|
نقد هيجل لليهودية ودلالاته السوسيولوجية
أشرف حسن منصور
أستاذ الفلسفة بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية
الحوار المتمدن-العدد: 1785 - 2007 / 1 / 4 - 13:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة: اشتهر الفيلسوف الهولندي سبينوزا بمؤلفه " رسالة في اللاهوت و السياسة " ( ) التي نقد فيها أسفار العهد القديم سفرا سفرا نقدا تاريخيا دقيقا. و لم ينقد سبينوزا العهد القديم باعتباره نصا فقط، بل نقده أيضا باعتباره مصدر الديانة اليهودية. فإذا طالعنا رسالته رأيناه يمارس نقدا وثائقيا و تاريخيا للأسفار، و نقدا عقلانيا و فلسفيا للديانة اليهودية نفسها و لكل عناصرها الأساسية: النبوة و الشريعة و الكهنوت. كانت رسالة سبينوزا هذه بداية لاتجاه في النقد التاريخي للكتب المقدسة و للأديان بوجه عام، و من أبرز أعلام هذا الاتجاه فولتير و هيوم و كانط و هيجل، و اليسار الهيجلي من بعده و على رأسه فويرباخ. أما هيجل فقد تعامل مع الدين اليهودي في أكثر من عمل. صحيح أنه لم يفرد لليهودية دراسة مستقلة، إلا أننا نجد حديثه عنها يمتد عبر دراساته عن المسيحية في مؤلفات فترة الشباب، و في الجزء المتعلق بالوعي البائس من كتابه "فينومينولوجيا الروح" ( )، بالإضافة إلى تناوله للحضارات الشرقية القديمة في محاضراته في فلسفة التاريخ. و عبر جميع هذه الأعمال ينقسم تناول هيجل لليهودية إلى تحليلها تحليلا فلسفيا تاريخيا، و تحليلا لها باعتبارها شكلا من أشكال الوعي يسميه بالوعي البائس أو الشقي. أما التحليل الفلسفي التاريخي فنجده في دراستيه "وضعية الديانة المسيحية" ، و "روح المسيحية ومصيرها" ( ) ، اللذين تناول فيهما اليهودية التاريخية و علاقتها بالمسيحية. أما تحليل اليهودية باعتبارها شكلا من أشكال الوعي فنجده في كتاب "الفينومينولوجيا". و الحقيقة أن نقد سبينوزا و نقد هيجل للدين متكاملان و يتفقان مع بعضهما البعض، بل نستطيع أن نقول أن نقد هيجل يكمل نقد سبينوزا و يفترضه. فسبينوزا يوضح كيفية تحول اليهودية إلى دين وضعي يؤمن بان اليهود شعب مختار، و يؤمن بقداسة النصوص و يخضع لمؤسسة دينية كهنوتية، وهذا هو نفس ما يقوم به هيجل أيضا، لكنه يقوم بخطوة أبعد و يوضح أن المسيحية نفسها قد تحولت إلى أن أصبحت نوعا آخر من اليهودية. فهو يدرس كيفية تحول المسيحية نفسها إلى دين وضعي تتحكم فيه مؤسسة كهنوتية بعد أن كانت في بدايتها تحارب الكهنوت اليهودي. مارس كل من سبينوزا و هيجل نقدا فلسفيا لليهودية كان متفقا مع نظرتيهما للدين عامة و مع فلسفتيهما العقلانيتين خاصة، و مع روح عصر التنوير الذي رفض الخرافات و الأفكار الميتافيزيقية، و أي نوع من السلطة على العقل. و الحقيقة أن كثيرا من النظريات السوسيولوجية حول الدين في القرن العشرين جاءت لتثبت صحة نقدهما للدين و تدعمه بتفسيرات سوسيولوجية للظواهر الدينية ترجعها إلى أصولها الاجتماعية. و من أكثر نظريات سوسيولوجيا الدين دلالة بالنسبة لنقد سبينوزا و هيجل للدين نظريات دوركايم و فيبر و توينبي. فلدوركايم تحليلات عميقة للأصول الاجتماعية للمقدس و للوظائف الاجتماعية للظاهرة الدينية، كما أن لتوينبي دراسات مستفيضة تربط بين العقيدة اليهودية و مقدساتها و بين الظروف الاجتماعية و التاريخية لليهود. لن نعرض لكل نظريات دوركايم و فيبر و توينبي في الدين، لكن سوف نتناول من هذه النظريات ما يمكن مقارنته بدراسة سبينوزا و هيجل للدين و ما يوضح الدلالات السوسيولوجية لفلسفتيهما في الدين. اليهودية باعتبارها وعيا شقيا: اليهودية شكل من أشكال الوعي يجد التعبير عنه في الجزء المتعلق بالوعي الشقي في كتاب هيجل "فينومينولوجيا الروح". و الحقيقة أن هيجل لا يصف اليهودية وحدها بشقاء الوعي، بل كل وعي ديني مغترب أيضا. يأتي تحليل هيجل للوعي الشقي بعد مناقشته للرواقية و المذهب الشكي باعتبارهما شكلين من أشكال الوعي. تقوم الرواقية على النظر إلى الذات على أنها حرة، و حريتها هذه تتلخص في