أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - عضيد جواد الخميسي - قصة اكتشاف الأشعة السينية (X)















المزيد.....

قصة اكتشاف الأشعة السينية (X)


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 8184 - 2024 / 12 / 7 - 17:32
المحور: الطب , والعلوم
    


أثمر اكتشاف الأشعة السينية (شكل من أشكال الإشعاع الغير مرئي الذي يمكن أن يخترق الأجسام بما في ذلك الأنسجة البشرية) ؛ عن ثورة في الطب والعلوم بأواخر القرن التاسع عشر الميلادي . حيث اكتشف العالم الألماني "ويلهلم كونراد رونتگن" (عام 1845-1923 ميلادي) الأشعة السينية أو "أشعة رونتگن" في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1895م. وقد حصل على أول جائزة نوبل في الفيزياء عن هذا الاكتشاف في عام 1901م .
في أواخر العصر الڤيكتوري ارتبط إثارة ذلك الاكتشاف بهوس شديد عن الأشباح والتصوير الفوتوغرافي . فقد كان بوسع الأشعة السينية أن تلتقط صوراً لداخل الأجسام، فتكشف عن الهيكل العظمي البشري . وأصبحت صور العظام شائعة عند الناس، وفتح المصورون استوديوهاتهم للجمهور المولع بصور الهياكل العظمية.
أحد الاستخدامات الطبية الأولى للأشعة السينية كان في عام 1896م ، وذلك عندما اكتشف الطبيب البريطاني "جون فرانسيس هول إدواردز" (عام 1858-1926م)، إبرة مغروسة في يد أحد زملائه. وسرعان ما تحولت تقنية الأشعة السينية من كونها نمطاً جديداً من أنماط التصوير الفوتوغرافي إلى أداة تشخيص حديثة تستخدمها المستشفيات والأطباء على حد سواء .
كان ويلهلم كونراد رونتگن عالماً متشككاً، ولكن اكتشافه للأشعة السينية ربما كان نتيجة غير مقصودة لعمله مع أشعة الكاثود في مختبره في ڤورتسبورگ / باڤاريا ـ ألمانيا .

السنوات المبكرة
وُلِد ويلهلم كونراد رونتگن في لينيپ ـ پروسيا (ريمشايد / لينيپ، ألمانيا) في 27 مارس/ آذار عام 1845م، لأب ألماني يعمل في تجارة المنسوجات وأم هولندية. وكان طفلاً وحيداً قضى سنواته الأولى في أبلدورن في هولندا. أمّا والده فريدريش كونراد رونتگن (عام 1801-1884م) فقد كان يدير شركة لصناعة الأقمشة في مدينة أپلدورن الهولندية. وانتقلت الأسرة من محل إقامتها بسبب الاضطرابات السياسية في پروسيا .
التحق رونتگن بمدرسة أوتريخت التقنية عام (1861ـ 1863م)، لكنه طُرد من المدرسة عندما رسم أحد زملائه التلاميذ رسماً كاريكاتورياً يسخر فيه من أحد المعلمين . وأُتهم رونتگن ظلماً لأنه رفض تسمية التلميذ المذنب . وعلى الرغم من الدرجات الممتازة التي كان يحصل عليها، إلا أنه لم يتخرج بشهادة تقنية ، ولم يتمكن أيضاً من الحصول على أية شهادة في هولندا. بعد ذلك قُبل في قسم التقنية الميكانيكية في المدرسة الفيدرالية للفنون التطبيقية في سويسرا عام 1865 م، حيث حصل على دبلوم في الهندسة الميكانيكية. وفي عام 1869م، حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء بأطروحته البحثية عن الغازات .
كان الفيزيائي الألماني "أوگست كوندت" (عام 1839-1894م) مشرفاً على رونتگن . وفي عام 1866م، صمم كوندت جهاز سُميّ "أنبوب كوندت"؛ وهو أنبوب زجاجي يقيس سرعة الصوت في الغازات. وبهذا الاختراع أثر كوندت بشكل كبير على رونتگن ومسيرته العلمية .
التحق رونتگن بأستاذه كوندت إلى جامعة ڤورتسبورگ في عام 1870م، حيث عمل كمساعد دون أجر خلال فترة من التقدم السريع في الفيزياء التطبيقية . وقد كان عالم الرياضيات الأسكتلندي "جيمس كليرك ماكسويل" (عام 1831-1879 م) يبحث في الأشعة الكهرومغناطيسية ، حيث أثبت ان هناك علاقة بين الضوء والإشعاع الكهرومغناطيسي . كما التقط ماكسويل أول صورة ملونة في عام 1861م، بناءً على نظريته "ثلاثية الألوان" التي تقول؛ "إن العين البشرية ترى اللون من خلال مزج أضواء الأزرق والأحمر والأخضر" . ومن بين المنجزات التي اهتم بها رونتگن على نحو خاص؛ أعمال الفيزيائي الألماني "هينرچ هرتز" (عام 1857-1894 م) ، والكيميائي البريطاني "ويليام كروكس" (عام 1832-1919م). فقد درس كلا العالمين "أشعة الكاثود" ؛ وهي سيول أو حُزم غير مرئية من الإلكترونات يمكن ملاحظة سلوكها عندما يمر تيار كهربائي بين القطبين (الكاثود والأنود) في أنبوب زجاجي مُفرّغ من الهواء. ويطلق عليها أشعة الكاثود؛ لأن الإلكترونات تنبعث من الكاثود عندما يسخن بالتيار الكهربائي، فيتوهج سيل الإلكترونات . وكان "يوهان ويلهلم هيتورف" (عام 1824-1914م) أول من اكتشف أشعة الكاثود المتوهجة باللون الأخضر في الجدار الزجاجي لأنبوب مُفرّغ من الهواء في عام 1869م، لكنه لم يدرك أن الأشعة السينية قد تم توليدها أثناء تجاربه.
أصبح رونتگن مولعاً بالبريق الناتج عن أشعة الكاثود عندما تصطدم بمواد معينة مثل؛ أملاح "پلاتينوسيانيد الباريوم" ، و تتوهج بلون أصفر مخضّر. وكانت تلك النتيجة قد أدت إلى اكتشاف الأشعة السينية.

