|
! الحزب الشيوعي العراقي ......... انعدام اللون والطعم والرائحة
عارف معروف
الحوار المتمدن-العدد: 1785 - 2007 / 1 / 4 - 13:03
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
يتصور الداخل الى بناية مقر الحزب الشيوعي العراقي في ساحة الأندلس او المار بقربها انه يمر ببناية تخص مديرية التقاعد العامة ، فعلى العكس مما كان مألوفاً في معظم الفترات التي عاشها الحزب ، نادرا ما تلمح هناك اليوم وجها فتيا او شعرا لم يشتعل شيبا( واذا وجدت فتمعن في الامر اذ ربما كان مصبوغا) ، انك لاتجد سوى الشيوخ او ، على احسن تقدير، كهولا يحاولون عبثا التمسك بادعاءات الشباب ، لكن الشيخوخة ، ذاكرة خضراء ، بحسب التعبير العميق لكراهام كرين ، فاذ تضعف القدرة على الفعل وتخبو جذوة الحماسة والاندفاع ، يشتعل اواراسترجاع و اجترار الذكريات ، كتعويض مناسب ، الجميع يتحدث عن الماضي المجيد والكفاح التليد ، (ولا شيء البته عن الحاضر المروع وكانه امر ينبغي تناسيه !)، حتى على مستوى الاغاني والاناشيد،التي رددت، هذه الايام ، في بعض المناسبات ، كانت السبعينات هي الحاضرة بقوة ، كاحدث مايمكن اعادته الى الحاضر بقدر مناسب من الطزاجة !، والاعلام عموما والجريدة ( طريق الشعب )على وجه الخصوص، لاتقدم سوى سير من الماضي وذكريات عن بطولات سالفة وعظمة وتاريخ مفعم ! و لكن لو تصفحها احد واضعا كفه على العنوان وعلى شعار المنجل والجاكوج وكذلك عبارة الجريدة المركزيةللحزب الشيوعي العراقي ... الخ المثبته على صدر صفحتها الاولى، فسوف لن يجد في كل مادة الجريدة مايميزها عن اية جريدة اخرى خصوصا تلك الصحف التي لا لون لها والتي تصدر العشرات منها في بغداد يوميا وتغطي اكلافها ما تحصل عليه من اعلانات او " اعانات "، ناهيك عن جريدة شيوعية ! عدا مايمكن ان نصادفه في بعض الاحيان من خبر بسيط يخص نشاطات بعض الهيئات او نعي بعض المخضرمين في صفحة المحليات ! وبحسب ما استطلعته من اراء فانها لم تعد تقرا الا بحكم الواجب من قبل بعض الشيوعيين ولايكتمك الكثيرون منهم من انه لا يقرأ سوى العمود الفلاني الذي ربما يستجيب لبعض الوقائع بلغة حية ، نوعما ، قياسا بالمادة واللغة الميته والمحنطة التي تحفل بها الجريدة . ان انعداما واضحا للون وغيابا بيّنا للنكهة ، ربما مقصودا ، يسري في عروق الجريدة ، كما لو كانت وجودا مستمرا بحكم العادة او القصور الذاتي ، ليس ثمة أي دافع او حافز او حرارة للحياة ، تلك التي ميزت نفس الجريدة " هل يمكن القول انها نفس الجريدة فعلا؟ في السبعينات والتي كانت تزخر بمادة دسمة عاب عليها البعض ان تكون مثقلة بها وهي الجريدة اليومية ، آنذاك . لابد من الاستنتاج بان ما يحصل للجريدة ليس سوى انعكاس لما يحصل في المؤسسة الام! فبدلا من العمال والطبقة العاملة والمثقفين المتحمسين والشباب المتشوفين الحالمين ...فانك تجداليوم ،هناك ، " ممثلين مخضرمين " عنها ، ممثلون لا يختلفون بشيء عمن تجدهم في كل مكان ، كهولا يتهالكون على مصالح شخصية يتسقطون اخبار المقاولات وعروض المناقصات ،لكنهم،والحق يقال، يشتعلون حماسا عند تذكر ما تعودوا عليه ، وتربوا على اساسه، منذ عقود ، من صيغ كفاح .... الاغاني والرقصات والاناشيد والقصائد عن العمل والعمال وابو الجريدة فيلتهبون حماسا ويغرقون في نشوة صوفية تلهبها كلمات وحماسات لا علاقة لها البتة بالسلوك اليومي والممارسة الفعلية !! حتى انني خلت وانا استمع الى الخطبة الحماسية للرفيق" وهو عضو لجنة مركزية ووكيل وزارةعلى ما اعتقد "الذي رعى احتفال عيد الاول من ايار 2006 والذي انعقد في جمعية المهندسين العراقيين اننا على وشك الهجوم على قصر الشتاء ! لولا ان توترا نشأ ، قبل وقت قصير وانا في طريقي للحفل،بفعل زمجرة جندي مدرعة امريكي في وجهي وانا اقترب خطأ من مدرعته كان مازال مسيطرا على مشاعري بعد ان ادركت ان حياة ثانية كتبت لي وكدت " اروح بيها " ! ورغم ان تلك الكلمات والشعارات والرموز وبضمنها عناق المطرقة والمنجل تبدو للكثيرين منهم اشبه باشياء زائدة لم تعد ذات نفع او علاقة بل هي اقرب الى سقط موروث مما جعل احدهم يجيبني وانا اسئله عن ضرورة وجدارة الاستمرار في اعتماد هذا الرمز وصورته التي تزين واجهات مقراتهم قائلا انه لم يعد سوى " عقال " الجد الذي لابد للعائلة من الاحتفاظ به كرمز تراثي ! احسست انني لااواجه شيئا جديدا فلطالما لمست البون الشاسع بل والمنقطع بين الادعاء والواقع ، الشعار والممارسة ، الشكل والمضمون ، العرّابين الذين يبيعون الكلام والقاعدة