|
سوريا في قلب العاصفة: هل فقد العالم بوصلته؟
منذر علي
الحوار المتمدن-العدد: 8185 - 2024 / 12 / 8 - 00:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كيف يمكننا تفسير الأحداث المأساوية التي تجري في الشرق الأوسط وفي سوريَا على وجه التحديد؟ لقد ظهر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وأعلن، بشكل مثير للاشمئزاز، أنَّ تركيا مستعدة للتوسط بين المعارضة السورية والحكومة السورية، مُدعيًا " إنْ الهدف الأسمى لتركيا هو استقرار سوريا الجارة وسيادتها على كامل أراضيها". وهنا يبدو أنَّ موقف الرئيس التركي عقلاني ومتوازن، مما يجعل البعض يصدقون أقواله دون تمحيص. لكن لنترك الأقوال جانبًا ونفحص الأفعال لنرى ما إذا كانت تتناغم مع التصريحات. إنَّ أقوال الرئيس أوردغان ونوياه المُعلنة، تتناقض مع الأفعال الحقيقية للدولة التركية التي يرأسها. فالحقيقة هي أنَّ الدولة التركية تدرب مجموعة من السوريين المتطرفين والليبراليين الذين يعارضون الدولة السورية، وتزودهم بأسلحة متطورة تشمل المدفعية والرشاشات والصواريخ، بالإضافة إلى المدرعات والمصفحات وناقلات الجند والطائرات المُسيرة.
وأدهى من ذلك، يكشف رئيس حزب الحركة القومية التركية، دولت بهجلي، عن الوجه الحقيقي للنزعة التركية التوسعية في الأراضي السورية، حين يقول: " لا يمكن أن نجد مواطنًا تركيًا لا يخفق قلبه عند ذكر حلب لأنَّ حلب تركية ومسلمة حتى النخاع، إذ ليس نحن فقط من يقول ذلك، بل يقوله التاريخ والجغرافيا والحقيقة، والأجداد، وأيضًا العَلم التركي، الذي يرفرف فوق قلعة حلب"." وقد كشف الحزب الشيوعي التركي بوضوح أبعاد المؤامرة التي تستهدف تمزيق سوريا، حيث قال في بيانه في 6 ديسمبر الجاري ردًا على بهجلي والقوميين الأتراك " إن العلم التركي في حلب والتفاخر بالغزو من قبل الكتاب المؤيدين لحزب العدالة والتنمية لا يغيران من حقيقة أن تركيا، جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة وإسرائيل، منخرطة في جهد لتفكيك دولة مجاورة." يقصد سوريا، ثم يضيف: "نحن نخشى أنه إذا لم نوقف هذا المسار، فسوف نواجه العواقب المأساوية لمحاولة تغيير الحدود بطموحات عثمانية جديدة أو على أساس مشاريع إسرائيلية أمريكية". بإيجاز، الأفعال السياسية والعسكرية التركية تتناقض تمامًا مع أقوال الرئيس التركي، وتؤكد ما قاله حليفه الوثيق، دولت بهجلي، وتبيَّن التنسيق الوثيق بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ففي 27 نوفمبر 2024، وبعد ثلاث ساعات فقط من بَدْء سريان وقف إطلاق النار بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية، تجلت المؤامرة. إذْ شرعت الفصائل السورية المعارضة للدولة السورية، المدعومة من تركيا، بشن هجماتها المباغتة على الدولة السورية بإدارة تركية، وبالتنسيق الكامل مع الحكومة الإسرائيلية والأمريكية، وسيطرت على إدلب وحلب وحماة، وتهدف إلى السيطرة على حِمص وعزل سوريا عن دولة لبنان، وخنق المقاومة اللبنانية.
هذه ليست أوهامًا، فالسفيرة الإسرائيلية في تركيا، إيريت ليليان، أكدت قبل أيام، ما جرى، حيث قالت: "إنَّ ما يجري في سوريَا يتم بالتنسيق الكامل بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة التركية"." وفي سياق متصل، كانت إسرائيل على مدى سنوات طويلة تقصف المنشآت الاقتصادية والعسكرية السورية في دمشق وحمص واللاذقية وحلب وحماة، مما أضعف الجيش السوري ومهد الطريق لهجمات الجماعات الإرهابية الأخيرة على الدولة السورية. كما قامت إسرائيل بتدريب الجماعات الاستخباراتية المناوئة للدولة السورية ومارست الاغتيالات والإرهاب، ثم ادعت أنها تدافع عن نفسها وتكافح الإرهاب.
من جهة أخرى، تفرض حكومة الولايات المتحدة الأمريكية سيطرتها العسكرية على شرق سوريا، حيث تستولي على المنشآت النفطية وتنهب الموارد الطبيعية للبلاد. كما تسلح الجماعات الكردية السورية الانفصالية وتوفر لها الحماية. وقد مكنت الحكومة الأمريكية قوات سوريا الديمقراطية الكردية الانفصالية، المعروفة بـ "قسد"، في 6 ديسمبر 2024 من السيطرة على محافظة دير الزور، في شرق سوريا، وقطع التواصل بين سوريَا والعراق وإيران.
