أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمود عباس - سوريا بين شتات الهويات وصراع الطوائف














المزيد.....


سوريا بين شتات الهويات وصراع الطوائف


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8183 - 2024 / 12 / 6 - 23:03
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


القوميات في الشرق الأوسط، أمل التنوير وسط ركام الصراعات
لا توجد "قومية تنويرية" بالمعنى الحرفي، بل تصل إلى تلك المرحلة بعد المرور بمراحل متعددة من التنوير والوعي، تتحول من حالة قد تكون مشبعة بالمفاهيم العنصرية أو الانغلاق الفكري، إلى ما يمكن وصفه مجازًا بـ "القومية التنويرية"، وهي مرحلة متقدمة تعكس اندماجها مع قيم التنوير والمبادئ الإنسانية. الحركة التنويرية، التي تقودها شريحة من المفكرين، تمثل القوة الدافعة التي تعمل على تنوير القومية بمختلف أبعادها، فتجعلها متناغمة مع القيم الحضارية والإنسانية، قادرة على تجاوز التعصب والانغلاق لصالح رؤى أكثر شمولية وعدالة.
رغم أنني استخدمت المصطلح سابقًا، إلا أنه لا يعكس تمامًا جدلية التنوير ولا السمات الجوهرية للقومية، إذ ما يوجد فعليًا هو شعوب وأنظمة واعية تأثرت بمفاهيم حراكها التنويري. هذه الأنظمة ترفع من وعي مجتمعاتها وتصقل مداركها لتجاوز الصراعات المذهبية والقومية.
الدول القومية الوطنية، كما نراها في المراحل المتقدمة من الوعي، يمكن أن يُضاف إليها وصف "التنويرية" رغم مجازية المصطلح. الأمثلة الأوروبية كألمانيا وفرنسا، واليابان، تُظهر سمات قوميات تنويرية حقيقية. هذه الدول نجحت في إضفاء طابع إنساني وحضاري على قومياتها، نتيجة لتمهيد استمر عقودًا طويلة، تم فيها تليين النزعات القومية العنصرية، وتشذيب ثقافة الأنظمة الدكتاتورية. هذه الأمثلة تُبرز كيف يمكن للقومية أن تتطور إلى قوة إيجابية متحضرة، تعمل على تعزيز قيم التسامح والعدالة والمساواة، وهي التي خلقت الحضارة الحالية، وتطورها.
وهو ما لم يبدأ بعد في شرقنا، الغارق في العنصرية وكراهية الأخر، كنا نأمل أن يكون الربيع العربي بداية مرحلة مماثلة للتنوير وإحداث تغييرات جذرية في الوعي الجمعي، لكن للأسف، هيمنة القوى التكفيرية والإسلام السياسي قضت على تلك الأحلام. هذه القوى لم تكتفِ بتقويض تطلعات الشعوب، بل قطعت الطريق على الشرائح الأولى من الحركات التنويرية، وخلقت عنصرية مرعبة تحت عباءة الإسلام السياسي، لا تقل بشاعة عن الأنظمة القومية العنصرية التي سادت لعقود وأغرقت قوميات الشرق في مستنقع التخلف والعنصرية. ومع ذلك، ورغم فظاعة هذه الأنظمة، لم تتمكن قوى الإسلام السياسي من القضاء على بقايا الحركات التنويرية أو طمس روحها بالكامل.
بالتالي، فإن الكوارث في شرقنا مرشحة للاستمرار لكن بشكل أكثر بشاعة. ففي الماضي، تم الترويج لمفهوم العروبة بشكل أيديولوجي مشوه، والعرب الأصلاء براء منه، إلى جانب سياسات التتريك والفرسنة تحت غطاء التشيع. أما اليوم، فإن جدلية إلغاء الآخر تستمر بغض النظر عن هوية القومية المسيطرة، سواء كانت الحاكمة أو المحتلة، لتتحول إلى جزء من ثقافة الأنظمة القمعية.
يكفي أن نستمع إلى المصطلحات المرعبة الغارقة في الكراهية، التي يطلقها أفراد المنظمات المعارضة السورية وخاصة الإسلامية التكفيرية المدفوعة بأجندات إقصائية ومدروسة بعناية، لنرى مدى عمق الأزمة. في ظل هذه الأجواء، يصبح من شبه المستحيل بناء أي وطن مشترك في شرقنا، حيث يبقى منطق "الأنا السيد" و"الآخر الموالي" مسيطراً على المجتمعات والعلاقات.
لذلك، تبدو استقلالية القوميات ضرورة حتمية، كخطوة أولى نحو التنافس الصحي في توعية شعوبها والعمل على نهضة حركات تنويرية. هذه الحركات هي الأمل الوحيد لكسر هذه الدوامة التاريخية من الإقصاء والكراهية، ولبناء مجتمعات تقوم على التسامح، العدالة، والوعي الحضاري.
ما يجري في سوريا طوال العقد الماضي، ويتجلى بأبشع صوره اليوم، عمق الأحقاد ليس فقط بين القومية العربية والكوردية أو غيرهما، بل داخل القومية العربية المهيمنة ذاتها. فلم نعد نسمع عن "العروبة" كخيمة جامعة، بل طغت القوميات الدينية والمذهبية، وحلت مكانها هويات ضيقة تحصر نفسها في المناطق الجغرافية التي تتماشى مع الدين أو المذهب. هذا الواقع يعيدنا إلى تجربة أوروبا في عصر الصراعات المذهبية والمجازر التي مرت بها قبل عشرة قرون.
في ظل هذا التمزق والتفتت، يبدو بناء وطن حضاري وإنساني أمرًا شبه مستحيل، خاصة مع هيمنة القوى العسكرية والسياسية الغارقة في الجهل وانعدام الوعي الحضاري، والمستندة على مفاهيم بناء الدولة في العصور الإسلامية الأولى، أيام الخلافة، وهي لا تقل عن المستنقع الفكري السائد لدى الأنظمة الشمولية العنصري التي أغرقت شعوب الشرق في الأوبئة الفكرية. وبالتالي، لا يمكن الحديث عن حل جذري دون الاتجاه نحو تكوين دول قومية مستقلة.
الأمل يكمن في أن تصعد الحركات التنويرية المستندة إلى ثقافات شعوبها لتعمل على نشر الوعي الحضاري والإنساني، مستلهمة مسارات مشابهة لتجارب الشعوب الأوروبية التي مرت بمراحل القوميات والتنوير، وصولاً إلى تأسيس مفهوم "الوطن الأوروبي الجامع" الذي يجسد رؤية حضارية موحدة تتجاوز العصبيات الضيقة.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
4/12/2024