التي تملأ بالاوهام والحماسات وتقدم الضحايا . لكن الامور اضحت ، اليوم ، تختلف كثيرا عما سبق فثمة ياس واحباط وتسليم وتخل وكان الاهل جميعا قد تيقنوا حقا واستسلموا لنهاية باتت وشيكة لمريض طال احتضاره لكنهم مع ذلك لايكفون عن المكابرة والادعاء والتمسك بالاسم ربما بحكم العادة والانغماس اوبسبب مآرب اخرى غير معلومة لدينا! . تاملت في العمل المبدع الخلاق الذي انتهى بالحزب الشيوعي الى ما انتهى اليه . أي فعل فذ تمكن من تحويل حزب شغل الدنيا وملأ الناس و اسهم في صنع العراق الحديث تاركا بصمات لاتنمحي في تاريخه المعاصر كالحزب الشيوعي العراقي الى منظمة هامشية ، لابالعير ولا بالنفير ! أي سحر اسود تمكن من قلب ، نخل حي، بنسغ حار ، من نخيل السماوة ، الى " نخلة صفراء من ذهب وعاج ، في دكاكين السياحة الامريكية !! (بالاستعارة من المبدع الكبير سعدي يوسف ، وببعض التصرف ) . ولدت وعشت في كرخ بغداد وعرفت ، في طفولتي وصباي ، تعبيرين شعبيين او نموذجين للسياسي فهو اما قومي ، وكان يقصد به البعثي او الحركي واما وطني وكان المقصود دائما هو الشيوعي حيث لم نكن نفرق بين الشيوعي والوطني ونعتبر المفردتين ترادفا لمعنى واحد !!لكنني اعيش، اليوم ، لاشهد ، مسوخا في زمن الولادات المشوهة ! هل ثمة سر في الامر ؟ هل ثمة ارادة خفية خلف كل ما نشهد، ام انها النهايات الحتمية التي نرفض تصديقها بفعل العاطفة حيث " كل ما عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " او على اقل تقدير هي الدورة الخلدونية من الولادة والفتوة فالشباب ، ثم ،الشيخوخة والموت، ام ان المصير كامن ، منذ الولادة ،في ثنايا الخارطة الجينية واننا لانشهد سوى ماكتب منذ البدء ؟ هل يرتبط المآل الحالي للحزب الشيوعي بأيلولة الشيوعية الرسمية عموما وانطفاء الاتحاد السوفيتي و"منظومته الاشتراكية "قبل ربع قرن من الزمان و"عجزوافلاس" الشيوعية في مواجهة الحياة وشجرتها الخضراء المتجددة ابدا ام ان الامر يرتبط بذلك جزئيا فقط ويعود في معظمه الى ما انطوت عليه سيرة الحزب الشيوعي ذاته من عناصر واجنة وارهاصات ، ام ان الامر يتعلق بالوضع العراقي الراهن وسعي قوى عديدة واجندات مختلفة الى تقزيم وتهميش دور الحزب وقدرته على الاداء كما يحلو لبعض الشيوعيين ان يقول او انه يتعلق بتعقيدات وانعكاسات وتداخل ... الخ عناصر ومعطيات واشكالات محلية واقليمية وعالمية ، ذاتية وموضوعية ( وهي صيغ وتعابير اغرم بها الشيوعيون منذ نصف قرن وتصدرت دائما ،كلازمة ثابتة ، معظم بياناتهم وقرارات ومقررات اجتماعاتهم التي تحاول ان تتناول الواقع وتحلله وتبني سياساتها على اساسه ،فالوضع منذ فتحت عيني على الدنيا، بالنسبة لهم ، شائك ومتفاقم وينطوي على تعقيدات هائلة .... الخ وذلك للهروب عن مواجهة هذا الواقع بفهم حاسم يرتب التزامات حاسمة اولا ولتبرير العجز والفشل وتحمل مسؤولية فهم دقيق وناجزله ! ....على اية حال ان من يريد ان يفهم سر الياء يجب ان يعود الى البدايات ... الى الالف والباء في الابجدية فليست الياء غيرهما بصورة جنينية !! (يتبع...)
#عارف_معروف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........افق الحرب الاهل
...
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........11
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق......... 10
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........9
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........8
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........7
-
! جورج حاوي : يا انصار العقل ... اتحدوا
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........6
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........5
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .......4
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........3
-
من اجل العمل المشترك لقوى اليسار والتقدم والديمقراطية
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........2
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ...........1
-
هل الماركسية علم ام عقيدة ؟
-
صور صدام ... اية لعبة هذه المرة؟!
-
في البديهيات..... تجربة امريكا الديمقراطية في العراق!
-
التكفير والانتحار.. رأي في اسس المشكلة
-
مذبحة الاعظمية...اشهد اني رأيتهم يعدونهم للذبح!
-
هل -الزرقاوي- اردني ام عارقي؟
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|