وعلى ذات المنوال، لقد مكنت الحكومة التركية الجمعات الإرهابية من الاقتراب من حِمص والقصير في غرب سوريا ، والتمدد جنوبا صوب طرطوس واللاذقية والوصول إلى دمشق، وهو الهدف ، وقطع التواصل بين سوريَا ولبنان. وعلى هذا، عزل سوريا عن العراق وإيران، وعزل سوريا عن لبنان، وتقسيم سوريا ولبنان على أسس طائفية وعرقية وتصفية الحساب مع إيران واليمن والعراق ، وهو الهدف الذي يخدم مصالح إسرائيل والحكومة الأمريكية وتركيا.
وبعد ذلك، ثم تأتي الولايات المتحدة، لتقول، على لسان الناطقين باسمها، "إن سبب عدم الاستقرار في سوريَا هو التدخل الإيراني والروسي في الشؤون السورية"، وتقول الحكومة التركية " إنها حريصة على استقرار واستقلال سوريا". تُرى، هل تنطلي هذه اللعبة الماكرة العرب؟ ما يثير الدهشة حقًا هو أنَّ العديد من الحكومات الغربية التي تزعم أنها حريصة على تطبيق القانون الدُّوَليّ وعلى حقوق الإنسان، تراقب ما تقوم به تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الأنظمة العربية الخليجية، وتساير هذا النفاق الفاضح دون أن تنبس ببنت شِفَة. إن هذه الحكومات تمارس الخبث السياسي بكل أشكاله، وتدعم المؤامرات التي تستهدف الدولة السورية والدولة اللبنانية والأمة العربية، وتشارك في الجرائم إما بالفعل المباشر أو بالصمت المريب.
فهل حقًا فقد العالم عقله؟ في الحقيقة، العالم لم يفقد عقله، ولكنه انحاز لمصالحه، وبالأحرى انحاز لمصالح الأقلية العنصرية المهيمنة في العالم، وفقد أخلاقه وإنسانيته، وأصبح يوظف العقل في خدمة التوسع والهيمنة الصهيونية والإمبريالية. إنَّ ما يحدث في سوريَا هو تجسيد واضح للسياسات الماكرة التي تهدف إلى تقويض استقرار الدول العربية. لذلك، يجب على الشعوب العربية أن تكون واعية لهذه الأجندات وأن تتحد في مواجهة هذه التحديات. إن الوعي الجماعي والتضامن بين الدول العربية هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه المؤامرات واستعادة السيادة والكرامة. في زمن تتزايد فيه التحديات، يجب علينا أن نكون أكثر حذرًا وأن نعمل معًا من أجل مستقبل أفضل للعالم العربي.
#منذر_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يتعلم العرب مما يجري في اليمن و سوريا؟
-
التحديات الداخلية والخارجية أمام الدولة السورية!
-
العرب بين المساوم والمقاوم!
-
لبنان انتصر على الألم، فهل سينتصر محور المقاومة؟
-
الصهاينة اليهود والصهاينة العرب متوافقون!
-
شهادة السنوار ليس نهاية المشوار!
-
كيف يجب أنْ نفهم الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران؟
-
هؤلاء بلا شرف يا ولدي!
-
الرجعيون العرب يتقنون المكر، و-الشرعية اليمنية- تستأثر بالجه
...
-
الأحلام المتضاربة قبيل الحرب المرتقبة!
-
الحرب وشيكة لا تقلقوا على أبناء عمومتكم!
-
المعلوم والمجهول عقب الجريمة الصهيونية
-
الانتخابات البريطانية المرتقبة والتناوب الآثم على السلطة!
-
الذكرى ال 76 لقيام دولة إسرائيل ونكبة فلسطين!
-
تجنبوا مكر الحاخام القاتل والإمبريالي السافل و الشيخ الغافل!
-
طوفان مانديلا التحرري وانغلاق الموقف اليمني الرَجعي!
-
اليمن كبير أيها الصغار!
-
فلسطين المحاصرة والأحزاب اليمنية المُناصِرة!
-
الجريمة الصهيونية، أطرافها وتجلياتها، في فلسطين!
-
العرب والصهاينة والمفارقات المحزنة!
المزيد.....
-
الرئيس التركي أردوغان: اتخذنا الخطوة الأولى لبداية جديدة بين
...
-
قوات -قسد- تسقط طائرة أمريكية مسيرة
-
-CBS NEWS-: ترامب يوجه دعوة إلى شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه
...
-
مجلس النواب الأمريكي يصادق على الميزانية الدفاعية بحجم 884 م
...
-
العراق.. استهداف -مفرزة إرهابية- في كركوك (فيديو)
-
موسكو تقوم بتحديث وسائل النقل العام
-
قوات كردية تسقط بالخطأ طائرة أميركية بدون طيار في سوريا
-
رئيس الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية
-
أوكرانيا على موعد مع صاروخ روسيا -الرهيب-
-
فيديو.. اكتشاف نفق سري ضخم في جبال القلمون
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|