأبرزها خيبة الأمل والغضب والخجل. كما تتداخل بعض السمات مع سمات الخجل مثل الظهور بمظهر الأحمق والأبله وفقدان احترام الذات بوجود الآخرين في حين تتداخل سمات أخرى مع سمات الغضب مثل الإذلال وفقدان تحقيق العدالة. إن الإذلال الاجتماعي أقسى تجربة عرفتها البشرية.
ومن الجدير بالذكر يؤدي الإذلال إلى الاستياء. ويسبب رد فعل عدائي يبقى ويتجاوز الموقف المهين بحد ذاته، لتبقى ذكرى الحدث المؤلم وتعود إلى الحياة من حين لآخر، ويتم تقديمها كشظايا من فيلم غير سار حيث يكون البطل هو نفسه. إنها ليست مجرد ذكرى فكرية، بل تجربة عاطفية حقيقية. إنها إعادة تجسيد شعور مؤلم ممزوج بالمشاعر والأحاسيس السلبية، حيث ولا يزال العار والحزن والغضب موجودين، في أعماق الفرد المظلوم. إن الاستياء هو نوع من التسمم النفسي الذاتي الحقيقي.
إن الإذلال الاجتماعي ظاهرة غير إنسانية غير متحضرة، همجية. إلا أن الإنسان وحده قادر على ممارستها. فالكائنات الأخرى قادرة على جرح وإيذاء بعضها البعض، ولكنها لا تمارس الإذلال مطلقاً. إن عدوانها يفتقر إلى ذلك العنصر الأساسي الذي لا يوجد إلا في نوعنا الإنساني، والذي نمثله عادةً بالكرامة أو الشرف أو قيمتنا الذاتية. إن الإنسان العاقل وحده هو القادر على المعاناة وجعل أقرانه يعانون من الإذلال الاجتماعي. وإذا كانت شروط إمكانية حدوثه اجتماعية، فلا بد أن تكون الظروف الاجتماعية هي أيضاً شروطه المقيدة لمنع انتشار هذه الظاهرة المرضية في مجتمع يحترم إنسانية الإنسان بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى.
إن تحليل وسائل السيطرة والخضوع مـن خــلال فهم العلاقات الاجتماعية وآليات التأثر والتأثير في هذا السياق. يدفعنا إلى التركيز على بناءات القوة في إطار البناء اجتماعي التي تتجسد على أرض الواقع الاجتماعي من خلال ترسيخ علاقات السيطرة للجهة التي تمتلك مصادر القوة بشكليها المادي أو الرمزي ضد الفئات الضعيفة والهامشية في المجتمع. مما يتحتم علينا بالضرورة تحليل ونقد آلية السيطرة لهذه العلاقات وما تفرضه على البناء الاجتماعي (القهر والإذلال الاجتماعي) بالتواطؤ مع الإيديولوجية السائدة في المجتمع من جهة، والقيم والعادات والتقاليد الرجعية، والظروف المجتمعية القاهرة من جهة أخرى. وفيما يتعلق بموضوع (الإهانة والتحدي) جرت العادة في فلسفات التاريخ أن يقرن التحدي بالاستجابة؛ فكل تحدٍ له استجابة، فالإهانة تبدأ أولاً وتتكرر وتتراكم حتى تأتي لحظة التحدي والرفض لها والانتفاضة ضدها والثورة عليها تحقيقاً لإنسانية الإنسان.
--------------------------------------------
- المراجع المعتمدة:
- مصطفى حجازي: الإنسان المهدور (دراسة تحليلية نفسية اجتماعية)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء وبيروت، ط5، 2005.
- مصطفى حجازي: التخلف الاجتماعي – مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء وبيروت، ط9، 2005.
- حسام الدين فياض: سوسيولوجيا العلاقات الاجتماعية، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري، الكتاب: الرابع، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2023.
- حسام الدين فياض: القهر الاجتماعي: التجربة الممنهجة لحقيقة الظلم الإنساني، الحوار المتمدن، العدد: 7998، 2024.04.06. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=831899
- حسام الدين فياض: القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع العربي المعاصر، مجلة التنويري، عمان، 6 نوفمبر، 2023. https://altanweeri.net/11085/
- Rob M. A. Nelissen &Ilja van Beest: Conceptualising humiliation, Cognition and Emotion, Issue 8, Volume 31, 2017.
- Dehumanization: https://en.wikipedia.org/wiki/Dehumanization
- Sanjay Palshikar: Understanding Humiliation, Economic and Political Weekly, Vol: 40, No: 51, Dec. 17-23, 2005, pp. 5428-54321.
- Kaja Perina: The Psychology of Humiliation, Psychology Today, June 23, 2024. https://www.psychologytoday.com/us/blog/hide-and-seek/201408/the-psychology-of-humiliation
- Bettina Muenster, David Lotto: The Social Psychology of Humiliation and Revenge: The Origins of the Fundamentalist Mindset, Published: March 2010. https://doi.org/10.1093/acprof:oso/9780195379655.003.0007
- Fernando Artavia Araya: Humiliation. Social Anatomy of a Dark Emotion, Simmel Studies, Volume 24, Number 2, 2020. https://www.erudit.org/fr/revues/sst/2020-v24-n2-sst05861/1075568ar/
- Humiliation: https://en.wikipedia.org/wiki/Humiliation



