أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محفوظ بجاوي - التحرر الحقيقي والمصالحة مع الذات الوطنية














المزيد.....

التحرر الحقيقي والمصالحة مع الذات الوطنية


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8183 - 2024 / 12 / 6 - 15:42
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


التحرر الحقيقي من الاستعمار، سواء القديم أو الحديث، ليس مجرد إنهاء الوجود العسكري أو السياسي للقوى المهيمنة، بل يتعداه إلى تحرير العقول والثقافات من التبعية والانبهار بالآخر. هذا التحرر يبدأ بتحقيق المصالحة مع الذات الوطنية، وهو ما يعني الاعتراف بتاريخنا، إعادة الاعتبار لشخصياتنا الوطنية، واستعادة الثقة في قيمنا وهويتنا الحضارية.

لقد شهد تاريخ شمال إفريقيا محطات مقاومة عظيمة، بدءًا من عهد نوميديا تحت قيادة ماسينيسا ويوغرطة، اللذين واجها الإمبراطوريات الكبرى، مرورًا بالنضال ضد الرومان والبيزنطيين والوندال، ووصولًا إلى قادة مثل أكسل وديهيا الذين تصدوا بشجاعة للغزو العربي. هذه الشخصيات ليست مجرد أسماء في كتب التاريخ، بل هي رموز للحرية والنضال المستمر من أجل الكرامة والاستقلال. لكن المأساة تكمن في أن البعض ينسى أو يتجاهل هذا الإرث العظيم، بل ويقوم بتسوله، منسوبًا إياه للأجانب كالفينيقيين والرومان، متناسيًا أن حضارة أجدادنا سبقت هؤلاء وكانت أساسًا قوياً للهوية الوطنية.

هذا التسول الفكري يعكس شعورًا بالدونية يعمق أزمة الهوية، وعندما يُقال إننا بلا حضارة، يتحول ذلك إلى حسرة وغضب، بينما الحقيقة أن الإنكار يأتي من داخلنا أولاً. بعنا إرثنا الحضاري بلمحة من الغفلة، وصدقنا أكاذيب من أقنعونا أننا أقل شأنًا. لكن الحضارة ليست مجرد آثار مادية تُنسب للآخرين؛ الحضارة هي قيم، ثقافة، وإرادة شعب يمتد عمقها عبر الأجيال.

لقد أثبت التاريخ أن الشعوب التي تتصالح مع ماضيها وتعيد تعريف نفسها بناءً على هويتها، لا تنتظر الاعتراف من الآخرين. بدلاً من إقامة الحداد على تاريخنا، علينا النهوض لإحيائه. ماسينيسا قال ذات مرة: "إفريقيا للأفارقة"، وهي جملة تختصر فلسفة التحرر من كل أشكال الهيمنة، قديمة كانت أم حديثة.

آكسيل وديهيا لم يدافعوا عن الأرض فقط، بل عن هوية وثقافة ومصير شعوبهم. رسالتهم اليوم واضحة: المستقبل لا يُبنى على انبهارنا بغيرنا، بل بثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على تحويل تراثنا إلى مصدر إلهام للأجيال القادمة. الحضارة ليست أثراً حجرياً نفاخر به، بل هي رؤية للمستقبل، تحمل في جوهرها أصالة الماضي وابتكار الحاضر.

الثورة ضد الاستعمار لم تتوقف عند هؤلاء القادة، بل تواصلت في وجه الغزو الفرنسي، حيث ألهبت أرواح المقاومة جذوة الكفاح الوطني. قادة مثل عميروش، ديدوش مراد، مصطفى بن بولعيد، حسيبة بن بوعلي، ووريدة مداد كانوا امتدادًا لهذه الروح التي لا تنطفئ. كل منهم جسّد قيمة التضحية في سبيل الحرية، مؤكدين أن التحرر ليس مجرد مرحلة عابرة بل مسيرة ممتدة تتطلب أجيالًا من الشجعان.

اليوم، ونحن نستذكر هؤلاء القادة العظماء، ندرك أن واجبنا هو أن نحافظ على إرثهم ونسير على دربهم. كتابة تاريخنا بأيدينا ليست ترفًا، بل ضرورة لترسيخ هويتنا وإبراز قوتنا كأمة تصنع مستقبلها بنفسها. التحرر من الاستعمار ليس نهاية القصة، بل بداية رحلة نحو بناء وطن يعتز بماضيه ويتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بيستوريوس: لا يجوز أن نكون في موقف المتفرج تجاه ما يحدث في س ...
- أردوغان يعلن -مصالحة تاريخية- بين الصومال وإثيوبيا
- الرئيس التركي أردوغان: اتخذنا الخطوة الأولى لبداية جديدة بين ...
- قوات -قسد- تسقط طائرة أمريكية مسيرة
- -CBS NEWS-: ترامب يوجه دعوة إلى شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه ...
- مجلس النواب الأمريكي يصادق على الميزانية الدفاعية بحجم 884 م ...
- العراق.. استهداف -مفرزة إرهابية- في كركوك (فيديو)
- موسكو تقوم بتحديث وسائل النقل العام
- قوات كردية تسقط بالخطأ طائرة أميركية بدون طيار في سوريا
- رئيس الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محفوظ بجاوي - التحرر الحقيقي والمصالحة مع الذات الوطنية