خطوات الاكتشاف
بحلول عام 1895م، أصبح رونتگن أستاذاً للفيزياء في جامعة ڤورتسبورگ. وفي الخمسين من عمره، كان في ذروة حياته المهنية.
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، أجرى العديد من العلماء تجارباً على الكهرباء والأنابيب المُفرغة واقتربوا من اكتشاف الأشعة السينية. وكانت تجاربهم بمثابة خطوات حاسمة أدت إلى اكتشاف رونتگن .
في عام 1705م، أجرى العالم البريطاني "فرانسيس هاوكسبي" (عام 1660-1713م) أبحاثاً حول توليد الكهرباء الساكنة ( static ) . فقد أزال معظم الهواء من كرة زجاجية وأحدث شرارة عن طريق تدويرها وفركها بكلتا يديه. ولاحظ هاوكسبي ضوءاً أرجوانياً مزرّقاً في الغرفة المظلمة، وكان ذلك كافياً لرؤية محيط يده عندما وضعها على الكرة؛ لكنه لم يكن لديه تفسير علمي للضوء الناتج . وقد اخترع هاوكسبي عن غير قصد ضوء النيون وأثبت أن الكهرباء يمكن أن تولّد الضوء.
في فبراير / شباط من عام 1890م، التقط الفيزيائي الأمريكي "آرثر ويليس گودسپيد"(عام 1860-1943م) أول صورة بالأشعة السينية، وأجرى تجارب على التفريغ الكهربائي في أنبوب كروكس (أنبوب مفرّغ) في جامعة بنسلفانيا. وفي إحدى التجارب تعرضت رقائق التصوير الفوتوغرافي غير المكشوفة والعملات المعدنية القريبة من الأنبوب للأشعة السينية. وقد اشتكى گودسپيد إلى تاجر الرقائق الفوتوغرافية عن رقاقة تالفة ؛ بسبب صورة جسم غامض كان قد ظهر عليها. إلا أن گودسپيد لم يدرك أنه قد التقط صورة بالأشعة السينية للعملات المعدنية ، وحفظها في إحدى ملفاته. ولم يكن گودسپيد يعرف أيضاً أنه قد ولّد الأشعة السينية قبل ست سنوات تقريباً ؛ إلاّ عندما أعلن رونتگن عن اكتشافه للأشعة السينية في ورقته البحثية حول نوع جديد من الأشعة التي نُشرت في 28 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1895م .
في فبراير/ شباط عام 1896م ، وأثناء محاضرة في الجمعية الفلسفية الأمريكية، صرح گودسپيد قائلاً:
"الآن، أيها السادة، أتمنى أن يكون مفهوماً وبشكل واضح أننا لا ندّعي الفخر على الإطلاق، ولكن على ما يبدو أنها كانت مصادفة مثيرة للاهتمام أيضاً. وطالما إن الأدلة التي أمامكم قد تبدو مقنعة تماماً ؛ فإن الصورة الطيفية الأولى لرونتگن قد تم تكوينها فعلاً منذ ما يقرب من ست سنوات من هذه الليلة في قاعة مختبر الفيزياء بجامعة بنسلفانيا ."