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أردوغان والعباءة المزيفة
- القومية بين البناء الحضاري والتشويه الإقصائي
- بين عباءة الإسلام وقناع القومية
- حلب بين نيران الصفقات وتناقضات المصالح
- التاريخ يصفع كمال اللبواني: الوجود الكوردي في غرب كوردستان ح ...
- صراع الظلال بين إيران وإسرائيل في مسرح السياسة الخفية
- الصراع السياسي والعسكري في مواجهة الطغيان التركي
- إرادة لا تُقصف، فلسفة المقاومة الكوردية في مواجهة همجية تركي ...
- عملية أنقرة: بين المكاسب السياسية والخسائر الإنسانية
- أردوغان والنظام السوري بين البراغماتية السياسية والرهانات ال ...
- اللغة الكوردية والذكاء الاصطناعي
- اللوبي التركي في أمريكا والفساد
- أنا والإعلام الكوردي
- ماذا يطلب سيرغي لافروف من الإدارة الذاتية
- من روايات سليم بركات
- كاميلا هاريس رئيسة أمريكا
- من سيقود العالم في السنة القادمة
- بدأت تفشل سياسة أردوغان
- عن مسارات اللغة الكوردية في غرب كوردستان
- هل للكورد إله


المزيد.....




- البرلمان الجزائري يستنكر بشدة تصريحات ماكرون بشأن الكاتب بوع ...
- الجيش الإسرائيلي يقتل 3 فلسطينيين ويكثف عملياته العسكرية في ...
- مسؤول إماراتي يوضح لـCNN شروط بلاده للعب دور محتمل في غزة بع ...
- بطل السومو يؤدي طقوسًا تقليدية ويعلن بداية موسم جديد في معبد ...
- وفاة جان ماري لوبان الوجه التاريخي لليمين المتطرف في فرنسا
- ألماني وزوجته يعترفان بقتل لاجئة أوكرانية وأمها لسرقة طفلتها ...
- الخارجية الجزائرية: تصريحات ماكرون تدخل سافر وغير مقبول في ش ...
- -جنة يا وطنّا-.. سوريون يحتفلون على أول رحلة جوية من الدوحة ...
- إعلام: الناتو يعتزم إرسال حوالي 10 سفن إلى بحر البلطيق لحماي ...
- الصين.. ارتفاع عدد قتلى زلزال التبت إلى 126 شخصا


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمود عباس - سوريا بين شتات الهويات وصراع الطوائف