الإيمان بذاتها فحسب: "إن الوعي بالذات في الرواقية هو الحرية المجردة المقصورة على ذاتها." ( ) أي المعتبرة ذاتها حرة، و هذه الحرية تتمثل في انعزالها عن العالم و الآخرين، وهي حرية الفكر المجرد على وجه الخصوص. أما المذهب الشكي فتتمثل حريته في نفي الآخر و النظر إلى هذا الآخر على أنه ينفي حريته، سواء كان هذا الآخر ينتمي إلى عالم الطبيعة أو عالم الإنسان. و من هنا تظهر علاقة السيادة و العبودية. فالآخر ينظر إليه على أنه إما ينفي حرية الذات في حالة العبد، أو أن نفي حريته هي شرط لحرية الذات في حالة السيد. و يتمثل الوعي الشقي في انتقال هذه العلاقة المزدوجة من السيادة و العبودية من الخارج إلى الداخل، و بذلك تنقسم الذات على نفسها نتيجة هذه العلاقة. فالوعي الشقي هو حضور ازدواجية السيد و العبد في وعي واحد، فهو ببساطة العبد، أما السيد فهو الإله. و لا ينجح الوعي الشقي في الشعور بذاته إلا باعتباره معتمدا على هذا الوعي الآخر الإلهي، و من هنا يظل شقيا، فلا هو ينجح في إدراك ماهيته الحقة في استقلال عن ماهية الإله، و لا هو ينجح في الذوبان و الفناء في ماهية الإله. و بذلك تحط اليهودية من الوعي الإنساني و تعلي من شأن الوعي الإلهي و تتسامى به، و يكون هذا التسامي على حساب الوعي الإنساني. فالإله في الوعي اليهودي الشقي ينزل منزلة السيد و الرب المطلق القدرة، أما الإنسان فهو العبد و الشيء العارض الذي لا يستطيع التفكير في نفسه دون إنكارها ( ) . و كلما حاول هذا الوعي البائس العثور على ماهيته وجدها في ضده لا في نفسه، و هذا ما يزيد من شقائه و هزيمته. و يرى هيجل أن طريق الخروج من هذه الازدواجية يتمثل في ضرورة تجسد الإله في صورة إنسان، أو اللامتناهي في صورة كائن متناهي، و هنا تظهر المسيحية. فالمسيحية وفق هذا التفسير الهيجلي ضرورة منطقية ناتجة عن شقاء الوعي اليهودي. إلا أن هيجل يفاجئنا بعد ذلك بالقول أن الوعي يظل شقيا بعد التجسد، فالتجسد ليس إلا تعبيرا عن بؤس الوعي لا خروجا عنه. فهو يلحق ماهية الإنسان بكائن نصفه إنسان و نصفه إله. صحيح أن الإله المتجسد في صورة إنسان قد عمل على تقريب المسافة بينهما، إلا أن الوعي يظل بائسا لأن هذا الاقتراب كان فعلا إلهيا، أما الإنسان نفسه فلم يقترب، بل ظل في شقائه السابق. يوازي هذا التحليل الفلسفي العميق تحليل تاريخي قام به هيجل للوعي اليهودي الشقي في كتابه "روح المسيحية ومصيرها". ففي هذا الكتاب يبدأ هيجل بتحليل شخصية النبي إبراهيم ويذهب إلى أنها تكشف عن ملامح طبعت من بعده كل بني إسرائيل. فإبراهيم الذي ترك قومه و مدينته الأم وراءه ظل غريبا طوال حياته. فلم يعرف مكانا يستقر فيه و لذلك ظل هائما متجولا في منطقة الهلال الخصيب. لم يستطع أن ينتمي إلى أي مجتمع أو قبيلة مر بها، و كانت توجهاته نحو الناس إما التعامل معهم بحذر و مكر أو معاداتهم ( ). و حتى الناس الذين لم يعادوه و حاولوا أن يكونوا أصدقاءه أو حلفاءه لم ينجح في أن يقيم معهم علاقات صداقة أو تعاون، بل ظل يعاملهم معاملة الأغراب. نظر إبراهيم أيضا إلى الطبيعة على أنها قوة معادية و لذلك لم يتصالح معها. فلم يأخذ قطعة من الأرض لزراعتها و ظل راعيا. و حتى عندما أهدى له أحد الملوك قطعة من الأرض تركها لماشيته و غنمه ليرعوا فيها. و لأن الطبيعة في نظره قوة قاهرة لا يمكن التصالح معها فقد رأى أن خير وسيلة للتعامل معها هو أن يكون لها إله خالق، هو الذي صنعها، و هو الذي يسخرها له. كان إبراهيم يعيش حالة دائمة من الاغتراب، اغتراب عن كل مجتمع مر به و عن أسرته ذاتها. فهو يترك هاجر و ابنه إسماعيل في الصحراء، و يأمر ابنه اسحق ألا يتزوج من كنعانية بل من امرأة من عشيرته ذاتها، أما هو فيسكن بعيدا عن اسحق و أبنائه. و مع حالة الاغتراب التي يعيشها إبراهيم لا يجد ما يؤنس وحدته إلا الإله الذي يتصور أنه إلهه فقط و أن باقي الشعوب كفار. و لأن إبراهيم لم يستطع و لم يرد أن ينتمي إلى أي مجتمع مر به سواء في العراق أو الشام أو مصر و ظل في غربة دائمة عبر كل هذه المناطق، فقد تصور أن تقواه و تدينه و عبادته للإله الجبار و المسيطر سوف تؤهله لأن يكون وارثا هو و ذريته لنفس هذه المناطق التي تجول و هام فيها مغتربا، و من هنا تظهر فكرة أرض الميعاد. و لأن إبراهيم هو الذي عرف هذا الإله الواحد .