كان "فيليپ لينارد" (عام 1862-1947م)، وهو تلميذ ومساعد البروفيسور هينرچ هرتز المولود في المجر؛ كاد أن يكون مكتشف الأشعة السينية، وقد استاء كثيراً من نسب الاكتشاف إلى رونتگن . حيث زعم أن تجاربه على أشعة الكاثود أدت مباشرة إلى اكتشاف رونتگن، وأنه كان "أب الأشعة السينية" لأنه اخترع الأنبوب المفرّغ الذي استخدمه رونتگن في تجاربه العديدة.
و هرتز ( الذي أُطلق اسمه على وحدة ترددات الأمواج الصوتية والكهرومغناطيسية بما فيها الترددات الراديوية، وأيضاً في وصف السرعات التي تعمل عليها الحواسيب ومختلف الأجهزة الإلكترونية) ، كان قد أظهر أن أشعة الكاثود يمكنها اختراق رقائق معدنية دقيقة. وفي عام 1892م، صمم لينارد أنبوباً زجاجياً محسنّاً بفتحة من الألومنيوم في نهايته تسمّى "نافذة لينارد"، والتي من شأنها أن تسمح لأشعة الكاثود بالخروج من الأنبوب للتمكن من اختبارها خارج الأنبوب نفسه؛ حيث قام بطلاء رقاقة بالمركب الكيميائي الكيتون ( السيتون) ولاحظ أن أشعة الكاثود أعتمّت جزء من الرقاقة التي كانت على مسافة 8 سنتيمترات ، وجزؤها الآخر قد أُضيئ . وهذا يفسّر أن أشعة الكاثود لديها طاقة كافية للتسبب في الضوء المرئي، لكن لينارد فشل في فهم أنه قد ولّد نوعاً مختلفاً من الأشعة.