#حسام_الدين_فياض (هاشتاغ)       Hossam_Aldin_Fayad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرؤى السلوكية بين التوجيه والسيطرة في فضاء السلوك الإنساني
- المنهج التاريخي ودراسة الظواهر الاجتماعية (محاولة لفهم الحاض ...
- أهمية البعد التاريخي في الدراسات السوسيولوجية
- يوتوبيا الخلاص النهائي للإنسان المعاصر
- منهج المسح الاجتماعي والدراسات الوصفية
- في تأسيس النظرية السوسيولوجية محاولة للفهم
- ترسيخ الوعي النقدي للغة من أجل التحرر الاجتماعي
- قضايا الثقافة (الثقافة نمط حياة)
- إرهاصات نظرية الاختيار العقلاني في تفسير السلوك الإنساني
- في تحليل الخطاب (اللغة والواقع الاجتماعي)
- اللغة كمرآة للثقافة (توأم في جسد واحد)
- حول مفهوم التحليل السوسيولوجي
- المنهج التجريبي في البحوث الاجتماعية
- الثقافة؛ رؤية معاصرة لمفهوم قديم...
- البحث الاجتماعي وأنواعه
- الشخصية التجنبية (اضطراب نفسي يتسم بالخوف والحذر الشديد)
- دور رأس المال الاجتماعي في تعزيز اللُّحمة المجتمعية
- التفكير الإيجابي سمة من سمات الشخصية الإيجابية والمرنة
- نظرية فلفريدو باريتو عن صعود وسقوط النخب السياسية (دراسة تحل ...
- رؤية منظورات المدرسة التأويلية المعاصرة للإنسان والمجتمع (در ...


المزيد.....




- الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت لصالح قرار يطالب بوقف إطلا ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تتبنى قرارا داعما للأونروا
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قراراً يدعو لوقف إطلاق نا ...
- الأمم المتحدة تعتمد مشروعي قرارين لوقف إطلاق النار بقطاع غزة ...
- الأمم المتحدة تتبنى قرارا بوقف إطلاق النار في غزة فورا
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة ب ...
- المرصد السوري: نحو 105 آلاف شخص قتلوا تحت التعذيب بالسجون خل ...
- تونس: المفوضية الأوروبية تعتزم وضع شروط صارمة لاحترام حقوق ا ...
- وسط جثث مبتورة الأطراف ومقطوعة الرؤوس... سوريون يبحثون عن أق ...
- مسئول بالأونروا: ظروف العمل في غزة مروعة.. ونعمل تحت ضغوط لا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسام الدين فياض - الإذلال الاجتماعي: الوجه الآخر لنزع الصفة الإنسانية