بنفسه و بقوة فكره الذاتية فقد تصور أنه إلهه فقط و إله شعبه، و لأنه هو فقط الذي يعبده و باقي الناس يعبدون الأصنام فقد تصور أن رحمة هذا الإله و فضله و عطاءه سيكون له هو و لذريته فقط مكافأة لهم على عبادتهم، و من هنا يصبح شعبه مختارا ( ). إن حالة الاغتراب التي عانى منها إبراهيم نجمت عن نظرته إلى إلهه على أنه هو الحاكم المسيطر. و بهذا تحول الضعف و السلبية و الاستسلام إلى إيمان بإله يمثل القوة و السيطرة و الفاعلية الكلية. و كان على اليهودي أن يتذكر دائما تناهيه في مقابل لاتناهي الإله، و قلته و ضعفه في مقابل عظمة الإله، و جهله و عبوديته في مقابل علم الإله الكلي و سلطانه المطلق . عندما نظر اليهود إلى إلههم على انه سيد يطاع و هم عبيده فقد سحبوا بذلك من أنفسهم كل فاعلية حرة و كل حيوية و مبادرة و أصبحوا سلبيين. فقد آمن اليهود بأن الإله لامتناه، و هو في نفس الوقت لم يكن حاضرا معهم بل منعزلا في السماء، و بذلك نظروا إليه على أنه يكشف عن إرادته من خلال خرق قوانين الطبيعة، لا عبر هذه القوانين نفسها، و من هنا إيمانهم بالمعجزات. إلا أن الإرادة الإلهية التي لا تظهر إلا على أنها خرق للطبيعة هي في حقيقتها مضادة للطبيعة و تأخذ منها موقفا سياديا مسيطرا. و لذلك نظر اليهود إلى الفضيلة على أنها كبت لطبيعتهم الداخلية و سيطرة عليها، و الشر على أنه ترك هذه الطبيعة البشرية دون رابط. أصل الدولة الثيوقراطية: و لأن اليهود كانوا سلبيين، فتحريرهم من عبودية الفرعون لم يأت نابعا منهم بل كان أمرا إلهيا، و لم يستطيعوا أن يمدوا أنفسهم بقوانين و ظلوا يعتمدون على موسى في تنظيم شئونهم، و من هنا أتاهم موسى بالشريعة الإلهية. حددت هذه الشريعة كل تفاصيل الحياة اليومية و المعاملات الجزئية بين اليهود و ذلك لأنهم لم يتمتعوا بروح المبادرة بل بروح العبودية و سلبية الذل ( ). و الحقيقة أن سبينوزا كان قد تناول نشأة الدولة الثيوقراطية عند اليهود في كتابه "رسالة في اللاهوت و السياسة". فتحليله لنشأة الثيوقراطية عند اليهود يكمل التحليل الذي يقدمه هيجل. يذهب سبينوزا إلى أن اليهود تخلوا عن حقهم الطبيعي في تنظيم شئونهم ووضع قوانينهم لإلههم. فبعد أن خرجوا من مصر، ذلك الخروج الذي كانوا مدفوعين إليه بأمر إلهي لا لرغبة منهم في التحرر، تركوا مسائل تنظيم مجتمعهم ووضع القوانين للإله ( ). فقد اعتقدوا أن هذا الإله هو الذي يحميهم و يمنحهم القدرة على البقاء. و لما كان الإله رأس دولتهم فقد أصبح أعداء هذه الدولة أعداءا للإله، و أصبح مغتصب السلطة طاعنا في سلطة الله العليا. يتفق تحليل سبينوزا السابق مع تحليل هيجل للثيوقراطية. فيذهب هيجل إلى أنه لما كان تشريع الدولة لدى اليهود هو مجموع أوامر الله، فإن القانون المدني و الدين أصبحا شيئا واحدا عندهم، و أصبحت عقائد الدين و مضمونه الأخلاقي مجموعة من القوانين و الأوامر. و بذلك أصبح الدين و السياسة شيئا واحدا، فمن ترك الدين لا يعود مواطنا، و إنكار وجود الله أو الشرك به يعد عصيانا و خيانة للدولة في نفس الوقت، و يؤدي إلى توقيع عقوبات مدنية على المنكر، لأن هذا الإنكار يترتب عليه إنكار كل القوانين التي يرجع مصدرها إلى هذا الإله، فهو عصيان مدني ويؤدي إلى توقيع عقوبات مدنية. كما تداخل الشعور الديني و الشعور الوطني لديهم، بحيث أن حب الوطن و التضحية في سبيله كان حبا لله و استشهادا لإعلاء كلمته، و كان اعتداء أعداء اليهود على أحد مدنهم أو على أي جزء من أراضيهم اعتداء في نفس الوقت على الدين و على حق الله ( ). و يستمر هيجل في توضيح الاختلاط بين الدين و السياسة لدى اليهود بتناوله لمسألة المساواة. فهو يذهب إلى أن