سمع رونتگن بتجربة لينارد وأراد إعادة اختبارها. فتبادل الاثنان الرسائل، وطلب رونتگن منه مركب الكيتون الذي تأخر وصوله من الشركة المصنعة. لذا فقد استخدم رونتگن "پلاتينوسيانيد الباريوم" بدلاً من الكيتون؛ وهو مركب كيميائي معروف في ذلك الوقت بقدرته على التفلور( التوهج) في الأشعة فوق البنفسجية. ومن المرجح أن فكرة استبدال المركب الكيميائي بآخر والملاحظة الدقيقة والتجارب المتكررة من قبل رونتگن؛ تقرر اعتبار مكتشف الأشعة السينية هو رونتگن وليس العلماء الذين سبقوه عندما كانت تنتج كظاهرة غير مفهومة في تجاربهم .
في مساء يوم الجمعة الموافق الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1895م، وفي مختبره بجامعة ڤورتسبورگ، غطى رونتگن أنبوباً مفرغاً من الهواء بورق مقوى أسود مطلي بـ پلاتينوسيانيد الباريوم بقصد حجب الضوء المنبعث منه ، ثم أطلق تياراً كهربائياً عالي السرعة من الكاثود إلى الأنود؛ فأضاء الورقة المطلية بلون أخضر مصفّر خافت. عندئذٍ أدرك رونتگن أن الأشعة الصادرة عن الأنبوب لها تأثير الضوء .
حبس رونتگن نفسه في مختبره؛ بل وسهر الليالي فيه على مدى أسابيع عدة ، حيث التقط صوراً بالأشعة السينية وأشهرها "Hand mit Ringen" (اليد ذات الخواتم ) في ديسمبر/ كانون الأول عام 1895م ، وكانت ليد زوجته اليسرى . و"آنا بيرثا رونتگن" (عام 1839-1919م)، التي تزوجها رونتگن في عام 1872م، كانت أول شخص يختبر تصوير الأشعة السينية، حيث أظهرت الصورة خاتم زفافها وعظام يدها. وبعد النظر إلى الأشعة السينية، صرخت آنا رونتگن : "ها أنا قد رأيت الموت !!" .
على الرغم من أن الرمز الشائع للأشعة السينية هو "X " (حيث يمثل X كمية غير معروفة في الرياضيات)، إلا أنه كان يُشار للأشعة السينية بشكل مبدأي باسم "أشعة رونتگن" في زمن اكتشافها. وقد أثبت رونتگن أن الأشعة السينية يمكنها اختراق الزجاج والورق والمعادن والأنسجة البشرية. وكان الفيزيائي البريطاني ورئيس الجمعية الملكية "لورد كلڤن" (عام 1824-1907 م)، متشككاً في هذا الاكتشاف، وأعلن على الفور في أن الأشعة السينية ليست سوى خدعة !. كما أثيرت بعض الدعاوى حول أسبقية اكتشاف الأشعة السينية، وكانت إحداها قد صدرت من فيليپ لينارد ، الذي اعتقد أنه كان أول من اكتشف الأشعة الجديدة ؛ زاعماً أنه قد بعث إلى رونتگن أحد أنابيب التفريغ الزجاجية المصممة خصيصاً له ، وشارك معه أيضاً معلومات مؤكدة عن تجارب أشعة الكاثود التي أجراها عام 1892م . وعليه ؛ كان لينارد يرى أن رونتگن بدون هذا الدعم الذي قدمه له شخصياً ، فإنه ليس باستطاعته أن يحقق ذلك الاكتشاف التاريخي .
وقد تفاقم استياء لينارد عندما مُنح رونتگن جائزة نوبل في عام 1901م، واستمر غيظه على رونتگن حتى ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك عندما انخرط لينارد في نشاطات المنظمات القومية الألمانية. وعلى الرغم من حصوله على جائزة نوبل في عام 1905م عن تجاربه في أشعة الكاثود؛ فقد سعى لينارد باستمرار إلى تشويه سمعة رونتگن . ودعم الرايخ الثالث ( الجيش النازي) زعم لينارد في أن "الأشعة العالية التردد" (كما أسماها)؛ لم يكتشفها رونتگن .

صور العظام والآثار الضارة
كانت الأشعة السينية قد اُستثمرت لأول مرة كوسيلة جديدة في التصوير الفوتوغرافي ، و استحوذت على خيال الجمهور الڤيكتوري . ولأن الأشعة السينية يمكنها اختراق الملابس ومشاهدة هيكل الجسم البشري، فقد كانت هناك مخاوف بشأن الحياء والخصوصية. وفي عدد من مجلة "العالم الكهربائي Electrical World "عام 1896م، أعلنت شركة لندن عن ملابس داخلية مصنوعة من الرصاص كشكل من أشكال الحماية. ومع ذلك، فقد استغلت استوديوهات التصوير الفوتوغرافي والمعارض الفنية هوس الأشعة السينية ، وأخذ الناس يصطفون على استديوهات التصوير لالتقاط صوراً لهياكلهم العظمية والتفاخر بها . وطالما أن صور الأشعة السينية قد أصبحت رائجة؛ لذا فقد استغل السحّارون المشعوذون الفهم المحدود للتكنولوجيا الجديدة عند عامة الناس؛ وأخذوا يستخدمون أساليب شتى في الخداع من أجل إقناع الناس بأن الهيكل العظمي في الصورة هو شبح أحد أفراد العائلة من المتوفين !.
كان من المعتاد أن يحيل الأطباء مرضاهم إلى المصورين قبل أن يدركوا القيمة التشخيصية للأشعة السينية. بيد أنه بحلول عام 1898م، تضاءل حماس واهتمام الجمهور بذلك النوع من التصوير، وانتقلت تقنية الأشعة السينية إلى المجال الطبي؛ حيث قدمت المستشفيات العلاج بالأشعة السينية. وربما كان الأمريكي "إميل گروبي" (عام 1875-1960 م) أول طبيب أورام في العالم قام بعلاج إحدى المريضات بسرطان الثدي لمدة ساعة كاملة بالأشعة السينية عام 1896م .