اليهود كان لديهم بالفعل مفهوم عن المساواة، إلا أنه كان مختلفا تماما عن المفهوم الحقيقي عن المساواة. فاليونانيون مثلا كانوا متساوين لأنهم كانوا أحرارا و قادرين على تسيير شئون حياتهم ووضع قوانينهم بأنفسهم، أما اليهود فكانوا متساوين لأنهم كانوا كلهم عبيدا لإلههم و معتمدين عليه و على قضائه و قدره و رحمته و غضبه. لم يكونوا متساوين لأن لهم نفس الحقوق في التملك مثلا، بل لأنه لم يكن لهم أي حق في التملك، فكل شيء ملك لإلههم ( ). في البداية تخلى اليهود عن تسيير شئونهم ووضع قوانينهم لإلههم، ثم تخلوا عن حق مخاطبة إلههم لموسى بعد أن طلبوا ذلك ثم فزعوا فزعا شديدا من حضرة الإله و جبروته، و عندما كان موسى يغيب عنهم ترك هذا الحق لهارون. و الملاحظ هنا أن اليهود تخلوا عن حق مخاطبة الإله إلى الأبد، و تخلوا معه عن حق تعيين أي شخص يخلف موسى في هذا الحق، و بالتالي نقل موسى هذا الحق إلى هارون ثم إلى سبط اللاويين من بعده. و أصبح اللاويون بعد ذلك هم الكهنة المكلفون بحفظ الشريعة و تفسيرها و تطبيقها، و بذلك تم بناء الدولة الثيوقراطية و اكتمال عناصرها. الشريعة: يذهب هيجل إلى أن اختزال الأخلاق إلى الشريعة جعل اليهود ينظرون إلى الشعائر التي يؤدونها و الأضحية المطلوبة منهم و الزكاة المفروضة عليهم على أنها هي كل ما يجب تأديته ليرضى عليهم الرب و يلبي مطالب الأخلاق، فقد نظر اليهودي إلى الأداء الآلي لأوامر الشريعة على أنه كاف لجعله إنسانا أخلاقيا و متدينا. و الحقيقة أن الشريعة اليهودية لم تكن في حقيقتها إلا أوامر قضائية تهدف الحفاظ على اليهود كمجتمع و كيان سياسي و ليس لها علاقة بالأخلاق. فالشريعة التي كانوا يسمونها إلهية كانت في حقيقتها قانونا مدنيا. و لم تنجح الشريعة اليهودية إلا في جعل اليهودي مواطنا في دولة يهودية، أما الأخلاق و الفضيلة و الإحسان فلم تجد لها مكانا في هذه الشريعة، "فأن تكون مواطنا في مملكة الله فذلك يتطلب ضميرا أخلاقيا و سعيا وراء الفضيلة" ( ). و يتفق تحليل سبينوزا للشريعة اليهودية مع تحليل هيجل السابق. فيذهب سبينوزا إلى أن الميثاق، أي مجموعة الوصايا الأخلاقية و مبادئ المثل العليا، من طبيعته أن يكون مسطورا في القلوب، أي في الضمير و الفكر الإنساني، إلا أنه أعطي لليهود في صورة قانون مكتوب لأنهم كانوا حينذاك يعيشون حالة بدائية باعتبارهم شعبا قبليا من البدو الرحل( ). و يتساءل سبينوزا عن السبب الذي جعل اليهود دائمي العصيان للشريعة، ناقضين لعهدهم دائما مع الله بعبادتهم لآلهة أخرى، و يرى أن السبب يكمن في أن هذه الشريعة كانت عقابا من الله. فبعد أن انتشر الفساد بينهم في غيبة موسى و عبدوا العجل، تلقوا من موسى عند عودته الشريعة الإلهية، و لم تكن إلا عقابا لهم على عصيانهم. و يستمر هيجل في تحليله للشريعة اليهودية بقوله أن اليهود غرقوا في بحر من الأوامر و النواهي الجامدة و رزحوا تحت نير الشريعة التي كانت تضع قاعدة لكل فعل و حركة ونشاط يومي، و هذا ما أدى إلى إعطاء المجتمع اليهودي طابع الدير. و نتيجة لهذا الوضع فإن أقدس الأشياء و هي الأخلاق العليا و الفضيلة تحولت إلى إلزامات و تم ضغطها في صيغ دينية ميتة. و لم تعمل الطاعة الذليلة و الحرفية للقوانين على حفظ الكرامة، فهذه القوانين لم تكن من وضعهم بل مفروضة عليهم. المصير اليهودي للمسيحية: عندما ظهر المسيح كان متحررا من هذه الروح اليهودية البائسة، و أراد أن يرفع الدين إلى مستوى الأخلاق و الفضيلة، أي أن يخلصه من نير الشريعة الجامدة و الشعائر التي لا معنى لها و يسترد للأخلاق عنصر الحرية التي افتقدها اليهود. فعلى الرغم من أن الأخلاق هي أساس الدين، إلا أن الروح اليهودية البائسة حولت الأخلاق إلى طاعة عمياء للقانون الإلهي و أداء آلي للشعائر، و بذلك ضاع الجوهر الأخلاقي للدين. فما له قيمة و تقدير في عين الرب ليس الانتساب لإبراهيم أو أن يكون الرجل مختتنا، بل أن يكون مطيعا لضميره الأخلاقي( ). أما ما فعله اليهود فإنهم حافظوا على جميع المظاهر الخارجية للتدين و ضيعوا الجوهر الحقيقي للدين و هو الأخلاق و الفضيلة. و من هنا كان المسيح يحارب الاعتقاد اليهودي الذي يذهب إلى أن طاعة القانون الإلهي بحرفيته كاف في حد ذاته لتلبية مطالب الأخلاق، فقد كان يصر على فضيلة حرة تنبع من الإنسان نفسه، لا فضيلة تأتي من طاعة سلطة دينية. و على الرغم من أن مضمون رسالة المسيح مضمون أخلاقي صرف إلا أن ظروف مجتمعه اليهودي اضطرته لأن يقدم رسالته في صورة دينية. فلأن اليهود يقدسون النصوص و يختزلون الأخلاق في الشريعة و الطقوس، و لأنهم يعتقدون أن الرب هو الذي منحهم دولتهم و قوانينهم و تقاليدهم، فلم يكن أمام المسيح إلا أن يقدم تعاليمه الأخلاقية باعتبارها رسالة من عند الرب و مكملة لشريعتهم لا ناقضة لها، و أنه مكلف من الرب بتبليغهم هذه الرسالة. فلم يكن من الممكن للمسيح أن يدعو اليهود لتعاليمه الأخلاقية باسم العقل أو المنطق أو الفكر السليم، بل كان مجبرا على تقديم هذه التعاليم في صورة دينية، لأن اليهود لن يقبلوا أي شيء إلا بهذه الصورة ( ). كما أن هناك عاملا آخر أجبر المسيح على تقديم دعوته في صورة دينية والإعلان أنها آتية بسلطة إلهية ؛ هو سيادة النظام الكهنوتي في المجتمع اليهودي. فالكهنوت هو الذي كان يحتكر النصوص الدينية شرحا و تفسيرا و يشرف على الالتزام بحرفيتها، و هو أيضا الذي يحدد معايير الإيمان و الكفر و يمارس التكفير و الحرمان و الطرد من الجماعة الدينية و من المجتمع كله. و في ظل هذا المناخ لم يتمكن المسيح من الصمود و من نشر دعوته إلا عن طريق مواجهة السلطة الدينية الطاغية بسلطة دينية أخرى، أي بإعلانه أن رسالته آتية بأمر من الرب. فنشر الدعوة بمجرد الاحتكام إلى الضمير أو العقل لم يكن ليصلح وسط هذا المناخ الذي سيطرت عليه مؤسسة دينية تدعي أنها تمثل الرب و تنفذ مشيئته و شريعته( ). و هكذا تحولت دعوة المسيح من دعوة أخلاقية إلى دين يستمد شرعيته من مصدر إلهي، و أصبح شخص المسيح نفسه هدفا للإيمان، بدلا من أن تكون دعوته هدفا للتبني و الممارسة العملية. و يعلن هيجل أن الروح اليهودية المتعصبة و الوعي اليهودي الشقي هما السبب وراء علو أهمية شخص المسيح على المبادئ التي كان يدعو إليها. و من هنا اكتسبت حياته أهمية أكبر من أهمية تعاليمه الأخلاقية. فالمجتمع اليهودي المعاصر للمسيح و الذي فقد القدرة على التفكير في المبادئ الأخلاقية و تبنيها و العمل بمقتضاها كان رد فعله الطبيعي إزاء دعوة المسيح لا التفكير فيما جاء به بل الجدل حول شخصه و سلوكه( ). لم يستطع اليهود العلو على الشخص و تبني المبدأ الذي يدعو إليه، بل ظل المبدأ متصلا بالشخص. و لأن اليهود لم تكن لهم روح حرة، و لأنهم رزحوا تحت شقاء العبودية، فقد نظروا إلى الروح الحرة للمسيح و استقلاله و تحرره من كل القيود التي تكبلهم على أنها أشياء إلهية. ولم يكن الاعتقاد في ألوهية المسيح من جانب أتباعه من اليهود إلا نتيجة لعدم تمكنهم من إدراك أن روحه الحرة المستقلة هي الروح الإنسانية النقية و الطاهرة، بل أرجعوا هذه الحرية و الاستقلال و الطهر و النقاء إلى ألوهيته لا إلى إنسانيته. فاليهود لديهم تصوران لا ثالث لهما: فإما أن يكون المرء عبدا لإله، أو أن يكون هو نفسه إلها، و لم يكن لديهم مفهوم عن الإنسان أو عن كيفية أن يكون المرء إنسانا. لقد كان المسيح يسعى دائما ليعلمهم كيف يكون المرء إنسانا لا مجرد عبد، لكن أتباعه لم يأخذوا حياته و أعماله و أقواله على أنها تربية إنسانية لهم بل على أنها دليل على ألوهيته. فقد فشلت دعوة المسيح نتيجة للفهم اليهودي الضيق لهذه الدعوة و للوعي اليهودي الشقي الذي حولها إلى دعوة دينية و نظر إليه على أنه إله( ). لم يستطع الوعي اليهودي الشقي أن ينظر إلى شخصية المسيح على أنها مثال على الإنسانية الحقة و الفضيلة و الكرامة البشرية، بل نظر إليها على أنها ألوهية. فالوعي الشقي دائما ما يرجع المثل الإنسانية إلى الإله، و هذا هو الاغتراب الديني في أعلى