أصبحت التأثيرات الضارة في التعرض للإشعاع واضحة بحلول أوائل القرن العشرين، مع الإبلاغ عن حالات من الحروق والحكة الجلدية (المعروفة في ذلك الوقت باسم التهاب الجلد الناجم عن الأشعة السينية). إذ عانى "كلارنس دالي" (عام 1865-1904م) مساعد العالم "توماس إديسون" (عام 1847-1931م)، من تورم اليدين وتقشير الجلد بعد تعرضه للأشعة السينية على مدى ثماني سنوات . وعند سماعه اكتشاف رونتگن، أجرى إديسون تجاربه على الأشعة السينية وطور جهاز"الفلوروسكوبي Fluoroscopy" ( التنظير الفلوري)؛ وهي وسيلة تشخيص طبية تستخدم الأشعة السينية؛ حيث تُمكّن الطبيب من معاينة المكونّات الداخلية والوظائف العضوية في الجسم تصويراً. إلا أن إديسون قد توقف عن تجاربه بعدما بُترت ذراعي دالي بسبب التعرض للإشعاع لفترة طويلة ، و وفاته عام 1904م بسبب السرطان عن عمر ناهز التسعة والثلاثون عاماً. كما فقد "هول إدواردز" ذراعه اليسرى وأربعة أصابع من يده اليمنى لمنع انتشار النخر الناجم عن الإشعاع . وقد عانى الطبيب إميل گروبي من السرطان الناجم عن الإشعاع، وأجريت له أكثر من تسعين عملية جراحية لعلاج الحروق الشديدة والمضاعفات قبل وفاته. ولم يتم فرض قوانين السلامة في إنگلترا والولايات المتحدة الامريكية إلا في عام 1921م، وذلك بعدما قضى العديد من روّاد علماء الأشعة نحبهم جرّاء تعرضهم لخطر الإشعاعات. كما استسلم رونتگن لسرطان الأمعاء بعد فترة وجيزة، وذلك في فبراير/ شباط من عام 1923م .

الطب الحديث متأكدّ الآن من أن بعض أنواع الإشعاع يمكن أن يغيّر من تركيبة الحمض النووي؛ بالتالي يؤدي إلى تكاثر سريع للخلايا السرطانية. ورغم ذلك، فمنذ عشرينيات القرن العشرين وحتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، كان هناك جهاز يعمل بالعملة المعدنية يسمى " منظار القدم Foot-O-Scope " ، وهو من الأجهزة الشائعة في متاجر الأحذية. فقد كانت صورة الأشعة السينية لعظام القدم ومقاس الحذاء تساعد الآباء على التحقق فيما إذا كان الحذاء مناسباً للطفل . وكان الجهاز يطلق عليه في إنگلترا Pedoscope ، ويستخدم التنظير الفلوري . في ذلك الوقت؛ كان بائع الأحذية يعرّض نفسه لوابل من أشعة التنظير الفلوري عدة مرات في اليوم . وبحلول عام 1950م، كان هناك عشرة آلاف جهاز يعمل دون ضوابط في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1957م، حظرت ولاية بنسلفانيا التنظير الفلوري لقياس الأحذية، وبذلك تصبح أول ولاية أمريكية تتخذ إجراءً وقائياً. كما تم استخدام التنظير الفلوري أثناء الحرب العالمية الأولى لتصوير أقدام الجنود الجرحى بالأشعة السينية دون الحاجة إلى خلع أحذيتهم .