صوره. كما يفسر لنا هيجل السبب في أهمية المعجزات. فتعاليم المسيح الأخلاقية في حد ذاتها لا علاقة لها بالمعجزات، فلم يكن المقصود منها أن تكون من بين أسس الإيمان. و كل ما هنالك أن المسيح وجد أن اليهود ضعاف في ناحية التفكير المجرد و غارقين في المحسوسات و لا يرقون إلى مستوى المبادئ الكلية، ووجد أنهم في الأصل و من أقدم العصور و هم ينظرون إلى المعجزات على أنها دليل على صدق صانعها و أنه آت من عند الرب، و هذا ما جعل المعجزات ضرورة للفت انتباه قوم لا يعرفون إلا ما يرونه أمامهم. لقد كانت المعجزات مجرد وسيلة، أما اليهود فقد نظروا إليها على أنها دليل صدقه و من أساسيات الإيمان به( ). و يعطي لنا هيجل تأويله الخاص للكيفية التي عرف بها يسوع على أنه المسيح. فكان اليهود قبل مجيء المسيح يعتقدون في قدوم شخص في المستقبل مرسل من عند الرب سيخلصهم من الهوان و العذاب الذي يعانونه و يسترد لهم مملكتهم الضائعة، و كانوا يسمون هذا الشخص بالمسيح المنتظر. و كانت صورة هذا المسيح المنتظر في خيال اليهود صورة قائد عسكري و زعيم سياسي و مناضل يقود اليهود في حربهم ضد أعدائهم حتى ينتصروا عليهم و يتولى هو بعد ذلك حكم مملكة إسرائيل كملك. و في عصر يسوع زاد إيمان اليهود بقرب قدوم هذا المنتظر، و لذلك فعندما بدأ يسوع دعوته كان يقابل دائما بأسئلة من اليهود عن شخصه و هل هو المسيح المنتظر أم لا؟ لم يجد يسوع هو و حواريوه وسيلة أمامهم كي يلقوا آذانا صاغية من اليهود و انتشارا لدعوتهم إلا بالإعلان أنه هو المسيح المنتظر. إلا أن مفهوم يسوع و حوارييه عن المسيح المنتظر كان مناقضا للمفهوم اليهودي تماما. فلم يكن يسوع رجل سياسة أو حرب أو مناضل، و لم يأت لإعادة تأسيس مملكة إسرائيل. فدعوته أخلاقية خالصة تخص المعاملات بين الناس و تبغي تخليص اليهود من هوسهم الديني و جمودهم و تصلبهم حول النصوص و الشعائر الجوفاء. كان يسوع دائم الإصرار على أن مملكته ليست على الأرض بل في السماء، و على أن رسالته تدعو للسلام و التسامح و لا علاقة لها بالسياسة (إعط ما لقيصر لقيصر و ما لله لله). إلا أن اليهود كانوا ينتظرون قائدا عسكريا مناضلا يحارب أعداءهم، و لذلك كانت دعوة يسوع مناقضة تماما لتصورهم عن مسيحهم المنتظر، و بالتالي قوبل يسوع بالمقاومة و الاستهزاء من اليهود حتى تآمروا على قتله( ). و يستمر هيجل في توضيح مصير المسيح على أيدي اليهود بقوله أن أخشى ما كان يخشاه الكهنوت اليهودي ظهور نبي جديد. فإذا ظهر في اليهود إنسان يستطيع أن يبرهن على صحة نبوته و أنه مرسل من الرب فسوف يكون له حق مطلق في إعطاء الأوامر و ستكون سلطته أعلى و أقوى من سلطة الأحبار لأنه يتلقى أوامره من الله مباشرة و ليس مجرد مفسر أو مؤول لأوامر الشريعة مثل الأحبار و القضاة. و من هنا تآمر الكهنوت اليهودي على العديد من الأنبياء و قتلوه لأنهم ينازعون سلطتهم و يأتون بشرعية أخرى أعلى من شرعيتهم، و تآمر أيضا على المسيح لأن دعوته في الحقيقة تفكيك لسلطة الكهنوت كلها. و من جهة أخرى فأي نبي سيكون له سلطة كبيرة على الشعب إذا ما استطاع كسب ثقته. فالشعب مضطهد دائما و يعاني من تسلط الكهنوت، و عندما يظهر نبي فإنه دائما ما يأخذ صف الشعب و يدافع عن قضيته. و هنا تكمن خطورة النبي و ذلك نظرا لقدرته على حشد الشعب و تعبئة عواطفه ضد الكهنوت. و هذه كلها مبررات دفعت السلطة الدينية اليهودية لكي تتآمر مع الرومان لصلب المسيح. و يعالج هيجل المصير التاريخي للمسيحية و يرى أنها تحولت إلى شكل آخر من اليهودية. فمثلما حول الوعي اليهودي الشقي دعوة المسيح من مجموعة مبادئ و تعاليم أخلاقية إلى دين وضعي و لاهوت و عقيدة جامدة، حولها أيضا إلى فرقة دينية ثم إلى تنظيم كهنوتي على شاكلة اليهودية تماما. فعلى الرغم من أن المسيحية كانت في الأصل انشقاقا عن الطابع الكهنوتي و التراتبي للدين و المؤسسة الدينية، و دعوة لأن يكون الدين دين القلب و الشعور و المعاملات الصالحة بين الناس، إلا أن مصير المسيحية كان أن انحدرت إلى نفس ما كانت تحاربه، و ذلك بسبب تملك الروح اليهودية البائسة من المسيحيين. القداسة من منظور الدراسة السوسيولوجية للدين: رأينا كيف درس هيجل اليهودية و المسيحية بأسلوب نقدي و كيف أبرز آراءه الفلسفية الجريئة في موضوعات مثل ظاهرة الدين نفسه و الشريعة و الأخلاق و المؤسسة الدينية. و الحقيقة أن تحليلات هيجل تتفق إلى حد كبير مع الدراسات السوسيولوجية الحديثة للأديان. ونستطيع الاستعانة في هذا المقام بأمثلة من دوركايم و توينبي لإثبات صحة هذا القول. فسوسيولوجيا الدين عند دوركايم توضح لنا لماذا تقدس الجماعة شيئا ما، فالسبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الشيء هو الذي يجعلها متماسكة و مندمجة و متمايزة عن محيطها الطبيعي و الإنساني. فالوظيفة الأساسية للمقدس و لعملية التقديس ذاتها تتمثل في إحداث تماسك للمجتمع و تنشئة أفراده ( ). و من هنا نستطيع فهم الأشياء التي نظر إليها اليهود على أنها مقدسة مثل نصوص الشريعة و خيمة الاجتماع و تابوت العهد و بعد ذلك هيكل سليمان. هذه الأشياء كانت هي التي يلتف حولها اليهود و يجدون فيها و عبرها هويتهم ووحدتهم و من هنا قدسوها. إنهم في الحقيقة يقدسون أنفسهم و تجمعهم و اندماجهم في كيان واحد، لكن نظرا لوعيهم الشقي يلحقون أهميتهم و شعورهم القوي بالوحدة و بقداسة تجمعهم بأشياء مادية يتخذونها موضوعا للتقديس. أما توينبي فيوضح لنا كيفية تحول الأسفار إلى نصوص مقدسة. لم تكن أسفار العهد القديم حائزة على صفة القداسة و لم تكن جزءا من الكتابات المقدسة مثل الوصايا العشر مثلا عندما كان اليهود في فلسطين قبل الأسر البابلي. أما بعد الأسر، و بعد ترحيل عشر أسباط من الاثنى عشر سبطا إلى العراق فقد تحولت هذه الأسفار التي لم تكن إلا مجموعة من النصوص و التراتيل الحكم و للأنبياء إلى جزء من الكتاب المقدس. فعند ترحيلهم لم يجد اليهود ما يأخذونه معهم ليتذكروا به وطنهم و تراثهم الثقافي إلا هذه الكتابات، فهي أخف ما يمكن أن يحملوه ( ). و من هنا جاءت قداستها، فهي التي حافظت على وحدة الجماعة اليهودية في السبي و ذلك بأن كانت موضوعا للقراءة اليومية لما بها من تذكير بأيامهم الخوالي و أنبياءهم العظام و تراثهم البائد. و يعد هذا أيضا هو السبب في أن العهد القديم يحتوي على عدد كبير من الأسفار "التاريخية" التي تسرد أحداثا تاريخية صرف و لا علاقة لها بالدين كأخلاق أو عقيدة، و لأن هذه الأسفار تقوم بنفس وظائف الأسفار الأخرى، بل و الأهم أنها تقوم بوظيفة "أسطورة الأصل"، فلم تكن تقل أهمية عن أسفار الأنبياء و الشريعة و الحكمة. و بذلك يكون التحليل السوسيولوجي للمقدس عند دوركايم متفقا مع تفسير توينبي لقداسة النصوص اليهودية. رأينا كيف يوضح هيجل الاختلاط بين الدين و السياسة عند اليهود، أما توينبي فيزيد من توضيح هذا الاختلاط و ذلك بتناوله لتاريخ بني إسرائيل بعد الأسر البابلي. فبعد أن دمر الملك الفارسي قورش الإمبراطورية البابلية سمح لليهود بالعودة إلى فلسطين. لكن ما حدث أن اليهود لم يريدوا العودة مرة أخرى، فقد كيفوا أنفسهم و حياتهم مع البيئة الجديدة. و عندما وجد كبراء بني إسرائيل هذا الموقف من اليهود أخذوا يزينون لهم العودة و يصورونها لهم على أنها واجب ديني و إعادة لأمجاد داود و سليمان. لم تكن فكرة إعادة تأسيس مملكة إسرائيل آنذاك واجبا دينيا بل أيديولوجيا عمل على بثها ثلاثة من أنبياء اليهود (زيروبابل 538 ق.م - عزرا458ق.م - نحميا445 ق.