السنوات الأخيرة من حياة رونتگن
لم يكن فيلهلم كونراد رونتگن يعر أي اهتمام لشهرته العلمية . إذ أنه لم يحضر أو ​​يلقي كلمته في حفل توزيع جائزة نوبل للفيزياء عام 1901م، ولم يسع إلى الاستفادة من اكتشافه للحصول على براءة اختراع . فقد كان يعتقد أن تقنية الأشعة السينية يجب أن تكون متاحة مجاناً للجميع ، وقام بالتبرّع بأموال جائزة نوبل (حوالي 40 ألف دولار أمريكي ، والتي تعادل اليوم نحو مليون ونصف المليون دولار) لجامعة ڤورتسبورگ. وكان رونتگن في الأصل ثرياً ، وذلك بفضل أعمال والده في مجال صناعة المنسوجات .
انتقل رونتگن إلى جامعة ميونيخ في عام 1900م، حيث تولى رئاسة قسم الفيزياء التطبيقية حتى تقاعده في عام 1920م. كما توفيت زوجته آنا في عام 1919م بعد مرضها العضال . وعندما ضرب التضخم الاقتصادي ألمانيا في عام 1921م؛ خسر رونتگن قدراً كبيراً من ثروته ، وجاء في وصيته إتلاف معظم مذكراته ومجموعة مدوّناته . وذلك ما أثار التساؤل حول ما إذا كان رونتگن منزعجاً من الشائعات المستمرة بشأن المكتشف الحقيقي للأشعة السينية.
المخترع الصربي الأمريكي "نيكولا تسلا" (عام 1856-1943م) ، قد زعم أنه كان يعمل على الأشعة السينية التي أطلق عليها اسم "الصور الظلّية" منذ أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر. وقد أدى حريق شب في مختبره في نيويورك في مارس/آذار عام 1895م إلى تلف جميع سجلاته وأوراقه والصور التي كان يحتفظ بها ، وبالتالي لم يتمكن من إثبات ادعاءاته. وربما كان التخلّص من مدونات رونتگن الشخصية أيضاً لمنعها الوقوع في أيادي المنافسين له أو إساءة استخدامها.
وبغض النظر عن السبب وراء وصيّة رونتگن بإتلاف أطروحاته العلمية؛ فإن التاريخ قد سجّل في عام 1895م، أن فيلهلم كونراد رونتگن قد اكتشف نوعاً جديداً غير معروف من الأشعة في مختبره ، والذي أحدث فيما بعد ثورة في التصوير الطبي ..




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بوب بيرمان ـ من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة السينية: التاريخ العجيب للضوء غير المرئي ـ ليتل براون للنشر ـ 2017 .
هيلين بانيوم ـ اكتشافات عظيمة في الطب ـ ثامس وهدسون للطباعة ـ 2023 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقوس الشاي في الصين واليابان القديمتين
- هنود السهول الأصليين في أمريكا
- ليلة السكاكين الطويلة
- ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر
- الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
- الفينيقيون شعب أرجواني
- عنخ رمز بلاد النيل
- دعوى قضائية لعبد يهودي أمام محكمة بابلية
- نينهورساگ الإلهة الأم في الأساطير السومرية
- العقيدة البوذية في نشوئها وفلسفتها
- نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة
- الدفن في بلاد الرافدين القديمة
- كذبة أفلاطون في الروح
- الأزياء والملابس في بلاد الرافدين القديمة
- الفنّ والعمارة في بلاد الرافدين
- ثورة العمّال اللودّيين
- مَن هم شعوب البحر ؟؟
- الأعياد في بلاد الرافدين القديمة
- الحكومة في بلاد الرافدين القديمة
- النساء العالمات في ثورة العلوم


المزيد.....




- المدعي العام بأريزونا يقاضي شركات زراعية بسبب الإفراط في الم ...
- مضادات أكسدة فى طعامك تحسن وظائف الرئة.. اعرفها
- تقارير: عطل عالمي يصيب فيسبوك وإنستغرام وواتساب
- 6 أمراض مناعية ذاتية تسبب تساقط الشعر
- مشروع قانون الدفاع الأمريكي: زيادات بالأجور وجدل بشأن حظر ال ...
- فوائد شرب الماء الدافئ مع الليمون فى الشتاء
- عــــاجل عطل مفاجئ يصيب فيسبوك وإنستغرام وواتساب.. ميتا تعمل ...
- للنساء.. فيتامينات مهمة لصحتك فوق سن الـ25
- تناول الفاكهة قبل النوم يساعد على محاربة الجوع وله فوائد أخر ...
- الصحة العالمية: برامج التوعية والناموسيات والتطعيم منعت 2.2 ...


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - عضيد جواد الخميسي - قصة اكتشاف الأشعة السينية (X)