م) في يهود الشتات ليقنعوهم بالعودة إلى فلسطين. و هذا هو الذي يحدث الآن. ففكرة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات و أرض الميعاد و إعادة بناء الهيكل و باقي الأساطير الأخرى هدفها إقناع يهود الشتات أنفسهم بفكرة الهجرة إلى فلسطين… كان هدف يهود الشتات طوال ألفين و خمسمائة سنة الحفاظ على وحدتهم و دينهم في مجتمعات غريبة ووسط أديان أخرى منافسة، و قد نجحوا في ذلك بالفعل. أما ما استجد في القرن العشرين فهو محاولة إحدى الجماعات اليهودية، وهم الصهاينة، إعادة تأسيس إسرائيل في فلسطين. و الحقيقة أن هذا ليس هو الهدف الأصلي لليهود، فهدفهم الأصلي هو الحفاظ على مجتمعاتهم ووحدتهم في الشتات. و سعيهم الدؤوب وراء هذا الهدف طوال تاريخهم كان وراء نجاهم في تحقيقه، أما إعادة تأسيس إسرائيل في فلسطين فلن يضيف جديدا لهم، و لن يضفي مزيدا من القداسة على دينهم، و لن يكون مرحلة جديدة من تطورهم كما يعتقد البعض منهم. و الدليل على ذلك ما حدث في القرنين السادس و الخامس قبل الميلاد. فقد رفض معظم يهود الشتات آنذاك العودة إلى فلسطين و لم تغير إعادة تأسيس مملكتهم من وضعهم شيئا بعد تحرير الفرس لهم من البابليين. يصور الصهاينة ليهود الشتات أن تأسيس دولة إسرائيل هو الهدف الأصلي للديانة اليهودية و لكل جهود اليهود طوال 25 قرنا، و تنفيذا لوعد إلهي. كما يصورون لهم أن إعادة بناء الهيكل يعد مرحلة جديدة في تاريخ اليهود و هدفا دينيا لهم. أما الحقيقة فهي عكس ذلك تماما. فاليهودية تدين لتطورها الديني إلى السيناجوج (المعبد اليهودي)، لا إلى هيكل سليمان، ففي المعابد اليهودية المنتشرة في جميع مناطق الشتات خارج فلسطين تمت صياغة اللاهوت اليهودي و جمع و تحرير كل أسفار العهد القديم و كتابة جميع كتبهم المقدسة مثل التلمود و الهالاكا، لا في هيكل سليمان . كما يدين اليهود بجميع خصائصهم الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية إلى وضعهم في الشتات لا إلى إسرائيل القديمة. الهوامش 1) سبينوزا: رسالة في اللاهوت و السياسة. ترجمة وتقديم أ.د حسن حنفي، مراجعة أ.د فؤاد زكريا. مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثالثة 1991. 2) Hegel: The Phenomenology of Mind. Trans. By J.B. Baillie, George Allen and Unwin, London, 1931. للفصول الأربعة الأولى من هذا الكتاب ترجمة عربية قام بها د. مصطفى صفوان بعنوان "علم ظهور العقل"، دار الطليعة، بيروت1994. 3) Hegel: "The Positivity of the Christian Religion" and "The Spirit of Christianity and its Fate" both in Hegel: On Christianity, Early Theological writings. Translated by T.M Knox , Harper Torchbooks, New York, 1961. 4) هيجل: علم ظهور العقل، ص 158. 5) هيجل: المرجع السابق، ص 159. 6) Hegel: "The Spirit of Christianity and its Fate", P. 182. 7) Ibid: P. 183-186. 8) Ibid: P. 187-188. 9) Ibid: P. 190. 10) سبينوزا: رسالة في اللاهوت و السياسة، ص 400. 11) Hegel: "The Spirit of Christianity and its Fate", P. 198. 12) Ibid: P. 199. 13) Hegel: "The Positivity of the Christian Religion", P. 99. 14) سبينوزا: رسالة في اللاهوت و السياسة، ص 337-338. 15) Hegel: "The Positivity of the Christian Religion", P. 71. 16) Ibid: P. 76. 17) Ibid: P. 76. 18) Ibid: P. 75. 19) Ibid: P. 77. 20) Ibid: P. 78-80. 21) حول التناقض بين مفهوم يسوع و مفهوم اليهود عن المسيح المنتظر، أنظر: أرنولد توينبي: مختصر"دراسة للتاريخ" ، ترجمة فؤاد محمد شبل. مطبعة لجنة التأليف و الترجمة و النشر، القاهرة 1964. الجزء الثالث، ص 434. 21) Emile Durkheim: The Elementary Forms of The Religious Life, trans. By J.Swain. The Free Press, New York, 1965. 22) Arnold Toynbee: A Study of History, Volume XII: Reconsiderations, Oxford University Press, London, 1964, P. 484. 23) Ibid: P. 497.
#أشرف_حسن_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسن حنفي والقراءة الفينومينولوجية للتراث الديني
-
الرجل الشرقي والمرأة الشرقية: استبطان المرأة للهيمنة الذكوري
...
-
نظرية الارتكاس الثقافي
-
مقدمة في سوسيولوجيا التاريخ الإسلامي
-
الاقتصاد السياسي النيوكلاسيكي: المدرسة النمساوية
-
آدم سميث والليبرالية الاقتصادية
-
هل الحجاب فريضة؟
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|